کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 5
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
مكية غير ثمان آيات من قوله: وَ سْئَلْهُمْ إلى قوله: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ محكمة كلها. و قيل إلا قوله تعالى: وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ و آيها مائتان و خمس أو ست آيات.
[سورة الأعراف (7): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المص سبق الكلام في مثله.
كِتابٌ خبر مبتدأ محذوف أي هو كتاب، أو خبر المص و المراد به السورة أو القرآن. أُنْزِلَ إِلَيْكَ صفته. فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ أي شك، فإن الشاك حرج الصدر أو ضيق قلب من تبليغه مخافة أن تكذب فيه، أو تقصر في القيام بحقه، و توجيه النهي إليه للمبالغة كقولهم: لا أرينك ها هنا. و الفاء تحتمل العطف و الجواب فكأنه قيل: إذا أنزل إليك لتنذر به فلا يحرج صدرك. لِتُنْذِرَ بِهِ متعلق بأنزل أو بلا يكن لأنه إذا أيقن أنه من عند اللّه جسر على الإنذار، و كذا إذا لم يخفهم أو علم أنه موفق للقيام بتبليغه.
وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ يحتمل النصب بإضمار فعلها أي: لتنذر به و تذكر ذكرى فإنها بمعنى التذكير، و الجر عطفا على محل تنذر و الرفع عطفا على كِتابٌ أو خبر المحذوف.
[سورة الأعراف (7): آية 3]
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يعم القرآن و السنة لقوله سبحانه و تعالى: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى . وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يضلونكم من الجن و الإنس. و قيل الضمير في مِنْ دُونِهِ ل ما أُنْزِلَ أي: و لا تتبعوا من دون دين اللّه أولياء. و قرئ «و لا تبتغوا». قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ أي تذكرا قليلا أو زمانا قليلا تذكرون حيث تتركون دين اللّه و تتبعون غيره، و «ما» مزيدة لتأكيد القلة و إن جعلت مصدرية لم ينتصب قَلِيلًا ب تَذَكَّرُونَ . و قرأ حمزة و الكسائي و حفص عن عاصم تَذَكَّرُونَ بحذف التاء، و ابن عامر «يتذكرون» على أن الخطاب بعد مع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم.
[سورة الأعراف (7): الآيات 4 الى 5]
وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ كثيرا من القرى. أَهْلَكْناها أردنا إهلاك أهلها، أو أهلكناها بالخذلان. فَجاءَها فجاء أهلها. بَأْسُنا عذابنا. بَياتاً بائتين كقوم لوط، مصدر وقع موقع الحال. أَوْ هُمْ قائِلُونَ عطف عليه أي: قائلين نصف النهار كقوم شعيب، و إنما حذفت واو الحال استثقالا لاجتماع حرفي عطف، فإنها واو عطف استعيرت للوصل لا اكتفاء بالضمير فإنه غير فصيح. و في التعبيرين مبالغة في غفلتهم و أمنهم من العذاب، و لذلك خص الوقتين و لأنهما وقت دعة و استراحة فيكون مجيء العذاب فيهما أفظع.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 6
فَما كانَ دَعْواهُمْ أي دعاؤهم و استغاثتهم، أو ما كانوا يدّعونه من دينهم. إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ إلا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه و بطلانه تحسرا عليهم.
[سورة الأعراف (7): الآيات 6 الى 7]
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ عن قبول الرسالة و إجابتهم الرسل. وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ عما أجيبوا به، و المراد من هذا السؤال توبيخ للكفرة و تقريعهم، و المنفي في قوله: وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ سؤال استعلام. أو الأول في موقف الحساب و هذا عند حصولهم على العقوبة.
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ على الرسل حين يقولون لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ، أو على الرسل و المرسل إليهم ما كانوا عليه. بِعِلْمٍ عالمين بظواهرهم و بواطنهم، أو بمعلومنا منهم. وَ ما كُنَّا غائِبِينَ عنهم فيخفى علينا شيء من أحوالهم.
