کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 149
بحذف الياء اجتزاء عنها بالكسر. لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ لا تتكلم بما ينفع و ينجي من جواب أو شفاعة، و هو الناصب للظرف و يحتمل نصبه بإضمار اذكر أو بالانتهاء المحذوف. إِلَّا بِإِذْنِهِ إلا بإذن اللّه كقوله: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ و هذا في موقف و قوله: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ في موقف آخر أو المأذون فيه هي الجوابات الحقة و الممنوع عنه هي الأعذار الباطلة. فَمِنْهُمْ شَقِيٌ وجبت له النار بمقتضى الوعيد. وَ سَعِيدٌ وجبت له الجنة بموجب الوعد و الضمير لأهل الموقف و إن لم يذكر لأنه معلوم مدلول عليه بقوله: لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ أو للناس.
[سورة هود (11): الآيات 106 الى 107]
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ الزفير إخراج النفس و الشهيق رده، و استعمالهما في أول النهيق و آخره و المراد بهما الدلالة على شدة كربهم و غمهم و تشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه و انحصر فيه روحه، أو تشبيه صراخهم بأصوات الحمير و قرئ شَقُوا بالضم.
خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ ليس لارتباط دوامهم في النار بدوامهما فإن النصوص دالة على تأبيد دوامهم و انقطاع دوامهما. بل التعبير عن التأبيد و المبالغة بما كانت العرب يعبرون به عنه على سبيل التمثيل، و لو كان للارتباط لم يلزم أيضا من زوال السموات و الأرض زوال عذابهم و لا من دوامه دوامهما إلا من قبيل المفهوم، لأن دوامهما كالملزوم لدوامه، و قد عرفت أن المفهوم لا يقاوم المنطوق. و قيل المراد سموات الآخرة و أرضها و يدل عليه قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ و إن أهل الآخرة لا بد لهم من مظل و مقل، و فيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده و دوامه، و من عرفه فإنما يعرفه بما يدل على دوام الثواب و العقاب فلا يجدي له التشبيه. إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ استثناء من الخلود في النار لأن بعضهم و هم فساق الموحدين يخرجون منها، و ذلك كاف في صحة الاستثناء لأن زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض، و هم المراد بالاستثناء الثاني فإنهم مفارقون عن الجنة أيام عذابهم، فإن التأبيد من مبدأ معين ينتقض باعتبار الابتداء كما ينتقض باعتبار الانتهاء، و هؤلاء و إن شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم، و لا يقال فعلى هذا لم يكن قوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ تقسيما صحيحا لأن من شرطه أن تكون صفة كل قسم منتفية عن قسيمه، لأن ذلك الشرط حيث التقسيم لانفصال حقيقي أو مانع من الجمع و ها هنا المراد أن أهل الموقف لا يخرجون عن القسمين، و أن حالهم لا يخلو عن السعادة و الشقاوة و ذلك لا يمنع اجتماع الأمرين في شخص باعتبارين، أو لأن أهل النار ينقلون منها إلى الزمهرير و غيره من العذاب أحيانا، و كذلك أهل الجنة ينعمون بما هو أعلى من الجنة كالاتصال بجناب القدس و الفوز برضوان اللّه و لقائه، أو من أصل الحكم و المستثنى زمان توقفهم في الموقف للحساب لأن ظاهره يقتضي أن يكونوا في النار حين يأتي اليوم، أو مدة لبثهم في الدنيا و البرزخ إن كان الحكم مطلقا غير مقيد باليوم، و على هذا التأويل يحتمل أن يكون الاستثناء من الخلود على ما عرفت. و قيل هو من قوله: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ و قيل إلا ها هنا بمعنى سوى كقولك على ألف إلا الألفان القديمان و المعنى سوى ما شاء ربك من الزيادة التي لا آخر لها على مدة بقاء السموات و الأرض. إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ من غير اعتراض.
