کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏17، ص: 273

أعمالهم بعد ما كانت خفية عليهم فهو كقوله‏ : «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ:» آل عمران:- 30.

و قوله: « وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ » أي و نزل عليهم و أصابهم ما كانوا يستهزءون به في الدنيا إذا سمعوه من أولياء الدين من شدائد يوم القيامة و أهواله و أنواع عذابه.

قوله تعالى: « فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى‏ عِلْمٍ‏ » إلخ الآية في مقام التعليل البياني لما تقدم من وصف الظالمين و لذا صدرت بالفاء لتتفرع على ما تقدم تفرع البيان على المبين.

فهو تعالى لما ذكر من حالهم أنهم أعرضوا عن كل آية دالة على الحق و لم يصغوا إلى الحجج المقامة عليهم و لم يسمعوا موعظة و لم يعتدوا بعبرة فجحدوا ربوبيته تعالى و أنكروا البعث و الحساب و بلغ بهم ذلك أن اشمأزت قلوبهم إذا ذكر الله وحده.

بين أن ذلك مما يستدعيه طبع الإنسان المائل إلى اتباع هوى نفسه و الاغترار بما زين له من نعم الدنيا و الأسباب الظاهرية الحافة بها فالإنسان حليف النسيان إذا مسه الضر أقبل إلى ربه و أخلص له و دعاه ثم إذا خوله ربه نعمة نسبه إلى علم نفسه و خبرته و نسي ربه و جهل أنها فتنة فتن بها.

فقوله: « فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ » أي مرض أو شدة « دَعانا » أي خصنا بالدعاء و انقطع عن غيرنا.

و قوله: « ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى‏ عِلْمٍ‏ » التخويل‏ الإعطاء على نحو الهبة، و تقييد النعمة بقوله: « مِنَّا » للدلالة على كون وصف النعمة محفوظا لها و المعنى خولناه نعمة ظاهرا كونها نعمة.

و ضمير « أُوتِيتُهُ‏ » للنعمة بما أنه شي‏ء أو مال و العناية في ذلك بالإشارة إلى أنه لا يعترف بكونها نعمة منا بل يقطعها عنا فيسميها شيئا أو مالا و نحوه و لا يسميها نعمة حتى يضطره ذلك إلى الاعتراف بمنعم و الإشارة إليه كما قال: « أُوتِيتُهُ‏ » فصفح عن‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏17، ص: 274

الفاعل لذلك و التعبيران أعني « نِعْمَةً مِنَّا » « إِنَّما أُوتِيتُهُ‏ » من لطيف تعبير القرآن، و قد وجهوا تذكير الضمير في « أُوتِيتُهُ‏ » بوجوه أخر غير موجهة من أرادها فليرجع إلى المفصلات.

و الملائم لسياق الآية أن يكون معنى « عَلى‏ عِلْمٍ‏ » على علم مني أي أوتيت هذا الذي أوتيت على علم مني و خبرة بطرق كسب المعاش و اقتناء الثروة و جمع المال.

و قيل: المراد إنما أوتيته على علم من الله بخير عندي أستحق به أن يؤتيني النعمة، و قيل: المراد على علم مني برضا الله عني، و أنت خبير بأن ما تقدم من معنى قوله: « ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ‏ » لا يلائم شيئا من القولين.

و قوله: « بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ‏ » أي بل النعمة التي خولناه منا فتنة أي ابتلاء و امتحان نمتحنه بذلك و لكن أكثرهم لا يعلمون بذلك.

و قيل: معناه بل تلك النعمة عذاب لهم، و قيل: المعنى بل هذه المقالة فتنة لهم يعاقبون عليها و الوجهان بعيدان سيما الأخير.

قوله تعالى: « قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا » ضمير « قَدْ قالَهَا » راجع إلى القول السابق باعتبار أنه مقالة أو كلمة.

و الآية رد لقولهم و إثبات لكونها فتنة يمتحنون بها بأنهم لو أوتوها على علم منهم و اكتسبوها بحولهم و قوتهم لأغنى عنهم كسبهم و لم يصبهم سيئات ما كسبوا و حفظوها لأنفسهم و تنعموا بها و لم يهلكوا دونها و ليس كذلك فهؤلاء الذين قبلهم قالوا هذه المقالة فما أغنى عنهم كسبهم و أصابهم سيئات ما كسبوا.

و الظاهر أن الآية تشير بقوله: « قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ » إلى قارون و أمثاله و قد حكي عنه قول « إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى‏ عِلْمٍ عِنْدِي‏ » في قصته من سورة القصص.

قوله تعالى: « وَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَ ما هُمْ بِمُعْجِزِينَ‏ » الإشارة بهؤلاء إلى قومه (ص) و المعنى أن هؤلاء الذين ظلموا من قومك سبيلهم سبيل من قبلهم سيصيبهم سيئات كسبهم و وبالات عملهم و ما هم بمعجزين لله.