[سورة الأعراف (7): الآيات 8 الى 9]
وَ الْوَزْنُ أي القضاء، أو وزن الأعمال و هو مقابلتها بالجزاء. و الجمهور على أن صحائف الأعمال توزن بميزان له لسان و كفتان، ينظر إليه الخلائق إظهارا للمعدلة و قطعا للمعذرة، كما يسألهم عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم و تشهد بها جوارحهم. و يؤيده ما
روي: أن الرجل يؤتى به إلى الميزان فينشر عليه تسعة و تسعون سجلا كل سجل مد البصر، فيخرج له بطاقة فيها كلمتا الشهادة فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة.
و قيل توزن الأشخاص لما
روي أنه عليه الصلاة و السلام قال: «إنه ليأتي العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند اللّه جناح بعوضة».
يَوْمَئِذٍ خبر المبتدأ الذي هو الوزن.
الْحَقُ صفته، أو خبر محذوف و معناه العدل السوي. فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ حسناته، أو ما يوزن به حسناته فهو جمع موزون أو ميزان و جمعه باعتبار اختلاف الموزونات و تعدد الوزن. فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بالنجاة و الثواب.
وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بتضييع الفطرة السليمة التي فطرت عليها، و اقتراف ما عرضها للعذاب. بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ فيكذبون بدل التصديق.
[سورة الأعراف (7): الآيات 10 الى 11]
وَ لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ أي مكناكم من سكناها و زرعها و التصرف فيها. وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ أسبابا تعيشون بها، جمع معيشة. و عن نافع أنه همزة تشبيها بما الياء فيه زائدة كصحائف. قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ فيما صنعت إليكم.
وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ أي خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور ثم صورناه. نزل خلقه و تصويره منزلة خلق الكل و تصويره، أو ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بأن خلقنا آدم ثم صورناه. ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ و قيل ثم لتأخير الأخبار. فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ممن سجد لآدم.
[سورة الأعراف (7): الآيات 12 الى 13]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 7
قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ أي أن تسجد و لا صلة مثلها في لِئَلَّا يَعْلَمَ ، مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه، و منبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود. و قيل الممنوع عن الشيء مضطر إلى خلافه فكأنه قيل: ما اضطرك إلى ألا تسجد. إِذْ أَمَرْتُكَ دليل على أن مطلق الأمر للوجوب و الفور. قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ جواب من حيث المعنى استأنف به استبعادا لأن يكون مثله مأمورا بالسجود لمثله كأنه قال: المانع أني خير منه، و لا يحسن للفاضل أن يسجد للمفضول، فكيف يحسن أن يؤمر به. فهو الذي سن التكبر و قال بالحسن و القبح العقليين أولا. خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ تعليل لفضله عليه، و قد غلط في ذلك بأن رأى الفضل كله باعتبار العنصر و غفل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليه بقوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ أي بغير واسطة، و باعتبار الصورة كما نبه عليه بقوله: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* و باعتبار الغاية و هو ملاكه و لذلك أمر الملائكة بسجوده لما بين لهم أنه أعلم منهم، و أن له خواص ليست لغيره، و الآية دليل الكون و الفساد و أن الشياطين أجسام كائنة، و لعل إضافة خلق الإنسان إلى الطين و الشيطان إلى النار باعتبار الجزء الغالب.
قالَ فَاهْبِطْ مِنْها من السماء أو الجنة. فَما يَكُونُ لَكَ فما يصح. أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها و تعصي فإنها مكان الخاشع و المطيع. و فيه تنبيه على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة و أنه سبحانه و تعالى إنما طرده و أهبطه لتكبره لا لمجرد عصيانه. فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ممن أهانه اللّه لتكبره،
قال عليه الصلاة و السلام «من تواضع رفعه اللّه و من تكبر وضعه اللّه».
