کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏20، ص: 226

الفطرة السليمة به.

فإذ عاتب الإنسان و وبخه على غروره بربه الكريم و اجترائه على الكفران و المعصية من غير أن يخاف الجزاء أضرب عنه مخاطبا للإنسان و كل من يشاركه في كفره و معصيته فقال: بل أنت و من حاله حالك تكذبون بيوم الدين و الجزاء فتجحدونه ملحين عليه.

قوله تعالى: « وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ‏ » إشارة إلى أن أعمال الإنسان حاضرة محفوظة يوم القيامة من طريق آخر غير حضورها للإنسان العامل لها من طريق الذكر و ذلك حفظها بكتابة كتاب الأعمال من الملائكة الموكلين بالإنسان فيحاسب عليها كما قال تعالى: «وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» : إسراء: 14.

فقوله: « وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ‏ » أي إن عليكم من قبلنا حافظين يحفظون أعمالكم بالكتابة كما يفيده السياق.

و قوله: « كِراماً كاتِبِينَ‏ » أي أولي كرامة و عزة عند الله تعالى و قد تكرر في القرآن الكريم وصف الملائكة بالكرامة و لا يبعد أن يكون المراد به بإعانة من السياق كونهم بحسب الخلقة مصونين عن الإثم و المعصية مفطورين على العصمة، و يؤيده قوله: «بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» : الأنبياء: 26 حيث دل على أنهم لا يريدون إلا ما أراده الله و لا يفعلون إلا ما أمرهم به، و كذا قوله: «كِرامٍ بَرَرَةٍ» : عبس 16.

و المراد بالكتابة في قوله: « كاتِبِينَ‏ » كتابة الأعمال بقرينة قوله: « يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ‏ » و قد تقدم في تفسير قوله: «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» : الجاثية: 29 كلام في معنى كتابة الأعمال فليراجعه من شاء.

و قوله: « يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ‏ » نفي لخطئهم في تشخيص الخير و الشر و تمييز الحسنة و السيئة كما أن الآية السابقة متضمنة لتنزيههم عن الإثم و المعصية فهم محيطون بالأفعال على ما هي عليه من الصفة و حافظون لها على ما هي عليه.

و لا تعيين في هذه الآيات لعدة هؤلاء الملائكة الموكلين على كتابة أعمال الإنسان نعم المستفاد من قوله تعالى: «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ» : ق: 17 إن على كل إنسان منهم اثنين عن يمينه و شماله، و قد ورد في الروايات المأثورة أن الذي على اليمين كاتب الحسنات و الذي على الشمال كاتب السيئات.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏20، ص: 227

و ورد أيضا في تفسير قوله: «إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً» : إسراء: 78 أخبار مستفيضة من طرق الفريقين دالة على أن كتبة الأعمال بالنهار يصعدون بعد غروب الشمس و ينزل آخرون فيكتبون أعمال الليل حتى إذا طلع الفجر صعدوا و نزل ملائكة النهار و هكذا.

و في الآية أعني قوله: « يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ‏ » دلالة على أن الكتبة عالمون بالنيات إذ لا طريق إلى العلم بخصوصيات الأفعال و عناوينها و كونها خيرا أو شرا أو حسنة أو سيئة إلا العلم بالنيات فعلمهم بالأفعال لا يتم إلا عن العلم بالنيات.

قوله تعالى: « إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ‏ » استئناف مبين لنتيجة حفظ الأعمال بكتابة الكتبة و ظهورها يوم القيامة.

و الأبرار هم المحسنون عملا، و الفجار هم المنخرقون بالذنوب و الظاهر أن المراد بهم المتهتكون من الكفار إذ لا خلود لمؤمن في النار، و في تنكير «نعيم» و «جحيم» إشعار بالتفخيم و التهويل- كما قيل-.

قوله تعالى: « يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ‏ » الضمير للجحيم أي يلزمون يعني الفجار الجحيم يوم الجزاء و لا يفارقونها.

قوله تعالى: « وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ‏ » عطف تفسيري على قوله: « يَصْلَوْنَها » إلخ يؤكد معنى ملازمتهم للجحيم و خلودهم في النار، و المراد بغيبتهم عنها خروجهم منها فالآية في معنى قوله: «وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ» : البقرة: 167.