[سورة هود (11): آية 108]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 150
مَجْذُوذٍ غير مقطوع، و هو تصريح بأن الثواب لا ينقطع و تنبيه على أن المراد من الاستثناء في الثواب ليس الانقطاع، و لأجله فرق بين الثواب و العقاب بالتأبيد. و قرأ حمزة و الكسائي و حفص سُعِدُوا على البناء للمفعول من سعده اللّه بمعنى أسعده، و عَطاءً نصب على المصدر المؤكد أي أعطوا عطاء أو الحال من الجنة.
[سورة هود (11): آية 109]
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ شك بعد ما أنزل عليك من مآل أمر الناس. مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ من عبادة هؤلاء المشركين في أنها ضلال مؤد إلى مثل ما حل بمن قبلهم ممن قصصت عليك سوء عاقبة عبادتهم، أو من حال ما يعبدونه في أنه يضر و لا ينفع. ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ استئناف معناه تعليل النهي عن المرية أي هم و آباؤهم سواء في الشرك، أي ما يعبدون عبادة إلا كعبادة آبائهم أو ما يعبدون شيئا إلا مثل ما عبدوه من الأوثان، و قد بلغك ما لحق آباءهم من ذلك فسيلحقهم مثله، لأن التماثل في الأسباب يقتضي التماثل في المسببات، و معنى كَما يَعْبُدُ كما كان يعبد فحذف للدلالة من قبل عليه. وَ إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ حظهم من العذاب كآبائهم، أو من الرزق فيكون عذرا لتأخير العذاب عنهم مع قيام ما يوجبه.
غَيْرَ مَنْقُوصٍ حال من النصيب لتقييد التوفية فإنك تقول: وفيته حقه و تريد به وفاء بعضه و لو مجازا.
[سورة هود (11): الآيات 110 الى 111]
وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فآمن به قوم و كفر به قوم كما اختلف هؤلاء في القرآن. وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ يعني كلمة الإنظار إلى يوم القيامة. لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بإنزال ما يستحقه المبطل ليتميز به عن المحق. وَ إِنَّهُمْ و إن كفار قومك. لَفِي شَكٍّ مِنْهُ من القرآن. مُرِيبٍ موقع في الريبة.
وَ إِنَّ كُلًّا و إن كل المختلفين المؤمنين منهم و الكافرين، و التنوين بدل من المضاف إليه. و قرأ ابن كثير و نافع و أبو بكر بالتخفيف مع الإعمال اعتبارا للأصل. لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ اللام الأولى موطئة لقسم و الثانية للتأكيد أو بالعكس و ما مزيدة بينهما للفصل. و قرأ ابن عامر و عاصم و حمزة لَمَّا بالتشديد على أن أصله لمن ما فقلبت النون ميما للادغام، فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أولاهن، و المعنى لمن الذين يوفينهم ربك جزاء أعمالهم. و قرئ لما بالتنوين أي جميعا كقوله: أَكْلًا لَمًّا وَ إِنْ كُلٌّ لَمَّا على أن إِنْ نافية و لَمَّا بمعنى إلا و قد قرئ به. إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فلا يفوته شيء منه و إن خفي.
[سورة هود (11): آية 112]
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ مَنْ تابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ لما بين أمر المختلفين في التوحيد و النبوة، و أطنب في شرح الوعد و الوعيد أمر رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم بالاستقامة مثل ما أمر بها و هي شاملة للاستقامة في العقائد كالتوسط بين التشبيه و التعطيل بحيث يبقى العقل مصونا من الطرفين، و الأعمال من تبليغ الوحي و بيان الشرائع كما أنزل، و القيام بوظائف العبادات من غير تفريط و إفراط مفوت للحقوق و نحوها و هي في غاية العسر و لذلك
قال عليه الصلاة و السلام «شيبتني هود».
