کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم

الجزء السابع

(سورة القصص) مكية و قيل إلا قوله الذين آتيناهم الكتاب إلى قوله الجاهلين و هى ثمان و ثمانون آية (سورة العنكبوت) مكية و هى تسع و ستون آية (سورة الروم) مكية إلا قوله فسبحان الله الآية. و هى ستون آية (سورة القمان)(مكية و قيل إلا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة فإن وجوبهما بالمدينة و هو ضعيف لأنه ينافى شرعيتهما بمكة و قيل إلا ثلاثا من قوله و لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام و هى أربع و ثلاثون آية) (سورة السجدة مكية و هى ثلاثون آية و قيل تسع و عشرون) (سورة الأحزاب مدنية و هى ثلاث و سبعون آية) (سورة سبأ مكية و قيل إلا و يرى الذين أوتوا العلم الآية و هى أربع و خمسون آية) (سورة فاطر مكية و هى خمس و أربعون آية) (سورة يس مكية. و عنه صلى الله عليه و سلم تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين و الدافعة و القاضية تدفع عنه كل سوء و تقضى له كل حاجة و آياتها ثلاث و ثمانون) (سورة الصافات مكية و آياتها مائة و اثنتان و ثمانون آية) (سورة ص مكية و آياتها ثمان و ثمانون آية) (سورة الزمر مكية إلا قوله قل يا عبادي الآية و آياتها خمس و سبعون آية) (سورة غافر مكية و آياتها خمس و ثمانون آية) فهرست الجزء السابع من تفسير قاضى القضاة أبى السعود

الجزء الثامن

(سورة فصلت مكية و آياتها أربع و خمسون آية) (سورة الشورى مكية و آياتها ثلاث و خمسون آية) (سورة الزخرف مكية و قيل الا قوله و سئل من أرسلنا و آياتها تسع و ثمانون) (سورة الدخان مكية إلا قوله إنا كاشفوا العذاب و آياتها تسع و خمسون آية) (سورة الجاثية مكية و هى سبع و ثلاثون آية) (سورة الأحقاف مكية و آيها خمس و ثلاثون) (سورة محمد صلى الله عليه و سلم و تسمى سورة القتال و هى مدنية و قيل مكية و آياتها ثمان و ثلاثون) (سورة الفتح مدنية نزلت فى مرجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من الحديبية و آياتها تسع و عشرون) (سورة الحجرات مدنية و آياتها ثمانى عشرة) (سورة ق مكية و أياتها خمس و أربعون) (سورة الذاريات مكية و آياتها ستون) (سورة الطور مكية و أياتها تسع و أربعون) (سورة النجم مكية و آياتها إثنتان و ستون) (سورة القمر مكية إلا الآيات 44، 45، 46 فمدنية و آياتها خمس و خمسون) (سورة الرحمن مكية أو مدنية أو متبعضة و آياتها ثمان و سبعون) (سورة الواقعة مكية إلا آية 81، 82 فمدنيتان و آياتها ست و تسعون آية) (سورة الحديد مكية و قيل مدنية و آياتها تسع و عشرون) (سورة المجادلة مدنية و قيل العشر الأول مكى و الباقى مدنى و آياتها إثنتان و عشرون آية) (سورة الحشر مدنية و آياتها أربع و عشرون) (سورة الممتحنة مدنية و آياتها ثلاث عشرة) (سورة الصف مدنية و قيل مكية و آياتها أربع عشرة) (سورة الجمعة مدنية و آياتها إحدى عشرة) (سورة المنافقون مدنية و آياتها إحدى عشرة) (سورة التغابن مدنية مختلف فيها و آياتها ثمانى عشرة) (سورة الطلاق مدنية و آياتها إثنتا عشرة آية) (سورة التحريم مدنية و آياتها إثنتا عشرة) فهرست الجزء الثامن من تفسير قاضى القضاة أبى السعود

