کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏19، ص: 334

قوله تعالى: « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ » إلخ، « قُوا » أمر من الوقاية بمعنى حفظ الشي‏ء مما يؤذيه و يضره، و الوقود بفتح الواو اسم لما توقد به النار من حطب و نحوه. و المراد بالنار نار جهنم و كون الناس المعذبين فيها وقودا لها معناه اشتعال الناس فيها بأنفسهم كما في قوله تعالى: «ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ» : المؤمن: 72. فيناسب تجسم الأعمال كما هو ظاهر الآية التالية « يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا » إلخ، و فسرت الحجارة بالأصنام.

و قوله: « عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ‏ » أي وكل عليها لإجراء أنواع العذاب على أهلها ملائكة غلاظ شداد.

و الغلاظ جمع غليظ ضد الرقيق و الأنسب للمقام كون المراد بالغلظة خشونة العمل كما في قوله الآتي: « جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ‏ » الآية 9 من السورة، و الشداد جمع شديد بمعنى القوي في عزمه و فعله.

و قوله: « لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ‏ » كالمفسر لقوله: « غِلاظٌ شِدادٌ أي هم ملتزمون بما أمرهم الله من أنواع العذاب لا يعصونه بالمخالفة و الرد و يفعلون ما يؤمرون به على ما أمروا به من غير أن يفوت منهم فائت أو ينقص منه شي‏ء لضعف فيهم أو فتور فهم غلاظ شداد.

و بهذا يظهر أن قوله: « لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ‏ » ناظر إلى التزامهم بالتكليف، و قوله: « وَ يَفْعَلُونَ‏ » إلخ، ناظر إلى العمل على طبقه فلا تكرار كما قيل.

قال في التفسير الكبير، في ذيل الآية: و فيه إشارة إلى أن الملائكة مكلفون في الآخرة بما أمرهم الله تعالى به و بما ينهاهم عنه، و العصيان منهم مخالفة للأمر و النهي.

و فيه أن الآية و غيرها مما تصف الملائكة بمحض الطاعة من غير معصية مطلقة تشمل الدنيا و الآخرة فلا وجه لتخصيص تكليفهم بالآخرة.

ثم إن تكليفهم غير سنخ التكليف المعهود في المجتمع الإنساني بمعنى تعليق المكلف- بالكسر- إرادته بفعل المكلف- بالفتح- تعليقا اعتباريا يستتبع الثواب و العقاب في ظرف الاختيار و إمكان الطاعة و المعصية بل هم خلق من خلق الله لهم ذوات طاهرة نورية لا يريدون إلا ما أراد الله و لا يفعلون إلا ما يؤمرون، قال تعالى: «بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» : الأنبياء، 27 و لذلك لا جزاء لهم‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏19، ص: 335

على أعمالهم من ثواب أو عقاب فهم مكلفون بتكليف تكويني غير تشريعي مختلف باختلاف درجاتهم، قال تعالى: «وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ» : الصافات: 164، و قال عنهم:

«وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا» : مريم: 64.

و الآية الكريمة بعد الآيات السابقة كالتعميم بعد التخصيص فإنه تعالى لما أدب نساء النبي ص ببيان ما لإيذائهم النبي ص من الأثر السيئ عمم الخطاب فخاطب المؤمنين عامة أن يؤدبوا أنفسهم و أهليهم و يقوهم من النار التي وقودها نفس الداخلين فيها أي إن أعمالهم السيئة تلزمهم و تعود نارا تعذبهم و لا مخلص لهم منها و لا مناص عنها.

قوله تعالى: « يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ » خطاب عام للكفار بعد ما جوزوا بالنار فإنهم يعتذرون عن كفرهم و معاصيهم فيخاطبون أن لا تعتذروا اليوم- و هو يوم الجزاء إنما تجزون نفس ما كنتم تعملون أي إن العذاب الذي تعذبون بها هو عملكم السيئ الذي عملتموه و قد برز لكم اليوم حقيقته و إذ عملتموه فقد لزمكم أنكم عملتموه و الواقع لا يتغير و ما حق عليكم من كلمة العذاب لا يعود باطلا فهذا ظاهر الخطاب.

و قيل: المعنى: لا تعتذروا- اليوم- بعد دخول النار فإن الاعتذار توبة و التوبة غير مقبولة بعد دخول النار إنما تجزون ما لزم في مقابل عملكم من الجزاء في الحكمة.

