کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 226
الفطرة السليمة به.
فإذ عاتب الإنسان و وبخه على غروره بربه الكريم و اجترائه على الكفران و المعصية من غير أن يخاف الجزاء أضرب عنه مخاطبا للإنسان و كل من يشاركه في كفره و معصيته فقال: بل أنت و من حاله حالك تكذبون بيوم الدين و الجزاء فتجحدونه ملحين عليه.
قوله تعالى: « وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » إشارة إلى أن أعمال الإنسان حاضرة محفوظة يوم القيامة من طريق آخر غير حضورها للإنسان العامل لها من طريق الذكر و ذلك حفظها بكتابة كتاب الأعمال من الملائكة الموكلين بالإنسان فيحاسب عليها كما قال تعالى: «وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» : إسراء: 14.
فقوله: « وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ » أي إن عليكم من قبلنا حافظين يحفظون أعمالكم بالكتابة كما يفيده السياق.
و قوله: « كِراماً كاتِبِينَ » أي أولي كرامة و عزة عند الله تعالى و قد تكرر في القرآن الكريم وصف الملائكة بالكرامة و لا يبعد أن يكون المراد به بإعانة من السياق كونهم بحسب الخلقة مصونين عن الإثم و المعصية مفطورين على العصمة، و يؤيده قوله: «بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» : الأنبياء: 26 حيث دل على أنهم لا يريدون إلا ما أراده الله و لا يفعلون إلا ما أمرهم به، و كذا قوله: «كِرامٍ بَرَرَةٍ» : عبس 16.
و المراد بالكتابة في قوله: « كاتِبِينَ » كتابة الأعمال بقرينة قوله: « يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » و قد تقدم في تفسير قوله: «إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» : الجاثية: 29 كلام في معنى كتابة الأعمال فليراجعه من شاء.
و قوله: « يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » نفي لخطئهم في تشخيص الخير و الشر و تمييز الحسنة و السيئة كما أن الآية السابقة متضمنة لتنزيههم عن الإثم و المعصية فهم محيطون بالأفعال على ما هي عليه من الصفة و حافظون لها على ما هي عليه.
و لا تعيين في هذه الآيات لعدة هؤلاء الملائكة الموكلين على كتابة أعمال الإنسان نعم المستفاد من قوله تعالى: «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ» : ق: 17 إن على كل إنسان منهم اثنين عن يمينه و شماله، و قد ورد في الروايات المأثورة أن الذي على اليمين كاتب الحسنات و الذي على الشمال كاتب السيئات.
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 227
و ورد أيضا في تفسير قوله: «إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً» : إسراء: 78 أخبار مستفيضة من طرق الفريقين دالة على أن كتبة الأعمال بالنهار يصعدون بعد غروب الشمس و ينزل آخرون فيكتبون أعمال الليل حتى إذا طلع الفجر صعدوا و نزل ملائكة النهار و هكذا.
و في الآية أعني قوله: « يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » دلالة على أن الكتبة عالمون بالنيات إذ لا طريق إلى العلم بخصوصيات الأفعال و عناوينها و كونها خيرا أو شرا أو حسنة أو سيئة إلا العلم بالنيات فعلمهم بالأفعال لا يتم إلا عن العلم بالنيات.
قوله تعالى: « إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ » استئناف مبين لنتيجة حفظ الأعمال بكتابة الكتبة و ظهورها يوم القيامة.
و الأبرار هم المحسنون عملا، و الفجار هم المنخرقون بالذنوب و الظاهر أن المراد بهم المتهتكون من الكفار إذ لا خلود لمؤمن في النار، و في تنكير «نعيم» و «جحيم» إشعار بالتفخيم و التهويل- كما قيل-.
قوله تعالى: « يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ » الضمير للجحيم أي يلزمون يعني الفجار الجحيم يوم الجزاء و لا يفارقونها.
قوله تعالى: « وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ » عطف تفسيري على قوله: « يَصْلَوْنَها » إلخ يؤكد معنى ملازمتهم للجحيم و خلودهم في النار، و المراد بغيبتهم عنها خروجهم منها فالآية في معنى قوله: «وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ» : البقرة: 167.