الجزء التاسع

(سورة الملك مكية و تسمى الواقية و المنجية لأنها تقى و تنجى قارئها من عذاب القبر و آياتها ثلاثون) (سورة القلم مكية إلا من آية 17 إلى آية 33 و من آية 48 إلى آية 50 فمدنية و آياتها اثنتان و خمسون) (سورة الحاقة مكية و آياتها إثنتان و خمسون آية) (سورة المعارج مكية و آياتها أربع و أربعون) (سورة نوح عليه السلام مكية و آياتها ثمان و عشرون) (سورة الجن مكية و آياتها ثمان و عشرون) (سورة المزمل مكية إلا آية 10، 11، 20 فمدنية و آياتها عشرون) (سورة المدثر مكية و آياتها ست و خمسون) (سورة القيامة مكية و آياتها أربعون) (سورة الإنسان مدنية و آياتها إحدى و ثلاثون) (سورة المرسلات مكية إلا آية 48 فمدنية و آياتها خمسون) (سورة النبأ مكية و آياتها أربعون) (سورة النازعات مكية و آياتها ست و أربعون) (سورة عبس مكية و آياتها إثنان و أربعون) (سورة التكوير مكية و آياتها تسع و عشرون) (سورة الانفطار مكية و آياتها تسعة عشر) (سورة المطففين مكية مختلف فيها و آيها ست و ثلاثون) (سورة الإنشقاق مكية و آيها خمس و عشرون) (سورة البروج مكية و آيها إثنتان و عشرون) (سورة الطارق مكية و آيها سبع عشرة) (سورة الأعلى مكية و آيها تسع عشرة) (سورة الغاشية مكية و آيها ست و عشرون) (سورة الفجر مكية و آيها ثلاثون) (سورة البلد مكية و آيها عشرون) (سورة الشمس مكية و آيها خمس عشرة) (سورة الليل مكية و آيها إحدى و عشرون) (سورة الضحى مكية و آيها إحدى عشرة) (سورة الشرح مكية و آيها ثمان) (سورة التين مكية و قيل مدنية و آيها ثمان) (سورة العلق مكية و آيها تسع عشرة) (سورة القدر مكية مختلف فيها و آيها خمس) (سورة البينة مدنية مختلف فيها و آيها ثمان) (سورة الزلزلة مدنية مختلف فيها و آيها ثمان) (سورة العاديات مكية مختلف فيها و آيها إحدى عشرة) (سورة القارعة مكية و آيها إحدى عشرة) (سورة التكاثر مكية مختلف فيها و آيها ثمان) (سورة العصر مكية و آيها ثلاث) (سورة الهمزة مكية و آيها تسع) (سورة الفيل مكية و آيها خمس) (سورة قريش مكية و آيها أربع) (سورة الماعون مكية مختلف فيها و آيها سبع) (سورة الكوثر مكية و آيها ثلاث) (سورة الكافرون مكية و آيها ست) (سورة النصر مدنية و آيها ثلاث) (سورة المسد مكية و آيها خمس) (سورة الإخلاص مكية مختلف فيها و آيها أربع) (سورة الفلق مكية مختلف فيها و آيها خمس) (سورة الناس مكية مختلف فيها و آيها ست) خاتمة المؤلف فهرست الجزء التاسع من تفسير قاضى القضاة أبى السعود

ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم


صفحه قبل

ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم، ج‏1، ص: 10

الفعل و إحداثه أى إفاضة القدرة المفسرة عند الأصوليين من أصحابنا بما يتمكن به العبد من أداء مالزمه المنقسمة إلى ممكنة و ميسرة و هى المطلوبة بإياك نستعين و تارة أخرى باسمه عز و علا و حقيقتها طلب المعونة فى كون الفعل معتدا به شرعا فإنه ما لم يصدر باسمه تعالى يكون بمنزلة المعدوم و لما كانت كل واحدة من الإستعانتين واقعة وجب تعيين المراد بذكر الاسم و إلا فالمتبادر من قولنا باللّه عند الإطلاق لا سيما عند الوصف بالرحمن الرحيم هى الإستعانة الأولى إن قيل فليحمل الباء على التبرك و ليستغن عن ذكر الاسم لما أن التبرك لا يكون إلا به قلنا ذاك فرع كون المراد باللّه هو الاسم و هل التشاجر إلا فيه فلا بد من ذكر الاسم لينقطع احتمال إرادة المسمى و يتعين حمل الباء على الإستعانة الثانية أو التبرك و إنما لم يكتب الألف لكثرة الإستعمال قالوا و طولت الباء عوضا عنها. و (اللَّهِ) أصله الإله فحذفت همزته على غير قياس كما ينبئ عنه وجوب الإدغام و تعويض الألف و اللام عنها حيث لزماه و جردا عن معنى التعريف و لذلك قيل يا للّه بالقطع فإن المحذوف القياسى فى حكم الثابث فلا يحتاج إلى التدارك بما ذكر من الإدغام و التعويض و قيل على قياس تخفيف الهمزة فيكون الإدغام و التعويض من خواص الاسم الجليل ليمتاز بذلك عما عداه امتياز مسماه عما سواه بما لا يوجد فيه من نعوت الكمال و الإله فى الأصل اسم جنس يقع على كل معبود بحق أو باطل أى مع قطع النظر عن وصف الحقية و البطلان لامع اعتبار أحدهما لا بعينه ثم غلب على المعبود بالحق كالنجم و الصعق و أما اللّه بحذف الهمزة فعلم مختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره أصلا و اشتقاقه من الإلاهة و الألوهة و الألوهية بمعنى العبادة حسبما نص عليه الجوهرى على أنه اسم منها بمعنى المألوه كالكتاب بمعنى المكتوب لا على أنه صفة منها بدليل أنه يوصف و لا يوصف به حيث يقال إله واحد و لا يقال شى‏ء إله كما يقال كتاب مرقوم و لا يقال شى‏ء كتاب و الفرق بينهما أن الموضوع له فى الصفة هو الذات المبهمة باعتبار اتصافها بمعنى معين و قيامه بها فمدلولها مركب من ذات مبهمة لم يلاحظ معها خصوصية أصلا و من معنى معين قائم بها على أن ملاك الأمر تلك الخصوصية فبأى ذات يقوم ذلك المعنى يصح إطلاق الصفة عليها كما فى الأفعال و لذلك تعمل عملها كاسمى الفاعل و المفعول و الموضوع له فى الاسم المذكور هو الذات المعينة و المعنى الخاص فمدلوله مركب من ذينك المعنيين من غير رجحان للمعنى على الذات كما فى الصفة و لذلك لم يعمل عملها و قيل اشتقاقه من إله بمعنى تحير لأنه سبحانه يحار فى شأنه العقول و الأفهام و أما أله كعبد وزنا و معنى فمشتق من الإله المشتق من إله بالكسر و كذا تأله و استأله اشتقاق استنوق و استحجر من الناقة و الحجر و قيل من أله إلى فلان أى سكن إليه لاطمئنان القلوب بذكره تعالى و سكون الأرواح إلى معرفته و قيل من أله إذا فزع من أمر نزل به و آلهه غيره إذا أجاره إذ العائذ به تعالى يفزع إليه و هو يجيره حقيقة أو فى زعمه و قيل أصله لاه على أنه مصدر من لاه يليه بمعنى احتجب و ارتفع أطلق على الفاعل مبالغة و قيل هو اسم علم للذات الجليل ابتداء و عليه مدار أمر التوحيد فى قولنا لا إله إلا اللّه و لا يخفى أن اختصاص الاسم الجليل بذاته سبحانه بحيث لا يمكن إطلاقه على غيره أصلا كاف فى ذلك و لا يقدح فيه كون ذلك الاختصاص بطريق الغلبة بعد أن كان اسم جنس فى الأصل و قيل هو وصف فى الأصل لكنه لما

ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم، ج‏1، ص: 11

غلب عليه بحيث لا يطلق على غيره أصلا صار كالعلم و يرده امتناع الوصف به و اعلم أن المراد بالمنكر فى كلمة التوحيد هو المعبود بالحق فمعناها لافراد من أفراد المعبود بالحق إلا ذلك المعبود بالحق و قيل أصله لاها بالسريانية فعرب بحذف الألف الثانية و إدخال الألف و اللام عليه و تفخيم لامه إذا لم ينكسر ما قبله سنة و قيل مطلقا و حذف ألفه لحن تفسد به الصلاة و لا ينعقد به صريح اليمين و قد جاء لضرورة الشعر فى قوله‏

[ ألا لا بارك اللّه فى سهيل‏

إذا ما اللّه بارك فى الرجال‏ ]

. و (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) صفتان مبنيتان من رحم بعد جعله لازما بمنزلة الغرائز بنقله إلى رحم بالضم كما هو المشهور و قد قيل إن الرحيم ليس بصفة مشبهة بل هى صيغة مبالغة نص عليه سيبويه فى قولهم هو رحيم فلانا و الرحمة فى اللغة رقة القلب و الانعطاف و منه الرحم لانعطافها على ما فيها و المراد ههنا التفضل و الإحسان و إرادتهما بطريق إطلاق اسم السبب بالنسبة إلينا على مسببه البعيد أو القريب فإن أسماء اللّه تعالى تؤخذ باعتبار الغايات التى هى أفعال دون المبادى‏ء التى هى انفعالات و الأول من الصفات الغالبة حيث لم يطلق على غيره تعالى و إنما امتنع صرفه إلحاقا له بالأغلب فى بابه من غير نظر إلى الاختصاص العارض فإنه كما حظر وجود فعلى حظر وجود فعلانة فاعتباره يوجب اجتماع الصرف و عدمه فلزم الرجوع إلى أصل هذه الكلمة قبل الاختصاص بأن تقاس إلى نظائرها من باب فعل يفعل فإذا كان كلها ممنوعة من الصرف لتحقق وجود فعلى فيها علم أن هذه الكلمة أيضا فى أصلها مما تحقق فيها وجود فعلى فتمنع من الصرف و فيه من المبالغة ما ليس فى الرحيم و لذلك قيل يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيم الدنيا و تقديمه مع كون القياس تأخيره رعاية لأسلوب الترقى إلى الأعلى كما فى قولهم فلان عالم نحرير و شجاع باسل و جواد فياض لأنه باختصاصه به عز و جل صار حقيقا بأن يكون قرينا للاسم الجليل الخاص به تعالى و لأن ما يدل على جلائل النعم و عظائمها و أصولها أحق بالتقديم مما يدل على دقائقها و فروعها و إفراد الوصفين الشريفين بالذكر لتحريك سلسلة الرحمة