وَ مَنْ تابَ مَعَكَ أي تاب من الشرك و الكفر و آمن معك، و هو عطف على المستكن في استقم و إن لم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه. وَ لا تَطْغَوْا و لا تخرجوا عما حد لكم. إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فهو
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 151
مجازيكم عليه، و هو في معنى التعليل للأمر و النهي. و في الآية دليل على وجوب اتباع النصوص من غير تصرف و انحراف بنحو قياس و استحسان.
[سورة هود (11): آية 113]
وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا و لا تميلوا إليهم أدنى ميل فإن الركون هو الميل اليسير كالتزيي بزيهم و تعظيم ذكرهم و استدامته. فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بركونكم إليهم و إذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلما كذلك فما ظنك بالركون إلى الظالمين أي الموسومين بالظلم، ثم بالميل إليهم كل الميل، ثم بالظلم نفسه و الانهماك فيه، و لعل الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم و التهديد عليه، و خطاب الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و من معه من المؤمنين بها للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل، فإن الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط و تفريط فإنه ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم في نفسه. و قرئ «تركنوا» «فتمسّكم» بكسر التاء على لغة تميم و «تركنوا» على البناء للمفعول من أركنه. وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ من أنصار يمنعون العذاب عنكم و الواو للحال. ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ أي ثم لا ينصركم اللّه إذ سبق في حكمه أن يعذبكم و لا يبقي عليكم، و ثم لاستبعاد نصره إياهم و قد أوعدهم بالعذاب عليه و أوجبه لهم، و يجوز أن يكون منزلا منزلة الفاء لمعنى الاستبعاد، فإنه لما بين أن اللّه معذبهم و أن غيره لا يقدر على نصرهم أنتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلا.
[سورة هود (11): الآيات 114 الى 115]
وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ غدوة و عشية و انتصابه على الظرف لأنه مضاف إليه. وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ و ساعات منه قريبة من النهار، فإنه من أزلفه إذا قربه و هو جمع زلفة، و صلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلاة من أول النهار، و صلاة العشية صلاة العصر، و قيل الظهر و العصر لأن ما بعد الزوال عشي و صلاة الزلف المغرب و العشاء. و قرئ «زلفا» بضمتين و ضمة و سكون كبسر و بسر في بسرة و «زلفى» بمعنى زلفة كقربى و قربة. إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يكفرنها. و
في الحديث «إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر»
و في سبب النزول
«أن رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال إني قد أصبت من امرأة غير أني لم آتها فنزلت».
ذلِكَ إشارة إلى قوله فَاسْتَقِمْ و ما بعده و قيل إلى القرآن. ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ عظة للمتعظين.
وَ اصْبِرْ على الطاعات و عن المعاصي. فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ عدول عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود و دليلا على أن الصلاة و الصبر إحسان و إيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص.
[سورة هود (11): الآيات 116 الى 117]
فَلَوْ لا كانَ فهلا كان. مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ من الرأي و العقل، أو أولو فضل و إنما سمي بَقِيَّةٍ لأن الرجل يستبقي أفضل ما يخرجه، و منه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم، و يجوز أن يكون مصدرا كالتقية أي ذوو إبقاء على أنفسهم و صيانة لها من العذاب، و يؤيده أنه قرئ «بقية» و هي المرة
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 152
من مصدر بقاه يبقيه إذا راقبه. يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ لكن قليلا منهم أنجيناهم لأنهم كانوا كذلك، و لا يصح اتصاله إلا إذا جعل استثناء من النفي اللازم للتحضيض. وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ ما أنعموا فيه من الشهوات و اهتموا بتحصيل أسبابها و أعرضوا عما وراء ذلك. وَ كانُوا مُجْرِمِينَ كافرين كأنه أراد أن يبين ما كان السبب لاستئصال الأمم السالفة، و هو فشو الظلم فيهم و اتباعهم للهوى و ترك النهي عن المنكرات مع الكفر، و قوله و اتبع على معطوف مضمر دل عليه الكلام إذا المعنى: فلم ينهوا عن الفساد و اتبع الذين ظلموا و كانوا مجرمين عطف على اتَّبَعَ أو اعترض. و قرئ «و أتبع» أي و أتبعوا جزاء ما أترفوا فتكون الواو للحال، و يجوز أن تفسر به المشهورة و يعضده تقدم الإنجاء.
وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ بشرك. وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فسادا و تباغيا، و ذلك لفرط رحمته و مسامحته في حقوقه و من ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد. و قيل الملك يبقى مع الشرك و لا يبقى مع الظلم.
[سورة هود (11): الآيات 118 الى 119]
وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً مسلمين كلهم، و هو دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة و أنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد و أن ما أراده يجب وقوعه. وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ بعضهم على الحق و بعضهم على الباطل لا تكاد تجد اثنين يتفقان مطلقا.
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ إلا ناسا هداهم اللّه من فضله فاتفقوا على ما هو أصول دين الحق و العمدة فيه.
وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ إن كان الضمير ل النَّاسِ فالإشارة إلى الاختلاف، و اللام للعاقبة أو إليه و إلى الرحمة، و إن كان لمن فإلى الرحمة. وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ وعيد أو قوله للملائكة. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أي من عصاتهما أَجْمَعِينَ أو منهما أجمعين لا من أحدهما.
[سورة هود (11): آية 120]
وَ كُلًّا و كل نبأ. نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ نخبرك به. ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ بيان لكلّا أو بدل منه، و فائدته التنبيه على المقصود من الاقتصاص و هو زيادة يقينه و طمأنينة قلبه و ثبات نفسه على أداء الرسالة و احتمال أذى الكفار، أو مفعول وَ كُلًّا منصوب على المصدر بمعنى كل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك من أنباء الرسل. وَ جاءَكَ فِي هذِهِ السورة أو الأنباء المقتصة عليك. الْحَقُ ما هو حق. وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ إشارة إلى سائر فوائده العامة.
[سورة هود (11): الآيات 121 الى 122]
وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ على حالكم. إِنَّا عامِلُونَ على حالنا.
وَ انْتَظِرُوا بنا الدوائر. إِنَّا مُنْتَظِرُونَ أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم.
[سورة هود (11): آية 123]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 153
وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ خاصة لا يخفى عليه خافية مما فيهما. وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فيرجع لا محالة أمرهم و أمرك إليه. و قرأ نافع و حفص يُرْجَعُ على البناء للمفعول. فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ فإنه كافيك. و في تقديم الأمر بالعبادة على التوكل تنبيه على أنه إنما ينفع العابد. وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أنت و هم فيجازي كلا ما يستحقه. و قرأ نافع و ابن عامر و حفص بالياء هنا و في آخر «النمل».
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح و من كذب به و هود و صالح و شعيب و لوط و إبراهيم و موسى و كان يوم القيامة من السعداء إن شاء اللّه تعالى».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 154
(12) سورة يوسف
مكية و آيها مائة و إحدى عشرة آية
[سورة يوسف (12): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ تِلْكَ إشارة إلى آيات السورة و هي المراد ب الْكِتابِ ، أي تلك الآيات آيات السورة الظاهر أمرها في الإعجاز أو الواضحة معانيها، أو المبينة لمن تدبرها أنها من عند اللّه، أو لليهود ما سألوا إذ
روي أن علماءهم قالوا لكبراء المشركين سلوا محمدا لم انتقل آل يعقوب من الشأم إلى مصر و عن قصة يوسف عليه السلام فنزلت
: إِنَّا أَنْزَلْناهُ أي الكتاب. قُرْآناً عَرَبِيًّا سمى البعض قُرْآناً لأنه في الأصل اسم جنس يقع على الكل و البعض و صار علما للكل بالغلبة، و نصبه على الحال و هو في نفسه إما توطئة للحال التي هي عَرَبِيًّا أو حال لأنه مصدر بمعنى مفعول، و عَرَبِيًّا صفة له أو حال من الضمير فيه أو حال بعد حال و في كل ذلك خلاف. لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ علة لإنزاله بهذه الصفة أي أنزلناه مجموعا أو مقروءا بلغتكم كي تفهموه و تحيطوا بمعانيه، أو تستعملوا فيه عقولكم فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ممن لم يتعلم القصص معجز لا يتصور إلا بالإيحاء.