[سورة الأعراف (7): الآيات 14 الى 15]
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أمهلني إلى يوم القيامة فلا تمتني، أو لا تعجل عقوبتي.
قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ يقتضي الإجابة إلى ما سأله ظاهرا لكنه محمول على ما جاء مقيدا بقوله تعالى: إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ* و هو النفخة الأولى، أو وقت يعلم اللّه انتهاء أجله فيه، و في إسعافه إليه ابتلاء العباد و تعريضهم للثواب بمخالفته.
[سورة الأعراف (7): الآيات 16 الى 17]
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي أي بعد أن أمهلتني لأجتهدن في إغوائهم بأي طريق يمكنني بسبب إغوائك إياي بواسطتهم تسمية، أو حملا على الغي، أو تكليفا بما غويت لأجله و الباء متعلقة بفعل القسم المحذوف لا بأقعدن فإن اللام تصد عنه و قيل الباء للقسم: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ ترصدا بهم كما يقعد القطاع للسابلة صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ طريق الإسلام و نصبه على الظرف كقوله:
لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه
فيه كما عسل الطّريق الثّعلب
و قيل تقديره على صراطك كقولهم: ضرب زيد الظهر و البطن.
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ أي من جميع الجهات الأربع.
مثل قصده إياهم بالتسويل و الإضلال من أي وجه يمكنه بإتيان العدو من الجهات الأربع، و لذلك لم يقل من فوقهم و من تحت أرجلهم. و قيل لم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل منه و لم يقل من تحتهم لأن الإتيان منه يوحش الناس. و عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما: من بين أيديهم من قبل الآخرة، و من خلفهم من قبل
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 8
الدنيا، و عن أيمانهم و عن شمائلهم من جهة حسناتهم و سيئاتهم. و يحتمل أن يقال من بين أيديهم من حيث يعلمون و يقدرون على التحرز عنه، و من خلفهم من حيث لا يعلمون و لا يقدرون، و عن أيمانهم و عن شمائلهم من حيث يتيسر لهم أن يعلموا و يتحرزوا و لكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم و احتياطهم. و إنما عدى الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما متوجه إليهم و إلى الأخيرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار على عرضهم، و نظيره قولهم جلست عن يمينه. وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ مطيعين، و إنما قاله ظنا لقوله تعالى: وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ لما رأى فيهم مبدأ الشر متعددا و مبدأ الخير واحدا، و قيل سمعه من الملائكة.
[سورة الأعراف (7): الآيات 18 الى 19]
قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مذءوما من ذأمه إذا ذمه. و قرئ «مذوما» كمسول في مسؤول أو كمكول في مكيل، من ذامه يذيمه ذيما. مَدْحُوراً مطرودا. لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ اللام فيه لتوطئة القسم و جوابه:
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ و هو ساد مسد جواب الشرط. و قرئ «لمن» بكسر اللام على أنه خبر لأملأن على معنى: لمن تبعك هذا الوعيد، أو علة لأخرج و لأملأن جواب قسم محذوف و معنى منكم منك و منهم فغلب المخاطب.
وَ يا آدَمُ أي و قلنا يا آدم. اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ و قرئ «هذي» و هو الأصل لتصغيره على ذيا و الهاء بدل من الياء. فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فتصيرا من الذين ظلموا أنفسهم، و تكونا يحتمل الجزم على العطف و النصب على الجواب.
[سورة الأعراف (7): آية 20]
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أي فعل الوسوسة لأجلهما، و هي في الأصل الصوت الخفي كالهينمة و الخشخشة و منه وسوس الحلي. و قد سبق في سورة «البقرة» كيفية وسوسته. لِيُبْدِيَ لَهُما ليظهر لهما، و اللام للعاقبة أو للغرض على أنه أراد أيضا بوسوسته أن يسوءهما بانكشاف عورتيهما، و لذلك عبر عنهما بالسوأة. و فيه دليل على أن كشف العورة في الخلوة و عند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع.
ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما ما غطي عنهما من عوراتهما، و كانا لا يريانها من أنفسهما و لا أحدهما من الآخر، و إنما لم تقلب الواو المضمومة همزة في المشهور كما قلبت في أويصل تصغير واصل لأن الثانية مدة و قرئ «سوءاتهما» بحذف الهزة و إلقاء حركتها على الواو و «سوءاتهما» بقلبها واوا و إدغام الواو الساكنة فيها.
وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا إلّا كراهة أن تكونا. مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة، و استدل به على فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، و جوابه: أنه كان من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب و إنما كانت رغبتهما في أن يحصل لهما أيضا ما للملائكة من الكمالات الفطرية، و الاستغناء عن الأطعمة و الأشربة، و ذلك لا يدل على فضلهم مطلقا.
[سورة الأعراف (7): الآيات 21 الى 22]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 9
وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ أي أقسم لهما على ذلك، و أخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة.
و قيل أقسما له بالقبول. و قيل أقسما عليه باللّه أنه لمن الناصحين فأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة.
فَدَلَّاهُما فنزلهما إلى الأكل من الشجرة، نبه به على أنه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة، فإن التدلية و الإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل. بِغُرُورٍ بما غرهما به من القسم فإنهما ظنا أن أحدا لا يحلف باللّه كاذبا، أو ملتبسين بغرور. فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي فلما وجدا طعمها آخذين في الأكل منها أخذتهما العقوبة و شؤم المعصية، فتهافت عنهما لباسهما و ظهرت لهما عوراتهما.
و اختلف في أن الشجرة كانت السنبلة أو الكرم أو غيرهما، و أن اللباس كان نورا أو حلة أو ظفرا. وَ طَفِقا يَخْصِفانِ أخذا يرقعان و يلزقان ورقة فوق ورقة. عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ قيل كان ورق التين، و قرئ «يخصفان» من أخصف أي يخصفان أنفسهما و يخصفان من خصف و يخصفان و أصله يختصفان. وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ عتاب على مخالفة النهي، و توبيخ على الاغترار بقول العدو. و فيه دليل على أن مطلق النهي للتحريم.
[سورة الأعراف (7): الآيات 23 الى 24]
قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا أضررناها بالمعصية و التعريض للإخراج من الجنة. وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ دليل على أن الصغائر معاقب عليها إن لم تغفر. و قالت المعتزلة لا تجوز المعاقبة عليها مع اجتناب الكبائر و لذلك قالوا: إنما قالا ذلك على عادة المقربين في استعظام الصغير من السيئات و استحقار العظيم من الحسنات.
قالَ اهْبِطُوا الخطاب لآدم و حواء و ذريتهما، أو لهما و لإبليس. كرر الأمر له تبعا ليعلم أنهم قرناء أبدا و أخبر عما قال لهم متفرقا. بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ في موضع الحال أي معتادين. وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ استقرار أي موضع استقرار. وَ مَتاعٌ و تمتع. إِلى حِينٍ إلى أن تقضى آجالكم.
[سورة الأعراف (7): الآيات 25 الى 26]
قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ للجزاء و قرأ حمزة و الكسائي و ابن ذكوان وَ مِنْها تُخْرَجُونَ ، و في «الزخرف» كَذلِكَ تُخْرَجُونَ بفتح التاء و ضم الراء.
يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية و أسباب نازلة، و نظيره قوله تعالى:
وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ و قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ . يُوارِي سَوْآتِكُمْ التي قصد الشيطان إبداءها، و يغنيكم عن خصف الورق.
روي: أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة و يقولون لا نطوف في ثياب عصينا اللّه فيها، فنزلت.
