کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 252

عزيز آل فرعون لاستخلاص بنيامين يذكر فيها أنه ابن إسحاق ذبيح الله الذي أمر الله جده إبراهيم بذبحه ثم فداه بذبح عظيم. و قد تقدم في الجزء السابق من الكتاب أن الذبيح هو إسماعيل دون إسحاق.

و في تفسير العياشي، عن نشيط بن ناصح البجلي قال: قلت لأبي عبد الله (ع): أ كان إخوة يوسف أنبياء؟ قال: لا و لا بررة أتقياء و كيف؟ و هم يقولون لأبيهم: تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ‏ .

أقول: و في الروايات من طرق أهل السنة و في بعض الضعاف من روايات الشيعة أنهم كانوا أنبياء، و هذه الروايات مدفوعة بما ثبت من طريق الكتاب و السنة و العقل من عصمة الأنبياء (ع)، و ما ورد في الكتاب مما ظاهره كون الأسباط أنبياء كقوله تعالى:

«وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ» : النساء: 163 غير صريح في كون المراد بالأسباط هم إخوة يوسف، و الأسباط تطلق على جميع الشعوب من بني إسرائيل الذين ينتهي نسبهم إلى يعقوب (ع) قال تعالى: «وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً» : الأعراف: 160.

و في الفقيه، بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع): في قول يعقوب لبنيه:

« سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي‏ » قال: أخرهم إلى السحر من ليلة الجمعة.

أقول: و في هذا المعنى بعض روايات أخر،

و في الدر المنثور، عن ابن جرير و أبي الشيخ عن ابن عباس عن النبي ص قال: قول أخي يعقوب لبنيه: « سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي‏ » يقول: حتى يأتي ليلة الجمعة.

و في الكافي، بإسناده عن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله ص: خير وقت دعوتم الله فيه الأسحار، و تلا هذه الآية في قول يعقوب « سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي‏ » أخرهم إلى السحر.

أقول:

و روي نظيره في الدر المنثور، عن أبي الشيخ و ابن مردويه عن ابن عباس: أن النبي ص سئل لم أخر يعقوب بنيه في الاستغفار؟ قال: أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 253

و قد تقدم في بيان الآيات كلام في وجه التأخير و لقد أقبل يوسف (ع) على إخوته حين عرفوه بالفتوة و الكرامة من غير أن يجبههم بأدنى ما يسوؤهم و لازم ذلك أن يعفو عنهم و يستغفر لهم بلا مهل و لم يكن موقف يعقوب معهم حين ارتد إليه بصره بإلقاء القميص عليه ذاك الموقف.

و في تفسير القمي، حدثني محمد بن عيسى: أن يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمد بن علي بن موسى مسائل- فعرضها على أبي الحسن، و كان أحدها: أخبرني عن قول الله:

« وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً » أ سجد يعقوب و ولده ليوسف و هم أنبياء؟.

فأجاب أبو الحسن (ع): أما سجود يعقوب و ولده ليوسف فإنه لم يكن ليوسف- و إنما كان ذلك من يعقوب و ولده طاعة لله و تحية ليوسف- كما كان السجود من الملائكة لآدم و لم يكن لآدم- و إنما كان ذلك منهم طاعة لله و تحية لآدم- فسجد يعقوب و ولده و يوسف معهم شكرا لله تعالى لاجتماع شملهم- أ لم تر أنه يقول في شكره ذلك الوقت: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ- وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ- أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً- وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ‏ . الحديث.

أقول: و قد تقدم بعض الكلام في سجدتهم ليوسف في بيان الآيات، و ظاهر الحديث أن يوسف أيضا سجد معهم كما سجدوا و قد استدل عليه بقول يوسف في شكره: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ‏ «إلخ» و في دلالته على ذلك إبهام.

و قد روى الحديث العياشي في تفسيره، عن محمد بن سعيد الأزدي صاحب موسى بن محمد بن الرضا (ع): قال لأخيه: إن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل- فأخبرني عن قول الله: « وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً » أ سجد يعقوب و ولده ليوسف؟.