قوله تعالى: « وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ‏ » تهويل و تفخيم لأمر يوم الدين، و المعنى لا تحيط علما بحقيقة يوم الدين و هذا التعبير كناية عن فخامة أمر الشي‏ء و علوه من أن يناله وصف الواصف، و في إظهار اليوم- و المحل محل الضمير- تأكيد لأمر التفخيم.

قوله تعالى: « ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ‏ » في تكرار الجملة تأكيد للتفخيم.

قوله تعالى: « يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏ » الظرف منصوب بتقدير اذكر و نحوه، و في الآية بيان إجمالي لحقيقة يوم الدين بعد ما في قوله: « وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ‏ » من الحث على معرفته.

و ذلك أن رابطة التأثير و التأثر بين الأسباب الظاهرية و مسبباتها منقطعة زائلة يومئذ كما يستفاد من أمثال قوله تعالى: «وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ» : البقرة: 166، و قوله:

«وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً» : البقرة: 165 فلا تملك نفس‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏20، ص: 228

لنفس شيئا فلا تقدر على دفع شر عنها و لا جلب خير لها، و لا ينافي ذلك آيات الشفاعة لأنها بإذن الله فهو المالك لها لا غير.

و قوله: « وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏ » أي هو المالك للأمر ليس لغيره من الأمر شي‏ء.

و المراد بالأمر كما قيل واحد الأوامر لقوله تعالى: «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» المؤمن: 16 و شأن الملك المطاع، الأمر بالمعنى المقابل للنهي، و الأمر بمعنى الشأن لا يلائم المقام تلك الملاءمة.

بحث روائي‏

في تفسير القمي،": في قوله تعالى: « وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ‏ » قال: تنشق فتخرج الناس منها.

و في الدر المنثور، أخرج الحاكم و صححه عن حذيفة قال*: قال النبي ص: من استن خيرا فاستن به فله أجره- و مثل أجور من اتبعه غير منتقص من أجورهم- و من استن شرا فاستن به فله وزره- و مثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم، و تلا حذيفة « عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ‏ ».

و فيه، أخرج عبد بن حميد عن صالح بن مسمار قال*: بلغني أن النبي ص تلا هذه الآية « يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ‏ » ثم قال: جهله.

و في تفسير القمي،": « فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ‏ » قال: لو شاء ركبك على غير هذه الصورة:.

أقول: و رواه في المجمع، عن الصادق (ع) مرسلا .

و فيه،": « وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ‏ » قال: الملكان الموكلان بالإنسان.

و عن سعد السعود، و في رواية: إنهما- يعني الملكين الموكلين- يأتيان المؤمن عند حضور صلاة الفجر- فإذا هبطا صعد الملكان الموكلان بالليل- فإذا غربت الشمس نزل إليه الموكلان بكتابة الليل، و يصعد الملكان الكاتبان بالنهار- بديوانه إلى الله عز و جل.

فلا يزال ذلك دأبهم إلى وقت حضور أجله- فإذا حضر أجله قالا للرجل الصالح:

جزاك الله من صاحب عنا خيرا- فكم من عمل صالح أريتناه، و كم من قول حسن أسمعتناه، و كم من مجلس خير أحضرتناه- فنحن اليوم على ما تحبه و شفعاء إلى ربك، و إن كان عاصيا قالا له: جزاك الله من صاحب عنا شرا- فلقد كنت تؤذينا فكم من عمل سي‏ء أريتناه، و كم من قول سي‏ء أسمعتناه، و [كم‏] من مجلس سوء أحضرتناه- و نحن اليوم لك‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏20، ص: 229

على ما تكره، و شهيدان عند ربك.

و في المجمع،: في قوله تعالى: « وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ‏ »:

روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (ع) أنه قال: الأمر يومئذ و اليوم كله لله. يا جابر إذا كان يوم القيامة بادت الحكام- فلم يبق حاكم إلا الله.

