کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 161

ما وراءها من الجمال المطلق و الحسن الذي لا يتناهى العاري من كل شين و مكروه.

و لذلك كان هذا الإنسان محبورا بنعمة ربه بسرور لا غم معه و لذة و ابتهاج لا ألم و لا حزن معه، و أمن لا خوف معه، فإن هذه العوارض السوء إنما تطرأ عن إدراك للسوء و ترقب للشر و المكروه، و من كان لا يرى إلا الخير و الجميل و لا يجد إلا ما يجري على وفق إرادته و رضاه فلا سبيل للغم و الحزن و الخوف و كل ما يسوء الإنسان و يؤذيه إليه بل ينال من السرور و الابتهاج و الأمن ما لا يقدره و لا يحيط به إلا الله سبحانه و هذا أمر ليس في وسع النفوس العادية أن تتعقله و تكتنهه إلا بنوع من التصور الناقص.

و إليه يشير أمثال قوله تعالى: «أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ» : يونس: 63، و قوله: «الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ» : الأنعام: 82.

و هؤلاء هم المقربون الفائزون بقربه تعالى إذ لا يحول بينهم و بين ربهم شي‏ء مما يقع عليه الحس أو يتعلق به الوهم أو تهواه النفس أو يلبسه الشيطان فإن كل ما يتراءى لهم ليس إلا آية كاشفة عن الحق المتعال لا حجابا ساترا فيفيض عليهم ربهم علم اليقين، و يكشف لهم عما عنده من الحقائق المستورة عن هذا الأعين المادية العمية بعد ما يرفع الستر فيما بينه و بينهم كما يشير إليه قوله تعالى: «كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ» : المطففين: 21، و قوله تعالى: «كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ» : التكاثر: 6 و قد تقدم كلام في هذا المعنى في ذيل قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ» : المائدة: 105 في الجزء السادس من الكتاب.

و بالجملة هؤلاء في الحقيقة هم المتوكلون على الله المفوضون إليه الراضون بقضائه المسلمون لأمره إذ لا يرون إلا خيرا و لا يشاهدون إلا جميلا فيستقر في نفوسهم من الملكات الشريفة و الأخلاق الكريمة ما يلائم هذا التوحيد فهم مخلصون لله في أخلاقهم كما كانوا مخلصين له في أعمالهم، هذا معنى إخلاص العبد دينه لله قال تعالى: «هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» : المؤمن: 65.

4- و أما إخلاصه تعالى عبده له فهو ما يجده العبد في نفسه من الإخلاص له منسوبا

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 162

إليه تعالى فإن العبد لا يملك من نفسه شيئا إلا بالله، و الله سبحانه هو المالك لما ملكه إياه فإخلاصه دينه- و إن شئت فقل: إخلاصه نفسه لله هو إخلاصه تعالى إياه لنفسه.

نعم هاهنا شي‏ء و هو أن الله سبحانه خلق بعض عباده هؤلاء على استقامة الفطرة و اعتدال الخلقة فنشئوا من بادئ الأمر بأذهان وقادة و إدراكات صحيحة و نفوس طاهرة و قلوب سليمة فنالوا بمجرد صفاء الفطرة و سلامة النفس من نعمة الإخلاص ما ناله غيرهم بالاجتهاد و الكسب بل أعلى و أرقى لطهارة داخلهم من التلوث بألواث الموانع و المزاحمات و الظاهر أن هؤلاء هم المخلصون- بالفتح- لله في عرف القرآن.

و هؤلاء هم الأنبياء و الأئمة، و قد نص القرآن بأن الله اجتباهم أي جمعهم لنفسه و أخلصهم لحضرته، قال تعالى: «وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» : الأنعام: 87، و قال: «هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» : الحج: 78.

و آتاهم الله سبحانه من العلم ما هو ملكة تعصمهم من اقتراف الذنوب و ارتكاب المعاصي، و تمتنع معه صدور شي‏ء منها عنهم صغيرة أو كبيرة، و بهذا يمتاز العصمة من العدالة فإنهما معا تمنعان من صدور المعصية لكن العصمة يمتنع معها الصدور بخلاف العدالة.

