کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏10، ص: 13

يقال‏ اختلفه‏ أي جعله خلفه، و اختلف الناس في كذا ضد اتفقوا فيه، و اختلف الناس إليه أي ترددوا بالدخول عليه و الخروج من عنده فجعل بعضهم بعضا خلفه.

و المراد باختلاف الليل و النهار إما ورود كل منهما على الأرض خلف الآخر و هو توالي الليل و النهار الراسم للأسابيع و الشهور و السنين، و إما اختلاف كل من الليل و النهار في أغلب بقاع الأرض المسكونة فالليل و النهار يتساويان في الاعتدال الربيعي ثم يأخذ النهار في الزيادة في المناطق الشمالية فيزيد النهار كل يوم على النهار السابق عليه حتى يبلغ أول الصيف فيأخذ في النقيصة حتى يبلغ الاعتدال الخريفي و هو أول الخريف فيتساويان.

ثم يأخذ الليل في الزيادة على النهار إلى أول الشتاء و هو منتهى طول الليالي ثم يعود راجعا إلى التساوي حتى ينتهي إلى الاعتدال الربيعي و هو أول الربيع هذا في المناطق الشمالية و الأمر في المناطق الجنوبية بالخلاف منه فكلما زاد النهار طولا في أحد الجانبين زاد الليل طولا في الجانب الآخر بنفس النسبة.

و الاختلاف الأول بالليل و النهار هو الذي يدبر أمر أهل الأرض بتسليط حرارة الأشعة ثم بسط برد الظلمة و نشر الرياح و بعث الناس للحركة المعاشية ثم جمعهم للسكن و الراحة، قال تعالى‏ : «وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً:» النبأ:- 11.

و الاختلاف الثاني هو الذي يرسم الفصول الأربعة السنوية التي يدبر بها أمر الأقوات و الأرزاق كما قال تعالى‏ : «وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ»: حم السجدة:- 10.

و النهار و اليوم مترادفان إلا أن في النهار- على ما قيل- فائدة اتساع الضياء و لعله لذلك لا يستعمل النهار إلا بعناية مقابلته الليل بخلاف اليوم فإنه يستعمل فيما لا عناية فيه بذلك كما في مورد الإحصاء يقال: عشرة أيام و عشرين يوما و هكذا، و لا يقال: عشرة نهارات و عشرين نهارا و هكذا.

و الآية تشتمل على حجة تامة على توحده تعالى في ربوبيته فإن اختلاف الليل‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏10، ص: 14

و النهار و ما خلق الله في السماوات و الأرض يحمل نظاما واحدا عاما متقنا يدبر به أمر الموجودات الأرضية و السماوية و خاصة العالم الإنساني تدبيرا واحدا يتصل بعض أجزائه ببعض على أحسن ما يتصور.

و هو يكشف عن ربوبية واحدة ترب كل شي‏ء و منه الإنسان فلا رب إلا الله سبحانه لا شريك له في ربوبيته.

و من المحتمل أن يكون قوله: « إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ » إلخ، في مقام التعليل لقوله في الآية السابقة: « يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ » لمكان إن، و الأنسب على هذا أن يكون المراد باختلاف الليل و النهار تواليهما على الأرض دون الاختلاف بالمعنى الآخر فإن هذا المعنى من الاختلاف هو الذي يسبق إلى الذهن من قوله في الآية السابقة: « جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ‏ » و هو ظاهر.

قوله تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها » إلى آخر الآيتين. شروع في بيان ما يتفرع على الدعوة السابقة المذكورة بقوله:

« ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ‏ » من حيث عاقبة الأمر في استجابته و رده و طاعته و معصيته.

