کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 43
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَ مَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ تصريح بأن الهدى و الضلال من اللّه، و أن هداية اللّه تختص ببعض دون بعض، و أنها مستلزمة للاهتداء و الإفراد في الأول و الجمع في الثاني باعتبار اللفظ، و المعنى تنبيه على أن المهتدين كواحد لاتحاد طريقهم بخلاف الضالين، و الاقتصار في الإخبار عمن هداه اللّه بالمهتدي تعظيم لشأن الاهتداء، و تنبيه على أنه في نفسه كمال جسيم و نفع عظيم لو لم يحصل له غيره لكفاه و أنه المستلزم للفوز بالنعم الآجلة و العنوان لها.
وَ لَقَدْ ذَرَأْنا خلقنا. لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ يعني المصرين على الكفر في علمه تعالى.
لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها إذ لا يلقونها إلى معرفة الحق و النظر في دلائله. وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها أي لا ينظرون إلى ما خلق اللّه نظر اعتبار. وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الآيات و المواعظ سماع تأمل و تذكر.
أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ في عدم الفقه و الإبصار للاعتبار و الاستماع للتدبر، أو في أن مشاعرهم و قواهم متوجهة إلى أسباب التعيش مقصورة عليها. بَلْ هُمْ أَضَلُ فإنها تدرك ما يمكن لها أن تدرك من المنافع و المضار، و تجتهد في جلبها و دفعها غاية جهدها، و هم ليسوا كذلك بل أكثرهم يعلم أنه معاند فيقدم على النار. أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ الكاملون في الغفلة.
[سورة الأعراف (7): الآيات 180 الى 181]
وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى لأنها دالة على معان هي أحسن المعاني، و المراد بها الألفاظ و قيل الصفات.
فَادْعُوهُ بِها فسموه بتلك الأسماء. وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ و اتركوا تسمية الزائغين فيها الذين يسمونه بما لا توقيف فيه، إذ ربما يوهم معنى فاسدا كقولهم يا أبا المكارم يا أبيض الوجه، أو لا تبالوا بإنكارهم ما سمى به نفسه كقولهم: ما نعرف إلا رحمان اليمامة، أو و ذروهم و إلحادهم فيها بإطلاقها على الأصنام و اشتقاق أسمائها منها كاللات من «اللّه»، و العزى من «العزيز» و لا توافقوهم عليه أو أعرضوا عنهم فإن اللّه مجازيهم كما قال: سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ و قرأ حمزة هنا و في «فصلت» يُلْحِدُونَ بالفتح يقال:
لحد و ألحد إذا مال عن القصد.
وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ ذكر ذلك بعد ما بين أنه خلق للنار طائفة ضالين ملحدين عن الحق للدلالة على أنه خلق أيضا للجنة أمة هادين بالحق عادلين في الأمر، و استدل به على صحة الإجماع لأن المراد منه أن في كل قرن طائفة بهذه الصفة
لقوله عليه الصلاة و السلام «لا تزال من أمتي طائفة على الحق إلى أن يأتي أمر اللّه»
، إذ لو اختص بعهد الرسول أو غيره لم يكن فائدة فإنه معلوم.
[سورة الأعراف (7): الآيات 182 الى 184]
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ سنستدنيهم إلى الهلاك قليلا قليلا، و أصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة. مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ما نريد بهم و ذلك أن تتواتر عليهم النعم فيظنوا أنها لطف من اللّه تعالى بهم، فيزدادوا بطرا و انهماكا في الغي حتى يحق عليهم كلمة العذاب.
وَ أُمْلِي لَهُمْ و أمهلهم عطف على سَنَسْتَدْرِجُهُمْ . إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ إن أخذي شديد، و إنما سماه كيدا لأن ظاهره إحسان و باطنه خذلان.
أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ يعني محمدا صلّى اللّه عليه و سلّم. مِنْ جِنَّةٍ من جنون.
روي: أنه صلّى اللّه عليه و سلّم صعد على
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 44
الصفا فدعاهم فخذا فخذا يحذرهم بأس اللّه تعالى فقال قائلهم: إن صاحبكم لمجنون بات يهوت إلى الصباح، فنزلت.
إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ موضح إنذاره بحيث لا يخفى على ناظر.
[سورة الأعراف (7): الآيات 185 الى 186]
أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا نظر استدلال. فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ مما يقع عليه اسم الشيء من الأجناس التي لا يمكن حصرها ليدلهم على كمال قدرة صانعها، و وحدة مبدعها و عظم شأن مالكها، و متولي أمرها ليظهر لهم صحة ما يدعوهم إليه. وَ أَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ عطف على ملكوت و أن مصدرية أو مخففة من الثقيلة، و اسمها ضمير الشأن و كذا اسم يكون و المعنى: أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم و توقع حلولها فيسارعوا إلى طلب الحق و التوجه إلى ما ينجيهم، قبل مغافصة الموت و نزول العذاب. فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ أي بعد القرآن. يُؤْمِنُونَ إذا لم يؤمنوا به، و هو النهاية في البيان كأنه إخبار عنهم بالطبع و التصميم على الكفر بعد إلزام الحجة و الإرشاد إلى النظر. و قيل هو متعلق بقوله: عسى أن يكون، كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب فما بالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن، و ماذا ينتظرون بعد وضوحه فإن لم يؤمنوا به فبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا به.
و قوله: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ كالتقرير و التعليل له. و نذرهم في طغيانهم بالرفع على الاستئناف، و قرأ أبو عمرو و عاصم و يعقوب بالياء لقوله مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ ، و حمزة و الكسائي به و بالجزم عطفا على محل فَلا هادِيَ لَهُ ، كأنه قيل: لا يهده أحد غيره وَ يَذَرُهُمْ . يَعْمَهُونَ حال من هم.
[سورة الأعراف (7): آية 187]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أي عن القيامة، و هي من الأسماء الغالبة و إطلاقها عليها إما لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها، أو لأنها على طولها عند اللّه كساعة. أَيَّانَ مُرْساها متى إرساؤها أي إثباتها و استقرارها و رسو الشيء ثباته و استقراره، و منه رسا الجبل و أرسى السفينة، و اشتقاق أَيَّانَ من أي لأن معناه أي وقت، و هو من أويت إليه لأن البعض أو إلى الكل. قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا و لا نبيا مرسلا. لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها لا يظهر أمرها في وقتها. إِلَّا هُوَ و المعنى أن الخفاء بها مستمر على غيره إلى وقت وقوعها، و اللام للتأقيت كاللام في قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ . ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عظمت على أهلها من الملائكة و الثقلين لهولها، و كأنه إشارة إلى الحكمة في إخفائها. لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً إلا فجأة على غفلة، كما
قال عليه الصلاة و السلام: «إن الساعة تهيج بالناس و الرجل يصلح حوضه و الرجل يسقي ماشيته و الرجل يقوم سلعته في سوقه و الرجل يخفض ميزانه و يرفعه».
يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها عالم بها، فعيل من حفى عن الشيء إذا سأل عنه، فإن من بالغ في السؤال عن الشيء و البحث عنه استحكم علمه فيه، و لذلك عدي بعن. و قيل هي صلة يَسْئَلُونَكَ . و قيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة فإن قريشا قالوا له: إن بيننا و بينك قرابة فقل لنا متى الساعة، و المعنى يسألونك عنها كأنك حفي تتحفى بهم فتخصهم لأجل قرابتهم بتعليم وقتها. و قيل معناه كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه، من حفى بالشيء إذا فرح أي تكثره لأنه من الغيب الذي استأثر اللّه بعلمه. قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ كرره لتكرير يسألونك لما نيط به من هذه الزيادة و للمبالغة. وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أن علمها عند اللّه لم يؤته أحدا من خلقه.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 45
[سورة الأعراف (7): آية 188]
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا جلب نفع و لا دفع ضر، و هو إظهار للعبودية و التبري من ادعاء العلم بالغيوب. إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ من ذلك فيلهمني إياه و يوفقني له، وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَ ما مَسَّنِيَ السُّوءُ و لو كنت أعلمه لخالفت حالي ما هي عليه من استكثار المنافع و اجتناب المضار حتى لا يمسني سوء. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار و البشارة. لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فإنهم المنتفعون بهما، و يجوز أن يكون متعلقا بال بَشِيرٌ و متعلق ال نَذِيرٌ محذوف.
