کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏18، ص: 80

قبلا- فيراه كما يرى أحدكم صاحبه الذي يكلمه فهذا الرسول، و النبي الذي يؤتى في النوم نحو رؤيا إبراهيم (ع)، و نحو ما كان يأخذ رسول الله ص من السبات- إذا أتاه جبرئيل في النوم فهكذا النبي، و منهم من يجمع له الرسالة و النبوة- فكان رسول الله ص رسولا نبيا- يأتيه جبرئيل قبلا فيكمله و يراه، و يأتيه في النوم، و أما المحدث فهو الذي يسمع كلام الملك- فيحدثه من غير أن يراه- و من غير أن يأتيه في النوم.

أقول: و في معناه روايات أخر.

و في التوحيد، بإسناده عن محمد بن مسلم و محمد بن مروان عن أبي عبد الله (ع) قال*: ما علم رسول الله ص أن جبرئيل من قبل الله إلا بالتوفيق.

و في تفسير العياشي، عن زرارة قال*: قلت لأبي عبد الله (ع): كيف لم يخف رسول الله ص- فيما يأتيه من قبل الله- أن يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان؟ قال:

فقال: إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا- أنزل عليه السكينة و الوقار- فكان يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه.

و في الكافي، بإسناده عن أبي بصير قال*: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله تبارك و تعالى: « وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا- ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ‏ » قال: خلق من خلق أعظم من جبرئيل و ميكائيل- كان مع رسول الله ص يخبره و يسدده، و هو مع الأئمة من بعده.

أقول: و في معناها عدة روايات و في بعضها أنه من الملكوت،

قال في روح المعاني،: و نقل الطبرسي عن أبي جعفر و أبي عبد الله: أن المراد من هذا الروح ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل- كان مع رسول الله ص و لم يصعد إلى السماء

، و هذا القول في غاية الغرابة و لعله لا يصح عن هذين الإمامين. انتهى.

و الذي في مجمع البيان.، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (ع) قالا: و لم يصعد إلى السماء و إنه لفينا.

انتهى.

و استغرابه فيما لا دليل له على نفيه غريب. على أنه يسلم تسديد هذا الروح لبعض الأمة غير النبي كما هو ظاهر لمن راجع قسم الإشارات من تفسيره.

و في النهج،: و لقد قرن الله به (ص) من لدن كان فطيما- أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم- و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏18، ص: 81

و في الدر المنثور، أخرج أبو نعيم في الدلائل و ابن عساكر عن علي قال*: قيل للنبي ص: هل عبدت وثنا قط؟ قال: لا. قالوا: فهل شربت خمرا قط؟ قال:

لا. و ما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر- و ما كنت أدري ما الكتاب و ما الإيمان، و بذلك نزل القرآن « ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ‏ ».

و في الكافي، بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (ع) في حديث، * و قال في نبيه ص: « وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ » يقول: تدعو.

و في الكافي، بإسناده عن جابر عن أبي جعفر (ع) قال*: سمعته يقول: وقع مصحف في البحر فوجدوه- و قد ذهب ما فيه إلا هذه الآية: « أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ».

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏18، ص: 82

(43) سورة الزخرف مكية و هي تسع و ثمانون آية (89)

[سورة الزخرف (43): الآيات 1 الى 14]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

حم (1) وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)

أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (5) وَ كَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (7) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَ مَضى‏ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8) وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلى‏ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَ تَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (14)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏18، ص: 83

بيان‏

السورة موضوعة للإنذار كما تشهد به فاتحتها و خاتمتها و المقاصد المتخللة بينهما إلا ما في قوله: « إِلَّا الْمُتَّقِينَ يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ‏ » إلى تمام ست آيات استطرادية.

تذكر أن السنة الإلهية إنزال الذكر و إرسال الأنبياء و الرسل و لا يصده عن ذلك إسراف الناس في قولهم و فعلهم بل يرسل الأنبياء و الرسل و يهلك المستهزءين بهم و المكذبين لهم ثم يسوقهم إلى نار خالدة.

و قد ذكرت إرسال الأنبياء بالإجمال أولا ثم سمي منهم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى (ع)، و ذكرت من إسراف الكفار أشياء و من عمدتها قولهم بأن لله سبحانه ولدا و أن الملائكة بنات الله ففيها عناية خاصة بنفي الولد عنه تعالى فكررت ذلك و ردته و أوعدتهم بالعذاب، و فيها حقائق متفرقة أخرى.

و السورة مكية بشهادة مضامين آياتها إلا قوله: « وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا » الآية، و لم يثبت كما سيأتي إن شاء الله.