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) الحمد هو النعت بالجميل على الجميل اختياريا كان أو مبدأ له على وجه يشعر ذلك بتوجيهه إلى المنعوت و بهذه الحيثية يمتاز عن المدح فإنه خال عنها يرشدك إلى ذلك ما نرى بينهما من الاختلاف فى كيفية التعلق بالمفعول فى قولك حمدته و مدحته فإن تعلق الثانى بمفعوله على منهاج تعلق عامة الأفعال بمفعولاتها و أما الأول فتعلقه بمفعوله منبى‏ء عن معنى الإنهاء كما فى قولك كلمته فإنه معرب عما يقيده لام التبليغ فى قولك قلت له و نظيره و شكرته و عبدته و خدمته فإن تعلق كل منها منبئ عن المعنى المذكور و تحقيقه أن مفعول كل فعل فى الحقيقة هو الحدث الصادر عن فاعله و لا يتصور فى كيفية تعلق الفعل به أى فعل كان اختلاف أصلا و أما المفعول به الذى هو محله و موقعه فلما كان تعلقه به و وقوعه عليه على أنحاء مختلفة حسبما يقتضيه خصوصيات الأفعال بحسب معانيها المختلفة فإن بعضها يقتضى أن يلابسه ملابسة تامة مؤثرة فيه كعامة الأفعال و بعضها يستدعى أن يلابسه أدنى ملابسة إما بالانتهاء إليه كالإعانة مثلا أو بالإبتداء منه كالإستعانة مثلا اعتبر فى كل نحو من أنحاء تعلقه به كيفية لائقة بذلك النحو مغايرة لما اعتبر فى النحوين الأخيرين فنظم القسم الأول من التعلق فى سلك التعلق بالمفعول الحقيقى مراعاة لقوة الملابسة و جعل كل واحد من القسمين الأخيرين‏

ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم، ج‏1، ص: 12

من قبيل التعلق بواسطة الجار المناسب له فإن قولك أعنته مشعر بانتهاء الإعانة إليه و قولك استعنته بابتدائها منه و قد يكون لفعل واحد مفعولان يتعلق بأحدهما على الكيفية الأولى و بالآخر على الثانية أو الثالثة كما فى قولك حدثنى الحديث و سألنى المال فإن التحديث مع كونه فعلا واحدا قد تعلق بك على الكيفية الثانية و بالحديث على الأولى و كذا السؤال فإنه فعل واحد و قد تعلق بك على الكيفية الثالثة و بالمال على الأولى و لا ريب فى أن اختلاف هذه الكيفيات الثلاث و تباينها و اختصاص كل من المفاعيل المذكورة بما نسب إليه منها مما لا يتصور فيه تردد و لا نكير و إن كان لا يتضح حق الاتضاح إلا عند الترجمة و التفسير و إن مدار ذلك الاختلاف ليس إلا اختلاف الفعل أو اختلاف المفعول و إذ لاختلاف فى مفعول الحمد و المدح تعين أن اختلافهما فى كيفية التعلق لاختلافهما فى المعنى قطعا هذا و قد قيل المدح مطلق عن قيد الإختيار يقال مدحت زيدا على حسنه و رشاقة قده و أيا ما كان فليس بينهما ترادف بل أخوة من جهة الاشتقاق الكبير و تناسب تام فى المعنى كالنصر و التأييد فإنهما متناسبان معنى من غير ترادف لما ترى بينهما من الاختلاف فى كيفية التعلق بالمفعول و إنما مرادف النصر الإعانة و مرادف التأييد التقوية فتدبر ثم إن ما ذكر من التفسير هو المشهور من معنى الحمد و اللائق بالإرادة فى مقام التعظيم و أما ما ذكر فى كتب اللغة من معنى الرضى مطلقا كما فى قوله تعالى‏ عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً و فى قولهم لهذا الأمر عاقبة حميدة و فى قول الأطباء بحران محمود مما لا يختص بالفاعل فضلا عن الإختيار فبمعزل عن استحقاق الإرادة ههنا استقلالا أو استتباعا بحمل الحمد على ما يعم المعنيين إذ ليس فى إثباته له عز و جل فائدة يعتد بها و أما الشكر فهو مقابلة النعمة بالثناء و آداب الجوارح و عقد القلب على وصف المنعم بنعت الكمال كما قال من قال‏