أقول: مراده (ع) أن كون الأمر لله لا يختص بيوم القيامة بل الأمر لله دائما، و تخصيصه بيوم القيامة باعتبار ظهوره لا باعتبار أصله فالذي يختص به ظهور هذه الحقيقة ظهور عيان فيسقط اليوم أمر غيره تعالى و حكمه، و نظير الأمر سائر ما عد في كلامه تعالى من مختصات يوم القيامة، فالرواية من غرر الروايات.

(83) سورة المطففين مكية أو مدنية و هي ست و ثلاثون آية (36)

[سورة المطففين (83): الآيات 1 الى 21]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)

لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (6) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (8) كِتابٌ مَرْقُومٌ (9)

وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَ ما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (14)

كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (19)

كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏20، ص: 230

بيان‏

تفتتح السورة بوعيد أهل التطفيف في الكيل و الوزن و تنذرهم بأنهم مبعوثون للجزاء في يوم عظيم و هو يوم القيامة ثم تتخلص لتفصيل ما يجري يومئذ على الفجار و الأبرار.

و الأنسب بالنظر إلى السياق أن يكون أول السورة المشتمل على وعيد المطففين نازلا بالمدينة و أما ما يتلوه من الآيات إلى آخر السورة فيقبل الانطباق على السياقات المكية و المدينة.

قوله تعالى: « وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏ » دعاء على المطففين و التطفيف‏ نقص المكيال و الميزان، و قد نهى الله تعالى عنه و سماه إفسادا في الأرض كما فيما حكاه من قول شعيب: «وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» هود: 84، و قد تقدم الكلام في تفسير الآية في معنى كونه إفسادا في الأرض.

قوله تعالى: « الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ‏ » الاكتيال‏ من الناس الأخذ منهم بالكيل، و تعديته بعلى لإفادة معنى الضرر، و الكيل إعطاؤهم بالمكيال يقال: كاله طعامه و وزنه و كال له طعامه و وزن له و الأول لغة أهل الحجاز و عليه التنزيل و الثاني لغة غيرهم كما في المجمع، و الاستيفاء أخذ الحق تاما كاملا، و الإخسار الإيقاع في الخسارة.

و المعنى: الذين إذا أخذوا من الناس بالكيل يأخذون حقهم تاما كاملا، و إذا أعطوا الناس بالكيل أو الوزن ينقصون فيوقعونهم في الخسران.

فمضمون الآيتين جميعا ذم واحد و هو أنهم يراعون الحق لأنفسهم و لا يراعونه لغيرهم و بعبارة أخرى لا يراعون لغيرهم من الحق مثل ما يراعونه لأنفسهم و فيه إفساد الاجتماع الإنساني المبني على تعادل الحقوق المتقابلة و في إفساده كل الفساد.

و لم يذكر الاتزان مع الاكتيال كما ذكر الوزن مع الكيل إذ قال: « وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ‏ » قيل: لأن المطففين كانوا باعة و هم كانوا في الأغلب يشترون الكثير من الحبوب و البقول و نحوهما من الأمتعة ثم يكسبون بها فيبيعونها يسيرا يسيرا تدريجا، و كان دأبهم في الكثير من هذه الأمتعة أن يؤخذ و يعطى بالكيل لا بالوزن فذكر الاكتيال وحده في الآية مبني على الغالب.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏20، ص: 231

و قيل: لم يذكر الاتزان لأن الكيل و الوزن بهما البيع و الشراء فذكر أحدهما يدل على الآخر. و فيه أن ما ذكر في الاكتيال جار في الكيل أيضا و قد ذكر معه الوزن فالوجه لا يخلو من تحكم.

و قيل: الآيتان تحاكيان ما كان عليه دأب الذين نزلت فيهم السورة فقد كانوا يشترون بالاكتيال فقط و يبيعون بالكيل و الوزن جميعا، و هذا الوجه دعوى من غير دليل.

إلى غير ذلك مما ذكروه في توجيه الاقتصار على ذكر الاكتيال في الآية، و لا يخلو شي‏ء منها من ضعف.

قوله تعالى: « أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ‏ » الاستفهام للإنكار و التعجيب، و الظن بمعناه المعروف و الإشارة إلى المطففين بأولئك الموضوعة للإشارة البعيدة للدلالة على بعدهم من رحمة الله، و اليوم العظيم يوم القيامة الذي يجازون فيه بعملهم.

