کتابخانه تفاسیر
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ص: 4
قال الإمام الصادق (ع): شكا رجل الى النبي صلى اللّه عليه و آله وجعا في صدره، فقال (ص): استشف بالقرآن، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول ( وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ ) أصول الكافي 2/ 575.
أخرج الترمذي و حسّنه، و الحاكم، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب اللّه، و عترتي أهل بيتي و لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
إحياء الميت بفضائل أهل البيت: 44
عن عبد اللّه بن مسكان، عن يعقوب الأحمر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك إنه أصابتني هموم و أشياء لم يبق شيء من الخير إلّا و قد تفلّت منّي منه طائفة حتّى القرآن، لقد تفلت منّي طائفة منه. قال: ففزع عند ذلك حين ذكرت القرآن، ثم قال: إنّ الرجل لينسى السورة من القرآن فتأتيه يوم القيامة حتّى تشرف عليه من درجة من بعض الدرجات، فتقول: السلام عليك، فيقول: و عليك السلام، من أنت؟ فتقول: أنا سورة كذا و كذا، ضيّعتني و تركتني، أما لو تمسّكت بي بلغت بك هذه الدرجة، ثم أشار بإصبعه، ثم قال: عليكم بالقرآن فتعلّموه، فإنّ من الناس من يتعلّم القرآن ليقال: فلان قارىء، و منهم من يتعلّمه فيطلب به الصوت، فيقال: فلان حسن الصوت، و ليس في ذلك خير، و منهم من يتعلّمه فيقوم به في ليله و نهاره، لا يبالي من علم ذلك و من لم يعلمه. أصول الكافي: 2/ 582.
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، و من قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين، و من قرأ مائة آية كتب من القانتين، و من قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين، و من قرأ ثلثمائة آية كتب من الفائزين، و من قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين، و من قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر، القنطار خمسة عشر ألف مثقال من ذهب، و المثقال أربعة و عشرون قيراطا، أصغرها مثل جبل أحد، و أكبرها ما بين السماء إلى الأرض.
أصول الكافي: 2/ 585.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة.
أصول الكافي: 2/ 606.
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتّى يتعلّم القرآن، أو يكون في تعليمه. أصول الكافي: 2/ 60.
قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و عليكم بكتاب اللّه فإنه الحبل المتين، و النور المبين، و الشفاء النافع، و الريّ الناقع و العصمة للمتمسك، و النجاة للمتعلق؛ لا يعوجّ فيقام، و لا يزيغ فيستعتب و لا تخلقه كثرة الرد و ولوج السمع؛ من قال به صدق، و من عمل به سبق. نهج البلاغة. خطبة: 152.
و قال رسول اللّه (ص): من قرأ القرآن و لم يعمل به حشره اللّه يوم القيامة أعمى، فيقول: ( رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى ) فيؤمر به الى النار. عقاب الأعمال: 286.
قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام: هو حبل اللّه المتين، و عروته الوثقى، و طريقته المثلى، المؤدّي إلى الجنّة، و المنجي من النار، لا يخلق (خلق- الثوب-: بلى) من الأزمنة، و لا يغث (غثّ- حديث القوم- ردؤ و فسد) على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان، و الحجّة على كل إنسان لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (النحل: 18). بحار الأنوار: 92/ 14.
عن الزهري قال: قلت لعلي بن الحسين عليهما السلام: أي الأعمال أفضل؟ قال الحال المرتحل قلت: ما الحال المرتحل؟ قال: فتح القرآن و ختمه، كلّما جاء بأوله ارتحل في آخره،
و
قال: قال رسول اللّه (ص): من أعطاه اللّه القرآن. فرأى ان رجلا أعطي أفضل مما أعطي فقد صغّر عظيما، و عظّم صغيرا. أصول الكافي 2/ 579.
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ أنزل في القرآن تبيانا لكل شيء حتّى و اللّه ما ترك شيئا يحتاج إليه العبد، حتّى و اللّه ما يستطيع عبد أن يقول: لو كان في القرآن هذا إلّا و قد أنزله اللّه فيه. المحاسن: 1/ 416.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ص: 5
قال الإمام الصّادق عليه السّلام؛ إنّ اللّه أنزل عليكم كتابه الصادق البارّ، فيه خبركم و خبر ما قبلكم، و خبر ما بعدكم، و خبر السماء، و خبر الأرض، فلو أتاكم من يخبركم عن ذلك لعجبتم. المحاسن: 1/ 416.