قوله تعالى: « وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ » تهويل و تفخيم لأمر يوم الدين، و المعنى لا تحيط علما بحقيقة يوم الدين و هذا التعبير كناية عن فخامة أمر الشيء و علوه من أن يناله وصف الواصف، و في إظهار اليوم- و المحل محل الضمير- تأكيد لأمر التفخيم.
قوله تعالى: « ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ » في تكرار الجملة تأكيد للتفخيم.
قوله تعالى: « يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ » الظرف منصوب بتقدير اذكر و نحوه، و في الآية بيان إجمالي لحقيقة يوم الدين بعد ما في قوله: « وَ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ » من الحث على معرفته.
و ذلك أن رابطة التأثير و التأثر بين الأسباب الظاهرية و مسبباتها منقطعة زائلة يومئذ كما يستفاد من أمثال قوله تعالى: «وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ» : البقرة: 166، و قوله:
«وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً» : البقرة: 165 فلا تملك نفس
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 228
لنفس شيئا فلا تقدر على دفع شر عنها و لا جلب خير لها، و لا ينافي ذلك آيات الشفاعة لأنها بإذن الله فهو المالك لها لا غير.
و قوله: « وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ » أي هو المالك للأمر ليس لغيره من الأمر شيء.
و المراد بالأمر كما قيل واحد الأوامر لقوله تعالى: «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» المؤمن: 16 و شأن الملك المطاع، الأمر بالمعنى المقابل للنهي، و الأمر بمعنى الشأن لا يلائم المقام تلك الملاءمة.
بحث روائي
في تفسير القمي،": في قوله تعالى: « وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ » قال: تنشق فتخرج الناس منها.
و في الدر المنثور، أخرج الحاكم و صححه عن حذيفة قال*: قال النبي ص: من استن خيرا فاستن به فله أجره- و مثل أجور من اتبعه غير منتقص من أجورهم- و من استن شرا فاستن به فله وزره- و مثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم، و تلا حذيفة « عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ ».
و فيه، أخرج عبد بن حميد عن صالح بن مسمار قال*: بلغني أن النبي ص تلا هذه الآية « يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ » ثم قال: جهله.
و في تفسير القمي،": « فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ » قال: لو شاء ركبك على غير هذه الصورة:.
أقول: و رواه في المجمع، عن الصادق (ع) مرسلا .
و فيه،": « وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ » قال: الملكان الموكلان بالإنسان.
و عن سعد السعود، و في رواية: إنهما- يعني الملكين الموكلين- يأتيان المؤمن عند حضور صلاة الفجر- فإذا هبطا صعد الملكان الموكلان بالليل- فإذا غربت الشمس نزل إليه الموكلان بكتابة الليل، و يصعد الملكان الكاتبان بالنهار- بديوانه إلى الله عز و جل.
فلا يزال ذلك دأبهم إلى وقت حضور أجله- فإذا حضر أجله قالا للرجل الصالح:
جزاك الله من صاحب عنا خيرا- فكم من عمل صالح أريتناه، و كم من قول حسن أسمعتناه، و كم من مجلس خير أحضرتناه- فنحن اليوم على ما تحبه و شفعاء إلى ربك، و إن كان عاصيا قالا له: جزاك الله من صاحب عنا شرا- فلقد كنت تؤذينا فكم من عمل سيء أريتناه، و كم من قول سيء أسمعتناه، و [كم] من مجلس سوء أحضرتناه- و نحن اليوم لك
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 229
على ما تكره، و شهيدان عند ربك.
و في المجمع،: في قوله تعالى: « وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ »:
روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (ع) أنه قال: الأمر يومئذ و اليوم كله لله. يا جابر إذا كان يوم القيامة بادت الحكام- فلم يبق حاكم إلا الله.
