کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج17، ص: 363
نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ:» آل عمران:- 140، و قوله : «فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ:» يونس:- 102، و غير ذلك.
فاليومان اللذان خلق الله فيهما الأرض قطعتان من الزمان تم فيهما تكون الأرض أرضا تامة، و في عدهما يومين لا يوما واحدا دليل على أن الأرض لاقت زمان تكونها الأولي مرحلتين متغايرتين كمرحلة النيء و النضج أو الذوبان و الانعقاد أو نحو ذلك.
قوله تعالى: « وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها » إلى آخر الآية. معطوف على قوله: « خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ » و لا ضير في تخلل الجملتين: « وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ » بين المعطوف و المعطوف عليه لأن الأولى تفسير لقوله: « لَتَكْفُرُونَ » و الثانية تقرير للتعجيب الذي يفيده الاستفهام.
و الرواسي صفة لموصوف محذوف و التقدير جبالا رواسي أي ثابتات على الأرض و ضمائر التأنيث الخمس في الآية للأرض.
و قوله: « وَ بارَكَ فِيها » أي جعل فيها الخير الكثير الذي ينتفع به ما على الأرض من نبات و حيوان و إنسان في حياته أنواع الانتفاعات.
و قوله: « وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ » قيل: الظرف أعني قوله: « فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ » بتقدير مضاف و هو متعلق بقدر، و التقدير قدر الأقوات في تتمة أربعة أيام من حين بدء الخلق- فيومان لخلق الأرض و يومان- و هما تتمة أربعة أيام- لتقدير الأقوات.
و قيل: متعلق بحصول الأقوات و تقدير المضاف على حاله، و التقدير قدر حصول أقواتها في تتمة أربعة أيام- فيها خلق الأرض و أقواتها جميعا-.
و قيل: متعلق بحصول جميع الأمور المذكورة من جعل الرواسي من فوقها و المباركة فيها و تقدير أقواتها و التقدير و حصول ذلك كله في تتمة أربعة أيام و فيه حذف و تقدير كثير.
و جعل الزمخشري في الكشاف، الظرف متعلقا بخبر مبتدإ محذوفين من غير تقدير مضاف و التقدير كل ذلك كائن في أربعة أيام فيكون قوله: « فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ » من قبيل الفذلكة كأنه قيل: خلق الأرض في يومين و أقواتها و غير ذلك في يومين فكل ذلك في أربعة أيام.
الميزان فى تفسير القرآن، ج17، ص: 364
قالوا: و إنما لم يجز حمل الآية على أن جعل الرواسي و ما ذكر عقيبه أو تقدير الأقوات في أربعة أيام لأن لازمه كون خلق الأرض و ما فيها في ستة أيام و قد ذكر بعده أن السماوات خلقت في يومين فيكون المجموع ثمانية أيام و قد تكرر في كلامه تعالى أنه خلق السماوات و الأرض في ستة أيام فهذا هو الوجه في حمل الآية على أحد الوجوه السابقة على ما فيها من ارتكاب الحذف و التقدير.
و الإنصاف أن الآية أعني قوله: « وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ » ظاهرة في غير ما ذكروه و القرائن الحافة بها تؤيد كون المراد بها تقدير أقواتها في الفصول الأربعة التي يكونها ميل الشمس الشمالي و الجنوبي بحسب ظاهر الحس فالأيام الأربعة هي الفصول الأربعة.
و الذي ذكر في هذه الآيات من أيام خلق السماوات و الأرض أربعة أيام يومان لخلق الأرض و يومان لتسوية السماوات سبعا بعد كونها دخانا و أما أيام الأقوات فقد ذكرت أياما لتقديرها لا لخلقها، و ما تكرر في كلامه تعالى هو خلق السماوات و الأرض في ستة أيام لا مجموع خلقها و تقدير أمرها فالحق أن الظرف قيد للجملة الأخيرة فقط و لا حذف و لا تقدير في الآية و المراد بيان تقدير أقوات الأرض و أرزاقها في الفصول الأربعة من السنة.
و قوله: « سَواءً لِلسَّائِلِينَ » مفعول مطلق لفعل مقدر أي استوت الأقوات المقدرة استواء للسائلين أو حال من الأقوات أي قدرها حال كونها مستوية للسائلين يقتاتون بها جميعا و تكفيهم من دون زيادة أو نقيصة.