و قد تقدم آنفا أن من خاصة هؤلاء القوم أنهم يعلمون من ربهم ما لا يعلمه غيرهم، و الله سبحانه يصدق ذلك بقوله: «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» : الصافات:

160، و إن المحبة الإلهية تبعثهم على أن لا يريدوا إلا ما يريده الله و ينصرفوا عن المعاصي و الله سبحانه يقرر ذلك بما حكاه عن إبليس في غير مورد من كلامه كقوله: «قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» : ص: 83.

و من الدليل على أن العصمة من قبيل العلم قوله تعالى خطابا لنبيه (ص) «وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً» : النساء: 113 و قد فصلنا الكلام في معنى الآية في تفسير سورة النساء.

و قوله تعالى حكاية عن يوسف (ع): «قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ» : يوسف: 33 و قد أوضحنا وجه دلالة الآية على ذلك.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 163

و يظهر من ذلك أولا: أن هذا العلم يخالف سائر العلوم في أن أثره العملي و هو صرف الإنسان عما لا ينبغي إلى ما ينبغي قطعي غير متخلف دائما بخلاف سائر العلوم فإن الصرف فيها أكثري غير دائم، قال تعالى: «وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ»: : النمل 14 و قال:

«أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ» : الجاثية: 23، و قال: «فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ» : الجاثية: 17.

و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى: «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» : الصافات: 160، و ذلك أن هؤلاء المخلصين من الأنبياء و الأئمة (ع) قد بينوا لنا جمل المعارف المتعلقة بأسمائه تعالى و صفاته من طريق السمع، و قد حصلنا العلم به من طريق البرهان أيضا، و الآية مع ذلك تنزهه تعالى عن ما نصفه به دون ما يصفه به أولئك المخلصون فليس إلا أن العلم غير العلم و إن كان متعلق العلمين واحدا من وجه.

و ثانيا: أن هذا العلم أعني ملكة العصمة لا يغير الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية و لا يخرجها إلى ساحة الإجبار و الاضطرار كيف؟ و العلم من مبادئ الاختيار، و مجرد قوة العلم لا يوجب إلا قوة الإرادة كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما سما قاتلا من حينه فإنه يمتنع باختياره من شربه قطعا و إنما يضطر الفاعل و يجبر إذا أخرج من يجبره أحد طرفي الفعل و الترك من الإمكان إلى الامتناع.

و يشهد على ذلك قوله: «وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» : الأنعام: 88 تفيد الآية أنهم في إمكانهم أن يشركوا بالله و إن كان الاجتباء و الهدى الإلهي مانعا من ذلك، و قوله: «يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» : المائدة:

67 إلى غير ذلك من الآيات.

فالإنسان المعصوم إنما ينصرف عن المعصية بنفسه و اختياره و إرادته و نسبة الصرف إلى عصمته تعالى كنسبة انصراف غير المعصوم عن المعصية إلى توفيقه تعالى.

و لا ينافي ذلك أيضا ما يشير إليه كلامه تعالى و يصرح به الأخبار أن ذلك من الأنبياء و الأئمة بتسديد من روح القدس فإن النسبة إلى روح القدس كنسبة تسديد المؤمن إلى روح الإيمان و نسبة الضلال و الغواية إلى الشيطان و تسويله فإن شيئا من ذلك لا يخرج الفعل عن كونه فعلا صادرا عن فاعله مستندا إلى اختياره و إرادته فافهم ذلك.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 164

نعم هناك قوم زعموا أن الله سبحانه إنما يصرف الإنسان عن المعصية لا من طريق اختياره و إرادته بل من طريق منازعة الأسباب و مغالبتها بخلق إرادة أو إرسال ملك يقاوم إرادة الإنسان فيمنعها عن التأثير أو يغير مجراها و يحرفها إلى غير ما من طبع الإنسان أن يقصده كما يمنع الإنسان القوي الضعيف عما يريده من الفعل بحسب طبعه.

و بعض هؤلاء و إن كانوا من المجبرة لكن الأصل المشترك الذي يبتني عليه نظرهم هذا و أشباهه أنهم يرون أن حاجة الأشياء إلى البارئ الحق سبحانه إنما هي في حدوثها، و أما في بقائها بعد ما وجدت فلا حاجة لها إليه فهو سبحانه سبب في عرض الأسباب إلا أنه لما كان أقدر و أقوى من كل شي‏ء كان له أن يتصرف في الأشياء حال البقاء أي تصرف شاء من منع أو إطلاق و إحياء أو إماتة و معافاة أو تمريض و توسعة أو تقتير إلى غير ذلك بالقهر.

