کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏12، ص: 78

في استناد إقامته الصلاة إلى الله سبحانه نظير الكلام في استناد إجنابه أن يعبد الأصنام فإن لإقامة الصلاة نسبة إليه تعالى بالإذن و المشية كما أن لها نسبة إلى العبد بالتصدي و العمل و قد مر الكلام فيه.

و هذه الفقرة ثاني دعاء يشترك فيه هو (ع) و ذريته و يعقب في الحقيقة قوله أولا: « وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ‏ » كما يلحق به دعاؤه الثالث المشترك فيه:

« رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ ».

و قد أفرد نفسه في جميع الفقرات الثلاث عن غيره إذ قال: « وَ اجْنُبْنِي‏ » و « اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ » « اغْفِرْ لِي‏ » لأن مطلوبه لحوق ذريته به كما قال في موضع آخر: «وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ» : الشعراء: 84 و في موضع آخر كما حكاه الله بقوله: «وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي» : البقرة: 124.

و أما قوله في الفقرة الأولى « وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَ‏ » و هاهنا « اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي‏ » فقد تقدم أن المراد ببنيه بعضهم لا جميعهم فتتطابق الفقرتان.

و من تطابق الفقرتين أنه أكد دعاءه في هذه الفقرة بقوله: « رَبَّنا وَ تَقَبَّلْ دُعاءِ » فإن سؤال تقبل الدعاء إلحاح و إصرار و تأكيد كما أن التعليل في الفقرة الأولى، بقوله: « رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ‏ » تأكيد في الحقيقة لما فيها من الدعاء، بقوله: « وَ اجْنُبْنِي‏ » إلخ.

قوله تعالى: « رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ‏ » ختم (ع) دعاءه- و هو آخر ما ذكر من دعائه في القرآن الكريم كما تقدم- بطلب المغفرة للمؤمنين يوم القيامة و يشبه آخر ما دعا به نوح (ع) مما ذكر في القرآن: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ» : نوح: 28.

و في الآية دليل على أنه (ع) لم يكن ولد آزر المشرك لصلبه فإنه (ع)- كما ترى- يستغفر لوالديه و هو على الكبر و في آخر عهده «و قد تبرأ من آزر في أوائل عهده بعد ما استغفر له عن موعدة وعده إياه قال تعالى: «قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي» : مريم: 47، و قال: «وَ اغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ» : الشعراء: 86،

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏12، ص: 79

و قال: «وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ» : التوبة: 114 و قد تقدم تفصيل القول في قصصه (ع) في سورة الأنعام في الجزء السابع من الكتاب.

و من لطيف ما في دعائه (ع) اختلاف النداء المكرر الذي فيه بلفظ «رب» و «ربنا» و العناية فيما أضيف إلى نفسه بما يختص بنفسه من السبقة و الإمامة، و فيما أضيف إلى نفسه و غيره إلى المشتركات.

(بحث روائي)

في الدر المنثور، أخرج أبو نعيم في الدلائل عن عقيل بن أبي طالب: أن النبي ص لما أتاه الستة النفر من الأنصار- جلس إليهم عند جمرة العقبة- فدعاهم إلى الله و إلى عبادته و المؤازرة على دينه- فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه- فقرأ من سورة إبراهيم:

« وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً- وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ‏ » إلى آخر السورة فرق القوم- و أخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا و أجابوه.

و في تفسير العياشي، عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (ع) قال: من أحبنا فهو منا أهل البيت- فقلت: جعلت فداك منكم؟ قال: منا و الله أ ما سمعت قول الله و هو قول إبراهيم (ع): « فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي‏ ».

و فيه، عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: من اتقى الله منكم و أصلح فهو منا أهل البيت- قال: منكم أهل البيت؟ قال: منا أهل البيت- قال فيها إبراهيم:

« فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي‏ » قال عمر بن يزيد: قلت له: من آل محمد؟ قال إي و الله من آل محمد إي و الله من أنفسهم- أ ما تسمع قول الله تعالى: « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ- لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ‏ » و قول إبراهيم: « فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي‏ ».

؟ أقول: و قد ورد في بعض الروايات أن بني إسماعيل لم يعبدوا صنما قط إثر دعاء إبراهيم: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ‏ ، و أنهم إنما قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله و الظاهر أن الرواية موضوعة، و قد تقدمت الإشارة إليه في البيان السابق.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏12، ص: 80

و كذا ما ورد في بعض الروايات من طرق العامة و الخاصة أن أرض الطائف كانت في الأردن من أرض فلسطين فلما دعا إبراهيم (ع) لبنيه بقوله: « وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ‏ » أمر الله بها فسارت بترابها إلى مكة فطافت على البيت سبعة أشواط ثم استقرت حيث الطائف الآن.