أقول: مراده (ع) أن كون الأمر لله لا يختص بيوم القيامة بل الأمر لله دائما، و تخصيصه بيوم القيامة باعتبار ظهوره لا باعتبار أصله فالذي يختص به ظهور هذه الحقيقة ظهور عيان فيسقط اليوم أمر غيره تعالى و حكمه، و نظير الأمر سائر ما عد في كلامه تعالى من مختصات يوم القيامة، فالرواية من غرر الروايات.
(83) سورة المطففين مكية أو مدنية و هي ست و ثلاثون آية (36)
[سورة المطففين (83): الآيات 1 الى 21]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
كِتابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 230
بيان
تفتتح السورة بوعيد أهل التطفيف في الكيل و الوزن و تنذرهم بأنهم مبعوثون للجزاء في يوم عظيم و هو يوم القيامة ثم تتخلص لتفصيل ما يجري يومئذ على الفجار و الأبرار.
و الأنسب بالنظر إلى السياق أن يكون أول السورة المشتمل على وعيد المطففين نازلا بالمدينة و أما ما يتلوه من الآيات إلى آخر السورة فيقبل الانطباق على السياقات المكية و المدينة.
قوله تعالى: « وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ » دعاء على المطففين و التطفيف نقص المكيال و الميزان، و قد نهى الله تعالى عنه و سماه إفسادا في الأرض كما فيما حكاه من قول شعيب: «وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» هود: 84، و قد تقدم الكلام في تفسير الآية في معنى كونه إفسادا في الأرض.
قوله تعالى: « الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ » الاكتيال من الناس الأخذ منهم بالكيل، و تعديته بعلى لإفادة معنى الضرر، و الكيل إعطاؤهم بالمكيال يقال: كاله طعامه و وزنه و كال له طعامه و وزن له و الأول لغة أهل الحجاز و عليه التنزيل و الثاني لغة غيرهم كما في المجمع، و الاستيفاء أخذ الحق تاما كاملا، و الإخسار الإيقاع في الخسارة.
و المعنى: الذين إذا أخذوا من الناس بالكيل يأخذون حقهم تاما كاملا، و إذا أعطوا الناس بالكيل أو الوزن ينقصون فيوقعونهم في الخسران.
فمضمون الآيتين جميعا ذم واحد و هو أنهم يراعون الحق لأنفسهم و لا يراعونه لغيرهم و بعبارة أخرى لا يراعون لغيرهم من الحق مثل ما يراعونه لأنفسهم و فيه إفساد الاجتماع الإنساني المبني على تعادل الحقوق المتقابلة و في إفساده كل الفساد.
و لم يذكر الاتزان مع الاكتيال كما ذكر الوزن مع الكيل إذ قال: « وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ » قيل: لأن المطففين كانوا باعة و هم كانوا في الأغلب يشترون الكثير من الحبوب و البقول و نحوهما من الأمتعة ثم يكسبون بها فيبيعونها يسيرا يسيرا تدريجا، و كان دأبهم في الكثير من هذه الأمتعة أن يؤخذ و يعطى بالكيل لا بالوزن فذكر الاكتيال وحده في الآية مبني على الغالب.
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 231
و قيل: لم يذكر الاتزان لأن الكيل و الوزن بهما البيع و الشراء فذكر أحدهما يدل على الآخر. و فيه أن ما ذكر في الاكتيال جار في الكيل أيضا و قد ذكر معه الوزن فالوجه لا يخلو من تحكم.
و قيل: الآيتان تحاكيان ما كان عليه دأب الذين نزلت فيهم السورة فقد كانوا يشترون بالاكتيال فقط و يبيعون بالكيل و الوزن جميعا، و هذا الوجه دعوى من غير دليل.
إلى غير ذلك مما ذكروه في توجيه الاقتصار على ذكر الاكتيال في الآية، و لا يخلو شيء منها من ضعف.
قوله تعالى: « أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ » الاستفهام للإنكار و التعجيب، و الظن بمعناه المعروف و الإشارة إلى المطففين بأولئك الموضوعة للإشارة البعيدة للدلالة على بعدهم من رحمة الله، و اليوم العظيم يوم القيامة الذي يجازون فيه بعملهم.
