کتابخانه تفاسیر
النكت و العيون، ج1، ص: 60
و الثالث: أنهم المؤمنون بالكتب السالفة.
و الرابع: أنهم المسلمون و هو قول وكيع «80» .
و الخامس: هم النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و من معه من أصحابه، و هذا قول عبد الرحمن بن زيد «81» .
و قرأ عمر بن الخطاب و عبد اللّه بن الزبير «82» : (صراط من أنعمت عليهم) و أما قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ فقد روى عن عديّ بن حاتم «83» قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، عن المغضوب عليهم، فقال: «هم اليهود»، و عن الضالين فقال: «هم النّصارى» «84» .
(80) هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان فقيه، محدث، حافظ ولد بالكوفة و تفقه و حفظ الحديث. أراد الرشيد أن يوليه القضاء فامتنع. توفي رحمه اللّه منصرفا من الحج سنة (197 ه) من آثاره: السنن، تفسير القرآن، الزهد و غيرها. أنظر:- طبقات الحنابلة (257)، الفهرست (1/ 226)، الاعلام للزركلي (9/ 135)، و غيرها.
(81) هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. فقيه، محدث، مفسر. توفي في أول خلافة هارون الرشيد سنة 170 ه. له من الكتب: الناسخ و المنسوخ، التفسير. أنظر:- الفهرست (1/ 225)، معجم المؤلفين (5/ 138).
(82) هو عبد اللّه بن الزبير بن العوام القرشي، أبو بكر صحابي جليل. أول مولود في المدينة بعد الهجرة، بويع بالخلافة له سنة 64 ه و كان من خطباء قريش المعدودين استشهد رضي اللّه عنه في سنة 73 ه. أنظر:-
تهذيب التهذيب (5/ 213)، الإصابة (2/ 309)، البداية و النهاية (8/ 332) أسد الغابة (3/ 242).
(83) هو عدي بن حاتم بن عبد اللّه بن سعد الطائي. أبو وهب، أبو طريف أسير، صحابي. من الأجواد و العقلاء. و هو ابن حاتم الطائي الذي يضرب بجوده المثل. مات رضي اللّه عنه سنة 68 بالكوفة. أنظر:-
الإصابة (2/ 468)، تهذيب التهذيب (7/ 166)، التاريخ الكبير (7/ 43)، طبقات ابن سعد (6/ 22).
(84) رواه الطبري في التفسير (1/ 185، 193) و صححه الشيخ أحمد شاكر و زاد السيوطي نسبته في الدر (1/ 16) لعبد بن حميد و ابن المنذر و ابن حبان في صحيحه و الحديث أصله قصة إسلام عدي بن حاتم الطائي رضي اللّه عنه. و قد جاء بروايات متعددة كثيرة كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره. و قد رواه الإمام أحمد في مسنده (4/ 194، 378، 379) أنظر تخريج القصة في الدر المنثور (4/ 174) و كذا تخريج تفسير الطبري للشيخ أحمد شاكر و حسن القصة الترمذي و حسنها الشيخ الألباني في غاية المرام (ص 6) وفات السيوطي نسبتها لأحمد في مسنده. تنبيه:- و أما قول-
النكت و العيون، ج1، ص: 61
و هو قول جميع المفسرين «85» .
و في غضب اللّه عليهم، أربعة أقاويل:
أحدها: الغضب المعروف من العباد «86» .
و الثاني: أنه إرادة الإنتقام، لأن أصل الغضب في اللغة هو الغلظة، و هذه الصفة لا تجوز على اللّه تعالى.
و الثالث: أن غضبه عليهم هو ذمّه لهم.
و الرابع: أنه نوع من العقوبة سمّي غضبا، كما سمّيت نعمه رحمة.
و الضلال ضد الهدى، و خصّ اللّه تعالى اليهود بالغضب، لأنهم أشد عداوة.
و قرأ عمر بن الخطاب «87» (غير المغضوب عليهم و غير الضّالّين).