و هذا و إن كان ممكن الوقوع في نفسه من طريق الإعجاز لكن لا يكفي لثبوته أمثال هذه الروايات الضعيفة و المرسلة على أن هذه الآيات في مقام الامتنان و لو قارن هذا الدعاء و استجابته تعالى له مثل هذه الآية العظيمة العجيبة و المعجزة الباهرة لأشير إليها مزيدا للامتنان. و الله أعلم.

و في مرسلة العياشي، عن حريز عمن ذكره عن أحدهما (ع): أنه كان يقرأ «رب اغفر لي و لولدي» يعني: إسماعيل و إسحاق، و في مرسلته الأخرى عن جابر عن أبي جعفر (ع): مثله‏

و ظاهر هذه الرواية أن القراءة مبنية على كفر والد إبراهيم و الروايتان ضعيفتان لا يعبأ بهما.

[سورة إبراهيم (14): الآيات 42 الى 52]

وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43) وَ أَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَ وَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (44) وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَ تَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَ ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) وَ قَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَ عِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46)

فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَ تَغْشى‏ وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51)

هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏12، ص: 81

(بيان)

لما أنذر و بشر سبحانه في الآيات السابقة و دعا إلى صراطه بما أنه العزيز الحميد ختم بيانه بدفع ما ربما يسبق إلى أوهام ضعفاء العقول من الناس من أن الأمر لو كان على ما ذكر و كانت هذه الدعوة دعوة نبوية من لدن رب عزيز حميد فما بال هؤلاء الظالمين يتمتعون بما شاءوا؟ و ما باله لا يأخذ الظالمين بظلمهم و لا يلجم المتخلفين عن دعوته المخالفين عن أمره؟ أ هو في غفلة عما يعملونه أم هو مخلف وعده رسله يعدهم بالنصر ثم لا يفي بوعده؟.

فأجاب تعالى أنه ليس بغافل عما يعمل الظالمون و لا مخلف وعده رسله كيف؟

و هو تعالى عليم بما يمكرون و عزيز ذو انتقام بل إنما يؤخرهم ليوم شديد و هو يوم الجزاء. على أنه تعالى ربما أخذهم بذنوبهم في الدنيا كما أخذ الأمم الماضين.

ثم ختم السورة بقوله: « هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ‏ » و هي آية جامعة لغرض السورة كما سيجي‏ء بيانه إن شاء الله.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏12، ص: 82

قوله تعالى: « وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ‏ » إلى آخر الآيتين يقال:

شخص بصره أي سكن بحيث لا يطرف جفنة، و يقال: بعير مهطع إذا صوب عنقه أي رفعه و هطع و أهطع بمعنى، و يقال: أقنع رأسه إذا رفعه، و قوله: لا يرتد إليهم طرفهم أي لا يقدرون على أن يطرفوا من هول ما يشاهدونه، و قوله: و أفئدتهم هواء أي قلوبهم خالية عن التعقل و التدبير لشدة الموقف أو أنها زائلة.

و المعنى: و لا تحسبن الله و لا تظننه غافلا عما يعمل هؤلاء الظالمون بما تشاهد من تمتعهم و إترافهم في العيش و إفسادهم في الأرض إنما يمهلهم الله و يؤخر عقابهم إلى يوم يسكن فيه أبصارهم فلا تطرف و الحال أنهم مادون لأعناقهم رافعون لرءوسهم لا يقدرون على رد طرفهم و قلوبهم مدهوشة خالية عن كل تحيل و تدبير من شدة هول يوم القيامة و في الآية إنذار للظالمين و تعزية لغيرهم.

قوله تعالى: « وَ أَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ‏ » إلى آخر الآية. في الآية إنذار بعد إنذار و بين الإنذارين فرق من جهتين:

إحداهما: أن الإنذار في الآيتين السابقتين إنذار بما أعد الله من أهوال يوم القيامة و أليم العذاب فيه، و أما الذي في هذه الآية و ما يتلوها فهو إنذار بعذاب الاستئصال في الدنيا و من الدليل عليه قوله: « فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ‏ » إلخ.

و بذلك يظهر أن لا وجه لما ذكره بعضهم أن المراد بهذا اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب هو يوم القيامة، و كذا ما ذكره آخرون أن المراد به يوم الموت.

و الثانية: أن الإنذار الأول إنذار بعذاب قطعي لا صارف له عن أمة ظالمة و لا فرد ظالم من أمة و أما الإنذار الثاني فهو إنذار بعذاب غير مصروف عن أمة ظالمة و أما الفرد فربما صرف عنه، و لذلك ترى أنه تعالى يقول أولا: « وَ أَنْذِرِ النَّاسَ‏ » ثم يقول:

« فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا » إلخ و لم يقل: فيقولون أي الناس لأن عذاب الاستئصال لا يصيب المؤمنين قال تعالى: «ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ» : يونس:

103 و إنما يصيب الأمة الظالمة بحلول أجلهم و هم طائفة من ظالمي الأمة لا جميع أفرادها.