و في اتباع الآيات السابقة بما في هذه الآية من خطاب القهر تهديد ضمني و إشعار بأن معصية الله و رسوله ربما أدى إلى الكفر.

قوله تعالى: « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى‏ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ » إلخ، النصح‏ تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه، و يأتي بمعنى الإخلاص نحو نصحت له الود أي أخلصته- على ما ذكره الراغب- فالتوبة النصوح ما يصرف صاحبه عن العود إلى المعصية أو ما يخلص العبد للرجوع عن الذنب فلا يرجع إلى ما تاب منه.

لما أمر المؤمنين بوقاية أنفسهم و أهليهم من النار أمرهم جميعا ثانيا بالتوبة و فرع عليه رجاء أن يستر الله سيئاتهم و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار.

و قوله: « يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ‏ » قال الراغب: يقال: خزي‏ الرجل يخزي من باب علم يعلم إذا لحقه انكسار إما من نفسه و إما من غيره فالذي يلحقه‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏19، ص: 336

من نفسه و هو الحياء المفرط مصدره الخزاية، و الذي يلحقه من غيره و يعد ضربا من الاستخفاف مصدره الخزي و الإخزاء من الخزاية و الخزي جميعا قال: و على نحو ما قلنا في خزي ذل و هان فإن ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال له الهون- بفتح الهاء- و الذل و يكون محمودا، و متى كان من غيره يقال له: الهون‏ - بضم الهاء- و الهوان و الذل و يكون مذموما. انتهى ملخصا.

«فقوله: « يَوْمَ‏ » ظرف لما تقدمه، و المعنى: توبوا إلى الله عسى أن يكفر عنكم سيئاتكم و يدخلكم الجنة في يوم لا يخزي و لا يكسر الله النبي ص بجعلهم محرومين من الكرامة و خلفه ما وعدهم من الوعد الجميل.

و في قوله: « النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ‏ » اعتبار المعية في الإيمان في الدنيا و لازمه ملازمتهم النبي ص و طاعتهم له من غير مخالفة و مشاقة.

و من المحتمل أن يكون قوله: « الَّذِينَ آمَنُوا » مبتدأ خبره « مَعَهُ‏ » و قوله: « نُورُهُمْ يَسْعى‏ » إلخ، خبرا ثانيا، و قوله: « يَقُولُونَ‏ » إلخ، خبرا ثالثا فيفيد أنهم لا يفارقون النبي و لا يفارقهم يوم القيامة، و هذا وجه جيد لازمه كون عدم الخزي خاصا بالنبي ص و سعي النور و سؤال إتمامه خاصا بالذين معه من المؤمنين و تؤيده آية الحديد الآتية.

و من الممكن أن يكون « مَعَهُ‏ » متعلقا بقوله: « آمَنُوا » و قوله: « نُورُهُمْ يَسْعى‏ » إلخ، خبرا أولا و ثانيا للموصول.

و قوله: « يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ‏ » تقدم بعض الكلام في معناه في قوله تعالى: «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ» : الحديد: 12، و لا يبعد أن يكون ما بين أيديهم من النور نور الإيمان و ما بأيمانهم نور العمل.

و قوله: « يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ » يفيد السياق أن المغفرة المسئولة سبب لتمام النور أو هو ملازم لتمام النور فيفيد أن في نورهم نقصا و النور نور الإيمان و العمل فلهم نقائص بحسب درجات الإيمان أو آثار السيئات التي خلت محالها في صحائفهم من العبودية في العمل فيسألون ربهم أن يتم لهم نورهم و يغفر لهم، و إليه الإشارة بقوله تعالى: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ:» الحديد: 19.

قوله تعالى: « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏19، ص: 337

وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ » المراد بالجهاد بذل الجهد في إصلاح الأمر من جهتهم و دفع شرهم ففي الكفار ببيان الحق و تبليغه فإن آمنوا و إلا فالحرب و في المنافقين باستمالتهم و تأليف قلوبهم حتى تطمئن قلوبهم إلى الإيمان و إلا فلم يقاتل النبي ص منافقا قط.

و قيل: المراد اشدد عليهم في إقامة الحدود لأن أكثر من يصيب الحد في ذلك الزمان المنافقون. و هما كما ترى.

