کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 34
و ود و سواع و يغوث و يعوق و نسر خمس من آلهتهم لهم اهتمام تام بعبادتهن و لذا خصوها بالذكر مع الوصية بمطلق الآلهة، و لعل تصدير ود و ذكر سواع و يغوث بلا المؤكدة للنفي لكونها أعظم أمرا عندهم من يعوق و نسر و الله أعلم.
قوله تعالى: « وَ قَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا » ضمير « أَضَلُّوا » للرؤساء المتبوعين و يتأيد به أنهم هم المحدث عنهم في قوله: « وَ مَكَرُوا » « وَ قالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ » و قيل: الضمير للأصنام فهم المضلون، و لا يخلو من بعد.
و قوله: « وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا » دعاء من نوح على الظالمين بالضلال و المراد به الضلال مجازاة دون الضلال الابتدائي فهو دعاء منه أن يجازيهم الله بكفرهم و فسقهم مضافا إلى ما سيحكي عنه من دعائه عليهم بالهلاك.
بحث روائي
في نهج البلاغة،: و قد جعل الله سبحانه الاستغفار سببا لدرور الرزق- و رحمة الخلق فقال سبحانه: « اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً- يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ » فرحم الله امرأ استقبل توبته، و استقال خطيئته، و بادر منيته
أقول: و الروايات في استفادة سببية الاستغفار لسعة الرزق و الأمداد بالأولاد من هذه الآيات كثيرة.
و في الخصال، عن علي (ع) في حديث الأربعمائة*: أكثر الاستغفار تجلب الرزق.
و في تفسير القمي، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) * في قوله تعالى: « لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً » قال؟ لا تخافون لله عظمة:.
أقول: و قد روي هذا المعنى من طرق أهل السنة عن ابن عباس .
و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) * في قوله تعالى: « سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً » يقول بعضها فوق بعض.
و فيه،: في قوله تعالى: « رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي- وَ اتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلَّا خَساراً » قال: اتبعوا الأغنياء.
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 35
و في الدر المنثور، أخرج البخاري و ابن المنذر و ابن مردويه عن ابن عباس قال"*: صارت الأصنام و الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد.
أما ود فكانت لكلب في دومة الجندل، و أما سواع فكانت لهذيل، و أما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف عند سبإ، و أما يعوق فكانت لهمدان، و أما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع.
و كانوا أسماء رجال صالحين من قوم نوح- فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم- أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا- و سموها بأسمائهم ففعلوا- فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك و نسخ العلم عبدت.
أقول: لعل المراد بصيرورة تلك الأصنام التي كانت لقوم نوح إلى العرب مطابقة ما عند العرب لما كان عندهم في الأسماء أو في الأوصاف و الأسماء، و أما انتقال تلك الأصنام بأشخاصهن إلى العرب فبعيد غايته.
و روي القصة أيضا في علل الشرائع، بإسناده عن جعفر بن محمد (ع) كما في الرواية
و في روضة الكافي، بإسناده عن المفضل عن أبي عبد الله (ع) في حديث: فعمل نوح سفينته في مسجد الكوفة بيده- فأتي بالخشب من بعد حتى فرغ منها.
قال: فالتفت عن يساره- و أشار بيده إلى موضع دار الداريين- و هو موضع دار ابن حكيم، و ذاك فرات اليوم، فقال لي يا مفضل و هنا نصبت أصنام قوم نوح: يغوث و يعوق و نسر.
[سورة نوح (71): الآيات 25 الى 28]
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 36
بيان
تتضمن الآيات هلاك القوم و تتمة دعاء نوح (ع) عليهم.
قوله تعالى: « مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً » إلخ « مِنْ » لابتداء الغاية تفيد بحسب المورد التعليل و « مِمَّا » زائدة لتأكيد أمر الخطايا و تفخيمه، و الخطيئات المعاصي و الذنوب، و تنكير النار للتفخيم.
و المعنى: من أجل معاصيهم و ذنوبهم أغرقوا بالطوفان فأدخلوا- أدخلهم الله- نارا لا يقدر عذابها بقدر، و من لطيف نظم الآية الجمع بين الإغراق بالماء و إدخال النار.
