کتابخانه تفاسیر
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 49
به همزة، بشهادة التّكبير و التّصغير.
أو: من «السّمة» و أصله «وسم» حذفت الواو و عوّض عنها الهمزة.
و لم يقل باللّه، لأنّ التبرّك باسمه، و ليعمّ كل أسمائه.
و «اللّه» أصله: «إله»، حذفت الهمزة و عوّض عنها أداة التعريف «1» لكنّه مختصّ بالمعبود بالحقّ. و «الإله» كان لكلّ معبود، ثم غلّب في المعبود بالحقّ. و هو من «أله» بالفتح: عبد أو تحيّر، أو- الكسر-: سكن أو فزع أو ولع، لأنه معبود تتحيّر فيه العقول، و تطمئن بذكره القلوب، و يفزع اليه، و يولع بالتضرّع لديه.
و قيل: أصله «لاه» مصدر لاه ليها ولاها: احتجب و ارتفع. فأدخلت عليه الأداة. «2» و في الحديث إشارة إلى جلّ هذه المعاني:
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: «اللّه، معناه: المعبود الذي تألّه فيه الخلق، و يؤله اليه، المستور عن إدراك الأبصار، المحجوب عن الأوهام و الخطرات». «3»
و هو علم شخصي للذات المقدّس الجامع لكلّ كمال؛ لا اسم لمفهوم واجب الوجود، و إلّا لم تفد كلمة الشّهادة: التوحيد؛ لاحتمال اعتقاد قائلها تعدّد أفراد ذلك المفهوم.
و عورض بأنّه لو كان كذلك لم يفده: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لجواز علميّته لأحد أفراد الواجب، مع عدّهم السّورة من أدلّة التّوحيد.
(1) قال سيبويه: «اللّه» مشتق، و أصله: «اله» دخلت عليه الالف و اللام فبقي الإله ثم نقلت حركة الهمزة الى اللام و سقطت فأسكنت اللام الاولى و أدغمت. ينظر مجمع البحرين 6: 340-.
(2) نقل هذا القول الشيخ الطوسي في تفسير التبيان: 1/ 27، و الطبرسي في تفسير مجمع البيان 1: 19.
(3) رواه الصدوق في كتاب التوحيد: 89 مع اختلاف يسير.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 50
و يجاب: بأن آخرها يفيد الواحديّة و صدرها يفيد الأحدية: أي نفي قبول القسمة بأنحائها، و ما مرّ في الحديث «1» لا ينافي العلمية.
و تفخّم لامه إذا فتح ما قبلها أو ضمّ. و حذف ألفه لحن.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ صفتان مشبّهتان من «رحم»- بالكسر- بعد نقله الى المضموم؛ كغضبان من غضب، و عليم من علم.
و الرّحمة: رقة القلب المقتضية للإحسان. و اتّصافه تعالى بها باعتبار غايتها التي هي فعل، لا مبدئها الّذي هو انفعال.
و «الرحمن» أبلغ؛ لاقتضاء زيادة البناء زيادة المعنى. و هي هنا إما باعتبار الكمّ بحسب كثرة أفراد المرحومين و قلّتها، و عليه حمل «يا رحمن الدنيا» لشمول المؤمن و الكافر «و رحيم الآخرة» للاختصاص بالمؤمن. أو باعتبار الكيف، و عليه حمل: «يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيم الدنيا»، لجسامة «2» نعم الآخرة- كلّها- بخلاف نعم الدّنيا.
فمعنى «الرّحمن»: البالغ في الرّحمة غايتها؛ و لهذا اختص به تعالى، لأن من عداه مستعيض بأنعامه ثوابا أو ثناء أو إزالة الرّقة الجنسية أو البخل.
ثم هو كالواسطة، لأن ذات النّعم و سوقها الى المنعم و إقداره على إيصالها منه تعالى فهو المنعم الحقيقيّ.