قوله تعالى: « وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ‏ » ظاهره أنه قسم و جوابه قوله: « إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا » إلى آخر الآيتين، و كون القرآن مبينا هو إبانته و إظهاره طريق الهدى كما قال تعالى: «وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ» : النحل: 89، أو كونه ظاهرا في نفسه لا يرتاب فيه كما قال: «ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ» : البقرة: 2.

قوله تعالى: « إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ » الضمير للكتاب، و « قُرْآناً عَرَبِيًّا » أي مقروا باللغة العربية و « لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ » غاية الجعل و غرضه.

و جعل رجاء تعقله غاية للجعل المذكور يشهد بأن له مرحلة من الكينونة و الوجود لا ينالها عقول الناس، و من شأن العقل أن ينال كل أمر فكري و إن بلغ من اللطافة و الدقة ما بلغ فمفاد الآية أن الكتاب بحسب موطنه الذي له في نفسه أمر وراء الفكر أجنبي عن العقول البشرية و إنما جعله الله قرآنا عربيا و ألبسه هذا اللباس رجاء أن يستأنس به عقول الناس فيعقلوه، و الرجاء في كلامه تعالى قائم بالمقام أو المخاطب دون المتكلم كما تقدم غير مرة.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏18، ص: 84

قوله تعالى: « وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ‏ » تأكيد و تبيين لما تدل عليه الآية السابقة أن الكتاب في موطنه الأصلي وراء تعقل العقول.

و الضمير للكتاب، و المراد بأم الكتاب اللوح المحفوظ كما قال تعالى: «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ» : البروج: 22، و تسميته بأم الكتاب لكونه أصل الكتب السماوية يستنسخ منه غيره، و التقييد بأم الكتاب و « لَدَيْنا » للتوضيح لا للاحتراز، و المعنى: أنه حال كونه في أم الكتاب لدينا- حالا لازمة- لعلي حكيم، و سيجي‏ء في أواخر سورة الجاثية كلام في أم الكتاب إن شاء الله.

و المراد بكونه عليا على ما يعطه مفاد الآية السابقة أنه رفيع القدر و المنزلة من أن تناله العقول، و بكونه حكيما أنه هناك محكم غير مفصل و لا مجزى إلى سور و آيات و جمل و كلمات كما هو كذلك بعد جعله قرآنا عربيا كما استفدناه من قوله تعالى:

«كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ» : هود: 1.

و هذان النعتان أعني كونه عليا حكيما هما الموجبان لكونه وراء العقول البشرية فإن العقل في فكرته لا ينال إلا ما كان من قبيل المفاهيم و الألفاظ أولا و كان مؤلفا من مقدمات تصديقية يترتب بعضها على بعض كما في الآيات و الجمل القرآنية، و أما إذا كان الأمر وراء المفاهيم و الألفاظ و كان غير متجز إلى أجزاء و فصول فلا طريق للعقل إلى نيله.

فمحصل معنى الآيتين: أن الكتاب عندنا في اللوح المحفوظ ذو مقام رفيع و أحكام لا تناله العقول لذينك الوصفين و إنما أنزلناه بجعله مقروا عربيا رجاء أن يعقله الناس.

فإن قلت: ظاهر قوله: « لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ » إمكان تعقل الناس هذا القرآن العربي النازل تعقلا تاما فهذا الذي نقرؤه و نعقله إما أن يكون مطابقا لما في أم الكتاب كل المطابقة أو لا يكون، و الثاني باطل قطعا كيف؟ و هو تعالى يقول: « وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ‏ » و «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ» : البروج: 22، و «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ» : الواقعة: 78، فتعين الأول و مع مطابقته لأم الكتاب كل المطابقة ما معنى كون القرآن العربي الذي عندنا معقولا لنا و ما في أم الكتاب عند الله غير معقول لنا.

قلت: يمكن أن تكون النسبة بين ما عندنا و ما في أم الكتاب نسبة المثل و الممثل فالمثل هو الممثل بعينه لكن الممثل له لا يفقه إلا المثل فافهم ذلك.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏18، ص: 85

و بما مر يظهر ضعف الوجوه التي أوردوها في تفسير الوصفين كقول بعضهم: إن المراد بكونه عليا أنه عال في بلاغته مبين لما يحتاج إليه الناس، و قول بعضهم: معناه أنه يعلو كل كتاب بما اختص به من الإعجاز و هو ينسخ الكتب غيره و لا ينسخه كتاب، و قول بعضهم يعني أنه يعظمه الملائكة و المؤمنون.

