کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج19، ص: 139
البعث و الجزاء، و لو لا للتحضيض تعجيزا و تبكيتا لهم، و ضمير « بَلَغَتِ » للنفس، و بلوغ النفس الحلقوم كناية عن الإشراف التام للموت.
و قوله: « وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ » أي تنظرون إلى المحتضر أي هو بمنظر منكم.
و قوله: « وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ » أي و الحال أنا أقرب إليه منكم لإحاطتنا به وجودا و رسلنا القابضون لروحه أقرب إليه منكم و لكن لا تبصروننا و لا رسلنا.
قال تعالى: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها» : الزمر: 26، و قال: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ» : السجدة: 11، و قال: «حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا» : الأنعام: 61.
و قوله: « فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ » تكرار لو لا لتأكيد لو لا السابقة، و « مَدِينِينَ » أي مجزيين من دان يدين بمعنى جزى يجزي، و المعنى: إن كنتم غير مجزيين ثوابا و عقابا بالبعث.
و قوله: « تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » أي إن كنتم صادقين في دعواكم أن لا بعث و لا جزاء، و قوله: « تَرْجِعُونَها » مدخول لو لا التحضيضية بحسب التقدير و ترتيب الآيات بحسب التقدير فلو لا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم مدينين.
قوله تعالى: « فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ » رجوع إلى بيان حال الأزواج الثلاثة المذكورة في أول السورة عند الموت و بعده و ضمير « كانَ » للمتوفى المعلوم من السياق، و المراد بالمقربين السابقون المقربون المذكورون سابقا، و الروح الراحة، و الريحان الرزق، و قيل: هو الريحان المشموم من ريحان الجنة يؤتى به إليه فيشمه و يتوفى.
و المعنى: فأما إن كان المتوفى من المقربين فله- أو فجزاؤه- راحة من كل هم و غم و ألم و رزق من رزق الجنة و جنة نعيم.
قوله تعالى: « وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ » يمكن أن يكون اللام للاختصاص الملكي و معنى « فَسَلامٌ لَكَ » أنك تختص بالسلام من أصحاب اليمين الذين هم قرناؤك و رفقاؤك فلا ترى منهم إلا خيرا و سلاما.
و قيل: لك بمعنى عليك أي يسلم عليك أصحاب اليمين، و قيل غير ذلك.
و الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للدلالة على أنه يخاطب بهذا الخطاب: سلام لك من
الميزان فى تفسير القرآن، ج19، ص: 140
أصحاب اليمين.
قوله تعالى: « وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ » تصلية النار الإدخال فيها، و قيل: مقاساة حرها و عذابها.
و المعنى: و أما إن كان من أهل التكذيب و الضلال فلهم نزل من ماء شديد الحرارة، و مقاساة حر نار جحيم.
و قد وصفهم الله بالمكذبين الضالين فقدم التكذيب على الضلال لأن ما يلقونه من العذاب تبعة تكذيبهم و عنادهم للحق و لو كان ضلالا بلا تكذيب و عناد كانوا مستضعفين غير نازلين هذه المنزلة، و أما قوله سابقا: « ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ » فإذ كان المقام هناك مقام الرد لقولهم: « أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ » إلخ، كان الأنسب توصيفهم أولا بالضلال ثم بالتكذيب.
قوله تعالى: « إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ » الحق هو العلم من حيث إن الخارج الواقع يطابقه، و اليقين هو العلم الذي لا لبس فيه و لا ريب فإضافة الحق إلى اليقين نحو من الإضافة البيانية جيء بها للتأكيد.
و المعنى: أن هذا الذي ذكرناه من حال أزواج الناس الثلاثة هو الحق الذي لا تردد فيه و العلم الذي لا شك يعتريه.
قوله تعالى: « فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ » تقدم تفسيره، و هو تفريع على ما تقدمه من صفة القرآن و بيان حال الأزواج الثلاثة بعد الموت و في الحشر.
و المعنى: فإذا كان القرآن على هذه الصفات و صادقا فيما ينبئ به من حال الناس بعد الموت فنزه ربك العظيم مستعينا أو ملابسا باسمه و أنف ما يراه و يدعيه هؤلاء المكذبون الضالون.
(بحث روائي)
في المجمع،: في قوله تعالى: « أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ »: و
روي عن النبي ص قال: لا يقولن أحدكم زرعت و ليقل حرثت.:
أقول: و رواه في الدر المنثور، عن عدة من أصحاب الجوامع عن أبي هريرة عنه (ص) .
الميزان فى تفسير القرآن، ج19، ص: 141
و في تفسير القمي،": « أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ » قال: من السحاب « نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً » لنار يوم القيامة « وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ » قال: المحتاجين.
و في المجمع، في قوله تعالى: « فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ »:
فقد صح عن النبي ص: أنه لما نزلت هذه الآية قال: اجعلوها في ركوعكم.:
أقول: و رواه في الفقيه، مرسلا، و رواه في الدر المنثور، عن الجهني عنه (ص) .