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن القرآن زاجر و آمر، يأمر بالجنة، و يزجر عن النار. أصول الكافي: 2/ 575.
قال امير المؤمنين عليه السّلام: فبعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته، و من طاعة الشيطان إلى طاعته، بقرآن قد بيّنه و أحكمه، ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه، و ليقرّوا به إذ جحدوه، و ليثبتوه بعد اذ أنكروه؛ فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته، و خوّفهم من سطوته، و كيف محق من محق بالمثلات (محق بالمثلات: أهلكهم بالعقوبات) و احتصد من احتصد بالنقمات.
نهج البلاغة خطبة: 143
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ البيت إذا كان فيه المرء المسلم يتلو القرآن يتراءاه أهل السماء كما يتراءى أهل الدنيا الكوكب الدري في السماء. أصول الكافي:
2/ 610.
قال الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام: آيات القرآن خزائن، فكلما فتحت خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها.
أصول الكافي: 2/ 209.
قال أبو عبد اللّه (ع): كان في وصيّة أمير المؤمنين (ع) أصحابه اعلموا أنّ القرآن هدى النهار، و نور الليل المظلم على ما كان من جهد و فاقة. أصول الكافي: 2/ 574.
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: الحافظ للقرآن، العامل به مع السفرة الكرام البررة. أصول الكافي؛ 2/ 603
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: تعلّموا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة صاحبه في صورة شاب جميل، شاحب اللون، فيقول له القرآن: أنا الذي كنت أسهرت ليلك، و أظمأت هو اجرك، و أجففت ريقك، و أسلت دمعتك، أؤول معك حيثما ألت، و كل تاجر من وراء تجارته، و أنا اليوم لك من وراء تجارة كل تاجر، و سيأتيك كرامة من اللّه عزّ و جلّ فأبشر؛ فيؤتى بتاج فيوضع على رأسه، و يعطى الأمان بيمينه، و الخلد في الجنان بيساره، و يكسى حلتين، ثم يقال له: اقرأ وارقه، فكلّما قرأ آية صعد درجة؛ و يكسى أبواه حلّتين ان كانا مؤمنين ثم يقال لهما: هذا لما علمتماه القرآن.
أصول الكافي: 2/ 577.
من حديث الامام الرضا عليه السّلام: إن اللّه بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب و الكلام، فأتاهم من عند اللّه من مواعظه و أحكامه ما أبطل به قولهم، و أثبت به الحجة عليهم.
الاحتجاج 2/ 225
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من تعلّم القرآن فلم يعمل به، و آثر عليه حب الدنيا و زينتها، استوجب سخط اللّه تعالى، و كان في الدرجة مع اليهود و النصارى الذين ينبذون كتاب اللّه وراء ظهورهم. عقاب الأعمال: 282.
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من قرأ القرآن و لم يعمل به حشره اللّه يوم القيامة أعمى فيقول: رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَ كَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى فيؤمر به إلى النار. عقاب الأعمال: 286.
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى، و مصابيح الدجى، فليجل جال بصره، و يفتح للضياء نظره، فإنّ التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور. أصول الكافي: 2/ 600.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: القرآن هدى من الضلالة، و تبيان من العمى، و استقالة من العثرة، و نور من الضلالة و ضياء من الأحداث، و عصمة من الهلكة، و رشد من الغواية، و بيان من الفتن، و بلاغ من الدنيا إلى الآخرة؛ و فيه كمال دينكم، و ما عدل أحد عن القرآن إلّا إلى النار.
أصول الكافي: 2/ 601.
قال الإمام الصّادق عليه السّلام؛ من قرأ القرآن و هو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه و دمه، و جعله اللّه عزّ و جلّ مع السفرة الكرام البررة، و كان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة؛ يقول: يا رب إنّ كلّ عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي، فبلّغ به أكرم عطاياك.
قال: فيكسوه اللّه العزيز الجبار حلّتين من حلل الجنّة، و يوضع على رأسه تاج الكرامة، ثم يقال له: هل أرضيناك فيه؟.
فيقول القرآن يا ربّ قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا؛ فيعطى الأمن بيمينه، و الخلد بيساره، ثم يدخل الجنة، فيقال له: اقرأ و اصعد درجة، ثم يقال له: هل بلغنا به و أرضيناك؟ فيقول: نعم.
قال: و من قرأه كثيرا و تعاهده بمشقّة من شدّة حفظه أعطاه اللّه أجر هذا مرتين. أصول الكافي: 2/ 604.