[سورة الأعراف (7): آية 189]
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ هو آدم. وَ جَعَلَ مِنْها من جسدها من ضلع من أضلاعها، أو من جنسها كقوله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً* . زَوْجَها حواء. لِيَسْكُنَ إِلَيْها ليستأنس بها و يطمئن إليها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه، و إنما ذكر الضمير ذهابا إلى المعنى ليناسب. فَلَمَّا تَغَشَّاها أي جامعها.
حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً خف عليها و لم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالبا من الأذى، أو محمولا خفيفا و هو النطفة. فَمَرَّتْ بِهِ فاستمرت به أي قامت و قعدت، و قرئ «فمرت» بالتخفيف و «فاستمرت به» و «فمارت» من المور و هو المجيء و الذهاب، أو من المرية أي فظنت الحمل و ارتابت منه. فَلَمَّا أَثْقَلَتْ صارت ذات ثقل بكبر الولد في بطنها. و قرئ على البناء للمفعول أي أثقلها حملها. دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً ولدا سويا قد صلح بدنه. لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لك على هذه النعمة المجددة.
[سورة الأعراف (7): الآيات 190 الى 191]
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى و عبد مناف على حذف مضاف و إقامة المضاف إليه مقامه، و يدل عليه قوله: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ .
أَ يُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَ هُمْ يُخْلَقُونَ يعني الأصنام. و قيل: لما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل فقال لها: ما يدريك ما في بطنك لعله بهيمة أو كلب و ما يدريك من أين يخرج، فخافت من ذلك و ذكرته لآدم فهما منه ثم عاد إليها و قال: إني من اللّه بمنزلة فإن دعوت اللّه أن يجعله خلقا مثلك و يسهل عليك خروجه تسميه عبد الحرث، و كان اسمه حارثا بين الملائكة فتقبلت، فلما ولدت سمياه عبد الحرث.
و أمثال ذلك لا تليق بالأنبياء و يحتمل أن يكون الخطاب في خَلَقَكُمْ لآل قصي من قريش، فإنهم خلقوا من نفس قصي و كان له زوج من جنسه عربية قرشية و طلبا من اللّه الولد فأعطاهما أربعة بنين فسمياهم: عبد مناف، و عبد شمس، و عبد قصي، و عبد الدار. و يكون الضمير في يُشْرِكُونَ لهما و لأعقابهما المقتدين بهما. و قرأ نافع و أبو بكر «شركا» أي شركة بأن أشركا فيه غيره أو ذوي شرك و هم الشركاء، و هم ضمير الأصنام جيء به على تسميتهم إياها آلهة.
[سورة الأعراف (7): الآيات 192 الى 193]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 46
وَ لا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً أي لعبدتهم. وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ فيدفعون عنها ما يعتريها.
وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ أي المشركين. إِلَى الْهُدى إلى الإسلام. لا يَتَّبِعُوكُمْ و قرأ نافع بالتخفيف و فتح الباء، و قيل الخطاب للمشركين و هم ضمير الأصنام أي: إن تدعوهم إلى أن يهدوكم لا يتبعوكم إلى مرادكم و لا يجيبوكم كما يجيبكم اللّه. سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ و إنما لم يقل أم صمتم للمبالغة في عدم إفادة الدعاء من حيث إنه مسوى بالثبات على الصمات، أو لأنهم ما كانوا يدعونها لحوائجهم فكأنه قيل:
سواء عليكم إحداثكم دعاءهم و استمراركم على الصمات عن دعائهم.