و إنّما قدّم «الرّحمن»- و مقتضى التّرقّي العكس- لصيرورته بالاختصاص كالواسطة بين العلم و الوصف، فناسب توسيطه بينهما. أو لأنّ الملحوظ في مقام التّعظيم جلائل النّعم و غيرها كالتّتمة، فقدّم.
و أردف ب «الرّحيم» للتّعميم، تنبيها على أن جلائلها و دقائقها منه تعالى؛ لئلا
(1) أي: الحديث المروي عن امير المؤمنين عليه السّلام- المتقدم آنفا-.
(2) الجسامة: العظمة.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 51
يأنف عباده من سؤال الحقير من جنابه، و للفاصلة.
و خصّ البسملة بهذه الأسماء الثّلاثة إعلاما بأنّ التحقيق بأن يستعان به في جميع الأمور «1» هو المعبود الحقيقيّ البالغ في الرّحمة غايتها المولي للنّعم كلّها.
[2]- الْحَمْدُ لِلَّهِ الحمد: هو الثّناء على جميل اختياريّ، نعمة و غيرها و حمده تعالى على صفاته حمد على الآثار الاختيارية الصّادرة عن ذاته العينيّة كما هو الحقّ. و نقيضه: الذّم، و يرادفه: المدح، أو يعمّ غير الاختياري.
و الشكر: ما قابل النّعمة من قول أو عمل أو اعتقاد، و منه الحمد على النّعمة، بل هو أظهر شعبه دلالة عليها؛ لخفاء الإعتقاد و احتمال عمل الجوارح؛ و لذا
قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الحمد رأس الشّكر، ما شكر اللّه من لم يحمده» «2»
فجعله كأشرف الأعضاء، فكأنّ الشكر منتف بانتفائه. و خصّه بعض بالقول، فيتساويان. و نقيضه: الكفران.
و رفع «الحمد» بالابتداء، و خبره «للّه». و هو من المصادر التي تنصب بأفعال مضمرة، فأصله النّصب، و عدل الى الرفع ليفيد الثبات دون التجدّد. و لامه للجنس.
أو الاستغراق، أو العهد، أي: حقيقة الحمد، أو: كل أفراده، أو: أكملها ثابت له تعالى على وجه الإختصاص- كما تفيده اللام- و لو بمعونة المقام. رَبِّ الْعالَمِينَ مالكهم.
و «الربّ» مصدر، بمعنى: التّربية، و هي: تبليغ الشّيء كماله تدريجا. وصف به للمبالغة. أو: صفة مشبّهة من: ربّه يربّه، بعد جعله لازما كما في «الرحمن» و اضافته حقيقية لانتفاء العمل النّصب لاشتقاقه من اللازم، و لقصد الاستمرار الثّبوتيّ ككريم البلد، فساغ وصف المعرفة به، و سمّي به: المالك، لحفظه ما يملكه و تربيته
(1) في النسخ: مجامع الأمور.
(2) رواه البيضاوي في تفسيره 1: 22.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 52
له. و لا يطلق على غير تعالى إلّا مضافا كربّ الدّار، أو مجموعا كالأرباب.
و «العالم» اسم لما يعلم به كالطابع غلّب في كل جنس مما يعلم به الصانع من الجواهر و الأعراض، كما يقال: عالم الأرواح، و عالم الأفلاك و عالم العناصر، و يطلق على مجموعها- أيضا-، و لا يجمع إلّا بالإطلاق الأول، فيتعيّن هنا. و إنما جمع ليشمل كلّ أجناس مسمّاه و أفرادها أيضا. و جمع بالواو و النون لمعنى الوصفيّة فيه، و تغليب العقلاء.
و قيل: اسم لكل جنس من ذوي العلم من الملائكة و الثقلين و دخول غيرهم بالتّبعيّة. «1» [3]- الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كررا في مفتتح الكتاب الكريم إشعارا بشدة اعتنائه سبحانه بالرّحمة، و تثبيتا للرّجاء بأنّ مالك يوم الجزاء هو البالغ في الرحمة غايتها، فلا يقنط من عفوه المذنبون.