و في الدر المنثور، أخرج النسائي و ابن جرير و محمد بن نصر و الحاكم و صححه و ابن مردويه و البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال": أنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا- إلى السماء الدنيا جملة واحدة- ثم فرق في السنين و في لفظ- ثم نزل من السماء الدنيا إلى الأرض نجوما- ثم قرأ « فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ».
أقول: و ظاهره تفسير مواقع النجوم بأوقات نزول نجوم القرآن.
و في تفسير القمي،": و قوله: « فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ » قال: معناه أقسم بمواقع النجوم.
و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه بسند رواه عن ابن عباس عن النبي ص: « إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ » قال: عند الله في صحف مطهرة « لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ » قال: المقربون.
أقول: و تفسير المطهرين بالمقربين يؤيد ما أوردناه في البيان المتقدم، و قد أوردنا في ذيل قوله: «هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» الآية: الجاثية: 29، حديثا عن الصادق (ع) في الكتاب المكنون.
و في المجمع،: في قوله تعالى: « لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ » و قالوا: لا يجوز للجنب و الحائض و المحدث مس المصحف: عن محمد بن علي (ع) .
أقول: المراد بمس المصحف مس كتابته بدليل الروايات الأخر.
و في الكافي، بإسناده عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن التعويذ يعلق على الحائض- قال: نعم لا بأس. و قال: تقرؤه و تكتبه و لا تصيبه يدها.
و في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و ابن أبي داود و ابن المنذر عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه قال: في كتاب النبي ص لعمرو بن حزم: و لا تمس القرآن إلا عن طهور.
أقول: و الروايات فيه كثيرة من طرق الشيعة و أهل السنة.
و فيه، أخرج مسلم و ابن المنذر و ابن مردويه عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد
الميزان فى تفسير القرآن، ج19، ص: 142
رسول الله ص فقال النبي ص: أصبح من الناس شاكر و منهم كافر- قالوا: هذه رحمة وضعها الله- و قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا- فنزلت هذه الآية « فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ » حتى بلغ « وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ».
أقول: و قد استفاضت الرواية من طرق أهل السنة أن الآيات نزلت في الأنواء و ظاهرها أنها مدنية لكنها لا تلائم سياق آيات السورة كما عرفت.
و في المجمع، و قراءة علي (ع) و ابن عباس و رويت عن النبي ص: و تجعلون شكركم.:
أقول: و رواه في الدر المنثور، عن النبي ص و علي (ع) .
و في تفسير القمي،": في قوله: « غَيْرَ مَدِينِينَ » قال: معناه فلو كنتم غير مجازين على أعمالكم « تَرْجِعُونَها » يعني به الروح إذا بلغت الحلقوم- تردونها في البدن « إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ».
و فيه، بإسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: « فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ » في قبره « وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ » في الآخرة.
و في الدر المنثور، أخرج القاسم بن مندة في كتاب الأحوال و الإيمان بالسؤال عن سلمان قال: قال رسول الله ص: إن أول ما يبشر به المؤمن عند الوفاة- بروح و ريحان و جنة نعيم- و إن أول ما يبشر به المؤمن في قبره أن يقال: أبشر برضا الله تعالى و الجنة قدمت خير مقدم- قد غفر الله لمن شيعك إلى قبرك، و صدق من شهد لك، و استجاب لمن استغفر لك.
و فيه، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس": في قوله: « فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ » قال: تأتيه الملائكة بالسلام من قبل الله- تسلم عليه و تخبره أنه من أصحاب اليمين.
أقول: و ما أورده من المعنى مبني على كون الآية حكاية خطاب الملائكة، و التقدير قالت الملائكة سلام لك حال كونك من أصحاب اليمين فهي سلام و بشارة.
(57) (سورة الحديد مدنية و هي تسع و عشرون آية) (29)
[سورة الحديد (57): الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الميزان فى تفسير القرآن، ج19، ص: 143
(بيان)
غرض السورة حث المؤمنين و ترغيبهم في الإنفاق في سبيل الله كما يشعر به تأكيد الأمر به مرة بعد مرة في خلال آياتها « آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ » الآية، « مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً » الآية، « إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ وَ أَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً » و قد سمت إنفاقهم ذلك إقراضا منه لله عز اسمه فالله سبحانه خير مطلوب و هو لا يخلف الميعاد و قد وعدهم إن أقرضوه أن يضاعفه لهم و أن يؤتيهم أجرا كريما كثيرا.
و قد أشار إلى أن هذا الإنفاق من التقوى و الإيمان بالرسول و أنه يستتبع مغفرة الذنوب و إتيان كفلين من الرحمة و لزوم النور بل و اللحوق بالصديقين و الشهداء عند الله سبحانه.
و في خلال آياتها معارف راجعة إلى المبدأ و المعاد، و دعوة إلى التقوى و إخلاص الإيمان و الزهد و موعظة.
و السورة مدنية بشهادة سياق آياتها و قد ادعى بعضهم إجماع المفسرين على ذلك.
الميزان فى تفسير القرآن، ج19، ص: 144
و لقد افتتحت السورة بتسبيحه و تنزيهه تعالى بعده من أسمائه الحسنى لما في غرض السورة و هو الحث على الإنفاق من شائبة توهم الحاجة و النقص في ناحيته و نظيرتها في ذلك جميع السور المفتتحة بالتسبيح و هي سور الحشر و الصف و الجمعة و التغابن المصدرة بسبح أو يسبح.