قال: فسألت أخي عن ذلك فقال: أما سجود يعقوب و ولده ليوسف فشكرا لله تعالى لاجتماع شملهم- أ لا ترى أنه يقول في شكر ذلك الوقت: « رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ- وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ‏ » الآية.

و ما رواه العياشي أوفق بلفظ الآية و أسلم من الإشكال مما رواه القمي.

و في تفسير العياشي، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع): في‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 254

قول الله: « وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ‏ » قال: العرش السرير، و في قوله: « وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً » قال: كان سجودهم ذلك عبادة لله.

و فيه، عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) في حديث قال: فسار تسعة أيام إلى مصر فلما دخلوا على يوسف في دار الملك- اعتنق أباه فقبله و بكى، و رفع خالته على سرير الملك- ثم دخل منزله فادهن و اكتحل و لبس ثياب العز و الملك- ثم رجع إليهم- و في نسخة ثم خرج إليهم- فلما رأوه- سجدوا جميعا إعظاما و شكرا لله فعند ذلك قال: « يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ‏ - إلى قوله‏ - بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي‏ ».

قال: و لم يكن يوسف في تلك العشرين السنة يدهن و لا يكتحل و لا يتطيب و لا يضحك و لا يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله، و جمع بينه و بين يعقوب و إخوته».

و في الكافي، بإسناده عن العباس بن هلال الشامي مولى أبي الحسن (ع) عنه قال: قلت له: جعلت فداك ما أعجب إلى الناس من يأكل الجشب- و يلبس الخشن و يخشع. فقال:

أ ما علمت أن يوسف نبي ابن نبي- كان يلبس أقبية الديباج مزرورة بالذهب- فكان يجلس في مجالس آل فرعون يحكم- فلم يحتج الناس إلى لباسه و إنما احتاجوا إلى قسطه.

و إنما يحتاج من الإمام في أن إذا قال صدق، و إذا وعد أنجز، و إذا حكم عدل- لأن الله لا يحرم طعاما و لا شرابا من حلال- و حرم الحرام قل أو كثر و قد قال الله:

« قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ- الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ‏ ».

و في تفسير العياشي، عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر (ع): كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر- بعد ما جمع الله ليعقوب شمله، و أراه تأويل رؤيا يوسف الصادقة؟ قال:

عاش حولين. قلت: فمن كان يومئذ الحجة لله في الأرض؟ يعقوب أم يوسف؟ قال:

كان يعقوب الحجة و كان الملك ليوسف- فلما مات يعقوب- حمل يوسف عظام يعقوب في تابوت إلى أرض الشام- فدفنه في بيت المقدس ثم كان يوسف ابن يعقوب الحجة.

أقول: و الروايات في قصته (ع) كثيرة اقتصرنا منها بما فيها مساس بالآيات الكريمة على أن أكثرها لا يخلو من تشوش في المتن و ضعف في السند.

و مما ورد في بعضها أن الله سبحانه جعل النبوة من آل يعقوب في صلب لاوي و هو

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 255

الذي منع إخوته عن قتل يوسف حيث قال: « لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ‏ » الآية و هو القائل لإخوته حين أخذ يوسف أخاه باتهام السرقة: « فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ‏ » فشكر الله له ذلك.

و مما ورد في عدة منها أن يوسف (ع) تزوج بامرأة العزيز و هي التي راودته عن نفسه، و ذلك بعد ما مات العزيز في خلال تلك السنين المجدبة، و لا يبعد أن يكون ذلك شكرا منه تعالى لها حين صدقت يوسف بقولها: « الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏ » لو صح الحديث.

(كلام في قصة يوسف في فصول)

1- قصته في القرآن:

هو يوسف النبي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل كان أحد أبناء يعقوب الاثني عشر و أصغر إخوته غير أخيه بنيامين أراد الله سبحانه أن يتم عليه نعمته بالعلم و الحكم و العزة و الملك و يرفع به قدر آل يعقوب فبشره و هو صغير برؤيا رآها كان أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر ساجدة له فذكر ذلك لأبيه فوصاه أبوه أن لا يقص رؤياه على إخوته فيحسدوه ثم أول رؤياه أن الله سيجتبيه و يعلمه من تأويل الأحاديث و يتم نعمته عليه و على آل يعقوب كما أتمها على أبويه من قبل إبراهيم و إسحاق.