و السائلون هم أنواع النبات و الحيوان و الإنسان فإنهم محتاجون في بقائهم إلى الأرزاق و الأقوات فهم سائلون ربهم «1» قال تعالى : «يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ:» الرحمن:- 29، و قال : «وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ:» إبراهيم:- 34.
قوله تعالى: « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ »
(1) ظاهر الآيتين و إن كان اختصاصهما بذوي العقول لكنهما و خاصة الثانية تفيدان أن المراد بالسؤال هو الحاجة و الاستعداد و عليه فالآية تعم النبات و الإتيان بضمير أولي العقل للتغليب.
الميزان فى تفسير القرآن، ج17، ص: 365
الاستواء - على ما ذكره الراغب- إذا عدي بعلى أفاد معنى الاستيلاء نحو الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، و إذا عدي بإلى أفاد معنى الانتهاء إليه.
و أيضا في المفردات، أن الكره بفتح الكاف المشتقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه، و الكره بضم الكاف ما تناله من ذاته و هو يعافه.
فقوله: « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ » أي توجه إليها و قصدها بالخلق دون القصد المكاني الذي لا يتم إلا بانتقال القاصد من مكان إلى مكان و من جهة إلى جهة لتنزهه تعالى على ذلك.
و ظاهر العطف بثم تأخر خلق السماوات عن الأرض لكن قيل: إن « ثُمَ » لإفادة التراخي بحسب الخبر لا بحسب الوجود و التحقق و يؤيده قوله تعالى : «أَمِ السَّماءُ بَناها - إلى أن قال- وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها وَ الْجِبالَ أَرْساها:» النازعات:- 32 فإنه يفيد تأخر الأرض عن السماء خلقا.
و الاعتراض عليه بأن مفاده تأخر دحو الأرض عن بناء السماء و دحوها غير خلقها مدفوع بأن الأرض كروية فليس دحوها و بسطها غير تسويتها كرة و هو خلقها على أنه تعالى أشار بعد ذكر دحو الأرض إلى إخراج مائها و مرعاها و إرساء جبالها و هذه بعينها جعل الرواسي من فوقها و المباركة فيها و تقدير أقواتها التي ذكرها في الآيات التي نحن فيها مع خلق الأرض و عطف عليها خلق السماء بثم فلا مناص عن حمل ثم على غير التراخي الزماني فإن قوله في آية النازعات: « بَعْدَ ذلِكَ » أظهر في التراخي الزماني من لفظة « ثُمَ » فيه في آية حم السجدة و الله أعلم.
و قوله: « وَ هِيَ دُخانٌ » حال من السماء أي استوى إلى السماء بالخلق حال كونها شيئا سماه الله دخانا و هو مادتها التي ألبسها الصورة و قضاها سبع سماوات بعد ما لم تكن معدودة متميزا بعضها من بعض، و لذا أفرد السماء فقال: « اسْتَوى إِلَى السَّماءِ ».
و قوله: « فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » تفريع على استوائه إلى السماء و المورد مورد التكوين بلا شك فقوله لها و للأرض: « ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » كلمة إيجاد و أمر تكويني كقوله لشيء أراد وجوده: كن، قال تعالى : «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ:» يس:- 83.
الميزان فى تفسير القرآن، ج17، ص: 366
و مجموع قوله لهما: « ائْتِيا » إلخ و قولهما له: « أَتَيْنا » إلخ تمثيل لصفة الإيجاد و التكوين على الفهم الساذج العرفي و حقيقة تحليلية بناء على ما يستفاد من كلامه تعالى من سراية العلم في الموجودات و كون تكليم كل شيء بحسب ما يناسب حاله، و قد أوردنا بعض الكلام فيه فيما تقدم من المباحث، و سيجيء شطر من الكلام فيه في تفسير قوله : «قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ:» الآية- 21 من السورة إن شاء الله.
و قول بعضهم: إن المراد بقوله: « ائْتِيا » إلخ أمرهما بإظهار ما فيهما من الآثار و المنافع دون الأمر بأن توجدا و تكونا مدفوع بأن تكون السماء مذكور فيما بعد و لا معنى لتقديم الأمر بإظهار الآثار و المنافع قبل ذكر التكون.