فبدأ سبحانه بالكافرين بهذا الأمر فقال: « إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ‏ » فوصفهم أولا بعدم رجائهم لقاءه و هو الرجوع إلى الله بالبعث يوم القيامة و قد تقدم الكلام في وجه تسميته بلقاء الله في مواضع من هذا الكتاب و منها ما في تفسير آية الرؤية من سورة الأعراف فهؤلاء هم المنكرون ليوم الجزاء و بإنكاره يسقط الحساب و الجزاء فالوعد و الوعيد و الأمر و النهي، و بسقوطها يبطل الوحي و النبوة و ما يتفرع عليه من الدين السماوي.

و بإنكار البعث و المعاد ينعطف هم الإنسان على الحياة الدنيا فإن الإنسان و كذا كل موجود ذي حياة له هم فطري ضروري في بقائه و طلب لسعادة تلك الحياة فإن كان مؤمنا بحياة دائمة تسع الحياة الدنيوية و الأخروية معا فهو، و إن لم يذعن إلا بهذه الحياة المحدودة الدنيوية علقت همته الفطرية بها، و رضي بها

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏10، ص: 15

و سكن بسببها عن طلب الآخرة، و هو المراد بقوله: « وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها ».

و من هنا يظهر أن الوصف الثاني أعني قوله: « وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها » من لوازم الوصف الأول أعني قوله: « لا يَرْجُونَ لِقاءَنا » و هو بمنزلة المفسر بالنسبة إليه، و أن الباء في قوله: « اطْمَأَنُّوا بِها » للسببية أي سكنوا بسببها عن طلب اللقاء و هو الآخرة.

و قوله: « وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ‏ » في محل التفسير لما تقدمه من الوصف لمكان ما بينهما من التلازم فإن نسيان الآخرة و ذكر الدنيا لا ينفك عن الغفلة عن آيات الله.

و الآية قريبة المضمون من قوله تعالى‏ : «فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ‏ الآية: النجم- 30 حيث دل على أن الإعراض عن ذكر الله و هو الغفلة عن آياته يوجب قصر علم الإنسان في الحياة الدنيا و شئونها فلا يريد إلا الحياة الدنيا و هو الضلال عن سبيل الله، و قد عرف هذا الضلال بنسيان يوم الحساب في قوله‏ : «إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ:» ص- 26.

فقد تبين أن إنكار اللقاء و نسيان يوم الحساب يوجب رضى الإنسان بالحياة الدنيا و الاطمئنان إليها من الآخرة و قصر العلم عليه و انحصار الطلب فيه، و إذ كان المدار على حقيقة الذكر و الطلب لم يكن فرق بين إنكاره و الرضى بالحياة الدنيا قولا و فعلا أو فعلا مع القول الخالي به.

و تبين أيضا أن الاعتقاد بالمعاد أحد الأصول التي يتقوم بها الدين إذ بسقوطه يسقط الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و النبوة و الوحي و هو بطلان الدين الإلهي من رأس.

و قوله: « أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ » بيان لجزائهم بالنار الخالدة قبال أعمالهم التي كسبوها.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏10، ص: 16

قوله تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ » إلى آخر الآية، هذا بيان لعاقبة أمر المؤمنين و ما يثيبهم الله على استجابتهم لدعوته و طاعتهم لأمره.

ذكر سبحانه أنه يهديهم بإيمانهم، و إنما يهديهم إلى ربهم لأن الكلام في عاقبة أمر من يرجو لقاء الله، و قد قال تعالى‏ : «وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ:» الرعد:- 27.

فإنما يهدي الإيمان بإذن الله إلى الله سبحانه و كلما اهتدى المؤمنون إلى الحق أو إلى الصراط المستقيم أو غير ذلك مما يشتمل عليه كلامه فإنما هي وسائل و مدارج تنتهي بالآخرة إليه تعالى قال تعالى‏ : «وَ أَنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الْمُنْتَهى‏:» النجم:- 42.