و كقول بعضهم في معنى « حَكِيمٌ‏ » إنه مظهر للحكمة البالغة، و قول بعضهم معناه أنه لا ينطق إلا بالحكمة و لا يقول إلا الحق و الصواب، ففي توصيفه بالحكيم تجوز لغرض المبالغة. و ضعف هذه الوجوه ظاهر بالتدبر في مفاد الآية السابقة و ظهور أن جعله قرآنا عربيا بالنزول عن أم الكتاب.

قوله تعالى: « أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ‏ » الاستفهام للإنكار، و الفاء للتفريع على ما تقدم، و ضرب الذكر عنهم صرفه عنهم. قال في المجمع:، و أصل ضربت عنه الذكر أن الراكب إذا ركب دابة فأراد أن يصرفه عن جهة ضربه بعصا أو سوط ليعدل به إلى جهة أخرى ثم وضع الضرب موضع الصرف و العدل.

انتهى. و الصفح‏ بمعنى الإعراض فصفحا مفعول له، و احتمل أن يكون بمعنى الجانب «و أَنْ كُنْتُمْ‏ » محذوف الجار و التقدير لأن كنتم و هو متعلق بقوله: « أَ فَنَضْرِبُ‏ ».

و المعنى: أ فنصرف عنكم الذكر- و هو الكتاب الذي جعلناه قرآنا لتعقلوه- للإعراض عنكم لكونكم مسرفين أو أ فنصرفه عنكم إلى جانب لكونكم مسرفين أي أنا لا نصرفه عنكم لذلك.

قوله تعالى: « وَ كَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ » « كَمْ‏ » للتكثير، و الأولون هم الأمم الدارجة و « ما يَأْتِيهِمْ‏ » إلخ، حال و العامل فيها « أَرْسَلْنا ».

و الآيتان و ما يتلوهما في مقام التعليل لعدم صرف الذكر عنهم ببيان أن كونكم قوما مسرفين لا يمنعنا من إجراء سنة الهداية من طريق الوحي فإنا كثيرا ما أرسلنا من نبي في الأمم الماضين و الحال أنه ما يأتيهم من نبي إلا استهزءوا به و انجر الأمر إلى أن أهلكنا من أولئك من هو أشد بطشا منكم.

فكما كانت عاقبة إسرافهم و استهزائهم الهلاك دون الصرف فكذلك عاقبة إسرافكم ففي الآيات الثلاث كما ترى وعد للنبي ص و وعيد لقومه.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏18، ص: 86

قوله تعالى: « فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَ مَضى‏ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ‏ » قال الراغب،:

البطش‏ تناول الشي‏ء بصولة. انتهى و في الآية التفات في قوله: « مِنْهُمْ‏ » من الخطاب إلى الغيبة، و كان الوجه فيه العدول عن خطابهم إلى خطاب النبي ص لعدم اعتبارهم بهذه القصص و العبر و ليكون تمهيدا لقوله بعد: « وَ مَضى‏ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ‏ » و يؤيده قوله بعد: « وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ‏ » خطابا للنبي ص. و معنى قوله: « وَ مَضى‏ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ‏ » و مضى في السور النازلة قبل هذه السورة من القرآن وصف الأمم الأولين و أنه كيف حاق بهم ما كانوا به يستهزءون.

قوله تعالى: « وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏ » في الآية و ما يتلوها إلى تمام ست آيات احتجاج على ربوبيته تعالى و توحده فيها مع إشارة ما إلى المعاد و تبكيت لهم على إسرافهم مأخوذ من اعترافهم بأنه تعالى هو خالق الكل ثم الأخذ بجهات من الخلق هي بعينها تدبير لأمور العباد كجعل الأرض لهم مهدا و جعله فيها سبلا و إنزال الأمطار فينتج أنه تعالى وحده مالك مدبر لأمورهم فهو الرب لا رب غيره.

و بذلك تبين أن الآية تقدمة و توطئة لما تتضمنه الآيات التالية من الحجة و قد تقدم في هذا الكتاب مرارا أن الوثنية لا تنكر رجوع الصنع و الإيجاد إليه تعالى وحده و إنما تدعي رجوع أمر التدبير إلى غيره.

قوله تعالى: « الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏ » أي جعل لكم الأرض بحيث تربون فيها كما يربى الأطفال في المهد، و جعل لكم في الأرض سبلا و طرقا تسلكونها و تهتدون بها إلى مقاصدكم.

و قيل: معنى « لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏ » رجاء أن تهتدوا إلى معرفة الله و توحيده في العبادة و الأول أظهر.

صفحه بعد