قوله تعالى: « أَ وَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ » إلخ جواب آخر

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏17، ص: 275

عن قول القائل منهم: « إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى‏ عِلْمٍ‏ » و قد كان الجواب الأول « قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ » إلخ جوابا من طريق النقض و هذا جواب من طريق المعارضة بالإشارة إلى دلالة الدليل على أن الله سبحانه هو الذي يبسط الرزق و يقدر.

بيان ذلك: أن سعي الإنسان عن علم و إرادة لتحصيل الرزق ليس سببا تاما موجبا لحصول الرزق و إلا لم يتخلف و من البين خلافه فكم من طالب رجع آيسا و ساع خاب سعيه.

فهناك علل و شرائط زمانية و مكانية و موانع مختلفة باختلاف الظروف خارجة عن حد الإحصاء إذا اجتمعت و توافقت أنتج ذلك حصول الرزق.

و ليس اجتماع هذه العلل و الشرائط على ما فيها من الاختلاف و التشتت و التفرق من مادة و زمان و مكان و مقتضيات أخر مرتبطة بها مقارنة أو متقدمة و علل العلل و مقدماتها الذاهبة إلى ما لا يحصى، اجتماعا و توافقا على سبيل الاتفاق فإن الاتفاق لا يكون دائميا و لا أكثريا و قانون ارتزاق المرتزقين الشامل للموجودات الحية بل المنبسط على أقطار العالم المشهود و أرجائه ثابت محفوظ في نظام جار على ما فيه من السعة و الانبساط و لو انقطع لهلكت الأشياء لأول لحظة و من فورها.

و هذا النظام الجاري بوحدته و تناسب أجزائه و تلاؤمها يكشف عن وحدانية ناظمه و فردانية مدبره و مديره الخارج عن أجزاء العالم المحفوظة بنفس النظام الباقية به و هو الله عز اسمه.

على أن النظام من التدبير و التدبير من الخلق كما مر مرارا فخالق العالم مدبره و مدبره رازقه و هو الله تعالى شأنه.

و يشير إلى هذا البرهان في الآية قوله: « لِمَنْ يَشاءُ » فإنه إذا كان بسط الرزق و قدره بمشيئته تعالى لم يكن بمشيئة الإنسان الذي يتبجح بعلمه و سعيه و لا بمشيئة شي‏ء من العلل و الأسباب و إيجابه كما هو ظاهر و ليس من قبيل الاتفاق بل هو على نظام جار فهو بمشيئة جاعل النظام و مجريه و هو الله سبحانه.

و قد تقدم كلام في معنى الرزق في ذيل قوله تعالى‏ : «وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ:» آل عمران:- 27 و سيأتي كلام فيه في تفسير قوله‏ : «فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ:» الذاريات:- 23 إن شاء الله تعالى.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏17، ص: 276

(بحث روائي)

في التوحيد، عن علي (ع) في حديث: و قد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات قال: و أما قوله: « يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ‏ » و قوله: « اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » و قوله: « تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ‏ » و قوله: « الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ‏ » و قوله: « الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ‏ » فإن الله تبارك و تعالى يدبر الأمر كيف يشاء- و يوكل من خلقه من يشاء بما يشاء- أما ملك الموت- فإن الله يوكله بخاصته ممن يشاء من خلقه- و يوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه-.

و ليس كل العلم يستطيع صاحب العلم- أن يفسره لكل الناس- لأن فيهم القوي و الضعيف، و لأن منه ما يطاق حمله و منه ما لا يطاق حمله- إلا أن يسهل الله له حمله- و أعانه عليه من خاصة أوليائه.

و إنما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي المميت، و أنه يتوفى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه- من ملائكته و غيرهم.

و في الخصال، عن علي (ع) في حديث الأربعمائة: لا ينام المسلم و هو جنب لا ينام إلا على طهور- فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد- فإن روح المؤمن ترفع إلى الله تعالى- فيقبلها و يبارك عليها- فإن كان أجلها قد حضر جعلها في كنوز رحمته- و إن لم يكن أجلها قد حضر- بعث بها مع أمنائه من ملائكته فيردونها في جسده.

و في المجمع،: روى العياشي بالإسناد عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن ثابت عن أبي المقدام عن أبيه عن أبي جعفر (ع) قال: ما من أحد ينام إلا عرجت نفسه إلى السماء- و بقيت روحه في بدنه- و صار بينهما سبب كشعاع الشمس- فإن أذن الله في قبض الأرواح أجابت الروح النفس- و إن أذن الله في رد الروح أجابت النفس الروح- و هو قوله سبحانه:

« اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » الآية-.

فمهما رأت في ملكوت السموات فهو مما له تأويل- و ما رأت فيما بين السماء و الأرض- فهو مما يخيله الشيطان و لا تأويل له.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏17، ص: 277

و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن سليم بن عامر أن عمر بن الخطاب قال: العجب من رؤيا الرجل- أنه يبيت فيرى الشي‏ء لم يخطر له على بال- فيكون رؤياه كأخذ باليد- و يرى الرجل الرؤيا فلا يكون رؤياه شيئا-.