كانت هذه الرؤيا نصب عين يوسف آخذة بمجامع قلبه، و لا يزال تنزع نفسه إلى حب ربه و التوله إليه على ما به من علو النفس و صفاء الروح و الخصائص الحميدة، و كان ذا جمال بديع يبهر القول و يدهش الألباب.

و كان يعقوب يحبه حبا شديدا لما يشاهد فيه من الجمال البديع و يتفرس فيه من صفاء السريرة و لا يفارقه و لا ساعة فثقل ذلك على إخوته الكبار و اشتد حسدهم له حتى اجتمعوا و تآمروا في أمره فمن مشير على قتله، و من قائل: اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم و تكونوا من بعده قوما صالحين، ثم اجتمع رأيهم على ما أشار به عليهم بعضهم و هو أن يلقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة و عقدوا على ذلك.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 256

فلقوا أباهم و كلموه أن يرسل يوسف معهم غدا يرتع و يلعب و هم له حافظون فلم يرض به يعقوب و اعتذر أنه يخاف أن يأكله الذئب فلم يزالوا به يراودونه حتى أرضوه و أخذوه منه و ذهبوا به معهم إلى مراتع أغنامهم بالبر فألقوه في جب هناك و قد نزعوا قميصه.

ثم جاءوا بقميصه ملطخا بدم كذب إلى أبيهم و هو يبكون فأخبروه أنهم ذهبوا اليوم للاستباق و تركوا يوسف عند متاعهم فأكله الذئب و هذا قميصه الملطخ بدمه.

فبكى يعقوب و قال: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى‏ ما تَصِفُونَ‏ ، و لم يقل ذلك إلا بتفرس إلهي ألقي في روعه، و لم يزل يعقوب يذكر يوسف و يبكي عليه و لا يتسلى عنه بشي‏ء حتى ابيضت عيناه من الحزن و هو كظيم.

و مضى بنوه يراقبون الجب حتى جاءت سيارة فأرسلوا واردهم للاستقاء فأدلى دلوه فتعلق يوسف بالدلو فخرج فاستبشروا به فدنى منهم بنو يعقوب و ادعوا أنه عبد لهم ثم ساوموهم حتى شروه بثمن بخس دراهم معدودة.

و سارت به السيارة إلى مصر و عرضوه للبيع فاشتراه عزيز مصر و أدخله بيته و قال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا و ذلك لما كان يشاهد في وجهه من آثار الجلال و صفاء الروح على ما له من الجمال البديع فاستقر يوسف في بيت العزيز في كرامة و أهنإ عيش، و هذا أول ما ظهر من لطيف عناية الله بيوسف و عزيز ولايته له حيث توسل إخوته بإلقائه في الجب و بيعه من السيارة إلى إماتة ذكره و تحريمه كرامة الحياة في بيت أبيه أما إماتة الذكر فلم ينسه أبوه قط، و أما مزية الحياة فإن الله سبحان بدل له بيت الشعر و عيشة البدوية قصرا ملكيا و حياة حضرية راقية فرفع الله قدره بعين ما أرادوا أن يحطوه و يضعوه، و على ذلك جرى صنع الله به ما سار في مسير الحوادث.

و عاش يوسف في بيت العزيز في أهنإ عيش حتى كبر و بلغ أشده و لم يزل تزكو نفسه و يصفو قلبه و يشتغل بربه حتى توله في حبه و أخلص له فصار لا هم له إلا فيه فاجتباه الله و أخلصه لنفسه و آتاه حكما و علما و كذلك يفعل بالمحسنين.

و عشقته امرأة العزيز و شغفها حبه حتى راودته عن نفسه و غلقت الأبواب و دعته‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 257

إلى نفسها و: « قالَتْ هَيْتَ‏ . لك فامتنع يوسف و اعتصم بعصمة إلهية و قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ‏ ، و استبقا الباب و اجتذبته و قدت قميصه من خلف و ألفيا سيدها لدى الباب فاتهمت يوسف بأنه كان يريد بها سوءا و أنكر يوسف ذلك غير أن العناية الإلهية أدركته فشهد صبي هناك في المهد ببراءته فبرأه الله.