و لعله ذكر قصة آدم مقدمة لذلك حتى يعلم أن انكشاف العورة أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان، و أنه أغواهم في ذلك كما أغوى أبويهم. وَ رِيشاً و لباسا تتجملون به، و الريش الجمال. و قيل مالا و منه تريش الرجل إذا تموّل. و قرئ «رياشا» و هو جمع ريش كشعب و شعاب. وَ لِباسُ التَّقْوى خشية اللّه.
و قيل الإيمان. و قيل السمت الحسن. و قيل لباس الحرب و رفعه بالابتداء و خبره: ذلِكَ خَيْرٌ أو خير و ذلك صفته كأنه قيل: و لباس التقوى المشار إليه خير. و قرأ نافع و ابن عامر و الكسائي وَ لِباسُ التَّقْوى بالنصب عطفا على لِباساً . ذلِكَ أي إنزال اللباس. مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على فضله و رحمته. لَعَلَّهُمْ
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 10
يَذَّكَّرُونَ فيعرفون نعمته أو يتعظون فيتورعون عن القبائح.
[سورة الأعراف (7): آية 27]
يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ لا يمحننكم بأن يمنعكم دخول الجنة بإغوائكم. كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها، و النهي في اللفظ للشيطان، و المعنى نهيهم عن اتباعه و الافتتان به. يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما حال من أَبَوَيْكُمْ أو من فاعل أَخْرَجَ و إسناد النزع إليه للتسبب. إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ تعليل للنهي و تأكيد للتحذير من فتنته، و قبيله جنوده و رؤيتهم إيانا من حيث لا نراهم في الجملة لا تقتضي امتناع رؤيتهم و تمثلهم لنا. إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بما أوجدنا بينهم من التناسب، أو بإرسالهم عليهم و تمكينهم من خذلانهم و حملهم على ما سولوا لهم. و الآية مقصود القصة و فذلكة الحكاية.
[سورة الأعراف (7): آية 28]
وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً فعلة متناهية في القبح كعبادة الصنم و كشف العورة في الطواف. قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها اعتذروا و احتجوا بأمرين تقليد الآباء و الافتراء على اللّه سبحانه و تعالى، فأعرض عن الأول لظهور فساده و رد الثاني بقوله: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ لأن عادته سبحانه و تعالى جرت على الأمر بمحاسن الأفعال، و الحث على مكارم الخصال. و لا دلالة عليه على أن قبح الفعل بمعنى ترتب الذم عليه آجلا عقلي، فإن المراد بالفاحشة ما ينفر عنه الطبع السليم و يستنقصه العقل المستقيم. و قيل هما جوابا سؤالين مترتبين كأنه قيل لهم لما فعلوها: لم فعلتم؟ فقالوا: وجدنا عليها آباءنا. فقيل و من أين أخذ آباؤكم؟
فقالوا: اللّه أمرنا بها. و على الوجهين يمتنع التقليد إذا قام الدليل على خلافه لا مطلقا. أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ إنكار يتضمن النهي عن الافتراء على اللّه تعالى.
[سورة الأعراف (7): الآيات 29 الى 30]
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ بالعدل و هو الوسط من كل أمر المتجافي عن طرفي الإفراط و التفريط. وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ و توجهوا إلى عبادته مستقيمين غير عادلين إلى غيرها، أو أقيموها نحو القبلة. عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ في كل وقت سجود أو مكانه و هو الصلاة، أو في أي مسجد حضرتكم الصلاة و لا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم. وَ ادْعُوهُ و اعبدوه. مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي الطاعة فإن إليه مصيركم. كَما بَدَأَكُمْ كما أنشأكم ابتداء. تَعُودُونَ بإعادته فيجازيكم على أعمالكم فأخلصوا له العبادة، و إنما شبه الإعادة بالإبداء تقريرا لإمكانها و القدرة عليها. و قيل كما بدأكم من التراب تعودون إليه. و قيل كما بدأكم حفاة عراة غرلا تعودون. و قيل كما بدأكم مؤمنا و كافرا يعيدكم.