[ أفادتكم النعماء منى ثلاثة

يدى و لسانى و الضمير المحجبا

فإذن هو أعم منهما من جهة و أخص من أخرى و نقيضه الكفران و لما كان الحمد من بين شعب الشكر أدخل فى إشاعة النعمة و الاعتداد بشأنها و أدل على مكانها لما فى عمل القلب من الخفاء و فى أعمال الجوارح من الاحتمال جعل الحمد رأس الشكر و ملاكا لأمره فى قوله صلّى اللّه عليه و سلم الحمد رأس الشكر ما شكر اللّه عبد لم يحمده و ارتفاعه بالابتداء و خبره الظرف و أصله النصب كما هو شأن المصادر المنصوبة بأفعالها المضمرة التى لا تكاد تستعمل معها نحو شكرا و عجبا كأنه قيل نحمد اللّه حمدا بنون الحكاية ليوافق ما فى قوله تعالى‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ لاتحاد الفاعل فى الكل و أما ما قيل من أنه بيان لحمدهم له تعالى كأنه قيل كيف تحمدون فقيل إياك نعبد فمع أنه لا حاجة إليه مما لا صحة له فى نفسه فإن السؤال المقدر لابد أن يكون بحيث يقتضيه انتظام الكلام و ينساق إليه الأذهان و الأفهام و لا ريب فى أن الحامد بعد ما ساق حمده تعالى على تلك الكيفية اللائقة لا يخطر ببال أحد أن يسأل عن كيفيته على أن ما قدر من السؤال غير مطابق للجواب فإنه مسوق لتعيين المعبود لا لبيان العبادة حتى يتوهم كونه بيانا لكيفية حمدهم و الاعتذار بأن المعنى نخصك بالعبادة و به يتبين كيفية الحمد تعكيس للأمر و تمحل لتوفيق المنزل المقرر بالموهوم المقدر و بعد اللتيا و التى أن فرض السؤال من جهته عز و جل فأتت نكتت الإلتفات التى أجمع عليها السلف و الخلف و إن فرض من جهة الغير يختل النظام لابتناء الجواب على خطابه تعالى‏

ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم، ج‏1، ص: 13

و بهذا يتضح فساد ما قيل أنه استئناف جوابا لسؤال يقتضيه إجراء تلك الصفات العظام على الموصوف بها فكأنه قيل ما شأنكم معه و كيف توجهكم إليه فأجيب بحصر العبادة و الاستعانة فيه فإن تناسى جانب السائل بالكلية و بناء الجواب على خطابه عز و علا مما يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله و الحق الذى لا محيد عنه أنه استئناف صدر عن الحامد بمحض ملاحظة اتصافه تعالى بما ذكر من النعوت الجليلة الموجبة للإقبال الكلى عليه من غير أن يتوسط هناك شى‏ء آخر كما ستحيط به خبرا و إيثار الرفع على النصب الذى هو الأصل للإيذان بأن ثبوت الحمد له تعالى لذاته لا لإثبات مثبت و أن ذلك أمر دائم مستمر لا حادث متجدد كما تفيده قراءة النصب و هو السر فى كون تحية الخليل للملائكة عليهم التحية و السلام أحسن من تحيتهم له فى قوله تعالى‏ قالُوا سَلاماً* قال سلام و تعريفه للجنس و معناه الإشارة إلى الحقيقة من حيث هى حاضرة فى ذهن السامع و المراد تخصيص حقيقة الحمد به تعالى المستدعى لتخصيص جميع أفرادها به سبحانه على الطريق البرهانى لكن لا بناء على أن أفعال العباد مخلوقة له تعالى فتكون الأفراد الواقعة بمقابلة ما صدر عنهم من الأفعال الجميلة راجعة إليه تعالى بل بناء على تنزيل تلك الأفراد و دواعيها فى المقام الخطابى منزلة العدم كيفا و كما و قد قيل للإستغراق الحاصل بالقصد إلى الحقيقة من حيث تحققها فى ضمن جميع افرادها حسبما يقتضيه المقام و قرى‏ء الحمد للّه بكسر الدال اتباعا لها باللام و بضم اللام اتباعا لها بالدال بناء على تنزيل الكلمتين لكثرة استعمالهما مقترنتين منزلة كلمة واحدة مثل المغيرة و منحدر الجبل.