ثم ابتلي بحب نساء مصر و مراودتهن و شاع أمر امرأة العزيز حتى آل الأمر إلى دخوله السجن، و قد توسلت امرأة العزيز بذلك إلى تأديبه ليجيبها إلى ما تريد، و العزيز إلى أن يسكت هذه الأراجيف الشائعة التي كانت تذهب بكرامة بيته و تشوه جميل ذكره.

فدخل يوسف السجن و دخل معه السجن فتيان للملك فذكر أحدهما أنه رأى في منامه أنه يعصر خمرا و الآخر رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه، و سألاه أن يؤول منامهما فأول رؤيا الأول أنه سيخرج فيصير ساقيا للملك، و رؤيا الثاني أنه سيصلب فتأكل الطير من رأسه فكان كما قال: و قال يوسف للذي رأى أنه ناج منهما:

اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ‏ .

و بعد بضع من السنين رأى الملك رؤيا هالته فذكرها لملإه و قال: إِنِّي أَرى‏ سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ. قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ، وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ‏ ، و عند ذلك ادكر الساقي يوسف و تعبيره لمنامه فذكر ذلك للملك و استأذنه أن يراجع السجن و يستفتي يوسف في أمر الرؤيا فأذن له في ذلك و أرسله إليه.

و لما جاءه و استفتاه في أمر الرؤيا و ذكر أن الناس ينتظرون أن يكشف لهم أمرها قال: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ‏ .

فلما سمع الملك ما أفتى به يوسف أعجبه ذلك و أمر بإطلاقه و إحضاره و لما جاءه الرسول لتنفيذ أمر الملك أبى الخروج و الحضور إلا أن يحقق الملك ما جرى بينه و بين‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏11، ص: 258

النسوة و يحكم بينه و بينهن و لما أحضرهن و كلمهن في أمره اتفقن على تبرئته من جميع ما اتهم به و قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء، و قالت امرأة العزيز: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ‏ فاستعظم الملك أمره في علمه و حكمه و استقامته و أمانته فأمر بإطلاقه و إحضاره معززا و قال: ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا حضر و كَلَّمَهُ قالَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ‏ و قد محصت أحسن التمحيص و اختبرت أدق الاختبار.

قال يوسف: اجْعَلْنِي عَلى‏ خَزائِنِ الْأَرْضِ‏ أرض مصر إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ‏ حتى أهيئ الدولة في هذه السنين السبع المخصبة التي تجري على الناس لإنجائهم مما يهددهم من السنين السبع المجدبة فأجابه الملك على ذلك فقام يوسف بالأمر و أمر بإجادة الزرع و إكثاره و جمع الطعام و الميرة و حفظه في المخازن بالحزم و التدبير حتى إذا دهمهم السنون المجدبة وضع فيهم الأرزاق و قسم بينهم الطعام حتى أنجاهم الله بذلك من المخمصة، و في هذه السنين انتصب يوسف لمقام عزة مصر، و استولى على سرير الملك فكان السجن طريقا له يسلك به إلى أريكة العزة و الملك بإذن الله، و قد كانوا تسببوا به إلى إخماد ذكره، و إنسائه من قلوب الناس، و إخفائه من أعينهم.

و في بعض تلك السنين المجدبة دخل على يوسف إخوته لأخذ الطعام فعرفهم و هم له منكرون فاستفسرهم عن شأنهم و عن أنفسهم فذكروا له أنهم أبناء يعقوب و أنهم أحد عشر أخا أصغرهم عند أبيهم يأنس به و لا يدعه يفارقه قط فأظهر يوسف أنه يشتاق أن يراه فيعرف ما باله يخصه أبوه بنفسه فأمرهم أن يأتوه به إن رجعوا إليه ثانيا للامتيار، و زاد في إكرامهم و إيفاء كيلهم فأعطوه العهد بذلك، و أمر فتيانه أن يدسوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون.

صفحه بعد