و قد وصف المؤمنين بالإيمان و الأعمال الصالحة ثم نسب هدايتهم إليه إلى الإيمان وحده فإن الإيمان هو الذي يصعد بالعبد إلى مقام القرب، و ليس للعمل الصالح إلا إعانة الإيمان و إسعاده في عمله كما قال تعالى‏ : «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ:» المجادلة:- 11 حيث ذكر للرفع الإيمان و العلم و سكت عن العمل الصالح، و أوضحه منه في الدلالة قوله تعالى‏ : «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ:» فاطر:- 10.

هذا في الهداية التي هي شأن الإيمان، و أما نعم الجنة فإن للعمل الصالح دخلا فيها كما أن للعمل الطالح دخلا في أنواع العذاب و قد ذكر تعالى في المؤمنين قوله:

« تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏ » كما ذكر في الكافرين قوله: « أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ ».

و ليتنبه الباحث المتدبر أنه تعالى ذكر لهؤلاء المهتدين بإيمانهم من مسكن القرب جنات النعيم، و من نعيمها الأنهار التي تجري من تحتهم فيها، و قد تقدم في تفسير قوله تعالى‏ : «صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ:» الحمد:- 7 و قوله‏ : «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» الآية: النساء:- 69 أن‏ النعيم‏ بحقيقة معناه في القرآن الكريم هو الولاية الإلهية، و قد خص الله أولياءه المقربين بنوع من شراب الجنة اعتنى به في حقهم كما قال‏ : «إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً:» الإنسان- 6، و قال أيضا « إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏10، ص: 17

نَعِيمٍ‏ - إلى أن قال- يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ‏ - إلى أن قال- عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ:» المطففين:- 28، و عليك بالتدبر في الآيات و تطبيق بعضها على بعض حتى ينجلي لك بعض ما أودعه الله سبحانه في كلامه من الأسرار اللطيفة.

قوله تعالى: « دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ » أول ما يكرم به الله سبحانه أولياءه- و هم الذين ليس في قلوبهم إلا الله و لا مدبر لأمرهم غيره- أنه يطهر قلوبهم عن محبة غيره فلا يحبون إلا الله فلا يتعلقون بشي‏ء إلا الله و في الله سبحانه فهم ينزهونه عن كل شريك يجذب قلوبهم إلى نفسه عن ذكر الله سبحانه و عن أي شاغل يشغلهم عن ربهم.

و هذا تنزيه منهم لربهم عن كل ما لا يليق بساحة قدسه من شريك في الاسم أو في المعنى أو نقص أو عدم، و تسبيح منهم له لا في القول و اللفظ فقط بل قولا و فعلا و لسانا و جنانا، و ما دون ذلك فإن له شوبا من الشرك، و قد قال تعالى:

« وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ:» يوسف- 106.

و هؤلاء الذين طهر الله قلوبهم عن قذارة حب غيره الشاغلة عن ذكره و ملأها بحبه فلا يريدون إلا إياه و هو سبحانه الخير الذي لا شر معه قال‏ : «وَ اللَّهُ خَيْرٌ:» طه:- 73.

فلا يواجهون بقلوبهم التي هي ملأى بالخير و السلام أحدا إلا بخير و سلام اللهم إلا أن يكون الذي واجهوه بقلوبهم هو الذي يبدل الخير و السلام شرا و ضرا كما أن القرآن شفاء لمن استشفى به لكنه لا يزيد الظالمين إلا خسارا.

ثم إن هذه القلوب الطاهرة لا تواجه شيئا من الأشياء إلا و هي تجده و تشاهده نعمة لله سبحانه حاكية لصفات جماله و معاني كماله واصفة لعظمته و جلاله فكلما وصفوا شيئا من الأشياء و هم يرونه نعمة من نعم الله و يشاهدون فيه جماله تعالى في أسمائه و صفاته و لا يغفلون و لا يسهون عن ربهم في شي‏ء كان وصفهم لذلك الشي‏ء وصفا منهم لربهم بالجميل من أفعاله و صفاته فيكون ثناء منهم عليه و حمدا منهم له‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏10، ص: 18

فليس الحمد إلا الثناء على الجميل من الفعل الاختياري.