و المراد بالنار نار البرزخ التي يعذب بها المجرمون بين الموت و البعث دون نار الآخرة، و الآية من أدلة البرزخ إذ ليس المراد أنهم أغرقوا و سيدخلون النار يوم القيامة، و لا يعبأ بما قيل: إن من الجائز أن يراد بها نار الآخرة.
و قوله: « فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً » أي ينصرونهم في صرف الهلاك و العذاب عنهم. تعريض لأصنامهم و آلهتهم.
قوله تعالى: « وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً » الديار نازل الدار، و الآية تتمة دعائه (ع) عليهم، و كان قوله: « مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا » إلخ معترضا واقعا بين فقرتي الدعاء للإشارة إلى أنهم أهلكوا لما عد نوح من خطيئاتهم و لتكون كالتمهيد لسؤاله الهلاك فيتبين أن إغراقهم كان استجابة لدعائه، و أن العذاب استوعبهم عن آخرهم.
قوله تعالى: « إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً » تعليل لسؤال إهلاكهم عن آخرهم مفاده أن لا فائدة في بقائهم لا لمن دونهم من المؤمنين فإنهم يضلونهم، و لا فيمن يلدونه من الأولاد فإنهم لا يلدون إلا فاجرا كفارا- و الفجور الفسق الشنيع و الكفار المبالغ في الكفر.
و قد استفاد (ع) ما ذكره من صفتهم من الوحي الإلهي على ما تقدم في تفسير قصة نوح من سورة هود.
قوله تعالى: « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ »
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 37
«إلخ» المراد بمن دخل بيته مؤمنا المؤمنون به من قومه، و بالمؤمنين و المؤمنات عامتهم إلى يوم القيامة.
و قوله: « وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً » التبار الهلاك، و الظاهر أن المراد بالتبار ما يوجب عذاب الآخرة و هو الضلال و هلاك الدنيا بالغرق، و قد تقدما جميعا في دعائه، و هذا الدعاء آخر ما نقل من كلامه (ع) في القرآن الكريم.
(72) سورة الجن مكية و هي ثمان و عشرون آية (28)
[سورة الجن (72): الآيات 1 الى 17]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 38
بيان
تشير السورة إلى قصة نفر من الجن استمعوا القرآن فآمنوا به و أقروا بأصول معارفه، و تتخلص منها إلى تسجيل نبوة النبي ص، و الإشارة إلى وحدانيته تعالى في ربوبيته و إلى المعاد، و السورة مكية بشهادة سياقها.
قوله تعالى: « قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ » أمر للنبي ص أن يقص القصة لقومه، و الموحي هو الله سبحانه، و مفعول « اسْتَمَعَ » القرآن حذف لدلالة الكلام عليه، و النفر الجماعة من ثلاثة إلى تسعة على المشهور، و قيل: بل إلى أربعين.
و العجب بفتحتين ما يدعو إلى التعجب منه لخروجه عن العادة الجارية في مثله، و إنما وصفوا القرآن بالعجب لأنه كلام خارق للعادة في لفظه و معناه أتى به رجل أمي ما كان يقرأ و لا يكتب.
و الرشد إصابة الواقع و هو خلاف الغي، و هداية القرآن إلى الرشد دعوته إلى عقائد و أعمال تتضمن للمتلبس بها سعادته الواقعية.
و المعنى: يا أيها الرسول قل للناس: أُوحِيَ - أي أوحى الله- إلي أنه استمع القرآن جماعة من الجن فقالوا- لقومهم لما رجعوا إليهم- إنا سمعنا كلاما مقروا خارقا للعادة يهدي إلى معارف من عقائد و أعمال في التلبس بها إصابة الواقع و الظفر بحقيقة السعادة.
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 39
كلام في الجن
الجن نوع من الخلق مستورون من حواسنا يصدق القرآن الكريم بوجودهم و يذكر أنهم بنوعهم مخلوقون قبل نوع الإنسان، و أنهم مخلوقون من النار كما أن الإنسان مخلوق من التراب قال تعالى: «وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ» : الحجر 27.
و أنهم يعيشون و يموتون و يبعثون كالإنسان قال تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ» : الأحقاف 18.