[4]- مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قراءة «عاصم» و «الكسائي». «2» و يؤيّده: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ . «3» و قرأ الباقون: «ملك» «4» و يؤيّده: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ «5» و أنه أدخل في التّعظيم، و أنسب بالإضافة الى «يوم الدين» كملك العصر، و لوصفه تعالى بالملكية بعد الرّبوبية في خاتمة الكتاب، «6» ليوافق الافتتاح الاختتام.
(1) نقل هذا القول البيضاوي في تفسيره 1: 27 و لم ينسبه.
(2) الكشف عن وجوه القراءات 1/ 25.
(3) سورة الانفطار: 82/ 19.
(4) الكشف عن وجوه القراءات 1/ 25.
(5) سورة المؤمن: 40/ 16.
(6) في سورة الناس: 114/ 2، قوله تعالى: «ملك النّاس».
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 53
و المالك: من له التّصرّف فيما في حوزته، و الملك: من له التّصرّف في الأمور- في الأمر و النّهي- بالغلبة.
و الدين: الجزاء، و منه:
«كما تدين تدان». «1»
و
عن الباقر عليه السلام: أنه الحساب. «2»
و إضافة اسم الفاعل الى الظّرف لإجرائه مجرى المفعول به توسّعا، و سوّغ وصف المعرفة به قصد معنى المضيّ؛ تنزيلا لمحقّق الوقوع منزلة ما وقع، أو قصد الاستمرار الثّبوتيّ. و المعنى: ملك الأمر كلّه في ذلك اليوم، أو له الملك- بكسر الميم- فيه، فإضافته حقيقيّة، و كذا إضافة «ملك» إذ لا مفعول للصّفة المشبّهة.
و تخصيص اليوم بالإضافة- مع أنه تعالى مالك و ملك لجميع الأشياء في كلّ الأوقات- لتعظيم اليوم، أو لتفرّده تعالى بالملك و الملك فيه؛ لأن ما حصل منهما للبعض في الدنيا بحسب الظاهر يزول و ينفرد سبحانه بهما لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ . «3» و في التّعبير باسم الذّات الدّالّ على استجماع الكمالات، و تعقيبه بتلك الصّفات المنتفية عمّا سواه تعالى، دلالة على انحصار استحقاق الحمد فيه، و قصر العبادة و الاستعانة عليه تعالى، و إرشاد الى المبدأ و المعاد، و تنبيه على أنّ من يحمده النّاس إمّا أن يحمدوه لكماله الذّاتيّ، أو لإنعامه عليهم، أو لرجائهم إحسانه في المستقبل، أو لخوفهم من كمال قهره، فكأنّه تعالى يقول: أيها النّاس إن كنتم تحمدون للكمال الذّاتي؛ فأنا اللّه، أو للإنعام و التّربية؛ فأنا ربّ العالمين، أو للرجاء في المستقبل؛ فأنا الرّحمن الرّحيم، أو للخوف من كمال القهر؛ فأنا مالك
(1) و هو قول أمير المؤمنين عليه السّلام كما ورد في نهج البلاغة (الخطبة: 153).
(2) تفسير التبيان 1: 36 و تفسير مجمع البيان 1: 24.
(3) سورة المؤمن: 40/ 16.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 54
يوم الدّين.
[5]- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ «إيّا»: ضمير منصوب منفصل، و لواحقه من «الكاف» و «الياء» و «الهاء» حروف لبيان الخطاب و التكلّم و الغيبة لا محل لها من الإعراب ككاف «ذلك»- على أصحّ الأقوال-. «1» و العبادة أعلى مراتب الخضوع و التذلّل؛ و لذا لا يستحقها إلّا المولي لأعظم النّعم- من الوجود و الحياة و توابعها-.