فهذا شأن أوليائه تعالى و هم قاطنون في دار العمل يجتهدون في يومهم لغد فإذا لقوا ربهم فوفى لهم بوعده و أدخلهم في رحمته و أسكنهم دار كرامته أتم لهم نورهم الذي كان خصهم به في الدنيا كما قال تعالى‏ : «نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا:» التحريم- 8.

فسقاهم شرابا طهورا يطهر به سرائرهم من كل شرك جلي و خفي، و غشيهم بنور العلم و اليقين، و أجرى من قلوبهم على ألسنتهم عيون التوحيد فنزهوا الله و سبحوه أولا و سلموا على رفقائهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ثم حمدوا الله سبحانه و أثنوا عليه بأبلغ الحمد و أحسن الثناء.

و هذا هو الذي يقبل الانطباق عليه- و الله أعلم- قوله في الآيتين: « تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏ » و فيه ذكر جنة الولاية و تطهير قلوبهم: « دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ » و فيه تنزيهه تعالى و تسبيحه عن كل نقص و حاجة و شريك تنزيها على وجه الحضور لأنهم غير محجوبين عن ربهم « وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ‏ » و هو توسيم اللقاء بالأمن المطلق، و لا يوجد في غيرها من الأمن إلا اليسير النسبي « وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ » و فيه ذكر ثنائهم على الله بالجميل بعد تسبيحهم له و تنزيههم، و هذا آخر ما ينتهي إليه أهل الجنة في كمال العلم.

و قد قدمنا في تفسير قوله تعالى‏ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ:» الحمد:- 2 أن الحمد توصيف، و لا يسع وصفه تعالى لأحد من خلقه إلا للمخلصين من عباده الذين أخلصهم لنفسه و خصهم بكرامة من القرب لا واسطة فيها بينهم و بينه قال تعالى:

« سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ:» الصافات:- 160.

و لذلك لم يحك في كلامه حمده إلا عن آحاد من كرام أنبيائه كنوح و إبراهيم و محمد و داود و سليمان (ع) كقوله فيما أمر به نوحا : «فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ:» المؤمنون:- 28، و قوله حكاية عن إبراهيم‏ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ:» إبراهيم- 39، و قوله فيما أمر به محمدا ص‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏10، ص: 19

في عدة مواضع‏ : «قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ:» النمل- 93، و قوله حكاية عن داود و سليمان:

« وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ:» النمل:- 15.

و قد حكى سبحانه حمده عن أهل الجنة في عدة مواضع من كلامه كقوله:

« وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا:» الأعراف- 43، و قوله أيضا: « وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ:» فاطر:- 34، و قوله أيضا : «وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ:» الزمر:- 74، و قوله في هذه الآية: « وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ».

و الآية تدل على أن الله سبحانه يلحق أهل الجنة من المؤمنين بالآخرة بعباده المخلصين ففيها وعد جميل و بشارة عظيمة للمؤمنين.

(بحث روائي)

في تفسير العياشي، عن يونس بن عبد الرحمن عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع): في قوله تعالى: « وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا- أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ »- الآية قال الولاية

و في الكافي، بإسناده عن إبراهيم بن عمر اليماني عمن ذكره عن أبي عبد الله (ع): في قول الله: « وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا- أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ »- قال: هو رسول الله ص:

أقول: و رواه القمي في تفسيره، مسندا و العياشي، في تفسيره مرسلا عن إبراهيم بن عمر عمن ذكره عنه (ع) .

و الظاهر أن المراد به شفاعته (ص).

و يدل على ذلك‏

ما رواه الطبرسي في المجمع، حيث قال: قيل: قدم صدق شفاعة محمد ص: قال: و هو المروي عن أبي عبد الله (ع) .

و ما رواه في الدر المنثور، عن ابن مردويه عن علي بن أبي طالب: في قوله:

« قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ » قال-: محمد ص شفيع لهم يوم القيامة.

صفحه بعد