و أن فيهم ذكورا و إناثا يتكاثرون بالتوالد و التناسل قال تعالى: «وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ» : الجن 6.
و أن لهم شعورا و إرادة و أنهم يقدرون على حركات سريعة و أعمال شاقة كما في قصص سليمان (ع) و تسخير الجن له و قصة ملكة سبإ.
و أنهم مكلفون كالإنسان، منهم مؤمنون و منهم كفار، و منهم صالحون و آخرون طالحون، قال تعالى: «وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» : الذاريات 54 و قال تعالى: «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ» : الجن: 2 و قال: «وَ أَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ» : الجن 14 و قال: «وَ أَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَ مِنَّا دُونَ ذلِكَ» : الجن 11 و قال تعالى: «قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ» : الأحقاف 31 إلى غير ذلك من خصوصيات أحوالهم التي تشير إليها الآيات القرآنية.
و يظهر من كلامه تعالى أن إبليس من الجن و أن له ذرية و قبيلا قال تعالى: «كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» : الكهف 50 و قال تعالى: «أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي» : الكهف: 50 و قال تعالى: «إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ» الأعراف 27.
[بيان]
قوله تعالى: « فَآمَنَّا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً » إخبار عن إيمانهم بالقرآن و تصديقهم بأنه حق، و قوله: « وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً » تأكيد لمعنى إيمانهم به أن إيمانهم بالقرآن إيمان بالله الذي أنزله فهو ربهم، و أن إيمانهم به تعالى إيمان توحيد لا يشركون به أحدا أبدا.
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 40
قوله تعالى: « وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً » فسر الجد بالعظمة و فسر بالحظ، و الآية في معنى التأكيد لقولهم: « وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً ».
و القراءة المشهورة « أَنَّهُ » بالفتح، و قرئ بالكسر في هذه الآية و فيما بعدها من الآيات- اثنا عشر موردا- إلى قوله: « وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا » فبالفتح و هو الأرجح لظهور سياق الآيات في أنها مقولة قول الجن.
و أما قراءة الفتح فوجهها لا يخلو من خفاء، و قد وجهها بعضهم بأن الجملة « وَ أَنَّهُ » «إلخ» معطوفة على الضمير المجرور في قوله « فَآمَنَّا بِهِ » و التقدير و آمنا بأنه تعالى جد ربنا إلخ فهو إخبار منهم بالإيمان بنفي الصاحبة و الولد منه تعالى على ما يقول به الوثنيون.
و هذا إنما يستقيم على قول الكوفيين من النحاة بجواز العطف على الضمير المتصل المجرور، و أما على قول البصريين منهم من عدم جوازه فقد وجهه بعضهم كما عن الفراء و الزجاج و الزمخشري بأنها معطوفة على محل الجار و المجرور و هو النصب فإن قوله:
« فَآمَنَّا بِهِ » في معنى صدقناه، و التقدير و صدقنا أنه تعالى جد ربنا إلخ، و لا يخفى ما فيه من التكلف.
و وجهه بعضهم بتقدير حرف الجر في الجملة المعطوفة و ذلك مطرد في أن و أن، و التقدير آمنا به و بأنه تعالى جد ربنا «إلخ».
و يرد على الجميع أعم من العطف على الضمير المجرور أو على محله أو بتقدير حرف الجر أن المعنى إنما يستقيم حينئذ في قوله: « وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا » إلخ، و قوله: « وَ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا » إلخ، و أما بقية الآيات المصدرة بأن كقوله: « وَ أَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ » إلخ، و قوله: « وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ » إلخ، و قوله: « وَ أَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ » فلا يصح قطعا فلا معنى لأن يقال: آمنا أو صدقنا أنا ظننا أن لن تقول الإنس و الجن على الله شططا، أو يقال: آمنا أو صدقنا أنه كان رجال من الإنس يعوذون إلخ، أو يقال: آمنا أو صدقنا أنا لمسنا السماء إلخ.
و لا يندفع الإشكال إلا بالمصير إلى ما ذكره بعضهم أنه إذا وجه الفتح في الآيتين الأوليين بتقدير الإيمان أو التصديق فليوجه في كل من الآيات الباقية بما يناسبها من التقدير.