(رَبِّ الْعالَمِينَ) بالجر على أنه صفة للّه فإن إضافته حقيقية مفيدة للتعريف على كل حال ضرورة تعين إرادة الاستمرار و قرى‏ء منصوبا على المدح أو بما دل عليه الجملة السابقة كأنه قيل نحمد اللّه رب العالمين و لا مساغ لنصبه بالحمد لقلة أعمال المصدر المحلى باللام و للزوم الفصل بين العامل و المعمول بالخبر و الرب فى الأصل مصدر بمعنى التربية و هى تبليغ الشى‏ء إلى كماله شيئا فشيئا وصف به الفاعل مبالغة كالعدل و قيل صفة مشبهة من ربه يربه مثل نمه ينمه بعد جعله لازما بنقله إلى فعل بالضم كما هو المشهور سمى به المالك لأنه يحفظ ما يملكه و يربيه و لا يطلق على غيره تعالى إلا مقيد كرب الدار و رب الدابة و منه قوله تعالى‏ فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً و قوله تعالى‏ ارْجِعْ إِلى‏ رَبِّكَ‏ و ما فى الصحيحين من أنه صلّى اللّه عليه و سلم قال لا يقل أحدكم أطعم ربك و ضى‏ء ربك و لا يقل أحدكم ربى و ليقل سيدى و مولاى فقد قيل إن النهى فيه للتنزيه و أما الأرباب فحيث لم يكن إطلاقه على اللّه سبحانه جاز فى إطلاقه الإطلاق و التقييد كما فى قوله تعالى‏ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ الآية و العالم اسم لما يعلم به كالخاتم و القالب غلب فيما يعلم به الصانع تعالى من المصنوعات أى فى القدر المشترك بين أجناسها و بين مجموعها فإنه كما يطلق على كل جنس جنس منها فى قولهم عالم الأفلاك و عالم العناصر و عالم النبات و عالم الحيوان إلى غير ذلك يطلق على المجموع أيضا كما فى قولنا العالم بجميع أجزائه محدث و قيل هو اسم لأولى العلم من الملائكة و الثقلين و تناوله لما سواهم بطريق الاستتباع و قيل أريد به الناس فقط فإن كل واحد منهم من حيث اشتماله على نظائر ما فى العالم الكبير من الجواهر و الأعراض يعلم بها الصانع كما يعلم بما فيه عالم على حياله و لذلك أمر بالنظر فى الأنفس كالنظر فى الآفاق فقيل‏ وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ‏ و الأول هو الأحق الأظهر و إيثار صيغة الجمع لبيان شمول ربوبيته تعالى لجميع‏

ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم، ج‏1، ص: 14

الأجناس و التعريف لاستغراق أفراد كل منها بأسرها إذ لو أفرد لربما توهم أن المقصود بالتعريف هو الحقيقة من حيث هى أو استغراق إفراد جنس واحد على الوجه الذى أشير إليه فى تعريف الحمد و حيث صح ذلك بمساعدة التعريف نزل العالم و إن لم ينطلق على آحاد مدلوله منزلة الجمع حتى قيل أنه جمع لا واحد له من لفظه فكما أن الجمع المعرف يستغرق آحاد مفرده و إن لم يصدق عليها كما فى مثل قوله تعالى‏ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* أى كل محسن كذلك العالم يشمل أفراد الجنس المسمى به و إن لم ينطلق عليها كأنها آحاد مفرده التقديرى و من قضية هذا التنزيل تنزيل جمعه منزلة جمع الجمع فكما أن الأقاويل يتناول كل واحد من آحاد الأقوال يتناول لفظ العالمين كل واحد من آحاد الأجناس التى لا تكاد تحصى روى عن وهب ابن منبه أنه قال للّه تعالى ثمانية عشر ألف عالم و الدنيا عالم منها و إنما جمع بالواو و النون مع اختصاص ذلك بصفات العقلاء و ما فى حكمها من الأعلام لدلالته على معنى العلم مع اعتبار تغليب العقلاء على غيرهم و اعلم أن عدم انطلاق اسم العالم على كل واحد من تلك الآحاد ليس إلا باعتبار الغلبة و الاصطلاح و أما باعتبار الأصل فلا ريب فى صحة الإطلاق قطعا لتحقق المصداق حتما فإنه كما يستدل على اللّه سبحانه بمجموع ما سواه و بكل جنس من أجناسه يستدل عليه تعالى بكل جزء من أجزاء ذلك المجموع و بكل فرد من أفراد تلك الأجناس لتحقق الحاجة إلى المؤثر الواجب لذاته فى الكل فإن كل ما ظهر فى المظاهر مما عز و هان و حضر فى هذه المحاضر كائنا ما كان دليل لائح على الصانع المجيد و سبيل واضح إلى عالم التوحيد و أما شمول ربوبيته عز و جل للكل فمما لا حاجة إلى بيانه إذ لا شى‏ء مما أحدق به نطاق الإمكان و الوجود من العلويات و السفليات و المجردات و الماديات و الروحانيات و الجسمانيات إلا و هو فى حد ذاته بحيث لو فرض انقطاع آثار التربية عنه آنا واحدا لما استقر له القرار و لا اطمأنت به الدار إلا فى مطمورة العدم و مهاوى البوار لكن يفيض عليه من الجناب الأقدس تعالى شأنه و تقدس فى كل زمان يمضى و كل آن يمر و ينقضى من فنون الفيوض المتعلقة بذاته و وجوده و صفاته و كمالاته ما لا يحيط به فلك التعبير و لا يعلمه إلا العليم الخبير ضرورة أنه كما لا يستحق شى‏ء من الممكنات بذاته الوجود ابتداء لا يستحقه بقاء و إنما ذلك من جناب المبدأ الأول عز و علا فكما لا يتصور وجوده ابتداء ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الأصلى لا يتصور بقاؤه على الوجود بعد تحققه بعلته ما لم ينسد عليه جميع أنحاء عدمه الطارى‏ء لما أن الدوام من خصائص الوجود الواجبى و ظاهر أن ما يتوقف عليه وجوده من الأمور الوجودية التى هى علله و شرائطه و إن كانت متناهية لوجوب تناهى ما دخل تحت الوجود لكن الأمور العدمية التى لها دخل فى وجوده و هى المعبر عنها بارتفاع الموانع ليست كذلك إذ لا استحالة فى أن يكون لشى‏ء واحد موانع غير متناهية يتوقف وجوده أو بقاؤه على ارتفاعها أى بقائها على العدم مع إمكان وجودها فى نفسها فإبقاء تلك الموانع التى لا تتناهى على العدم تربية لذلك الشى‏ء من وجوه غير متناهية و بالجملة فآثار تربيته عز و جل الفائضة على كل فرد من أفراد الموجودات فى كل آن من آنات الوجود غير متناهية فسبحانه سبحانه ما أعظم سلطانه لا تلاحظه العيون بأنظارها و لا تطالعه العقول بأفكارها شأنه لا يضاهى و إحسانه لا يتناهى و نحن فى معرفته حائرون و فى إقامة مراسم شكره قاصرون نسألك اللهم الهداية

ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم، ج‏1، ص: 15

إلى مناهج معرفتك و التوفيق لأداء حقوق نعمتك لا نحصى ثناء عليك لا إله إلا أنت نستغفرك و نتوب إليك.

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) صفتان للّه فإن أريد بما فيهما من الرحمة ما يختص بالعقلاء من العالمين أو ما يفيض على الكل بعد الخروج إلى طور الوجود من النعم فوجه تأخيرهما عن وصف الربوبية ظاهر و إن أريد ما يعم الكل فى الأطوار كلها حسبما فى قوله تعالى‏ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فوجه الترتيب أن التربية لا تقتضى المقارنة للرحمة فإيرادهما فى عقبها للإيذان بأنه تعالى متفضل فيها فاعل بقضية رحمته السابقة من غير وجوب عليه و بأنها واقعة على أحسن ما يكون و الاقتصار على نعته تعالى بهما فى التسمية لما أنه الأنسب بحال المتبرك المستعين باسمه الجليل و الأوفق لمقاصده.