- الشيخ الدوسري حفظه اللّه في كتابه النهج السديد (ص 53) «و عزو الحديث لأحمد وهم و لذلك لم يعز السيوطي في الدر الحديث إليه». فوهم منه حفظه اللّه فقد رواه الإمام أحمد في مسنده كما رأيت ... و أما قوله: «و لذلك لم يعز السيوطي في الدر الحديث إليه» فيقال كم من حديث رواه أحمد في مسنده وفات السيوطي في الجامع الصغير و الدر المنثور و الأمثلة على ذلك كثير لا يتسع المقام لها.
(85) قال الحافظ ابن حجر رحمه اللّه (8/ 159) قال ابن أبي حاتم لا أعلم بين المفسرين في ذلك اختلافا قال السهيلي و شاهد ذلك في قوله تعالى في اليهود: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ و في النصارى قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً ا ه ثم اعلم أيها القارىء أن تفسير غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ» ورد من حديث أبي ذر و اسناده حسن حسنه الحافظ رحمه اللّه في نفس المكان من الفتح (8/ 159) أخرجه ابن مردويه.
(86) إن اللّه سبحانه و تعالى يغضب و لا سيما يوم القيامة فإنه يغضب غضبة لم يغضب مثلها و لا قبلها و لا بعدها و أن غضب اللّه تعالى لا يتأثر بالانفعالات و لا يوصف بالمزاجية الناشئة عن الضعف و عدم التمالك لأن اللّه سبحانه و تعالى «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» لا في ذاته و لا في صفاته و كذلك فقد وصف الرب جل و علا نفسه بقوله «وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» أي ليس للّه شبيها أحد. لذا فمن جعل صفة من صفات اللّه تعالى كصفات المخلوقات متأثره بالانعكاسات و الانفعالات فقد خيل ضلالا بعيدا و قد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي و هو من السلف الصالح. (من وصف اللّه بمعنى من معاني البشر فقد كفر).
(87) و قد رواها أبو عبيدة القاسم بن سلام في كتابه فضائل القرآن و سعيد بن منصور بإسناد صحيح صححه ابن حجر في الفتح (8/ 159) و ابن كثير من قبله (1/ 29) لكن الحافظ ابن كثير رحمه اللّه قال: «و كذلك حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك و هو محمول على أنه صدر منهما على وجه التفسير».
النكت و العيون، ج1، ص: 63
سورة البقرة
مدنية في قول الجميع، إلا آية منها، و هي قوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ، فإنها نزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة البقرة (2): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله عز و جل: الم اختلف فيه المفسرون على ثمانية أقاويل:
أحدها: أنه اسم من أسماء القرآن كالفرقان و الذكر، و هو قول قتادة و ابن جريج «88» .
و الثاني: أنه من أسماء السور، و هو قول زيد بن أسلم.
و الثالث: أنه اسم اللّه الأعظم، و هو قول السدي «89» و الشعبي «90» .
(88) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأسوي مولاهم، المكي، أبو الوليد، أبو خالد محدث، حافظ، فقيه، مفسر، ولد بمكة و حدث بالبصرة و أكثروا عنه. من آثاره: السنن، مناسك الحج، تفسير القرآن. توفي رحمه اللّه سنة 150 ه. أنظر:-
سير أعلام النبلاء (5/ 262) تهذيب التهذيب (6/ 402)، تاريخ بغداد (10/ 400).
(89) هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، تابعي، حجازي الأصل، سكن الكوفة، صاحب التفسير و المغازي و السير، كان إماما عارفا بالوقائع و أيام الناس. توفي رحمه اللّه سنة 128 ه، من آثاره:
التفسير. أنظر:-
الأعلام للزركلي (1/ 317)، روضات الجنات (101)، طبقات ابن سعد (6/ 323)، ميزان الاعتدال (1/ 236).
(90) هو عامر بن شرحبيل بن ذي كبار، أبو عمرو. رأى عليا و صلى خلفه. و حدث عن جمع من-
النكت و العيون، ج1، ص: 64
و الرابع: أنه قسم أقسم اللّه تعالى به، و هو من أسمائه، و به قال ابن عباس و عكرمة.
