کتابخانه تفاسیر
الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 86
تنخفض الهمم و تتراجع، حتى عاد و ابلها قطرة، و لم نشاهد ممّا كانت عليه ذرّة، ذلك قضاء اللّه مبرم، و وعد من الرّسول صلى اللّه عليه و سلم محكم، بانتزاع العلم و قبضه فيما أخبرناه الأستاذ أبو طاهر «1» محمّد بن محمّد بن محمش الزّياديّ [رضي اللّه عنه] «2» قراءة عليه في شهور سنة تسع و أربع مائة قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن يعقوب الحافظ المعروف بابن الأخرم «3» قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب «4» قال: حدّثنا جعفر بن عون «5» عن هشام ابن عروة «6» عن أبيه «7» عن عبد اللّه بن عمرو أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و سلم قال:
(1) تقدّمت ترجمته في: المقدمة ص 15.
(2) زيادة من عا و ظ، و في ظا: رحمه اللّه.
(3) الحافظ الكبير، سمع علي بن الحسن الهلالي، و إبراهيم بن عبد اللّه السعدي و محمد بن عبد الوهاب الفرّاء و خلائق بعدهم، روى عنه أبو عبد اللّه الحاكم، و أبو بكر بن إسحاق الصبغي و محمد بن إسحاق بن منده، و غيرهم. صنف مستخرجا على الصحيحين، و المسند الكبير.
توفي سنة 344 ه، و له كلام حسن في العلل و الرجال.
انظر ترجمته في: طبقات الحفاظ 3/ 864؛ و سير أعلام النبلاء 15/ 466؛ و شذرات الذهب 2/ 368.
(4) الحافظ أبو أحمد العبدي النيسابوري، سمع حفص بن عبد اللّه، و جعفر بن عون و الأصمعي و الواقدي، و أخذ الأدب عن الأصمعي و أبي عبيد، و الحديث عن ابن المديني و أحمد، و روى عنه النسائي و ابن خزيمة و البخاري، وثّقه مسلم وحدّث عنه في غير الصحيح. توفي سنة 272 ه.
انظر ترجمته في: طبقات الحفاظ 2/ 599؛ و تقريب التهذيب ص 494.
(5) جعفر بن عون المخزومي صدوق من التاسعة، سمع من هشام بن عروة و يحيى بن سعيد و الأعمش، و عنه: إسحاق بن راهويه و عبد بن حميد و أحمد بن الفرات. توفي سنة 207.
قال أحمد بن حنبل: رجل صالح ليس به بأس.
انظر ترجمته في: الجرح و التعديل 2/ 485؛ و سير أعلام النبلاء 9/ 439؛ و طبقات ابن سعد 6/ 369؛ و تقريب التهذيب ص 141.
(6) هشام بن عروة بن الزبير الحافظ الحجة، حدّث عن أبيه و عمه ابن الزبير، و عنه شعبة و مالك و السفيانان؛ كان ثقة ثبتا كثير الحديث، و ربما دلّس. مات سنة 165 ه.
انظر ترجمته في: طبقات الحفاظ 1/ 144؛ و تقريب التهذيب ص 573.
(7) عروة بن الزبير التابعي الجليل، عالم المدينة روى عن أبيه يسيرا، و عن زيد بن ثابت
الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 87
إنّ اللّه لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من النّاس، و لكن يقبض العلم بقبض العلماء، كلّما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم، حتى إذا لم يبق عالم اتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا و أضلّوا.
صدق رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم «1» ، فقد قبضت الفحول، و هلكت الوعول، و انقرض زمان العلم، و خمدت جمرته، و هزمته كرّة الجهل، و علت دولته، و لم يبق إلّا صبابة «2» نتجرّعها، و أطمار نجتابها «3» و نتدرّعها، و عليها من حال «4» ، فإني كنت قد ابتدأت بإبداع كتاب في التّفسير لم أسبق إلى مثله، و طال عليّ الأمر في ذلك لشرائط تقلّدتها، و مواجب من حقّ النّصيحة لكتاب اللّه تعالى تحمّلتها، ثمّ استعجلني قبل إتمامه، و التّقصّي عمّا لزمني من عهدة أحكامه نفر متقاصرو الرّغبات، منخفضو الدّرجات، أولو البضائع المزجاة، إلى إيجاز كتاب في التّفسير، يقرب على من تناوله، و يسهل على من تأمّله، من أوجز ما عمل في بابه، و أعظمه فائدة «5» على متحفّظيه و أصحابه.