و الاكتفاء بظن البعث و حسبانه- مع أن من الواجب الاعتقاد العلمي بالمعاد- لأن مجرد حسبان الخطر و الضرر في عمل يوجب التجنب عنه و التحرز عن اقترافه و إن لم يكن هناك علم فالظن بالبعث ليوم عظيم يؤاخذ الله فيه الناس بما كسبوا من شأنه أن يردعهم عن اقتراف هذا الذنب العظيم الذي يستتبع العذاب الأليم.

و قيل: الظن في الآية بمعنى العلم.

قوله تعالى: « يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ » المراد به قيامهم من قبورهم- كناية عن تلبسهم بالحياة بعد الممات- لحكمه تعالى و قضائه بينهم.

قوله تعالى: « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ » ردع- كما قيل- عما كانوا عليه من التطفيف و الغفلة عن البعث و الحساب.

و قوله: « إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏ » إلخ الذي يعطيه التدبر في سياق الآيات الأربع بقياس بعضها إلى بعض و قياس المجموع إلى مجموع قوله: « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏ » إلى تمام أربع آيات أن المراد بسجين ما يقابل عليين و معناه علو على علو مضاعف ففيه شي‏ء من معنى السفل و الانحباس فيه كما يشير إليه قوله: «ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ» : التين: 5 فالأقرب أن يكون مبالغة من السجن بمعنى الحبس كسكير و شريب من السكر و الشرب فمعناه الذي يحبس من دخله على التخليد كما قيل.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏20، ص: 232

و الكتاب‏ بمعنى المكتوب من الكتابة بمعنى القضاء المحتوم و المراد بكتاب الفجار ما قدره الله لهم من الجزاء و أثبته بقضائه المحتوم.

فمحصل الآية أن الذي أثبته الله من جزائهم أو عده لهم لفي سجين الذي هو سجن يحبس من دخله حبسا طويلا أو خالدا.

و قوله: « وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ‏ » مسوق للتهويل.

و قوله: « كِتابٌ مَرْقُومٌ‏ » خبر لمبتدإ محذوف هو ضمير راجع إلى سجين و الجملة بيان لسجين و « كتاب‏ » أيضا بمعنى المكتوب من الكتابة بمعنى القضاء و الإثبات، و « مرقوم‏ » من الرقم، قال الراغب: الرقم‏ الخط الغليظ، و قيل: هو تعجيم الكتاب، و قوله تعالى:

« كِتابٌ مَرْقُومٌ‏ » حمل على الوجهين. انتهى، و المعنى الثاني أنسب للمقام فيكون إشارة إلى كون ما كتب لهم متبينا لا إبهام فيه أي إن القضاء حتم لا يتخلف.

و المحصل أن سجين مقضي عليهم مثبت لهم متبين متميز لا إبهام فيه.

و لا ضير في لزوم كون الكتاب ظرفا للكتاب على هذا المعنى لأن ذلك من ظرفية الكل للجزء و هي مما لا ضير فيه فيكون سجين كتابا جامعا فيه ما قضي على الفجار و غيرهم من مستحقي العذاب.

و قوله: « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ » نعي و دعاء على الفجار و فيه تفسيرهم بالمكذبين، و « يَوْمَئِذٍ » ظرف لقوله: « إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏ » بحسب المعنى أي ليهلك الفجار- و هم المكذبون- يومئذ تحقق ما كتب الله لهم و قضى عليهم من الجزاء و حل بهم ما أعد لهم من العذاب.

هذا ما يفيده التدبر في هذه الآيات الأربع، و هي ذات سياق واحد متصل متلائم الأجزاء.

و للقوم في تفسير مفردات الآيات الأربع و جملها أقوال متفرقة كقولهم: إن الكتاب في قوله: « إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ » بمعنى المكتوب و المراد به صحيفة أعمالهم، و قيل:

مصدر بمعنى الكتابة و في الكلام مضاف محذوف و التقدير كتابة عمل الفجار لفي سجين.

و قولهم: إن الفجار أعم من المكذبين فيشمل الكفار و الفسقة جميعا.

و قولهم: إن المراد بسجين الأرض السابعة السفلى يوضع فيها كتاب الفجار و قيل:

صفحه بعد