عن الزهري قال: قال علي بن الحسين عليهما السّلام: لو مات من بين المشرق و المغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي؛ و كان عليه السّلام إذا قرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يكرّرها حتى يكاد أن يموت. أصول الكافي: 2/ 602.
إنّ رجلا سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: ما بال القرآن لا يزداد على النشر و الدرس إلّا غضاضة (غضاضة: بهجة و نضارة).
فقال عليه السّلام: لأن اللّه تبارك و تعالى لم يجعله لزمان دون زمان، و لا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، و عند كل قوم غضّ إلى يوم القيامة. بحار الأنوار: 89/ 15.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ص: 6
قال الإمام علي بن الحسين عليهما السّلام: عليك بالقرآن، فإنّ اللّه خلق الجنّة بيده لبنة من ذهب، و لبنة من فضة، و جعل ملاطها المسك، و ترابها الزعفران، و حصباؤها اللؤلؤ، و جعل درجاتها على قدر آيات القرآن، فمن قرأ القرآن قال له: اقرأ وارق، و من دخل منهم الجنّة لم يكن في الجنة أعلى درجة منه ما خلا النبيين و الصديقين. بحار الأنوار: 92/ 198.
قال أمير المؤمنين عليه السّلام: البيت الذي يقرأ فيه القرآن، و يذكر اللّه عزّ و جلّ فيه، تكثر بركته، و تحضره الملائكة، و تهجره الشياطين، و يضيء لأهل السماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض؛ و إنّ البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن، و لا يذكر اللّه عزّ و جلّ فيه، تقلّ بركته، و تهجره الملائكة، و تحضره الشياطين.
أصول الكافي: 2/ 610
قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام: نور لمن استضاء به، و شاهد لمن خاصم به، و فلج لمن حاجّ به (الفلج: الظفر و الفوز، و أفلج اللّه حجّته: أي أظهرها)، و علم لمن وعى، و حكم لمن قضى.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ص: 7
سورة الفاتحة مكية و آياتها سبع
إتفقوا على التلفظ بالتعوذ قبل التسمية: أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم.
أمر اللّه بالإستعاذة من الشيطان إذ لا يكاد يخلو من وسوسته الإنسان فقال: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، و معنى أعوذ الجأ إلى اللّه من شر الشيطان البعيد من الخير.
1- بِسْمِ اللَّهِ أستعين باللّه و اقرأ مبتدئا بتسمية اللّه لأنا إنما أمرنا بأن نفتتح أمورنا بتسمية اللّه كما أمرنا بالتسمية على الأكل و الشرب و الذبائح، و معنى اللّه و الإله: أنه الذي تحق له العبادة، و إنما تحق له العبادة لأنه قادر على خلق الأجسام و إحيائها و الإنعام عليها بما يستحق به العبادة و هو تعالى إله للحيوان و الجماد لأنه قادر على أن ينعم على كل منهما بما معه يستحق به العبادة، و إنما قدم الرحمن على الرحيم لأن الرحمن بمنزلة إسم العلم من حيث لا يوصف به إلا اللّه فوجب لذلك تقديمه بخلاف الرحيم لأنه يطلق عليه و على غيره، و عن بعض التابعين قال: الرحمن بجميع الخلق، و الرحيم بالمؤمنين خاصة.
2- معنى الآية أن الأوصاف الجميلة و الثناء الحسن كلها للّه الذي تحق له العبادة لكونه قادرا على أصول النعم، و فاعلا لها، و لكونه منشئا للخلق و مربيا لهم، و مصلحا لشأنهم، و في الآية دلالة على وجوب الشكر للّه على نعمه، و فيها تعليم للعباد كيف يحمدونه.
3- قد مضى تفسيرها و إنما أعاد ذكر الرحمن و الرحيم للمبالغة، و قال علي بن عيسى الرماني: في الأول ذكر العبودية فوصل ذلك بشكر النعم التي بها يستحق العبادة، و هاهنا ذكر الحمد فوصله بذكر ما به يستحق الحمد من النعم، فليس فيه تكرار.
4- انه سبحانه لما بيّن ملكه في الدنيا بقوله رَبِّ الْعالَمِينَ بيّن أيضا ملكه في الآخرة بقوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، و أراد باليوم الوقت، و قال أبو علي الجبائي: أراد به يوم الجزاء على الدين، و قال محمد بن كعب: أراد يوم لا ينفع إلّا الدين.
5- قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ معناه: نعبدك و لا نعبد سواك، و نستعينك و لا نستعين غيرك، و معنى قوله: إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ : إياك نستوفق و نطلب المعونة على عبادتك و على أمورنا كلها.
6- معناه ثبتنا على الدين الحق لأن اللّه تعالى قد هدى الخلق كلهم إلّا ان الإنسان قد يزلّ و ترد عليه الخواطر الفاسدة، فيحسن أن يسأل اللّه تعالى أن يثبته على دينه، و يديمه عليه، و يعطيه زيادات الهدى التي هي إحدى أسباب الثبات على الدين كما قال اللّه تعالى: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً . و معنى الصراط المستقيم: انه دين اللّه الذي لا يقبل من العباد غيره.
7- أي صراط من أنعمت عليهم بطاعتك و هم الذين ذكرهم اللّه تعالى في قوله: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ.
و أراد بالمغضوب عليهم اليهود عند جميع المفسرين الخاص و العام، و يدل عليه قوله تعالى: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ ، و هؤلاء هم اليهود بدلالة قوله تعالى: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ، و أراد بالضالين النصارى بدلالة قوله تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ص: 8
وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ .
و أما الغضب من اللّه تعالى فهو إرادته إنزال العقاب المستحق بهم، و لعنهم و براءته منهم. و اصل الغضب الشدة، و الضلال في الدين: الذهاب عن الحق.
سورة البقرة مدنية و آياتها مائتان و ست و ثمانون آية
1- اختلف العلماء في الحروف المعجمة المفتتحة بها السور فذهب بعضهم إلى
أنها من المتشابهات التي استأثر اللّه تعالى بعلمها و لا يعلم تأويلها إلا هو، و هذا هو المروي عن أئمتنا عليهم السلام،
و فسرها آخرون على وجوه (أحدها) انها أسماء السور و مفاتحها (و ثانيها) ان المراد بها الدلالة على أسماء اللّه تعالى فقوله تعالى: الم معناه: أنا اللّه أعلم، و المر معناه: أنا اللّه أعلم و أرى، و المر معناه: أنا اللّه أعلم و أفضل، و الكاف في كهيعص من كاف، و الهاء من هاد، و الياء من حكيم، و العين من عليم، و الصاد من صادق، عن ابن عباس (و ثالثها) انها أسماء اللّه تعالى متقطعة لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم اللّه الأعظم تقول: الر و حم و ن فيكون الرحمن و كذلك سائرها، إلا أنا لا نقدر على وصلها و الجمع بينها (و رابعها) انها أسماء القرآن (و خامسها) انها أقسام أقسم اللّه تعالى بها و هي من أسمائه (و سادسها) ان كل حرف منها مفتاح إسم من أسماء اللّه تعالى و ليس فيها حرف إلا و هو في آلائه و بلائه (و سابعها) انها تسكيت للكفار لأن المشركين كانوا تواصوا فيما بينهم أن لا يستمعوا لهذا القرآن و أن يلغوا فيه كما ورد به التنزيل من قوله: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ الآية، فربما صفروا، و ربما صفقوا، و ربما لغطوا ليغلّطوا النبي (ص)، فأنزل اللّه تعالى هذه الحروف حتى إذا سمعوا شيئا غريبا إستمعوا إليه و تفكروا و اشتغلوا عن تغليطه فيقع القرآن في مسامعهم، و يكون ذلك سببا موصلا لهم إلى درك منافعهم (و ثامنها) ان المراد بها أن هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في خطبكم و كلامكم، فإذا لم تقدروا عليه فاعلموا أنه من عند اللّه، لأن العادة لم تجر بأن الناس يتفاوتون في القدر هذا التفاوت العظيم، و إنما كررت في مواضع استظهارا في الحجة.
2- المراد بالكتاب القرآن و قال الأخفش: ذلك بمعنى هذا لأن الكتاب كان حاضرا، و قيل: إن اللّه وعد نبيّه أن ينزل عليه كتابا لا يخلق على كثرة الرد، فلما أنزل القرآن قال: هذا القرآن ذلك الكتاب الذي وعدتك و معنى قوله: لا رَيْبَ فِيهِ :
أي أنه بيان و هدى و حق و معجز فمن ههنا استحق الوصف بأنه لا شك فيه لأن الأسباب التي توجب الشك في الكلام هي التلبيس و التعقيد و التناقض و الدعاوى العارية من البرهان و هذه كلها منفية عن كتاب اللّه تعالى، و أما تخصيص المتقين بأن القرآن هدى لهم و إن كان هدى لجميع الناس فلأنهم هم الذين انتفعوا به و اهتدوا بهداه كما قال: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ، و إن كان (ص) منذرا لكل مكلف، لأنّه إنما إنتفع بإنذاره من يخشى نار جهنم.
3- لما وصف القرآن بأنه هدى للمتّقين بيّن صفة المتقين فقال: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ، أي يصدّقون بجميع ما أوجبه اللّه تعالى، و
قد روى الخاص و العام عن علي بن موسى الرضا (ع): إن الإيمان هو التصديق بالقلب، و الإقرار باللسان، و العمل بالأركان.
قوله: وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ : يؤدونها بحدودها و فرائضها قوله: وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ : يريد مما أعطيناهم و ملكناهم يخرجون على وجه الطاعة، و عن ابن عباس أنه الزكاة المفروضة.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ص: 9
4- ثم بين تعالى تمام صفة المتقين فقال: وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ : يعني القرآن، وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ : يعني الكتب المتقدمة، و قوله: وَ بِالْآخِرَةِ : أي بالدار الآخرة و إنما وصفت بالآخرة لتأخرها عن الدنيا، كما سميت الدنيا دنيا لدنوها من الخلق و قيل: لدناءتها. هُمْ يُوقِنُونَ : يعلمون، و سمي العلم يقينا لحصول القطع عليه، و سكون النفس إليه.
5- لما وصف المتقين بهذه الصفات بين ما لهم عنده تعالى فقال أولئك إشارة إلى الموصوفين بجميع الصفات المتقدمة و هم جملة المؤمنين، عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ أي من دين ربهم و إنما قال: من ربهم لأن كل خير و هدى فمن اللّه تعالى، ثم كرّر تفخيما فقال: وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الظافرون بالبغية، و الباقون في الجنة.
6- لما بين تعالى حال المؤمنين وصله بذكر الكافرين، و الكفر في الشرع عبارة عن جحد ما أوجب اللّه تعالى معرفته من توحيده و عدله، و معرفة نبيه، و ما جاء به من أركان الشرع، فمن جحد شيئا من ذلك كان كافرا، و هذه الآية تدل على صدق النبي (ص) لأنه أخبر بأنهم لا يؤمنون فكان كما أخبر.
7- إنّ المراد بالختم العلامة، و إذا إنتهى الكافر من كفره إلى حالة يعلم اللّه تعالى أنه لا يؤمن فإنه يعلّم على قلبه علامة و قيل: هي نكتة سوداء تشاهدها الملائكة فيعلمون بها أنه لا يؤمن بعدها فيذمونه و يدعون عليه.
8- بيّن اللّه تعالى حالهم فأخبر سبحانه أنهم يقولون:
صدقنا باللّه و ما أنزل على رسوله من ذكر البعث، فيظهرون كلمة الإيمان و كان قصدهم أن يطلعوا على أسرار المسلمين فينقلوها إلى الكفار، ثم نفى عنهم الإيمان فقال: وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، و في هذا تكذيبهم فيما أخبروا عن اعتقادهم من الإيمان.
9- معنى قوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ أي يعملون عمل المخادع، لأن اللّه تعالى لا يصح أن يخادعه من يعرفه و يعلم أنه لا يخفى عليه خافية، فمعنى يخادعون: يظهرون غير ما في نفوسهم و قوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أي و يخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم قالوا: آمنا و هم غير مؤمنين، و معنى قوله:
وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ إنهم و إن كانوا يخادعون المؤمنين في الظاهر فهم يخادعون أنفسهم لأنهم يظهرون لها بذلك أنهم يعطونها ما تمنت و هم يوردونها به العذاب الشديد، فوبال خداعهم راجع إلى أنفسهم وَ ما يَشْعُرُونَ : أي ما يعلمون أنه يرجع عليهم بالعذاب، فهم في الحقيقة إنما خدعوا أنفسهم.
10- فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ المراد بالمرض في الآية الشك و النفاق بلا خلاف، و إنما سمي الشك في الدين مرضا لأن المرض هو الخروج عن حد الإعتدال، فالبدن ما لم تصبه آفة يكون صحيحا سويا و كذلك القلب ما لم تصبه آفة من الشك يكون صحيحا، و قوله: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً المراد: في قلوبهم حزن لنزول القرآن بفضائحهم و مخازيهم فزادهم اللّه مرضا بأن زاد في إظهار مقابحهم و مساويهم، و الاخبار عن خبث سرائرهم، و سوء ضمائرهم، و سمي الغم مرضا لأنه يضيّق الصدر كما يضيقه المرض ثم قال: وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و هو عذاب النار بِما كانُوا يَكْذِبُونَ أي بتكذيبهم اللّه و رسوله.
11- 12- المراد وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بعمل المعاصي، و صدّ الناس عن الإيمان أو بممالأة الكفار، فإن فيه توهين الإسلام، و تغيير الملة و تحريف الكتاب قالُوا: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، إنهم جحدوا ذلك و قالوا: إنا لا نعمل بالمعاصي، و لا نمالىء الكفار، و لا نحرّف الكتاب، و كان ذلك نفاقا منهم كما قالوا: آمَنَّا بِاللَّهِ و لم يؤمنوا ثم قال: أَلا إِنَّهُمْ أي اعلموا أن هؤلاء المنافقين
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ص: 10
الذين يعدون الفساد صلاحا هُمُ الْمُفْسِدُونَ و هذا تكذيب من اللّه تعالى لهم وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ يعلمون ما يستحقونه من العقاب.
13- المراد بالآية وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ صدّقوا بمحمد (ص) كما صدق عبد اللّه بن سلام و من آمن معه من اليهود قالوا: أنصدق كما صدق الجهال؟ ثم كذبهم اللّه تعالى و حكم عليهم بأنهم هم الجهال في الحقيقة، لأن الجاهل إنما يسمى سفيها لأنه يضيع من حيث يرى أنه يحفظ، فكذلك المنافق يعصي ربه من حيث يظن أنه يطيعه.
14- وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا يعني أن المنافقين إذا رأوا المؤمنين قالوا: آمنا أي صدقنا نحن بما أنزل على محمد (ص) كما صدقتم أنتم وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ هم اليهود الذين أمروهم بالتكذيب قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ أي على دينكم إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ أي نستهزىء بأصحاب محمد (ص)، و نسخر بهم في قولنا آمنا.
15- قوله اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ يجازيهم على استهزائهم، و العرب تسمي الجزاء على الفعل باسمه، و في التنزيل: و جزاء سيئة سيئة مثلها، و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يريد أن يملي لهم ليؤمنوا و هم مع ذلك متمسكون بطغيانهم و عمههم.
16- أشار إلى من تقدم ذكرهم من المنافقين فقال:
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى و معناه: استبدلوا الكفر بالإيمان و قوله: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ أي خسروا في استبدالهم الكفر بالإيمان، و العذاب بالثواب و قوله: وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ أي مصيبين في تجارتهم كأصحاب محمد.
17- مَثَلُهُمْ أي مثل هؤلاء المنافقين لما أظهروا الإيمان و أبطنوا الكفر كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً أي أوقد نارا، أو كمثل الذي طلب الضياء بإيقاد النار في ليلة مظلمة فاستضاء بها و استدفأ و رأى ما حوله، فاتقى ما يحذر و يخاف و أمن، فبينا هو كذلك إذ أطفئت ناره فبقي مظلما خائفا متحيرا، كذلك المنافقون لما أظهروا كلمة الإيمان و استناروا بنورها، و اعتزّوا بعزّها فناكحوا المسلمين و وارثوهم، و أمنوا على أموالهم و أولادهم، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة و الخوف، و بقوا في العذاب، و ذلك معنى قوله: فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ و معنى إذهاب اللّه نورهم: هو أن اللّه تعالى يسلبهم ما أعطوا من النور مع المؤمنين في الآخرة و ذلك قوله تعالى فيما أخبر عنهم: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً .
18- قال قتادة: صم لا يسمعون الحق، بكم، لا ينطقون به، عمي: لا يبصرونه، فهم لا يرجعون عن ضلالتهم و لا يتوبون و إنما شبّههم اللّه بالصم لأنهم لم يحسنوا الإصغاء إلى أدلة اللّه تعالى فكأنهم صم، و إذا لم يقروا باللّه و برسوله فكأنهم بكم، و إذا لم ينظروا في ملكوت السماوات و الأرض فكأنهم عمي.
19- مثل هؤلاء المنافقين في جهلهم و شدة تحيرهم كَصَيِّبٍ أي كأصحاب مطر مِنَ السَّماءِ أي منزل من السماء فِيهِ أي في هذا المطر ظُلُماتٌ لأن السحاب يغشي الشمس بالنهار، و النجوم بالليل فيظلم الجو وَ رَعْدٌ هو صوت اصطكاك أجرام السحاب.