قوله تعالى: « سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » التسبيح التنزيه و هو نفي ما يستدعي نقصا أو حاجة مما لا يليق بساحة كماله تعالى، و ما موصولة و المراد بها ما يعم العقلاء مما في السماوات و الأرض كالملائكة و الثقلين و غير العقلاء كالجمادات و الدليل عليه ما ذكر بعد من صفاته المتعلقة بالعقلاء كالإحياء و العلم بذات الصدور.
فالمعنى: نزه الله سبحانه ما في السماوات و الأرض من شيء و هو جميع العالم.
و المراد بتسبيحها حقيقة معنى التسبيح دون المعنى المجازي الذي هو دلالة وجود كل موجود في السماوات و الأرض على أن له موجدا منزها من كل نقص متصفا بكل كمال، و دون عموم المجاز و هو دلالة كل موجود على تنزهه تعالى إما بلسان القال كالعقلاء و إما بلسان الحال كغير العقلاء من الموجودات و ذلك لقوله تعالى: «وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» : إسراء: 44، حيث استدرك أنهم لا يفقهون تسبيحهم و لو كان المراد بتسبيحهم دلالة وجودهم على وجوده و هي قيام الحجة على الناس بوجودهم أو كان المراد تسبيحهم و تحميدهم بلسان الحال و ذلك مما يفقه الناس لم يكن للاستدراك معنى.
فتسبيح ما في السماوات و الأرض تسبيح و نطق بالتنزيه بحقيقة معنى الكلمة و إن كنا لا نفقهه، قال تعالى: «قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» : حم السجدة: 21.
و قوله: « وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » أي المنيع جانبه يغلب و لا يغلب، المتقن فعله لا يعرض على فعله ما يفسده عليه و لا يتعلق به اعتراض معترض.
قوله تعالى: « لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » الكلام موضوع على الحصر فهو المليك في السماوات و الأرض يحكم ما يشاء لأنه الموجد لكل شيء فما في السماوات و الأرض يقوم به وجوده و آثار وجوده فلا حكم إلا له فلا ملك و لا سلطنة إلا له.
و قوله: « يُحْيِي وَ يُمِيتُ » إشارة إلى اسمية المحيي و المميت، و إطلاق « يُحْيِي وَ يُمِيتُ » يفيد شمولهما لكل إحياء و إماتة كإيجاده الملائكة أحياء من غير سبق موت، و إحيائه
الميزان فى تفسير القرآن، ج19، ص: 145
الجنين في بطن أمه و إحيائه الموتى في البعث و إيجاده الجماد ميتا من غير سبق حياة و إماتته الإنسان في الدنيا و إماتته ثانيا في البرزخ على ما يشير إليه قوله: «رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ» : المؤمن: 11 و في « يُحْيِي وَ يُمِيتُ » دلالة على الاستمرار.
و قوله: « وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » فيه إشارة إلى صفة قدرته و أنها مطلقة غير مقيدة بشيء دون شيء، و في تذييل الآية بالقدرة على كل شيء مناسبة مع ما تقدمها من الإحياء و الإماتة لما ربما يتوهمه المتوهم أن لا قدرة على إحياء الموتى و لا عين منهم و لا أثر.
قوله تعالى: « هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » لما كان تعالى قديرا على كل شيء مفروض كان محيطا بقدرته على كل شيء من كل جهة فكل ما فرض أولا فهو قبله فهو الأول دون الشيء المفروض أولا، و كل ما فرض آخرا فهو بعده لإحاطة قدرته به من كل جهة فهو الآخر دون الشيء المفروض آخرا، و كل شيء فرض ظاهرا فهو أظهر منه لإحاطة قدرته به من فوقه فهو الظاهر دون المفروض ظاهرا، و كل شيء فرض أنه باطن فهو تعالى أبطن منه لإحاطته به من ورائه فهو الباطن دون المفروض باطنا فهو تعالى الأول و الآخر و الظاهر و الباطن على الإطلاق و ما في غيره تعالى من هذه الصفات فهي إضافية نسبية.
و ليست أوليته تعالى و لا آخريته و لا ظهوره و لا بطونه زمانية و لا مكانية بمعنى مظروفيته لهما و إلا لم يتقدمهما و لا تنزه عنهما سبحانه بل هو محيط بالأشياء على أي نحو فرضت و كيفما تصورت.
فبان مما تقدم أن هذه الأسماء الأربعة الأول و الآخر و الظاهر و الباطن من فروع اسمه المحيط و هو فرع إطلاق القدرة فقدرته محيطة بكل شيء و يمكن تفريع الأسماء الأربعة على إحاطة وجوده بكل شيء فإنه تعالى ثابت قبل ثبوت كل شيء و ثابت بعد فناء كل شيء و أقرب من كل شيء ظاهر و أبطن من الأوهام و العقول من كل شيء خفي باطن.
و كذا للأسماء الأربعة نوع تفرع على علمه تعالى و يناسبه تذييل الآية بقوله: « وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ».