کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 122
موضع فتنة. لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا.
وَ نَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ من كيدهم و من شؤم مشاهدتهم، و في تقديم التوكل على الدعاء تنبيه على أن الداعي ينبغي له أن يتوكل أولا لتجاب دعوته.
[سورة يونس (10): آية 87]
وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا أي اتخذا مباءة. لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً تسكنون فيها أو ترجعون إليها للعبادة. وَ اجْعَلُوا أنتما و قومكما. بُيُوتَكُمْ تلك البيوت. قِبْلَةً مصلى و قيل مساجد متوجهة نحو القبلة يعني الكعبة، و كان موسى صلّى اللّه عليه و سلّم يصلي إليها. وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ فيها، أمروا بذلك أول أمرهم لئلا يظهر عليهم الكفرة فيؤذوهم و يفتنوهم عن دينهم. وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بالنصرة في الدنيا و الجنة في العقبى، و إنما ثنى الضمير أولا لأن التبوأ للقوم و اتخاذ المعابد مما يتعاطاه رؤوس القوم بتشاور، ثم جمع لأن جعل البيوت مساجد و الصلاة فيها مما ينبغي أن يفعله كل أحد، ثم وحد لأن البشارة في الأصل وظيفة صاحب الشريعة.
[سورة يونس (10): الآيات 88 الى 89]
وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً ما يتزين به من الملابس و المراكب و نحوهما. وَ أَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و أنواعا من المال. رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ دعاء عليهم بلفظ الأمر بما علم من ممارسة أحوالهم أنه لا يكون غيره كقولك: لعن اللّه إبليس. و قيل اللام للعاقبة و هي متعلقة ب آتَيْتَ و يحتمل أن تكون للعلة لأن إيتاء النعم على الكفر استدراج و تثبيت على الضلال، و لأنهم لما جعلوها سببا للضلال فكأنهم أوتوها ليضلوا فيكون رَبَّنا تكريرا للأول تأكيدا و تنبيها على أن المقصود عرض ضلالهم و كفرانهم تقدمة لقوله: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ أي أهلكها، و الطمس المحق و قرئ اطْمِسْ بالضم. وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ أي و اقسها اطبع عليها حتى لا تنشرح للإيمان. فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ جواب للدعاء أو دعاء بلفظ النهي، أو عطف على لِيُضِلُّوا و ما بينهم دعاء معترض.
قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما يعني موسى و هارون لأنه كان يؤمن. فَاسْتَقِيما فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة و إلزام الحجة، و لا تستعجلا فإن ما طلبتما كائن و لكن في وقته.
روي: أنه مكث فيهم بعد الدعاء أربعين سنة.
وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ طريق الجهلة في الاستعجال أو عدم الوثوق و الاطمئنان بوعد اللّه تعالى، و عن ابن عامر برواية ابن ذكوان وَ لا تَتَّبِعانِ بالنون الخفيفة و كسرها لالتقاء الساكنين، وَ لا تَتَّبِعانِ من تبع وَ لا تَتَّبِعانِ أيضا.
[سورة يونس (10): الآيات 90 الى 91]
وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ أي جوزناهم في البحر حتى بلغوا الشط حافظين لهم، و قرئ «جوّزنا» و هو من فعل المرادف لفاعل كضعف و ضاعف. فَأَتْبَعَهُمْ فأدركهم يقال تبعته حتى أتبعته. فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 123
بَغْياً وَ عَدْواً باغين و عادين، أو للبغي و العدو و قرئ «و عدوّا». حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ لحقه. قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ أي بأنه. لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ و قرأ حمزة و الكسائي أنه بالكسر على إضمار القول أو الاستئناف بدلا و تفسيرا ل آمَنْتُ فنكب عن الإيمان أوان القبول و بالغ فيه حين لا يقبل.
آلْآنَ أ تؤمن الآن و قد أيست من نفسك و لم يبق لك اختيار. وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ قبل ذلك مدة عمرك. وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ الضالين المضلين عن الإيمان.