و بالجملة فقوله: « وَ أَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ‏ » إنذار للناس بعذاب الاستئصال الذي يقطع دابر الظالمين منهم، و قد تقدم في تفسير سورة يونس و غيره أن ذلك‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏12، ص: 83

مكتوب على الأمم قضاء بينهم و بين رسولهم حتى هذه الأمة المحمدية و قد تكرر هذا الوعيد منه تعالى في عدة مواضع من كلامه.

و هذا هو اليوم الذي يطهر الله الأرض فيه من قذارة الشرك و الظلم و لا يعبد عليها يومئذ إلا الله سبحانه فإن الدعوة عامة و الأمة هم أهل الأرض فإذا محا الله عنهم الشرك لم يبق منهم إلا المؤمنون و يكون الدين كله لله، قال تعالى: « وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ‏ ».

و مما تقدم يظهر الجواب عما أورد على كون المراد بالعذاب في الآية عذاب الاستئصال أن القصر في الآية السابقة ينافيه فإن قوله: « إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ » يقصر أخذهم و عقابهم في يوم القيامة.

و ذلك لما عرفت أن العذاب المنذر به في الآيتين السابقتين هو العذاب الذي لا يصرفه عنهم صارف و لا يتخلف عنه أحد من الظالمين و هو مقصور في عذاب يوم القيامة، و لا ينافي انحصاره في يوم القيامة وجود نوع آخر من العذاب في الدنيا.

على أن القصر لو تم على ما يريده المعترض لدفع ما يدل عليه الآيات الكثيرة الدالة على نزول العذاب بهذه الأمة كما أشرنا إليه.

على أن حمل العذاب في الآية على عذاب يوم القيامة يوجب صرف الآيات عن ظهورها و رفع اليد عما يعطيه السياق فيها و لا مساغ له.

و قوله: « فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ‏ » المراد به الظالمون من الناس و هم الذين يأخذهم العذاب المستأصل و لا يتخطاهم، و مرادهم بقولهم: « أَخِّرْنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ‏ » الاستمهال بمدة قصيرة تضاف إلى عمرهم في الدنيا حتى يتداركوا فيه ما فوتوه بظلمهم و الدليل عليه قولهم: « نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ‏ ».

و التعبير بالرسل بلفظ الجمع في قولهم: « وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ‏ مع أن الآية تصف حال ظالمي هذه الأمة ظاهرا و كان مقتضى ذلك أن يقال: و نتبع الرسول إنما هو للدلالة على أن الملاك في نزول هذا العذاب القضاء بين الرسالة و بين منكريها من غير اختصاص ذلك برسول دون رسول كما يفيده قوله: «وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏12، ص: 84

قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» : يونس: 47.

و قوله: « أَ وَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ‏ » الإقسام تعليق الحكم في الكلام بأمر شريف من جهة شرافته ليدل به على صدقه إذ لو كذب المتكلم و قد أقسم في كلامه لأذهب بذلك شرف المقسم به كقولنا: و الله إن كذا لكذا و لعمري إن الأمر على كذا، و يعد القسم أقوى أسباب التأكيد. و لا يبعد أن يكون الإقسام في الآية كناية عن إيراد الكلام في صورة جازمة غير قابلة للترديد.

و الكلام على تقدير القول و المعنى يقال لهم توبيخا و تبكيتا: أ لم تكونوا أقسمتم من قبل نزول العذاب ما لكم من زوال و أنكم بما عندكم من القوة و السطوة و وسائل الدفاع أمة خالدة مسيطرة على الحوادث فما لكم تستمهلون إلى أجل قريب.

قوله تعالى: « وَ سَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏ » إلى آخر الآية معطوف على محل قوله: « أَقْسَمْتُمْ‏ » في الآية السابقة، و المعنى: أ و لم تكونوا سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم من الأمم السابقة، و ظهر لكم أن هذه الدعوة حقة و يتعقبها لو ردت عذاب مستأصل، من جهتين: جهة المشاهدة حيث تبين لكم كيف فعلنا بأولئك الظالمين الذين سكنتم في مساكنهم؟ و جهة البيان حيث ضربنا لكم الأمثال و أنذرناكم عذابا مستأصلا يتعقبه إنكار الحق و رد الدعوة النبوية و يقطع دابر الظالمين.

قوله تعالى: « وَ قَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَ عِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَ إِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ‏ » حال من الضمير في « فَعَلْنا » في الآية السابقة أو من الضمير في « بِهِمْ‏ » فيها أو من الضميرين جميعا على ما قيل، و ضمائر الجمع راجعة إلى « الَّذِينَ ظَلَمُوا ».

و المراد بكون مكرهم عند الله إحاطته تعالى به بعلمه و قدرته، و من المعلوم أن المكر إنما يكون مكرا إذا لم يحط به الممكور به و جهله، و أما إذا كان الممكور به عالما بما هيأه الماكر من المكر و قادرا على دفعه لغا المكر أو عاد مكرا على نفس الماكر كما قال تعالى: «وَ ما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَ ما يَشْعُرُونَ» : الأنعام: 123.

صفحه بعد