بحث روائي‏

في تفسير القمي، بإسناده عن ابن سيار عن أبي عبد الله (ع) * في قوله: « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ- تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ‏ » قال: اطلعت عائشة و حفصة على النبي ص و هو مع مارية- فقال النبي ص: و الله لا أقربها- فأمر الله أن يكفر بها عن يمينه.

و في الكافي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال*: سألته عن رجل قال لامرأته:

أنت علي حرام- فقال: لو كان لي عليه سلطان لأوجعت رأسه- و قلت: الله أحلها لك فما حرمها عليك؟ أنه لم يزد على أن كذب- فزعم أن ما أحل الله له حرام- و لا يدخل عليه طلاق و لا كفارة.

فقلت: قول الله عز و جل: « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ‏ » فجعل فيه كفارة؟

فقال: إنما حرم عليه جاريته مارية القبطية- و حلف أن لا يقربها، و إنما جعل على النبي ص الكفارة في الحلف- و لم يجعل عليه في التحريم.

و في الدر المنثور، أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الطبراني و ابن مردويه بسند صحيح عن ابن عباس قال*: كان رسول الله ص يشرب من شراب- عند سودة من العسل- فدخل على عائشة فقالت: إني أجد منك ريحا، فدخل على حفصة فقالت: إني أجد منك ريحا- فقال: أراه من شراب شربته عند سودة- و الله لا أشربه، فأنزل الله: « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ‏ » الآية.

أقول: و الحديث مروي بطرق متشتتة و ألفاظ مختلفة، و في انطباقها على الآيات- و هي ذات سياق واحد- خفاء.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏19، ص: 338

و فيه، أخرج ابن سعد و ابن مردويه عن ابن عباس قال*: كانت عائشة و حفصة متحابتين- فذهبت حفصة إلى بيت أبيها تحدث عنده- فأرسل النبي ص إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة- و كان اليوم الذي يأتي فيه عائشة فوجدتهما في بيتها- فجعلت تنتظر خروجها و غارت غيرة شديدة- فأخرج النبي ص جاريته و دخلت حفصة- فقالت: قد رأيت من كان عندك و الله لقد سوأتني، فقال النبي ص: و الله لأرضينك و إني مسر إليك سرا فاحفظيه، قالت: ما هو؟ قال: إني أشهدك- أن سريتي هذه علي حرام رضا لك.

فانطلقت حفصة إلى عائشة- فأسرت إليها أن أبشري- أن النبي ص قد حرم عليه فتاته- فلما أخبرت بسر النبي ص أظهر الله النبي ص عليه- فأنزل الله: « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ‏ ».

أقول: انطباق ما في الحديث على الآيات و خاصة قوله: «عرف بعضه و أعرض عن بعض» فيه خفاء.

و فيه، أخرج الطبراني و ابن مردويه عن ابن عباس‏ * في قوله: « وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً » قال: دخلت حفصة على النبي ص في بيتها و هو يطأ مارية، فقال لها رسول الله ص: لا تخبري عائشة حتى أبشرك بشارة- فإن أباك يلي الأمر بعد أبي بكر إذا أنا مت.

فذهبت حفصة فأخبرت عائشة- فقالت عائشة للنبي ص: من أنبأك هذا؟ قال:

نبأني العليم الخبير، فقالت عائشة: لا أنظر إليك حتى تحرم مارية فحرمها- فأنزل الله « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ‏ ».

أقول: و الآثار في هذا الباب كثيرة على اختلاف فيها، و في أكثرها أنه (ص) حرم مارية على نفسه لقول حفصة لا لقول عائشة، و أن التي قالت للنبي ص: « مَنْ أَنْبَأَكَ هذا » هي حفصة تريد من أخبرك أني أفشيت السر دون عائشة.

و هي مع ذلك لا تزيل إبهام قوله تعالى: « عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ‏ ». نعم فيما

رواه ابن مردويه عن علي قال: ما استقصى كريم قط لأن الله يقول: « عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ‏ »

، و روي عن أبي حاتم عن مجاهد، و ابن مردويه عن ابن عباس"*: أن الذي عرف أمر مارية- و الذي أعرض عنه قوله: إن أباك و أباها يليان الناس بعدي مخافة أن يفشو.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏19، ص: 339

و يتوجه عليه أنه ما وجه الكرم في أن يعرف (ص) ما قاله من تحريم مارية و يعرض عما أخبرها من ولايتهما مع أن العكس أولى و أقرب.