فإذا أراد الله سبحانه أن يصرف عبدا عن شر مثلا أرسل إليه ملكا ينازعه في مقتضى طبعه و يغير مجرى إرادته مثلا عن الشر إلى الخير أو أراد أن يضل عبدا لاستحقاقه ذلك سلط عليه إبليس فحوله من الخير إلى الشر و إن كان ذلك لا بمقدار يوجب الإجبار و الاضطرار.

و هذا مدفوع بما نشاهده من أنفسنا في أعمال الخير و الشر مشاهدة عيان أنه ليس هناك سبب آخر يغايرنا و ينازعنا فيغلب علينا غير أنفسنا التي تعمل أعمالها عن شعور بها و إرادة مترتبة عليه قائمين بها فالذي يثبته السمع و العقل وراء نفوسنا من الأسباب كالملك و الشيطان سبب طولي لا عرضي و هو ظاهر.

مضافا إلى أن المعارف القرآنية من التوحيد و ما يرجع إليه يدفع هذا القول من أصله، و قد تقدم شطر وافر من ذلك في تضاعيف الأبحاث السالفة.

(بحث روائي)

في المعاني، بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن السجاد (ع) في حديث تقدم صدره في البحث الروائي السابق.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 165

قال (ع): و كان يوسف من أجمل أهل زمانه- فلما راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه- فقال: معاذ الله إنا أهل بيت لا يزنون- فغلقت الأبواب عليها و عليه و قالت:

لا تخف و ألقت نفسها عليه- فأفلت منها هاربا إلى الباب ففتحه- فلحقته فجذبت قميصه من خلفه- فأخرجته منه فأفلت يوسف منها في ثيابه- فألفيا سيدها لدى الباب- قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا- إلا أن يسجن أو عذاب أليم.

قال: فهم الملك بيوسف ليعذبه فقال له يوسف: ما أردت بأهلك سوءا- بل هي راودتني عن نفسي- فسل هذا الصبي أينا راود صاحبه عن نفسه؟ قال: كان عندها من أهلها صبي زائر لها- فأنطق الله الصبي لفصل القضاء- فقال: أيها الملك انظر إلى قميص يوسف- فإن كان مقدودا من قدامه فهو الذي راودها، و إن كان مقدودا من خلفه فهي التي راودته.

فلما سمع الملك كلام الصبي و ما اقتصه- أفزعه ذلك فزعا شديدا فجي‏ء بالقميص- فنظر إليه فلما رآه مقدودا من خلفه قال لها: إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم. و قال ليوسف: أعرض عن هذا و لا يسمعه منك أحد و اكتمه.

قال: فلم يكتمه يوسف و أذاعه في المدينة- حتى قلن نسوة منهن: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه- فبلغها ذلك فأرسلت إليهن، و هيأت لهن طعاما و مجلسا- ثم أتتهن بأترنج و آتت كل واحدة منهن سكينا- ثم قالت ليوسف اخرج عليهن- فلما رأينه أكبرنه و قطعن أيديهن- و قلن ما قلن يعني النساء فقالت لهن: هذا الذي لمتنني فيه تعني في حبه. و خرجن النسوة من تحتها- فأرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صاحبتها- تسأله الزيارة فأبى عليهن و قال: إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن- و أكن من الجاهلين و صرف الله عنه كيدهن.

فلما شاع أمر يوسف و امرأة العزيز و النسوة في مصر- بدا للملك بعد ما سمع قول الصبي- ليسجنن يوسف فسجنه في السجن- و دخل السجن مع يوسف فتيان، و كان من قصتهما و قصة يوسف ما قصه الله في الكتاب. قال أبو حمزة: ثم انقطع حديث علي بن الحسين (ع).

أقول و روى ما في معناه العياشي في تفسيره عن أبي حمزة عنه (ع) باختلاف‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 166

يسير، و قوله (ع): «قال معاذ الله إنا أهل بيت لا يزنون» تفسير بقرينة المحاذاة لقوله في الآية: « إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ‏ » إلخ و هو يؤيد ما قدمناه في بيان الآية أن الضمير إلى الله سبحانه لا إلى عزيز مصر كما ذهب إليه أكثر المفسرين فافهم ذلك.