[سورة يونس (10): آية 92]
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ ننقذك مما وقع فيه قومك من قعر البحر و نجعلك طافيا، أو نلقيك على نجوة من الأرض ليراك بنو إسرائيل. و قرأ يعقوب نُنَجِّيكَ من أنجى، و قرئ «ننحيك» بالحاء أي نلقيك بناحية من الساحل. بِبَدَنِكَ في موضع الحال أي ببدنك عاريا عن الروح، أو كاملا سويا أو عريانا من غير لباس. أو بدرعك و كانت له درع من ذهب يعرف بها. و قرئ «بأبدانك» أي بأجزاء البدن كلها كقولهم هوى بأجرامه أو بدروعك كأنه كان مظاهرا بينها. لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً لمن وراءك علامة و هم بنو إسرائيل إذ كان في نفوسهم من عظمته ما خيل إليهم أنه لا يهلك، حتى كذبوا موسى عليه السلام حين أخبرهم بغرقه إلى أن عاينوه مطرحا على ممرهم من الساحل، أو لمن يأتي بعدك من القرون إذا سمعوا مآل أمرك ممن شاهدك عبرة و نكالا عن الطغيان، أو حجة تدلهم على أن الإنسان على ما كان عليه من عظم الشأن و كبرياء الملك مملوك مقهور بعيد عن مظان الربوبية. و قرئ «لمن خلقك» أي لخالقك آية أي كسائر الآيات فإن إفراده إياك بالإلقاء إلى الساحل دليل على أنه تعمد منه لكشف تزويرك و إماطة الشبهة في أمرك. و ذلك دليل على كمال قدرته و علمه و إرادته، و هذا الوجه أيضا محتمل على المشهور. وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ لا يتفكرون فيها و لا يعتبرون بها.
[سورة يونس (10): آية 93]
وَ لَقَدْ بَوَّأْنا أنزلنا. بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ منزلا صالحا مرضيا و هو الشأم و مصر. وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من اللذائذ. فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ فما اختلفوا في أمر دينهم إلا من بعد ما قرءوا التوراة و علموا أحكامها، أو في أمر محمد صلّى اللّه عليه و سلّم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته و تظاهر معجزاته. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فيميز المحق من المبطل بالإنجاء و الإهلاك.
[سورة يونس (10): الآيات 94 الى 95]
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ من القصص على سبيل الفرض و التقدير. فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ فإنه محقق عندهم ثابت في كتبهم على نحو ما ألقينا إليك، و المراد تحقيق ذلك و الاستشهاد بما في الكتب المتقدمة و أن القرآن مصدق لما فيها، أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إليه، أو تهييج الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و زيادة تثبيته لا إمكان وقوع الشك له و لذلك
قال عليه الصلاة و السلام: «لا أشك و لا أسأل».
و قيل الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم و المراد أمته أو لكل من يسمع أي إن كنت أيها
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 124
السامع في شك مما نزلنا على لسان نبينا إليك، و فيه تنبيه على أن كل من خالجته شبهة في الدين ينبغي أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى أهل العلم. لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ واضحا أنه لا مدخل للمرية فيه بالآيات القاطعة. فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ بالتزلزل عما أنت عليه من الجزم و اليقين.
وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ أيضا من باب التهييج و التثبيت و قطع الأطماع عنه كقوله فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ .
[سورة يونس (10): الآيات 96 الى 97]
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ ثبتت عليهم. كَلِمَتُ رَبِّكَ بأنهم يموتون على الكفر و يخلدون في العذاب.
لا يُؤْمِنُونَ إذ لا يكذب كلامه و لا ينتقض قضاؤه.
وَ لَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ فإن السبب الأصلي لإيمانهم و هو تعلق إرادة اللّه تعالى به مفقود. حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ و حينئذ لا ينفعهم كما لا ينفع فرعون.
[سورة يونس (10): آية 98]
فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فهلا كانت قرية من القرى التي أهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب، و لم تؤخر إليها كما أخر فرعون. فَنَفَعَها إِيمانُها بأن يقبله اللّه منها و يكشف العذاب عنها. إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لكن قوم يونس عليه السلام. لَمَّا آمَنُوا أول ما رأوا أمارة العذاب و لم يؤخروه إلى حلوله. كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و يجوز أن تكون الجملة في معنى النفي لتضمن حرف التحضيض معناه، فيكون الاستثناء متصلا لأن المراد من القرى أهاليها كأنه قال: ما آمن أهل قرية من القرى العاصية فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس، و يؤيده قراءة الرفع على البدل. وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ إلى آجالهم.
روي: (أن يونس عليه السلام بعث إلى أهل نينوى من الموصل، فكذبوه و أصروا عليه فوعدهم بالعذاب إلى ثلاث. و قيل إلى ثلاثين. و قيل إلى أربعين، فلما دنا الموعد أغامت السماء غيما أسود ذا دخان شديد فهبط حتى غشي مدينتهم، فهابوا فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا صدقه، فلبسوا المسوح و برزوا إلى الصعيد بأنفسهم و نسائهم و صبيانهم و دوابهم، و فرقوا بين كل والدة و ولدها فحن بعضها إلى بعض و علت الأصوات و العجيج و أخلصوا التوبة و أظهروا الإيمان و تضرعوا إلى اللّه تعالى، فرحمهم و كشف عنهم و كان يوم عاشوراء يوم الجمعة).
[سورة يونس (10): آية 99]
وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ بحيث لا يشذ منهم أحد. جَمِيعاً مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه، و هو دليل على القدرية في أنه تعالى لم يشأ إيمانهم أجمعين، و أن من شاء إيمانه يؤمن لا محالة، و التقييد بمشيئة الإلجاء خلاف الظاهر. أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ بما لم يشأ اللّه منهم. حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ و ترتيب الإكراه على المشيئة بالفاء و إيلاؤها حرف الاستفهام للإنكار، و تقديم الضمير على الفعل للدلالة على أن خلاف المشيئة مستحيل فلا يمكن تحصيله بالإكراه عليه فضلا عن الحث و التحريض عليه؛ إذ
روي أنه كان حريصا على إيمان قومه شديد الاهتمام به فنزلت.
و لذلك قرره بقوله:
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 125
[سورة يونس (10): الآيات 100 الى 101]
وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ باللّه. إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ إلا بإرادته و ألطافه و توفيقه فلا تجهد نفسك في هداها فإنه إلى اللّه. وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ العذاب أو الخذلان فإنه سببه. و قرئ بالزاي و قرأ أبو بكر «و نجعل» بالنون.
عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ لا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج و الآيات، أو لا يعقلون دلائله و أحكامه لما على قلوبهم من الطبع و يؤيد الأول قوله:
قُلِ انْظُرُوا أي تفكروا. ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ من عجائب صنعه لتدلكم على وحدته و كمال قدرته، و ما ذا إن جعلت استفهامية علقت انْظُرُوا عن العمل. وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ في علم اللّه و حكمه وَ ما نافية أو استفهامية في موضع النصب.
[سورة يونس (10): الآيات 102 الى 103]
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ مثل وقائعهم و نزول بأس اللّه بهم إذ لا يستحقون غيره من قولهم أيام العرب لوقائعها. قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لذلك أو فانتظروا هلاكي إني معكم من المنتظرين هلاككم.
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على محذوف دل عليه إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا كأنه قيل:
نهلك الأمم ثم ننجي رسلنا و من آمن بهم، على حكاية الحال الماضية. كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ كذلك الإنجاء أو إنجاء كذلك ننجي محمدا و صحبه حين نهلك المشركين، و حَقًّا عَلَيْنا اعتراض و نصبه بفعله المقدر. و قيل بدل من كذلك. و قرأ حفص و الكسائي نُنَجِّي مخففا.
[سورة يونس (10): الآيات 104 الى 105]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لأهل مكة. إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي و صحته. فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ فهذا خلاصة ديني اعتقادا و عملا فاعرضوها على العقل الصرف و انظروا فيها بعين الإنصاف لتعلموا صحتها و هو أني لا أعبد ما تخلقونه و تعبدونه، و لكن أعبد خالقكم الذي هو يوجدكم و يتوفاكم. و إنما خص التوفي بالذكر للتهديد. وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بما دل عليه العقل و نطق به الوحي، و حذف الجار من أن يجوز أن يكون من المطرد مع أن و أن يكون من غيره كقوله:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
فقد تركتك ذا مال و ذا نسب
وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ عطف على أَنْ أَكُونَ غير أَنْ صلة أَنْ محكية بصيغة الأمر، و لا فرق بينهما في الغرض لأن المقصود وصلها بما يتضمن معنى المصدر لتدل معه عليه، و صيغ الأفعال كلها كذلك سواء الخبر منها و الطلب، و المعنى و أمرت بالاستقامة في الدين و الاستبداد فيه بأداء الفرائض، و الانتهاء عن القبائح، أو في الصلاة باستقبال القبلة. حَنِيفاً حال من الدين أو الوجه. وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
[سورة يونس (10): الآيات 106 الى 107]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 126
وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ بنفسه إن دعوته أو خذلته. فَإِنْ فَعَلْتَ فإن دعوته فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ جزاء للشرط و جواب لسؤال مقدر عن تبعة الدعاء.
وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ و إن يصبك به. فَلا كاشِفَ لَهُ يرفعه. إِلَّا هُوَ إلا اللّه. وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ فلا دافع. لِفَضْلِهِ الذي أرادك به و لعله ذكر الإرادة مع الخير و المس مع الضر مع تلازم الأمرين للتنبيه على أن الخير مراد بالذات و أن الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول، و وضع الفضل موضع الضمير للدلالة على أنه متفضل بما يريد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه، و لم يستثن لأن مراد اللّه لا يمكن رده.
يُصِيبُ بِهِ بالخير. مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ فتعرضوا لرحمته بالطاعة و لا تيأسوا من غفرانه بالمعصية.
[سورة يونس (10): الآيات 108 الى 109]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ رسوله أو القرآن و لم يبق لكم عذر. فَمَنِ اهْتَدى بالإيمان و المتابعة. فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ لأن نفعه لها. وَ مَنْ ضَلَ بالكفر بهما. فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لأن وبال الضلال عليها. وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ موكول إلى أمركم، و إنما أنا بشير و نذير.
وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ بالامتثال و التبليغ. وَ اصْبِرْ على دعوتهم و تحمل أذيتهم. حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بالنصرة أو بالأمر بالقتال. وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ إذ لا يمكن الخطأ في حكمه لاطلاعه على السرائر اطلاعه على الظواهر.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «من قرأ سورة يونس أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بيونس و كذب به و بعدد من غرق مع فرعون».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 127
(11) سورة هود
مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
[سورة هود (11): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)
الر كِتابٌ مبتدأ و خبر أو كِتابٌ خبر مبتدأ محذوف. أُحْكِمَتْ آياتُهُ نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ و المعنى، أو منعت من الفساد و النسخ فإن المراد آيات السورة و ليس فيها منسوخ، أو أحكمت بالحجج و الدلائل أو جعلت حكيمة منقول من حكم بالضم إذا صار حكيما لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية و العملية. ثُمَّ فُصِّلَتْ بالفوائد من العقائد و الأحكام و المواعظ و الأخبار، أو بجعلها سورا أو بالإنزال نجما نجما، أو فصل فيها و لخص ما يحتاج إليه. و قرئ «ثمّ فصّلت» أي فرقت بين الحق و الباطل و أحكمت آياته ثُمَّ فُصِّلَتْ على البناء للمتكلم، و ثُمَ للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار. مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة أخرى ل كِتابٌ ، أو خبر بعد خبر أو صلة ل أُحْكِمَتْ أو فُصِّلَتْ ، و هو تقرير لأحكامها و تفصيلها على أكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر أمره و ما خفي.
[سورة هود (11): الآيات 2 الى 3]
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ لأن لا تعبدوا. و قيل أن مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول، و يجوز أن يكون كلاما مبتدأ للإغراء على التوحيد أو الأمر بالتبري من عبادة الغير كأنه قيل: ترك عبادة غير اللّه بمعنى ألزموه أو اتركوها تركا. إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ من اللّه. نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ بالعقاب على الشرك و الثواب على التوحيد.
وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ عطف على ألا تعبدوا. ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ثم توسلوا إلى مطلوبكم بالتوبة فإن المعرض عن طريق الحق لا بد له من الرجوع. و قيل استغفروا من الشرك ثم توبوا إلى اللّه بالطاعة، و يجوز أن يكون ثم لتفاوت ما بين الأمرين. يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً يعيشكم في أمن و دعة. إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو آخر أعماركم المقدرة، أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال و الأرزاق و الآجال، و إن كانت متعلقة بالأعمار لكنها مسماة بالإضافة إلى كل أحد فلا تتغير. وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ و يعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدنيا و الآخرة، و هو وعد للموحد التائب بخير الدارين. وَ إِنْ تَوَلَّوْا و إن تتولوا. فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ يوم القيامة، و قيل يوم الشدائد و قد ابتلوا بالقحط حتى أكلوا الجيف. و قرئ وَ إِنْ تَوَلَّوْا من ولي.
[سورة هود (11): الآيات 4 الى 5]
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ رجوعكم في ذلك اليوم و هو شاذ عن القياس. وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 128
على تعذيبكم أشد عذاب و كأنه تقدير لكبر اليوم.
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يثنونها عن الحق و ينحرفون عنه، أو يعطفونها على الكفر و عداوة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، أو يولون ظهورهم. و قرئ «يثنوني» بالياء و التاء من اثنوني، و هو بناء مبالغة. و «تثنون»، و أصله تثنونن من الثن و هو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني، و «يثنئن» من اثنأن كأبياض بالهمزة و «تثنوي». لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ من اللّه بسرهم فلا يطلع رسوله و المؤمنين عليه. قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا: إذا أرخينا ستورنا و استغشينا ثيابنا و طوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم.
و قيل نزلت في المنافقين و فيه نظر إذ الآية مكية و النفاق حدث بالمدينة. أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ألا حين يأوون إلى فراشهم و يتغطون بثيابهم. يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ في قلوبهم. وَ ما يُعْلِنُونَ بأفواههم يستوي في علمه سرهم و علنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بالأسرار ذات الصدور أو بالقلوب و أحوالها.
[سورة هود (11): آية 6]
وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها غذاؤها و معاشها لتكفله إياه تفضلا و رحمة، و إنما أتى بلفظ الوجوب تحقيقا لوصوله و حملا على التوكل فيه. وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها أماكنها في الحياة و الممات، أو الأصلاب و الأرحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل و مودعها من المواد و المقار حين كانت بعد بالقوة. كُلٌ كل واحد من الدواب و أحوالها. فِي كِتابٍ مُبِينٍ مذكور في اللوح المحفوظ، و كأنه أريد بالآية بيان كونه عالما بالمعلومات كلها و بما بعدها بيان كونه قادرا على الممكنات بأسرها تقريرا للتوحيد و لما سبق من الوعد و الوعيد.
[سورة هود (11): آية 7]
وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي خلقهما و ما فيهما كما مر بيانه في «الأعراف»، أو ما في جهتي العلو و السفل و جمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالأصل و الذات دون السفليات.
وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لا أنه كان موضوعا على متن الماء، و استدل به على إمكان الخلاء و أن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم. و قيل كان الماء على متن الريح و اللّه أعلم بذلك. لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا متعلق ب خَلَقَ أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون، فإن جملة ذلك أسباب و مواد لوجودكم و معاشكم و ما تحتاج إليه أعمالكم و دلائل و أمارات تستدلون بها و تستنبطون منها، و إنما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث إنه طريق إليه كالنظر و الاستماع، و إنما ذكر صيغة التفضيل و الاختبار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن و القبح للتحريض على أحاسن المحاسن، و التحضيض على الترقي دائما في مراتب العلم و العمل فإن المراد بالعمل ما يعم عمل القلب و الجوارح و لذلك
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «أيكم أحسن عقلا و أورع عن محارم اللّه و أسرع في طاعة اللّه».