و في قوله: « ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » إيجاب الإتيان عليهما و تخييرهما بين أن تفعلا ذلك بطوع أو كره، و لعل المراد بالطوع و الكره- و هما بوجه قبول الفعل و نوع ملاءمة و عدمه- هو الاستعداد السابق للكون و عدمه فيكون قوله: « ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » كناية عن وجوب إتيانهما بلا مناص و أنه أمر لا يتخلف البتة أرادتا أو كرهتا سألتاه أو لم تسألا فأجابتا أنهما يمتثلان الأمر عن استعداد سابق و قبول ذاتي و سؤال فطري إذ قالتا: أَتَيْنا طائِعِينَ .
و قول بعضهم: إن قوله: « طَوْعاً أَوْ كَرْهاً » تمثيل لتحتم تأثير قدرته تعالى فيهما و استحالة امتناعهما من ذلك لا إثبات الطوع و الكره لهما. مدفوع بقوله بعد:
« قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » إذ لو كان الترديد المذكور تمثيلا فقط من غير إثبات كما ذكره لم يكن لإثبات الطوع في الجواب وجه.
و قوله: « قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ » جواب السماء و الأرض لخطابه تعالى باختيار الطوع، و التعبير باللفظ الخاص بأولي العقل- طائعين- لمكان المخاطبة و الجواب و هما من خواص أولي العقل، و التعبير بلفظ الجمع دون أن تقولا: أتينا طائعتين لعله تواضع منهما بعد أنفسهما غير متميزة من سائر مخلوقاته تعالى المطيعة لأمره فأجابتا عن لسان الجميع، نظير ما قيل في قوله تعالى : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ:» الحمد:- 5.
ثم إن تشريك الأرض مع السماء في خطاب « ائْتِيا » إلخ مع ذكر خلقها و تدبير أمرها قبلا لا يخلو من إشعار بأن بينهما نوع ارتباط في الوجود و اتصال في النظام الجاري
الميزان فى تفسير القرآن، ج17، ص: 367
فيهما و هو كذلك فإن الفعل و الانفعال و التأثير و التأثر دائر بين أجزاء العالم المشهود.
و في قوله: « فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ » تلويح على أي حال إلى كون « ثُمَ » في قوله:
« ثُمَّ اسْتَوى » للتراخي بحسب رتبة الكلام.
قوله تعالى: « فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها » الأصل في معنى القضاء فصل الأمر، و ضمير « فَقَضاهُنَ » للسماء على المعنى، و « سَبْعَ سَماواتٍ » حال من الضمير و « فِي يَوْمَيْنِ » متعلق بقضاهن فتفيد الجملة أن السماء لما استوى سبحانه إليها و هي دخان كان أمرها مبهما غير مشخص من حيث فعلية الوجود ففصل تعالى أمرها بجعلها سبع سماوات في يومين.
و قيل: إن القضاء في الآية مضمن معنى التصيير و « سَبْعَ سَماواتٍ » مفعوله الثاني، و قيل فيها وجوه أخر لا يهمنا إيرادها.
و الآية و ما قبلها ناظرة إلى تفصيل ما أجمل في قوله : «أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما:» الأنبياء:- 30.
و قوله: « وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها » قيل: المراد بأمر السماء ما تستعد له أو تقتضيه الحكمة فيها من وجود ملك أو كوكب و ما أشبه ذلك، و الوحي هو الخلق و الإيجاد، و الجملة معطوفة على قوله: « فَقَضاهُنَ » مقيدة بالوقت المذكور للمعطوف عليه، و المعنى و خلق في كل سماء ما فيها من الملائكة و الكواكب و غيرها.
و أنت خبير بأن إرادة الخلق من الوحي و أمثال الملك و الكوكب من الأمر تحتاج إلى عناية زائدة لا تثبت إلا بدليل بين، و كذا تقيد الجملة المعطوفة بالوقت المذكور في المعطوف عليها.
و قيل: المراد بالأمر التكليف الإلهي المتوجه إلى أهل كل سماء من الملائكة و الوحي بمعناه المعروف و المعنى و أوحى إلى أهل كل سماء من الملائكة ما أمرهم به من العبادة.
و فيه أن ظاهر الآية و قد قال تعالى: « فِي كُلِّ سَماءٍ » و لم يقل: إلى كل سماء لا يوافقه تلك الموافقة.