و الخامس: أنها حروف مقطعة من أسماء و أفعال، فالألف من أنا و اللّام من اللّه، و الميم من أعلم، فكان معنى ذلك: أنا اللّه أعلم، و هذا قول ابن مسعود و سعيد بن جبير، و نحوه عن ابن عباس أيضا.
و السادس: أنها حروف يشتمل كل حرف منها على معان مختلفة، فالألف مفتاح اسمه اللّه، و اللام مفتاح اسمه لطيف، و الميم مفتاح اسمه مجيد، و الألف آلاء اللّه، و الميم مجده، و الألف سنة، و اللام ثلاثون سنة، و الميم أربعون سنة، آجال قد ذكرها اللّه.
و السابع: أنها حروف من حساب الجمل، لما جاء في الخبر عن «91» عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس و جابر بن عبد اللّه، قال: مرّ أبو ياسر بن أخطب برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو يتلو فاتحة الكتاب و سورة البقرة: الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ فأتى أخاه حيّي بن أخطب في رجال من اليهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقالوا: يا محمد ألم تذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل اللّه عليك: الم. ذلِكَ
- الصحابة، و كان حافظا، متقنا توفي سنة 105 رحمه اللّه. قال أبو مجلز عنه:- ما رأيت أحدا أفقه من الشعبي. أنظر:-
طبقات ابن سعد (6/ 246)، سير أعلام النبلاء (4/ 294)، البداية و النهاية (9/ 230)، تذكرة الحفاظ (1/ 74)، تهذيب التهذيب (2/ 114).
(91) رواه الطبري في التفسير (1/ 226) و البخاري في التاريخ الكبير (1/ 2/ 207) و قال الطبري خبر في اسناده نظر و ضعفه السيوطي في الدر المنثور (1/ 57) و الشوكاني في فتح القدير (1/ 20) و زاد السيوطي نسبته في الدر لابن اسحق و قال أخرجه ابن المنذر في تفسيره من وجه آخر عن ابن جريج مفصلا قال الحافظ ابن كثير (1/ 69، 70) أما من زعم أنها دالة على معرفة المدد و أنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث و الفتن و الملاحم فقد ادعى ما ليس له و طار في غير مطاره و قد ورد في ذلك حديث ضعيف و هو مع ذلك أؤل على بطلان هذا المسلك و التمسك به مع صحته.
ثم قال رحمه اللّه فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي و هو ممن لا يحتج بما انفرد به و لقد كان أجدر بالحافظ السيوطي أن يحكم على الحديث بالضعف الشديد كما حكم الشيخ أحمد شاكر (1/ 216) و قد توسع العلامة أحمد شاكر في نقد روايات هذا الحديث في الطبري أنظره هناك (1/ 16) و ما بعدها.
النكت و العيون، ج1، ص: 65
الْكِتابُ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «بلى»، فقالوا: «أجاءك بها جبريل من عند اللّه». قال: «نعم»، قالوا: «لقد بعث اللّه قبلك أنبياء ما نعلم أنه بيّن لنبي منهم مدة ملكه و ما أكل أمته غيرك»، فقال حييّ بن أخطب و أقبل على من كان معه، فقال لهم: «الألف واحدة و اللام ثلاثون و الميم أربعون فهذه إحدى و سبعون سنة»، ثم أقبل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، ثم قال: «يا محمد هل كان مع هذا غيره»؟، قال: «نعم»، قال: «ماذا»؟ قال: «المص»، قال هذه أثقل و أطول، الألف واحدة و اللام ثلاثون و الميم أربعون، و الصاد تسعون، فهذه إحدى و ستون و مائة سنة، فهل مع هذا يا محمد غيره»، قال: «نعم»، قال: «ماذا» قال: «الر» قال: «هذه أثقل و أطول، الألف واحد، و اللام ثلاثون، و الراء مائتان، فهذه إحدى و ثلاثون و مائتا سنة، فهل مع هذا يا محمد غيره»، قال:
«نعم» قال: «ما ذا»؟، قال: «المر»، قال هذه أثقل و أطول، الألف واحدة، و اللام ثلاثون، و الميم أربعون، و الراء مائتان، فهذه إحدى و سبعون و مائتا سنة ..، ثم قال: «لقد التبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا»، ثم قاموا عنه، فقال أبو ياسر لأخيه حييّ بن أخطب و لمن معه من الأحبار: «ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى و سبعون، و إحدى و ستون و مائة، و إحدى و ثلاثون و مائتان، و إحدى و سبعون و مائتان، فذلك سبعمائة سنة و أربع و ثلاثون سنة»، قالوا: «لقد تشابه علينا أمره». فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ .
و الثامن «92» : أنه حروف هجاء أعلم اللّه تعالى بها العرب حين تحداهم بالقرآن، أنه مؤلف من حروف كلام، هي هذه التي منها بناء كلامهم ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم، إذ لم يخرج عن كلامهم.
فأما حروف أبجد فليس بناء كلامهم عليها، و لا هي أصل، و قد اختلف أهل العلم فيها على أربعة أقاويل:
(92) و هذا الوجه لعله أقرب إلى الصواب من غيره و اللّه أعلم.
النكت و العيون، ج1، ص: 66
أحدها: أنها الأيام الستة، التي خلق اللّه تعالى فيها الدنيا، و هذا قول الضحاك بن مزاحم «93» .
و الثاني: أنها أسماء ملوك مدين، و هذا قول الشعبي و في قول بعض شعراء مدين دليل على ذلك قال شاعرهم:
ألا يا شعيب قد نطقت مقالة
سببت بها عمرا و حيّ بني عمرو
ملوك بني حطّى و هوّز منهم
و سعفص أصل للمكارم و الفخر
هم صبّحوا أهل الحجاز بغارة
كمثل شعاع الشّمس أو مطلع الفجر
و الثالث: ما روى ميمون بن مهران «94» ، عن ابن عباس، أن لأبي جاد حديثا عجبا: (أبى) آدم الطاعة، و (جد) في أكل الشجرة، و أما (هوّز)، فنزل آدم فهوى من السماء إلى الأرض، و أما (حطي) فحطت خطيئته، و أما (كلمن) فأكل من الشجرة، و منّ عليه بالتوبة، و أما (سعفص) فعصى آدم، فأخرج من النعيم إلى النكد، و أما قرشت فأقرّ بالذنب، و سلم من العقوبة «95» .
و الرابع: أنها حروف من أسماء اللّه تعالى، روى ذلك معاوية بن قرة «96» ، عن أبيه، عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «97» .
(93) هو الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو محمد و قيل أبو القاسم. صاحب التفسير.
كان من أوعية العلم، ليس بالمجوّد لحديثه، و هو صدوق في نفسه، حدث عن ابن عباس و أبي سعيد الخدري و ابن عمر و غيرهم. و حدث عنه عمارة بن أبي حفصة، أبو روق بن عطية نقل غير واحد وفاة الضحاك في سنة إثنتين و مئة. أنظر:-
طبقات ابن سعد (6/ 300، 7/ 369)، تاريخ البخاري (4/ 332)، البداية و النهاية (9/ 223).
(94) هو ميمون بن مهران أبو أيوب الجزري الرقي. حدث عن أبي هريرة و عائشة و ابن عباس و غيرهم.
له الكثير من الأخبار المروية في الزهد. مات سنة سبع عشرة و مئة و قيل سنة عشرة. أنظر:-
حلية الأولياء (4/ 82)، طبقات ابن سعد (7/ 177)، البداية و النهاية (9/ 314) تذكرة الحفاظ (1/ 98) و غيرهم.
(95) هذا من الاسرائيليات التي تلقاها بعض الصحابة عن أهل الكتاب و التي يحكيها بعض المفسرين على سبيل الحكاية لا على سبيل الاستشهاد و لا الاعتماد.
(96) هو معاوية بن أبي قرة بن اياس بن هلال أبو اياس ولد يوم الجمل. و ثقة ابن معين و العجلي و أبو حاتم و غيرهم. أنظر:-
طبقات ابن سعد (7/ 221)، سير أعلام النبلاء (5/ 153)، تاريخ البخاري (7/ 330) تهذيب التهذيب (10/ 216).