فقال علي بن أبي طالب: أ فلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين يقول الله تعالى:

« اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها- فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى‏ عَلَيْهَا الْمَوْتَ- وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى‏ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ » فالله يتوفى الأنفس كلها- فما رأت و هي عنده في السماء فهي الرؤيا الصادقة، و ما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها- تلقيها الشياطين في الهواء- فكذبتها و أخبرتها بالأباطيل- فعجب عمر من قوله.

أقول: تقدم تفصيل الكلام في الرؤيا في سورة يوسف و الرجوع إليه يعين في فهم معنى الروايتين، و قد أطلق فيهما السماء على ما اصطلح عليه بعالم المثال الأعظم و ما بين السماء و الأرض على ما اصطلح عليه بعالم المثال الأصغر فتبصر.

[سورة الزمر (39): الآيات 53 الى 61]

قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَ أَنِيبُوا إِلى‏ رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)

أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى‏ قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَ اسْتَكْبَرْتَ وَ كُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59) وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَ يُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏17، ص: 278

(بيان)

في الآيات أمره (ص) أن يدعوهم إلى الإسلام و اتباع ما أنزل الله و يحذرهم عما يستعقبه إسرافهم على أنفسهم من الحسرة و الندامة يوم لا ينفعهم ذلك مع استكبارهم في الدنيا على الحق و الفوز و النجاة يومئذ للمتقين و النار و الخسران للكافرين، و في لسان الآيات من الرأفة و الرحمة ما لا يخفى.

قوله تعالى: « قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ‏ » إلخ أمره (ص) أن يدعوهم من قبله و يناديهم بلفظة يا عبادي و فيه تذكير بحجة الله سبحانه على دعوتهم إلى عبادتهم و ترغيب لهم إلى استجابة الدعوة أما التذكير بالحجة فلأنه يشير إلى أنهم عباده و هو مولاهم و من حق المولى على عبده أن يطيعه و يعبده فله أن يدعوه إلى طاعته و عبادته، و أما ترغيبهم إلى استجابة الدعوة فلما فيه من الإضافة إليه تعالى الباعث لهم إلى التمسك بذيل رحمته و مغفرته.

و قوله: « الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ » الإسراف‏ - على ما ذكره الراغب- تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان و إن كان ذلك في الإنفاق أشهر، و كان الفعل مضمن معنى الجناية أو ما يقرب منها و لذا عدي بعلى و الإسراف على النفس هو التعدي عليها باقتراف الذنب أعم من الشرك و سائر الذنوب الكبيرة و الصغيرة على ما يعطيه السياق.

و قال جمع: إن المراد بالعباد المؤمنون و قد غلب استعماله فيهم مضافا إليه تعالى‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏17، ص: 279

في القرآن فمعنى‏ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ أيها المؤمنون المذنبون.

و يدفعه أن قوله: « يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا » إلى تمام سبع آيات ذو سياق واحد متصل يفصح عن دعوتهم و قوله في ذيل الآيات: « بَلى‏ قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَ اسْتَكْبَرْتَ‏ » إلخ كالصريح أو هو صريح في شمول العباد للمشركين.

و ما ورد في كلامه تعالى من لفظ « عِبادِيَ‏ » و المراد به المؤمنون بضعة عشر موردا جميعها محفوفة بالقرينة و ليس بحيث ينصرف عند الإطلاق إلى المؤمنين كما أن الموارد التي أطلق فيها و أريد به الأعم من المشرك و المؤمن في كلامه كذلك.

و بالجملة شمول « عِبادِيَ‏ » في الآية للمشركين لا ينبغي أن يرتاب فيه، و القول بأن المراد به المشركون خاصة نظرا إلى سياق الآيات كما نقل عن ابن عباس أقرب إلى القبول من تخصيصه بالمؤمنين.

و قوله: « لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ‏ » القنوط اليأس، و المراد بالرحمة بقرينة خطاب المذنبين و دعوتهم هو الرحمة المتعلقة بالآخرة دون ما هي أعم الشاملة للدنيا و الآخرة و من المعلوم أن الذي يفتقر إليه المذنبون من شئون رحمة الآخرة بلا واسطة هو المغفرة فالمراد بالرحمة المغفرة و لذا علل النهي عن القنوط من الرحمة بقوله: « إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ».

و في الآية التفات من التكلم إلى الغيبة حيث قيل: « إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ » و لم يقل: إني أغفر و ذلك للإشارة إلى أنه الله الذي له الأسماء الحسنى و منها أنه غفور رحيم كأنه يقول لا تقنطوا من رحمتي فإني أنا الله أغفر الذنوب جميعا لأن الله هو الغفور الرحيم.

و قوله: « إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً تعليل للنهي عن القنوط و إعلام بأن جميع الذنوب قابلة للمغفرة فالمغفرة عامة لكنها تحتاج إلى سبب مخصص و لا تكون جزافا، و الذي عده القرآن سببا للمغفرة أمران: الشفاعة «1» و التوبة لكن ليس المراد في قوله: « إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً » المغفرة الحاصلة بالشفاعة لأن الشفاعة لا تنال‏

صفحه بعد