و قيل: المراد بأمرها ما أراده الله منها، و هذا الوجه في الحقيقة راجع إلى أحد
الميزان فى تفسير القرآن، ج17، ص: 368
الوجهين السابقين فإن أريد بالوحي الخلق و الإيجاد رجع إلى أول الوجهين و إن أريد به معناه المعروف رجع إلى ثانيهما.
و الذي وقع في كلامه تعالى من الأمر المتعلق بوجه بالسماء يلوح إلى معنى أدق مما ذكروه فقد قال تعالى : «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ:» الم السجدة:- 5، و قال : «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ:» الطلاق:- 12، و قال : «وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَ ما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ:» المؤمنون:- 17.
دلت الآية الأولى على أن السماء مبدأ لأمره تعالى النازل إلى الأرض بوجه و الثانية على أن الأمر يتنزل بين السماوات من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى الأرض، و الثالثة على أن السماوات طرائق لسلوك الأمر من عند ذي العرش أو لسلوك الملائكة الحاملين للأمر إلى الأرض كما يشير إليه قوله : «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ:» القدر:- 4، و قوله : «فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ:» الدخان:- 4.
و لو كان المراد بالأمر أمره تعالى التكويني و هو كلمة الإيجاد كما يستفاد من قوله : «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ:» يس:- 82، أفادت الآيات بانضمام بعضها إلى بعض أن الأمر الإلهي الذي مضيه في العالم الأرضي هو خلق الأشياء و حدوث الحوادث تحمله الملائكة من عند ذي العرش تعالى و تسلك في تنزيله طرق السماوات فتنزله من سماء إلى سماء حتى تنتهي به إلى الأرض.
و إنما تحمله ملائكة كل سماء إلى من دونهم كما يستفاد من قوله : «حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ:» سبأ:- 23 و قد تقدم الكلام فيه و السماوات مساكن الملائكة كما يستفاد من قوله : «وَ كَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ:» النجم:- 26، و قوله : «لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ:» الصافات:- 8.
فللأمر نسبة إلى كل سماء باعتبار الملائكة الساكنين فيها، و نسبة إلى كل قبيل من الملائكة الحاملين له باعتبار تحميله لهم و هو وحيه إليهم فإن الله سبحانه سماه قولا كما قال : «إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ:» النحل:- 40.
فتحصل بما مر أن معنى قوله: « وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها » أوحى في كل
الميزان فى تفسير القرآن، ج17، ص: 369
سماء إلى أهلها من الملائكة الأمر الإلهي. المنسوب إلى تلك السماء المتعلق بها، و أما كون اليومين المذكورين في الآية ظرفا لهذا الوحي كما هما ظرف لخلق السماوات سبعا فلا دليل عليه من لفظ الآية.
قوله تعالى: « وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ حِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ » توصيف هذه السماء بالدنيا للدلالة على أنها أقرب السماوات من الأرض و هي طباق بعضها فوق بعض كما قال : «خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً:» الملك:- 3.
و الظاهر من معنى تزيينها بمصابيح و هي الكواكب كما قال : «إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ:» الصافات:- 6 أن الكواكب في السماء الدنيا أو دونها كالقناديل المعلقة و لو كانت متفرقة في جميع السماوات من غير حجب بعضها بعضا لكون السماوات شفافة كما قيل كانت زينة لجميعها و لم تختص الزينة ببعضها كما يفيده السياق فلا وجه لقول القائل: إنها في الجميع لكن لكونها ترى متلألئة على السماء الدنيا عدت زينة لها.
و أما قوله : «أَ لَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً:» نوح:- 16 فهو بالنسبة إلينا معاشر المستضيئين بالليل و النهار كقوله : «وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً:» النبأ:- 13.
و قوله: « وَ حِفْظاً » أي و حفظناها من الشياطين حفظا كما قال : «وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ:» الحجر:- 18.
و قوله: « ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ » إشارة إلى ما تقدم من النظم و الترتيب.
(كلام فيه تتميم) [في معنى السماء.]
قد تحصل مما تقدم:
أولا: أن المستفاد من ظاهر الآيات الكريمة- و ليست بنص- أن السماء الدنيا من هذه السبع هي عالم النجوم و الكواكب فوقنا.