و هذا كتاب أنا فيه نازل إلى درجة أهل زماننا، تعجيلا لمنفعتهم، و تحصيلا للمثوبة في إفادتهم ما تمنّوه طويلا، فلم يغن عنهم أحد فتيلا، و تارك ما سوى قول واحد معتمد لابن عبّاس رحمه اللّه، أو من هو في مثل درجته، كما يترجم عن اللّفظ العويص بأسهل منه، و هذا حين أفتتحه فأقول: [قوله تعالى من]:
- و أبي هريرة و عائشة، و عنه أبو الزناد و ابن المنكدر. ولد في أوائل خلافة عثمان، و مات سنة 194 ه. كان عالما بالسيرة حافظا ثبتا.
انظر: طبقات الحفاظ 1/ 62؛ و طبقات ابن سعد 5/ 178؛ تاريخ البخاري 7/ 31؛ سير أعلام النبلاء 4/ 421.
(1) الحديث أخرجه البخاري في العلم، باب كيف يقبض العلم. فتح الباري 1/ 194؛ و مسلم في العلم برقم 2673. و الرواية: حتى إذا لم يبق عالما.
(2) الصّبابة: البقية من الماء و اللبن. القاموس.
(3) الأطمار: جمع طمر، و هو الثّوب الخلق، أو الكساء البالي من غير الصوف.
و يقال: اجتاب القميص: لبسه- القاموس.
(4) في ظ: عليها و على الأحوال كلّها.
(5) في النسخ كلّها عدا الأصل: عائدة.
الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 88
سورة الفاتحة
[و هي سبع آيات] «1» [سورة الفاتحة (1): الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
(1) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ؛ أي: ابدؤوا أو افتتحوا بتسمية اللّه تيمّنا و تبرّكا، و «اللّه»: اسم تفرّد الباري به سبحانه، يجري في وصفه مجرى أسماء الأعلام، لا يعرف له اشتقاق. و قيل: معناه: ذو العبادة التي بها يقصد. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : صفتان للّه تعالى معناهما: ذو الرّحمة، [أي: الرّحمة لازمة له] «2» ، و هي إرادة الخير، و لا فرق بينهما، مثل: ندمان و نديم.
(2) الْحَمْدُ لِلَّهِ هو الثّناء للّه، و الشّكر له بإنعامه. رَبِّ الْعالَمِينَ : مالك المخلوقات كلّها.
(4) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [مأخوذ من الملك، و الملك مأخوذ من الملك، أي] «3» : قاضي يوم الجزاء و الحساب؛ لأنّه متفرّد «3» في ذلك اليوم بالحكم.
(1) ما بين [] زيادة من عا و ظ.
(2) ما بين [] زيادة من الأصل و ليست هي في سائر المخطوطات.
(3) ما بين [] زيادة من المطبوعة، و انظر: الحجة للفارسي 1/ 12. و في عا و ظا: ينفرد.
الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 89
[سورة الفاتحة (1): الآيات 5 الى 7]
(5) إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: نخصّك و نقصدك بالعبادة، و هي الطّاعة مع الخضوع. وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ : و منك نطلب المعونة.
(6) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، أي: دلّنا عليه، و اسلك بنا فيه، و ثبّتنا عليه.
(7) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بالهداية، و هم قوم موسى و عيسى عليهما السّلام قبل أن يغيّروا نعم اللّه عزّ و جلّ. و قيل: هم الذين ذكرهم اللّه عزّ و جلّ في قوله تعالى: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... «1» الآية. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، أي: غير الذين غضبت عليهم، و هم اليهود، و معنى الغضب من اللّه تعالى: إرادة العقوبة. وَ لَا الضَّالِّينَ ، أي: و لا الذين ضلّوا، و هم النّصارى، فكأنّ المسلمين سألوا اللّه تعالى أن يهديهم طريق الذين أنعم عليهم و لم يغضب عليهم، كما غضب على اليهود، و لم يضلّوا عن الحقّ كما ضلّت النّصارى.
(1) و تمامها: مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: الآية 69].
الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 90
سورة البقرة
[مائتان و ثمانون و سبع آيات] «1» [سورة البقرة (2): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ،
(1) الم أنا اللّه أعلم «2» .
(2) ذلِكَ الْكِتابُ أي: هذا الكتاب، يعني: القرآن. لا رَيْبَ فِيهِ أي: لا شكّ فيه، [أي]: إنّه صدق و حقّ. [و قيل: لفظه لفظ خبر، و يراد به النهي عن الارتياب. قال: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ و لا ريب فيه أنّه] «3» هُدىً : بيان و دلالة لِلْمُتَّقِينَ : للمؤمنين الذي يتّقون الشّرك. [في تخصيصه كتابه بالهدى للمتقين دلالة على أنّه ليس بهدى لغيرهم، و قد قال: وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ ... الآية] «4» .
(3) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ : يصدّقون بِالْغَيْبِ : بما غاب عنهم من الجنّة و النّار و البعث.
(1) زيادة من ظ و عا، و هذا عدّها على العدّ البصري، و هي في المصحف 286 آية.
(2) و هذا قول ابن عباس أخرجه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 27؛ و ابن جرير 1/ 88؛ و في سنده عطاء بن السائب، و شريك، و قد اختلطا و ساء حفظهما.
(3) زيادة من المطبوعة.
(4) زيادة من المطبوعة.
و الآية: وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ رقمها 44، من سورة فصلت.
الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 91
[سورة البقرة (2): الآيات 3 الى 7]
وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ : يديمونها و يحافظون عليها، وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ : أعطيناهم ممّا ينتفعون به. يُنْفِقُونَ : يخرجونه في طاعة اللّه تعالى.
(4) وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ نزلت في [مؤمني] أهل الكتاب يؤمنون بالقرآن، وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يعني: التّوراة، وَ بِالْآخِرَةِ يعني: و بالدّار الآخرة هُمْ يُوقِنُونَ : يعلمونها علما باستدلال.
(5) أُولئِكَ يعني: الموصوفين بهذه الصّفات. عَلى هُدىً : بيان و بصيرة مِنْ رَبِّهِمْ أي: من عند ربّهم، وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الباقون في النّعيم المقيم.
(6) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا : ستروا ما أنعم اللّه عزّ و جلّ به عليهم من الهدى و الآيات فجحدوها، و تركوا توحيد اللّه تعالى سَواءٌ عَلَيْهِمْ : معتدل و متساو عندهم أَ أَنْذَرْتَهُمْ : أعلمتهم و خوّفتهم [ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ] أم تركت ذلك لا يُؤْمِنُونَ نزلت في أبي جهل و خمسة من أهل بيته «1» ، ثمّ ذكر سبب تركهم الإيمان، فقال:
(7) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [أي: طبع اللّه على قلوبهم] «2» و استوثق منها حتى لا يدخلها الإيمان، وَ عَلى سَمْعِهِمْ : [أي: مسامعهم حتى لا ينتفعوا بما يسمعون، وَ عَلى أَبْصارِهِمْ :] على أعينهم غِشاوَةٌ غطاء فلا يبصرون الحقّ، وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ متواصل لا تتخلّله فرجة.
(1) و هذا قول الضحاك. أسباب النزول ص 57.
(2) زيادة من المطبوعة.
الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز، ج1، ص: 92
[سورة البقرة (2): الآيات 8 الى 12]
(8) وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ... الآية. نزلت في المنافقين حين أظهروا كلمة الإيمان، و أسرّوا الكفر، فنفى اللّه سبحانه عنهم الإيمان بقوله:
وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فدلّ أنّ حقيقة الإيمان ليس الإقرار فقط.
(9) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أي: يعملون عمل المخادع بإظهار غير ما هم عليه؛ ليدفعوا عنهم أحكام الكفر، وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ لأنّ و بال خداعهم عاد عليهم بإطلاع اللّه تعالى نبيّه [عليه السّلام و المؤمنين] على أسرارهم و افتضاحهم، وَ ما يَشْعُرُونَ : و ما يعلمون ذلك.
(10) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شكّ و نفاق، فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً أي: بما أنزل من القرآن فشكّوا فيه كما شكّوا في الذي قبله، وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ : مؤلم بِما كانُوا يَكْذِبُونَ بتكذيبهم آيات اللّه عزّ و جلّ و نبيّه صلى اللّه عليه و سلم. [و من قرأ: «يكذّبون» «1» فمعناه:
بكذبهم في ادّعائهم الإيمان] «2» .
(11) وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ [لهؤلاء] المنافقين: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بالكفر و تعويق النّاس عن الإيمان قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أي: الذي نحن عليه هو صلاح عند أنفسنا، فردّ اللّه تعالى عليهم ذلك، فقال:
(12) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ : لا يعلمون أنّهم مفسدون.
(1) قرأ: «يكذّبون» بتشديد الذال، و ضم الياء نافع، و ابن كثير، و ابن عامر، و أبو عمرو، و أبو جعفر. الإتحاف ص 129.