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) صفة رابعة له تعالى و تأخيرها عن الصفات الأول مما لا حاجة إلى بيان وجهه و قرأ أهل الحرمين المحترمين ملك من الملك الذى هو عبارة عن السلطان القاهر و الإستيلاء الباهر و الغلبة التامة و القدرة على التصرف الكلى فى أمور العامة بالأمر و النهى و هو الأنسب بمقام الإضافة إلى يوم الدين كما فى قوله تعالى‏ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ و قرى‏ء ملك بالتخفيف و ملك بلفظ الماضى و مالك بالنصب على المدح أو الحال و بالرفع منونا و مضافا على أنه خبر مبتدأ محذوف و ملك مضافا بالرفع و النصب و اليوم فى العرف عبارة عما بين طلوع الشمس و غروبها من الزمان و فى الشرع عما بين طلوع الفجر الثانى و غروب الشمس و المراد ههنا مطلق الوقت و الدين الجزاء خيرا كان أو شرا و منه الثانى فى المثل السائر كما تدين تدان و الأول فى بيت الحماسة

[ و لم يبق سوى العدوا

ن دناهم كما دانوا

و أما الأول فى الأول و الثانى فى الثانى فليس بجزاء حقيقة و إنما سمى به مشاكلة أو تسمية للشى‏ء باسم مسببه كما سميت إرادة القيام و القراءة باسمهما فى قوله عز اسمه‏ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ و قوله تعالى‏ فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ‏ و لعله هو السر فى بناء المفاعلة من الأفعال التى تقوم أسبابها بمفعولاتها نحو عاقبت اللص و نظائره فإن قيام السرقة التى هى سبب للعقوبة باللص نزل منزلة قيام المسبب به و هى العقوبة فصار كأنها قامت بالجانبين و صدرت عنهما فبنيت صيغة المفاعلة الدالة على المشاركة بين الإثنين و إضافة اليوم إليه لأدنى ملابسة كإضافة سائر الظروف الزمانية إلى ما وقع فيها من الحوادث كيوم الأحزاب و عام الفتح و تخصيصه من بين سائر ما يقع فيه من القيامة و الجمع و الحساب لكونه أدخل فى الترغيب و الترهيب فإن ما ذكر من القيامة و غيرها من مبادى‏ء الجزاء و مقدماته و إضافة مالك إلى اليوم من إضافة اسم الفاعل إلى الظرف على نهج الإتساع المبنى على إجرائه مجرى المفعول به مع بقاء المعنى على حاله كقولهم يا سارق الليلة أهل الدار أى مالك أمور العالمين كلها فى يوم الدين و خلو إضافته عن إفادة التعريف المسوغ لوقوعه صفة للمعرفة إنما هو إذا أريد به الحال أو الإستقبال و أما عند إرادة الإستمرار الثبوتى كما هو اللائق بالمقام فلا ريب فى كونها إضافة حقيقية كإضافة الصفة المشبهة إلى غير معمولها فى قراءة ملك يوم الدين و يوم الدين و إن لم يكن مستمرا فى جميع الأزمنة إلا أنه لتحقق وقوعه و بقائه أبدا أجرى مجرى المتحقق المستمر و يجوز أن يراد به الماضى بهذا الاعتبار كما يشهد به القراءة على صيغة الماضى و ما ذكر من إجراء الظرف مجرى المفعول به إنما هو من حيث المعنى لا من حيث الإعراب حتى يلزم كون الإضافة لفظية ألا ترى أنك تقول فى مالك عبده‏

ارشاد العقل السليم الى مزايا القرآن الكريم، ج‏1، ص: 16

أمس أنه مضاف إلى المفعول به على معنى أنه كذلك معنى لا أنه منصوب محلا و تخصيصه بالإضافة إما لتعظيمه و تهويله أو لبيان تفرده تعالى بإجراء الأمر فيه و انقطاع العلائق المجازية بين الملاك و الأملاك حينئذ بالكلية و إجراء هاتيك الصفات الجليلة عليه سبحانه تعليل لما سبق من اختصاص الحمد به تعالى المستلزم لاختصاص استحقاقه به تعالى و تمهيد لما لحق من اقتصار العبادة و الإستعانة عليه فإن كل واحدة منها مفصحة عن وجوب ثبوت كل واحد منها له تعالى و امتناع ثبوتها لما سواه أما الأولى و الرابعة فظاهر لأنهما متعرضتان صراحة لكونه تعالى ربا مالكا و ما سواه مربوبا مملوكا له تعالى و أما الثانية و الثالثة فلأن اتصافه تعالى بهما ليس إلا بالنسبة إلى ما سواه من العالمين و ذلك يستدعى أن يكون الكل منعما عليهم فظهر أن كل واحدة من تلك الصفات كما دلت على وجوب ثبوت الأمور المذكورة له تعالى دلت على امتناع ثبوتها لما عداه على الإطلاق و هو المعنى بالإختصاص.

صفحه بعد