[سورة يوسف (12): آية 3]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ أحسن الاقتصاص لأن اقتص على أبدع الأساليب، أو أحسن ما يقص لاشتماله على العجائب و الحكم و الآيات و العبر فعل بمعنى مفعول كالنقض و السلب، و اشتقاقه من قص أثره إذا تبعه بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي بإيحائنا. هذَا الْقُرْآنَ يعني السورة، و يجوز أن يجعل هذا مفعول نقص على أن أحسن نصب على المصدر. وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ عن هذه القصة لم تخطر ببالك و لم تقرع سمعك قط، و هو تعليل لكونه موحى و إن هي المخففة من الثقيلة و اللام هي الفارقة.
[سورة يوسف (12): آية 4]
إِذْ قالَ يُوسُفُ بدل من أَحْسَنَ الْقَصَصِ إن جعل مفعولا بدل الاشتمال، أو منصوب بإضمار اذكر و يُوسُفُ عبري و لو كان عربيا لصرف. و قرئ بفتح السين و كسرها على التلعب به لا على أنه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من آسف لأن المشهورة شهدت بعجمته. لِأَبِيهِ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام و
عنه عليه الصلاة السلام «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».
يا أَبَتِ أصله يا أبي فعوض عن الياء تاء التأنيث لتناسبهما في الزيادة و لذلك قلبها هاء في الوقف ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب و كسرها لأنها عوض حرف يناسبها، و فتحها ابن عامر في كل القرآن
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 155
لأنها حركة أصلها أو لأنه كان يا أبتا فحذف الألف و بقي الفتحة، و إنما جاز يا أبتا و لم يجز يا أبتي لأنه جمع بين العوض و المعوض. و قرئ بالضم إجراء لها مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء من غير اعتبار التعويض، و إنما لم تسكن كأصلها لأنها حرف صحيح منزل منزلة الاسم فيجب تحريكها ككاف الخطاب. إِنِّي رَأَيْتُ من الرؤيا لا من الرؤية لقوله: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ و لقوله: هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ .
روي عن جابر رضي اللّه تعالى عنه (أن يهوديا جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسف، فسكت فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك فقال إذا أخبرتك هل تسلم قال نعم، قال جريان و الطارق و الذيال و قابس و عمودان و الفليق و المصبح و الضروح و الفرغ و وثاب و ذو الكتفين رآها يوسف و الشمس و القمر نزلن من السماء و سجدن له فقال اليهودي إي و اللّه إنها لأسماؤها)
رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ استئناف لبيان حالهم التي رآهم عليها فلا تكرير و إنما أجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم.
[سورة يوسف (12): آية 5]
قالَ يا بُنَيَ تصغير ابن، صغّره للشفقة أو لصغر السن، لأنه كان ابن اثنتي عشرة سنة. و قرأ حفص هنا و في «الصافات» بفتح الياء. لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً فيحتالوا لإهلاكك حيلة، فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن اللّه يصطفيه لرسالته و يفوقه على إخوته، فخاف عليه حسدهم و بغيهم و الرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في النوم، فرق بينهما بحرفي التأنيث كالقربة و القربى و هي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك، و الصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ، فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة، ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية و الجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير و إلا احتاجت إليه، و إنما عدى كاد باللام و هو متعد بنفسه لتضمنه معنى فعل يعدى به تأكيدا و لذلك أكد بالمصدر و علله بقوله: إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة لما فعل بآدم عليه السلام و حواء فلا يألوا جهدا في تسويلهم و إثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد.
[سورة يوسف (12): آية 6]