[سورة الأعراف (7): الآيات 194 الى 195]
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي تعبدونهم و تسمونهم آلهة. عِبادٌ أَمْثالُكُمْ من حيث إنها مملوكة مسخرة. فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنهم آلهة، و يحتمل أنهم لما نحتوها بصور الأناسي قال لهم: إن قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء أمثالكم فلا يستحقون عبادتكم كما لا يستحق بعضكم عبادة بعض، ثم عاد عليه بالنقض فقال: أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها و قرئ «إن الذين» بتخفيف «إن» و نصب «عباد» على أنها نافية عملت عمل ما الحجازية و لم يثبت مثله، و «يبطشون» بالضم ها هنا و في «القصص» و «الدخان». قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ و استعينوا بهم في عداوتي. ثُمَّ كِيدُونِ فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر، و هي أنتم و شركاؤكم. فَلا تُنْظِرُونِ فلا تمهلون فإني لا أبالي بكم لوثوقي على ولاية اللّه تعالى و حفظه.
[سورة الأعراف (7): الآيات 196 الى 198]
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ القرآن. وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ أي و من عادته تعالى أن يتولى الصالحين من عباده فضلا عن أنبيائه.
وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَ لا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ من تمام التعليل لعدم مبالاته بهم.
وَ إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ يشبهون الناظرين إليك لأنهم صوروا بصورة من ينظر إلى من يواجهه.
[سورة الأعراف (7): الآيات 199 الى 200]
خُذِ الْعَفْوَ أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس و تسهل و لا تطلب ما يشق عليهم، من العفو الذي هو ضد الجهد أو خُذِ الْعَفْوَ عن المذنبين أو الفضل و ما يسهل من صدقاتهم، و ذلك قبل وجوب الزكاة.
وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ المعروف المستحسن من الأفعال. وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ فلا تمارهم و لا تكافئهم بمثل
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 47
أفعالهم، و هذه الآية جامعة لمكارم الأخلاق آمرة للرسول باستجماعها.
وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ ينخسنك منه نخس أي وسوسة تحملك على خلاف ما أمرت به كاعتراء غضب و فكر، و النزغ و النسغ و النخس الغرز شبه وسوسته للناس إغراء لهم على المعاصي و إزعاجا بغرز السائق ما يسوقه. فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ يسمع استعاذتك. عَلِيمٌ يعلم ما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه، أو سَمِيعٌ بأقوال من آذاك عَلِيمٌ بأفعاله فيجازيه عليها مغنيا إياك عن الانتقام و مشايعة الشيطان.
[سورة الأعراف (7): الآيات 201 الى 202]
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ لمة منه، و هو اسم فاعل من طاف يطوف كأنها طافت بهم و دارت حولهم فلم تقدر أن تؤثر فيهم، أو من طاف به الخيال يطيف طيفا. و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و الكسائي و يعقوب «طيف» على أنه مصدر أو تخفيف طيف كلين و هين، و المراد بالشيطان الجنس و لذلك جمع ضميره. تَذَكَّرُوا ما أمر اللّه به و نهى عنه. فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ بسبب التذكر مواقع الخطأ و مكايد الشيطان فيتحرزون عنها و لا يتبعونه فيها، و الآية تأكيد و تقرير لما قبلها و كذا قوله:
وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ أي و إخوان الشياطين الذين لم يتقوا بمدهم الشياطين. فِي الغَيِ بالتزيين و الحمل عليه، و قرئ «يمدونهم» من أمد و «يمادونهم» كأنهم يعينونهم بالتسهيل و الإغراء و هؤلاء يعينونهم بالاتباع و الامتثال. ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ثم لا يمسكون عن اغوائهم حتى يردوهم، و يجوز أن يكون الضمير للإخوان أي لا يكفون عن الغي و لا يقصرون كالمتقين، و يجوز أن يراد بال «الإخوان» الشياطين و يرجع الضمير إلى الْجاهِلِينَ فيكون الخبر جاريا على ما هو له.
[سورة الأعراف (7): الآيات 203 الى 204]
وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ من القرآن أو مما اقترحوه. قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها هلا جمعتها تقولا من نفسك كسائر ما تقرؤه أو هلا طلبتها من اللّه. قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي لست بمختلق للآيات أو لست بمقترح لها. هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ هذا القرآن بصائر للقلوب بها يبصر الحق و يدرك الصواب. وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ سبق تفسيره.
وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ نزلت في الصلاة كانوا يتكلمون فيها فأمروا باستماع قراءة الإمام و الإنصات له. و ظاهر اللفظ يقتضي وجوبهما حيث يقرأ القرآن مطلقا، و عامة العلماء على استحبابهما خارج الصلاة. و احتج به من لا يرى وجوب القراءة على المأموم و هو ضعيف.
[سورة الأعراف (7): الآيات 205 الى 206]
وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ عام في الأذكار من القراءة و الدعاء و غيرهما، أو أمر للمأموم بالقراءة سرا بعد فراغ الإمام عن قراءته كما هو مذهب الشافعي رضي اللّه تعالى عنه. تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً متضرعا و خائفا.
وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ و متكلما كلاما فوق السر و دون الجهر فإنه أدخل في الخشوع و الإخلاص. بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ بأوقات الغدو و العشيات. و قرئ «و الإيصال» و هو مصدر آصل إذا دخل في الأصيل و هو مطابق
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 48
للغدو. وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ عن ذكر اللّه.
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يعني ملائكة الملأ الأعلى. لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يُسَبِّحُونَهُ و ينزهونه. وَ لَهُ يَسْجُدُونَ و يخصونه بالعبادة و التذلل لا يشركون به غيره، و هو تعريض بمن عداهم من المكلفين و لذلك شرع السجود لقراءته. و
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول: يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة و أمرت بالسجود فعصيت فلي النار»
و
عنه صلّى اللّه عليه و سلّم «من قرأ سورة الأعراف جعل اللّه يوم القيامة بينه و بين إبليس سترا و كان آدم شفيعا له يوم القيامة».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 49
(8) سورة الأنفال
مدنية و آياتها خمس و سبعون
[سورة الأنفال (8): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ أي الغنائم يعني حكمها، و إنما سميت الغنيمة نفلا لأنها عطية من اللّه و فضل كما سمي به ما يشرطه الإمام لمقتحم خطر عطية له و زيادة على سهمه. قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ أي أمرها مختص بهما يقسمها الرسول على ما يأمره اللّه به. و سبب نزوله اختلاف المسلمين في غنائم بدر أنها كيف تقسم و من يقسم المهاجرون منهم أو الأنصار. و قيل شرط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمن كان له غناء أن ينفله، فتسارع شبانهم حتى قتلوا سبعين و أسروا سبعين ثم طلبوا نفلهم. و كان المال قليلا. فقال الشيوخ و الوجوه الذين كانوا عند الرايات: كنا ردءا لكم و فئة تنحازون إلينا، فنزلت فقسمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بينهم على السواء، و لهذا قيل:
لا يلزم الإمام أن يفي بما وعد و هو قول الشافعي رضي اللّه عنه، و
عن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه تعالى عنه قال: لما كان يوم بدر قتل أخي عمير فقتلت به سعيد بن العاص و أخذت سيفه، فأتيت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و استوهبته منه فقال: ليس هذا لي و لا لك اطرحه في القبض فطرحته، و بي ما لا يعلمه إلا اللّه من قتل أخي و أخذ سلبي فما جاوزت إلا قليلا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: سألتني السيف و ليس لي و أنه قد صار لي فاذهب فخذه.
و قرئ «يسألونك الأنفال» بحذف الهمزة و الفاء حركتها على اللام و إدغام نون عن فيها، و «يسألونك الأنفال» أي يسألك الشبان ما شرطت لهم. فَاتَّقُوا اللَّهَ في الاختلاف و المشاجرة.
وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ الحال التي بينكم بالمواساة و المساعدة فيما رزقكم اللّه و تسليم أمره إلى اللّه و الرسول.
وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فيه. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإن الإيمان يقتضي ذلك، أو إن كنتم كاملي الإيمان فإن كمال الإيمان بهذه الثلاثة: طاعة الأوامر، و الاتقاء عن المعاصي، و إصلاح ذات البين بالعدل و الإحسان.
[سورة الأنفال (8): الآيات 2 الى 4]