و قد روي بعده طرق عن عمر بن الخطاب سبب نزول الآيات و لم يذكر ذلك‏

ففي عدة من جوامع الحديث منها البخاري و مسلم و الترمذي عن ابن عباس قال": لم أزل حريصا أن أسأل عمر- عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله: « إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما » حتى حج عمر و حججت معه- فلما كان ببعض الطريق عدل عمر و عدلت معه بالإداوة- فتبرز ثم أتى فصببت على يديه فتوضأ.

فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان- من أزواج النبي ص اللتان قال الله: « إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما » فقال: وا عجبا لك يا ابن عباس- هما عائشة و حفصة ثم أنشأ يحدثني.

فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء- فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم- فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم- فغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني- فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر من ذلك؟ فو الله إن أزواج النبي ص ليراجعنه- و تهجره إحداهن اليوم إلى الليل. قلت: قد خابت من فعلت ذلك منهن و خسرت.

قال: و كان منزلي بالعوالي- و كان لي جار من الأنصار- كنا نتناوب النزول إلى رسول الله ص- فينزل يوما فيأتيني بخبر الوحي و غيره- و أنزل يوما فآتيه بمثل ذلك.

قال: و كنا نحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا- فجاء يوما فضرب على الباب فخرجت إليه- فقال: حدث أمر عظيم. فقلت: أ جاءت غسان؟ قال: أعظم من ذلك طلق رسول الله ص نساءه. قلت في نفسي: قد خابت حفصة و خسرت- قد كنت أرى ذلك كائنا- فلما صلينا الصبح شددت علي ثيابي- ثم انطلقت حتى دخلت على حفصة- فإذا هي تبكي فقلت: أ طلقكن رسول الله ص؟ قالت: لا أدري هو ذا معتزل في المشربة- فانطلقت فأتيت غلاما أسود- فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي- فقال: قد ذكرتك له فلم يقل شيئا- فانطلقت إلى المسجد- فإذا حول المسجد نفر يبكون فجلست إليهم.

ثم غلبني ما أجد فانطلقت فأتيت الغلام- فقلت: استأذن لعمر فدخل ثم خرج- فقال:

قد ذكرتك له فلم يقل شيئا- فوليت منطلقا فإذا الغلام يدعوني- فقال: ادخل فقد أذن لك- فدخلت فإذا النبي ص متكئ على حصير- قد رأيت أثره في جنبه- فقلت: يا رسول الله‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏19، ص: 340

أ طلقت نساءك؟ قال: لا. قلت: الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله- و كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم- فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم- فغضبت يوما على امرأتي- فإذا هي تراجعني فأنكرت ذلك- فقالت: ما تنكر؟

فو الله إن أزواج النبي ص ليراجعنه- و تهجره إحداهن اليوم إلى الليل- فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن، فدخلت على حفصة- فقلت: أ تراجع إحداكن رسول الله- و تهجره اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم. فقلت: قد خابت من فعلت ذلك منكن و خسرت- أ تأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله ص- فإذا هي قد هلكت فتبسم رسول الله ص.

فقلت لحفصة: لا تراجعي رسول الله ص- و لا تسأليه شيئا و سليني ما بدا لك- و لا يغرنك إن كانت جارتك أوسم منك- و أحب إلى رسول الله ص فتبسم أخرى.

فقلت: يا رسول الله أستأنس قال: نعم. فرفعت رأسي فما رأيت في البيت إلا أهبة ثلاثة- فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك- فقد وسع على فارس و الروم و هم لا يعبدون الله- فاستوى جالسا و قال: أ و في شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم قد عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، و كان قد أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا- فعاتبه الله في ذلك و جعل له كفارة اليمين.

أقول: و هذا المعنى مروي عنه مفصلا و مختصرا بطرق مختلفة، و الرواية- كما ترى- لا تذكر ما أسره النبي ص إلى بعض أزواجه؟ و ما هو بعض النبإ الذي عرفه و ما هو الذي أعرض عنه و له شأن من الشأن.

و هي مع ذلك ظاهرة في أن المراد بالتحريم في الآية تحريم عامة أزواجه و ذلك لا ينطبق عليها و فيها قوله تعالى: « لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ‏ » مضافا إلى أنه لا تبين به وجه التخصيص في قوله: « إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ‏ » إلخ.

و في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير قال*: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: « إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما- وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ- وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ‏ » قال: صالح المؤمنين علي (ع).

صفحه بعد