و الاستعانة: طلب المعونة في الفعل، و يراد بها- هنا-: طلب المعونة في كلّ المهمات، و لذا حذف المستعان فيه، أو: في أداء العبادة بوظائفها، بقرينة توسّطها بين «نعبد» و «اهدنا» فحذف اختصارا للقرينة.
و تقديم المفعول، لقصر العبادة و الاستعانة عليه تعالى قصرا حقيقيّا، أو إضافيا إفراديّا، و لتقدّمه تعالى في الوجود، و للتّنبيه على أنّ العابد و المستعين ينبغي أن يكون نظرهما- بالذّات- الى الحقّ سبحانه، ثم منه الى أنفسهما، «2» لا من حيث ذواتهما، بل من حيث انّها ملاحظة له تعالى، ثم الى عبادتهما «3» - و نحوها- لا من حيث صدورها عنهما، «4» بل من حيث إنها وصلة بينهما «5» و بينه تعالى.
و تكرير الضّمير للتنصيص على التّخصيص بالاستعانة، فينتفي احتمال تقدير مفعولها مؤخّرا، و يرتفع توهّم إرادة التخصيص بمجموع الأمرين لا بكل منهما، و لبسط الكلام مع المحبوب كآية: هِيَ عَصايَ . «6» و تقديم العبادة على الاستعانة ليتوافق الفواصل في متلوّ الآخر؛ و لأنّ تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة، و لمناسبة تقديم مطلوبه تعالى من
(1) راجع الأقوال المتعددة الواردة عن كبار النحويين في تفسير مجمع البيان 1: 25.
(2، 3، 4، 5) وردت الكلمة بصيغة الجمع- في المواضع الأربعة- و صححناه نظرا الي السياق.
(6) سورة طه: 20/ 18.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 55
العباد على مطلوبهم منه، و لأنّ المتكلّم لمّا نسب العبادة الى نفسه كان كالمعتدّ بما يصدر منه فعقّبه «1» ب «إيّاك نستعين»، إيذانا بأنّ العبادة لا تتمّ إلّا بمعونته.
و إيثار صيغة المتكلّم مع الغير على المتكلّم وحده، ليلاحظ القارئ دخول الحفظة أو حاضري صلاة الجماعة، او كلّ موجود وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، «2» و ليؤذن بحقارة نفسه عن عرض العبادة و طلب المعونة منفردا على باب الكبرياء بدون انضمامه إلى جماعة تشاركه في العرض، كما يصنع في عرض الهدايا، و رفع الحوائج إلى الملوك، و ليحترز عن الكذب لو انفرد في ادّعائه: قصر خضوعه التّام و استعانته عليه تعالى، مع خضوعه التّام لأهل الدنيا من الملوك و نحوهم.
و في الجمع يمكن أن يقصد تغليب الخلّص على غيرهم فيصدق، و ليدرج عبادته و حاجته في عبادة المقرّبين و حاجتهم لعلّها تقبل و تجاب ببركتهم.
و العدول من الغيبة الى الخطاب التفات، و يكون بالعكس، و من أحدهما الى التّكلّم و بالعكس، و من عادة العرب العدول من أسلوب الى آخر تفنّنا في الكلام، و تطرية له، و تنشيطا للسّامع، و تختصّ مواقعه بنكت.
و ممّا اختص به هذا الموضع: أنّ الحمد إظهار مزايا المحمود، فالمخاطب به غيره تعالى، فالمناسب له طريق الغيبة.
و أما العبادة و الاستعانة، فينبغي كتمانهما من غير المعبود و المستعان؛ ليكون أقرب الى الإخلاص و أبعد عن الرّياء، فالمناسب له طريق الخطاب.
و منه: التّلويح إلى ما
في حديث: «اعبد اللّه كأنّك تراه» «3»
إذ العبادة الكاملة هي ما يكون العابد حال اشتغاله بها مستغرقا في الحضور، كأنّه مشاهد لجناب معبوده.
(1) في «ج»: فعقّب.
(2) سورة الإسراء: 17/ 44.