و قوله: فأبى عليهن و قال: « إِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي‏ » إلخ ظاهر في أنه (ع) لم يأخذ قوله: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ‏ » جزءا من الدعاء فيوافق ما قدمناه في بيان الآية أنه ليس بدعاء.

و في العيون، بإسناده عن حمدان عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى- فقال له المأمون: يا ابن رسول الله- أ ليس من قولك:

إن الأنبياء معصومون: قال: بلى- و ذكر الحديث إلى أن قال فيه:

فأخبرني عن قول الله تعالى: « وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ‏ » فقال الرضا (ع): لقد همت به و لو لا أن رءا برهان ربه- لهم بها لكنه كان معصوما، و المعصوم لا يهم بذنب و لا يأتيه.

و لقد حدثني أبي عن أبيه الصادق (ع) أنه قال: همت بأن تفعل و هم بأن لا يفعل- فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن.

أقول: تقدم أن ابن الجهم هذا لا يخلو عن شي‏ء لكن صدر الحديث أعني جواب الرضا (ع) يوافق ما قدمناه في بيان الآية و أما ما نقله عن جده الصادق (ع) «أنها همت بأن تفعل و هم بأن لا يفعل» فلعل المراد به ما ذكره الرضا (ع) من الجواب لقبوله الانطباق عليه و لعل المراد به همه بقتلها كما يؤيده الحديث الآتي فينطبق على بعض الاحتمالات المتقدمة في بيان الآية.

و فيه، بإسناده عن أبي الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا- (ع) أهل المقالات من أهل الإسلام- و من الديانات من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين- و سائر أهل المقالات فلم يقم أحد إلا و قد ألزمه حجته- كأنه ألقم حجرا.

قام إليه علي بن محمد بن الجهم- فقال: يا ابن رسول الله أ تقول بعصمة الأنبياء؟ فقال:

نعم. فقال له فما تقول في قوله عز و جل في يوسف: « وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها »؟ فقال له: أما قوله تعالى في يوسف: « وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها » فإنها همت بالمعصية و هم يوسف‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 167

بقتلها- إن أجبرته لعظيم ما تداخله- فصرف الله عنه قتلها و الفاحشة. و هو قوله عز و جل:

« كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ » و السوء القتل و الفحشاء الزنا.

و في الدر المنثور، أخرج أبو نعيم في الحلية عن علي بن أبي طالب: في قوله: « وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها » قال: طمعت فيه و طمع فيها، و كان من الطمع أن هم بحل التكة- فقامت إلى صنم مكلل بالدر و الياقوت في ناحية البيت- فسترته بثوب أبيض بينها و بينه- فقال: أي شي‏ء تصنعين؟ فقالت: أستحيي من إلهي أن يراني على هذه الصورة- فقال يوسف (ع): تستحين من صنم لا يأكل و لا يشرب، و لا أستحيي أنا من إلهي- الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ ثم قال: لا تنالينها مني أبدا. و هو البرهان الذي رأى.

أقول: و الرواية من الموضوعات كيف؟ و كلامه و كلام سائر أئمة أهل البيت (ع) مشحون بذكر عصمة الأنبياء و مذهبهم في ذلك مشهور.

على أن سترها الصنم و انتقاله من ذلك إلى ما ذكره لها من الحجة لا يعد من رؤية البرهان، و قد ورد هذا المعنى في عدة روايات من طرق أهل البيت (ع) لكنها آحاد لا تعويل عليها. نعم لا يبعد أن تقوم المرأة إلى ستر صنم كان هناك فتنزع نفس يوسف (ع) إلى مشاهدة آية التوحيد عند ذلك فيرتفع الحجاب بينه و بين ساحة الكبرياء فيرى ما يصرفه عن كل سوء و فحشاء كما كان له ذلك من قبل، و قد قال تعالى في حقه: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ‏ . فإن صح شي‏ء من هذه الروايات فليكن هذا معناه.

و فيه،: أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال": عثر يوسف (ع) ثلاث عثرات:

حين هم بها فسجن، و حين قال: « اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ‏ » فلبث في السجن بضع سنين- فأنساه الشيطان ذكر ربه. و حين قال: « إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ‏ » قالوا: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل.

صفحه بعد