و الاكتفاء بظن البعث و حسبانه- مع أن من الواجب الاعتقاد العلمي بالمعاد- لأن مجرد حسبان الخطر و الضرر في عمل يوجب التجنب عنه و التحرز عن اقترافه و إن لم يكن هناك علم فالظن بالبعث ليوم عظيم يؤاخذ الله فيه الناس بما كسبوا من شأنه أن يردعهم عن اقتراف هذا الذنب العظيم الذي يستتبع العذاب الأليم.
و قيل: الظن في الآية بمعنى العلم.
قوله تعالى: « يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ » المراد به قيامهم من قبورهم- كناية عن تلبسهم بالحياة بعد الممات- لحكمه تعالى و قضائه بينهم.
قوله تعالى: « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » ردع- كما قيل- عما كانوا عليه من التطفيف و الغفلة عن البعث و الحساب.
و قوله: « إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ » إلخ الذي يعطيه التدبر في سياق الآيات الأربع بقياس بعضها إلى بعض و قياس المجموع إلى مجموع قوله: « كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ » إلى تمام أربع آيات أن المراد بسجين ما يقابل عليين و معناه علو على علو مضاعف ففيه شيء من معنى السفل و الانحباس فيه كما يشير إليه قوله: «ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ» : التين: 5 فالأقرب أن يكون مبالغة من السجن بمعنى الحبس كسكير و شريب من السكر و الشرب فمعناه الذي يحبس من دخله على التخليد كما قيل.
الميزان فى تفسير القرآن، ج20، ص: 232
و الكتاب بمعنى المكتوب من الكتابة بمعنى القضاء المحتوم و المراد بكتاب الفجار ما قدره الله لهم من الجزاء و أثبته بقضائه المحتوم.
فمحصل الآية أن الذي أثبته الله من جزائهم أو عده لهم لفي سجين الذي هو سجن يحبس من دخله حبسا طويلا أو خالدا.
و قوله: « وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ » مسوق للتهويل.
و قوله: « كِتابٌ مَرْقُومٌ » خبر لمبتدإ محذوف هو ضمير راجع إلى سجين و الجملة بيان لسجين و « كتاب » أيضا بمعنى المكتوب من الكتابة بمعنى القضاء و الإثبات، و « مرقوم » من الرقم، قال الراغب: الرقم الخط الغليظ، و قيل: هو تعجيم الكتاب، و قوله تعالى:
« كِتابٌ مَرْقُومٌ » حمل على الوجهين. انتهى، و المعنى الثاني أنسب للمقام فيكون إشارة إلى كون ما كتب لهم متبينا لا إبهام فيه أي إن القضاء حتم لا يتخلف.
و المحصل أن سجين مقضي عليهم مثبت لهم متبين متميز لا إبهام فيه.
و لا ضير في لزوم كون الكتاب ظرفا للكتاب على هذا المعنى لأن ذلك من ظرفية الكل للجزء و هي مما لا ضير فيه فيكون سجين كتابا جامعا فيه ما قضي على الفجار و غيرهم من مستحقي العذاب.
و قوله: « وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » نعي و دعاء على الفجار و فيه تفسيرهم بالمكذبين، و « يَوْمَئِذٍ » ظرف لقوله: « إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ » بحسب المعنى أي ليهلك الفجار- و هم المكذبون- يومئذ تحقق ما كتب الله لهم و قضى عليهم من الجزاء و حل بهم ما أعد لهم من العذاب.
هذا ما يفيده التدبر في هذه الآيات الأربع، و هي ذات سياق واحد متصل متلائم الأجزاء.
و للقوم في تفسير مفردات الآيات الأربع و جملها أقوال متفرقة كقولهم: إن الكتاب في قوله: « إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ » بمعنى المكتوب و المراد به صحيفة أعمالهم، و قيل:
مصدر بمعنى الكتابة و في الكلام مضاف محذوف و التقدير كتابة عمل الفجار لفي سجين.
و قولهم: إن الفجار أعم من المكذبين فيشمل الكفار و الفسقة جميعا.
و قولهم: إن المراد بسجين الأرض السابعة السفلى يوضع فيها كتاب الفجار و قيل: