کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 151
مجازيكم عليه، و هو في معنى التعليل للأمر و النهي. و في الآية دليل على وجوب اتباع النصوص من غير تصرف و انحراف بنحو قياس و استحسان.
[سورة هود (11): آية 113]
وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا و لا تميلوا إليهم أدنى ميل فإن الركون هو الميل اليسير كالتزيي بزيهم و تعظيم ذكرهم و استدامته. فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بركونكم إليهم و إذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلما كذلك فما ظنك بالركون إلى الظالمين أي الموسومين بالظلم، ثم بالميل إليهم كل الميل، ثم بالظلم نفسه و الانهماك فيه، و لعل الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم و التهديد عليه، و خطاب الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و من معه من المؤمنين بها للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل، فإن الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط و تفريط فإنه ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم في نفسه. و قرئ «تركنوا» «فتمسّكم» بكسر التاء على لغة تميم و «تركنوا» على البناء للمفعول من أركنه. وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ من أنصار يمنعون العذاب عنكم و الواو للحال. ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ أي ثم لا ينصركم اللّه إذ سبق في حكمه أن يعذبكم و لا يبقي عليكم، و ثم لاستبعاد نصره إياهم و قد أوعدهم بالعذاب عليه و أوجبه لهم، و يجوز أن يكون منزلا منزلة الفاء لمعنى الاستبعاد، فإنه لما بين أن اللّه معذبهم و أن غيره لا يقدر على نصرهم أنتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلا.
[سورة هود (11): الآيات 114 الى 115]
وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ غدوة و عشية و انتصابه على الظرف لأنه مضاف إليه. وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ و ساعات منه قريبة من النهار، فإنه من أزلفه إذا قربه و هو جمع زلفة، و صلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلاة من أول النهار، و صلاة العشية صلاة العصر، و قيل الظهر و العصر لأن ما بعد الزوال عشي و صلاة الزلف المغرب و العشاء. و قرئ «زلفا» بضمتين و ضمة و سكون كبسر و بسر في بسرة و «زلفى» بمعنى زلفة كقربى و قربة. إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يكفرنها. و
في الحديث «إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر»
و في سبب النزول
«أن رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال إني قد أصبت من امرأة غير أني لم آتها فنزلت».
ذلِكَ إشارة إلى قوله فَاسْتَقِمْ و ما بعده و قيل إلى القرآن. ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ عظة للمتعظين.
وَ اصْبِرْ على الطاعات و عن المعاصي. فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ عدول عن الضمير ليكون كالبرهان على المقصود و دليلا على أن الصلاة و الصبر إحسان و إيماء بأنه لا يعتد بهما دون الإخلاص.
[سورة هود (11): الآيات 116 الى 117]
فَلَوْ لا كانَ فهلا كان. مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ من الرأي و العقل، أو أولو فضل و إنما سمي بَقِيَّةٍ لأن الرجل يستبقي أفضل ما يخرجه، و منه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم، و يجوز أن يكون مصدرا كالتقية أي ذوو إبقاء على أنفسهم و صيانة لها من العذاب، و يؤيده أنه قرئ «بقية» و هي المرة
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 152
من مصدر بقاه يبقيه إذا راقبه. يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ لكن قليلا منهم أنجيناهم لأنهم كانوا كذلك، و لا يصح اتصاله إلا إذا جعل استثناء من النفي اللازم للتحضيض. وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ ما أنعموا فيه من الشهوات و اهتموا بتحصيل أسبابها و أعرضوا عما وراء ذلك. وَ كانُوا مُجْرِمِينَ كافرين كأنه أراد أن يبين ما كان السبب لاستئصال الأمم السالفة، و هو فشو الظلم فيهم و اتباعهم للهوى و ترك النهي عن المنكرات مع الكفر، و قوله و اتبع على معطوف مضمر دل عليه الكلام إذا المعنى: فلم ينهوا عن الفساد و اتبع الذين ظلموا و كانوا مجرمين عطف على اتَّبَعَ أو اعترض. و قرئ «و أتبع» أي و أتبعوا جزاء ما أترفوا فتكون الواو للحال، و يجوز أن تفسر به المشهورة و يعضده تقدم الإنجاء.
وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ بشرك. وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ فيما بينهم لا يضمون إلى شركهم فسادا و تباغيا، و ذلك لفرط رحمته و مسامحته في حقوقه و من ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد. و قيل الملك يبقى مع الشرك و لا يبقى مع الظلم.
[سورة هود (11): الآيات 118 الى 119]
وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً مسلمين كلهم، و هو دليل ظاهر على أن الأمر غير الإرادة و أنه تعالى لم يرد الإيمان من كل أحد و أن ما أراده يجب وقوعه. وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ بعضهم على الحق و بعضهم على الباطل لا تكاد تجد اثنين يتفقان مطلقا.
إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ إلا ناسا هداهم اللّه من فضله فاتفقوا على ما هو أصول دين الحق و العمدة فيه.
وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ إن كان الضمير ل النَّاسِ فالإشارة إلى الاختلاف، و اللام للعاقبة أو إليه و إلى الرحمة، و إن كان لمن فإلى الرحمة. وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ وعيد أو قوله للملائكة. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أي من عصاتهما أَجْمَعِينَ أو منهما أجمعين لا من أحدهما.
[سورة هود (11): آية 120]
وَ كُلًّا و كل نبأ. نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ نخبرك به. ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ بيان لكلّا أو بدل منه، و فائدته التنبيه على المقصود من الاقتصاص و هو زيادة يقينه و طمأنينة قلبه و ثبات نفسه على أداء الرسالة و احتمال أذى الكفار، أو مفعول وَ كُلًّا منصوب على المصدر بمعنى كل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك من أنباء الرسل. وَ جاءَكَ فِي هذِهِ السورة أو الأنباء المقتصة عليك. الْحَقُ ما هو حق. وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ إشارة إلى سائر فوائده العامة.
[سورة هود (11): الآيات 121 الى 122]
وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ على حالكم. إِنَّا عامِلُونَ على حالنا.
وَ انْتَظِرُوا بنا الدوائر. إِنَّا مُنْتَظِرُونَ أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم.
[سورة هود (11): آية 123]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 153
وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ خاصة لا يخفى عليه خافية مما فيهما. وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فيرجع لا محالة أمرهم و أمرك إليه. و قرأ نافع و حفص يُرْجَعُ على البناء للمفعول. فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ فإنه كافيك. و في تقديم الأمر بالعبادة على التوكل تنبيه على أنه إنما ينفع العابد. وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أنت و هم فيجازي كلا ما يستحقه. و قرأ نافع و ابن عامر و حفص بالياء هنا و في آخر «النمل».
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بنوح و من كذب به و هود و صالح و شعيب و لوط و إبراهيم و موسى و كان يوم القيامة من السعداء إن شاء اللّه تعالى».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 154
(12) سورة يوسف
مكية و آيها مائة و إحدى عشرة آية
[سورة يوسف (12): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ تِلْكَ إشارة إلى آيات السورة و هي المراد ب الْكِتابِ ، أي تلك الآيات آيات السورة الظاهر أمرها في الإعجاز أو الواضحة معانيها، أو المبينة لمن تدبرها أنها من عند اللّه، أو لليهود ما سألوا إذ
روي أن علماءهم قالوا لكبراء المشركين سلوا محمدا لم انتقل آل يعقوب من الشأم إلى مصر و عن قصة يوسف عليه السلام فنزلت
: إِنَّا أَنْزَلْناهُ أي الكتاب. قُرْآناً عَرَبِيًّا سمى البعض قُرْآناً لأنه في الأصل اسم جنس يقع على الكل و البعض و صار علما للكل بالغلبة، و نصبه على الحال و هو في نفسه إما توطئة للحال التي هي عَرَبِيًّا أو حال لأنه مصدر بمعنى مفعول، و عَرَبِيًّا صفة له أو حال من الضمير فيه أو حال بعد حال و في كل ذلك خلاف. لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ علة لإنزاله بهذه الصفة أي أنزلناه مجموعا أو مقروءا بلغتكم كي تفهموه و تحيطوا بمعانيه، أو تستعملوا فيه عقولكم فتعلموا أن اقتصاصه كذلك ممن لم يتعلم القصص معجز لا يتصور إلا بالإيحاء.
[سورة يوسف (12): آية 3]
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ أحسن الاقتصاص لأن اقتص على أبدع الأساليب، أو أحسن ما يقص لاشتماله على العجائب و الحكم و الآيات و العبر فعل بمعنى مفعول كالنقض و السلب، و اشتقاقه من قص أثره إذا تبعه بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي بإيحائنا. هذَا الْقُرْآنَ يعني السورة، و يجوز أن يجعل هذا مفعول نقص على أن أحسن نصب على المصدر. وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ عن هذه القصة لم تخطر ببالك و لم تقرع سمعك قط، و هو تعليل لكونه موحى و إن هي المخففة من الثقيلة و اللام هي الفارقة.
[سورة يوسف (12): آية 4]
إِذْ قالَ يُوسُفُ بدل من أَحْسَنَ الْقَصَصِ إن جعل مفعولا بدل الاشتمال، أو منصوب بإضمار اذكر و يُوسُفُ عبري و لو كان عربيا لصرف. و قرئ بفتح السين و كسرها على التلعب به لا على أنه مضارع بني للمفعول أو الفاعل من آسف لأن المشهورة شهدت بعجمته. لِأَبِيهِ يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام و
عنه عليه الصلاة السلام «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».
يا أَبَتِ أصله يا أبي فعوض عن الياء تاء التأنيث لتناسبهما في الزيادة و لذلك قلبها هاء في الوقف ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب و كسرها لأنها عوض حرف يناسبها، و فتحها ابن عامر في كل القرآن
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 155
لأنها حركة أصلها أو لأنه كان يا أبتا فحذف الألف و بقي الفتحة، و إنما جاز يا أبتا و لم يجز يا أبتي لأنه جمع بين العوض و المعوض. و قرئ بالضم إجراء لها مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء من غير اعتبار التعويض، و إنما لم تسكن كأصلها لأنها حرف صحيح منزل منزلة الاسم فيجب تحريكها ككاف الخطاب. إِنِّي رَأَيْتُ من الرؤيا لا من الرؤية لقوله: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ و لقوله: هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ .
روي عن جابر رضي اللّه تعالى عنه (أن يهوديا جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسف، فسكت فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك فقال إذا أخبرتك هل تسلم قال نعم، قال جريان و الطارق و الذيال و قابس و عمودان و الفليق و المصبح و الضروح و الفرغ و وثاب و ذو الكتفين رآها يوسف و الشمس و القمر نزلن من السماء و سجدن له فقال اليهودي إي و اللّه إنها لأسماؤها)
رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ استئناف لبيان حالهم التي رآهم عليها فلا تكرير و إنما أجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم.
[سورة يوسف (12): آية 5]
قالَ يا بُنَيَ تصغير ابن، صغّره للشفقة أو لصغر السن، لأنه كان ابن اثنتي عشرة سنة. و قرأ حفص هنا و في «الصافات» بفتح الياء. لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً فيحتالوا لإهلاكك حيلة، فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن اللّه يصطفيه لرسالته و يفوقه على إخوته، فخاف عليه حسدهم و بغيهم و الرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في النوم، فرق بينهما بحرفي التأنيث كالقربة و القربى و هي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك، و الصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ، فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة، ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية و الجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير و إلا احتاجت إليه، و إنما عدى كاد باللام و هو متعد بنفسه لتضمنه معنى فعل يعدى به تأكيدا و لذلك أكد بالمصدر و علله بقوله: إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة لما فعل بآدم عليه السلام و حواء فلا يألوا جهدا في تسويلهم و إثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد.
[سورة يوسف (12): آية 6]
وَ كَذلِكَ أي و كما اجتباك لمثل هذه الرؤيا الدالة على شرف و عز و كمال نفس. يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ للنبوة و الملك أو لأمور عظام، و الاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك. وَ يُعَلِّمُكَ كلام مبتدأ خارج عن التشبيه كأنه قيل و هو يعلمك. مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة، و أحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة. أو من تأويل غوامض كتب اللّه تعالى و سنن الأنبياء و كلمات الحكماء، و هو اسم جمع للحديث كأباطيل اسم جمع للباطل. وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة. وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ يريد به سائر بنيه، و لعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب أو نسله. كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ بالرسالة و قيل على إبراهيم بالخلة و الإنجاء من النار و على إسحاق بإنقاذه من الذبح و فدائه بذبح عظيم. مِنْ قَبْلُ أي من قبلك أو من قبل هذا الوقت. إِبْراهِيمَ
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 156
وَ إِسْحاقَ عطف بيان لأبويك. إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ بمن يستحق الاجتباء. حَكِيمٌ يفعل الأشياء على ما ينبغي.
[سورة يوسف (12): آية 7]
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)
لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ أي في قصتهم. آياتٌ دلائل قدرة اللّه تعالى و حكمته، أو علامات نبوتك و قرأ ابن كثير «آية». لِلسَّائِلِينَ لمن سأل عن قصتهم، و المراد بإخوته بنو علاته العشرة و هم: يهوذا و روبيل و شمعون و لاوى و زبالون و يشخر و دينة من بنت خالته ليا تزوجها يعقوب أولا فلما توفيت تزوج أختها راحيل فولدت له بنيامين و يوسف. و قيل جمع بينهما و لم يكن الجمع محرما حينئذ و أربعة آخرون: دان و نفتالي و جاد و أشر من سريتين زلفة و بلهة.
[سورة يوسف (12): آية 8]
إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ بنيامين و تخصيصه بالإضافة لاختصاصه بالأخوة من الطرفين. أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وحده لأن أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد و ما فوقه، و المذكر و ما يقابله بخلاف أخويه فإن الفرق واجب في المحلى جائز في المضاف. وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ و الحال أنا جماعة أقوياء أحق بالمحبة من صغيرين لا كفاية فيهما، و العصبة و العصابة العشرة فصاعدا سموا بذلك لأن الأمور تعصب بهم. إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ لتفضيله المفضول أو لترك التعديل في المحبة.
روي أنه كان أحب إليه لما يرى فيه من المخايل و كان إخوته يحسدونه، فلما رأى الرؤيا ضاعف له المحبة بحيث لم يصبر عنه، فتبالغ حسدهم حتى حملهم على التعرض له.
[سورة يوسف (12): الآيات 9 الى 10]
اقْتُلُوا يُوسُفَ من جملة المحكي بعد قوله إذ قالوا كأنهم اتفقوا على ذلك الأمر إلا من قال (لا تقتلوا يوسف). و قيل إنما قاله شمعون أو دان و رضي به الآخرون.
أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً منكورة بعيدة من العمران، و هو معنى تنكيرها و إبهامها و لذلك نصبت كالظروف المبهمة. يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ جواب الأمر. و المعنى يصف لكم وجه أبيكم فيقبل بكليته عليكم و لا يلتفت عنكم إلى غيركم و لا ينازعكم في محبته أحد. وَ تَكُونُوا جزم بالعطف على يَخْلُ أو نصب بإضمار أن. مِنْ بَعْدِهِ من بعد يوسف أو الفراغ من أمره أو قتله أو طرحه. قَوْماً صالِحِينَ تائبين إلى اللّه تعالى عما جنيتم أو صالحين مع أبيكم بصلح ما بينكم و بينه بعذر تمهدونه، أو صالحين في أمر دنياكم فإنه ينتظم لكم بعده بخلو وجه أبيكم.
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ يعني يهوذا و كان أحسنهم فيه رأيا. و قيل روبيل. لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ فإن القتل عظيم. وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ في قعره، سمي بها لغيبوبته عن أعين الناظرين. و قرأ نافع في «غيابات» في الموضعين على الجمع كأنه لتلك الجب غيابات. و قرئ «غيبة» و «غيابات» بالتشديد. يَلْتَقِطْهُ يأخذه.
بَعْضُ السَّيَّارَةِ بعض الذين يسيرون في الأرض. إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ بمشورتي أو إن كنتم على أن تفعلوا ما يفرق بينه و بين أبيه.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 157
[سورة يوسف (12): الآيات 11 الى 12]
قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ لم تخافنا عليه. وَ إِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ و نحن نشفق عليه و نريد له الخير، أرادوا به استنزاله عن رأيه في حفظه منهم لما تنسم من حسدهم، و المشهور تَأْمَنَّا بالإدغام بإشمام. و عن نافع بترك الإشمام و من الشواذ ترك الإدغام لأنهما من كلمتين و «تيمنا» بكسر التاء.
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً إلى الصحراء. نرتع نتسع في أكل الفواكه و نحوها من الرتعة و هي الخصب.
و نلعب بالاستباق و الانتضال. و قرأ ابن كثير نرتع بكسر العين على أنه من ارتعى يرتعي و نافع بالكسر و الياء فيه و في يَلْعَبْ . و قرأ الكوفيون و يعقوب بالياء و السكون على إسناد الفعل إلى يوسف. و قرئ «يَرْتَعْ» من أرتع ماشيته و «يرتع» بكسر العين و يَلْعَبْ بالرفع على الابتداء. وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ من أن يناله مكروه.
[سورة يوسف (12): الآيات 13 الى 14]
قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ لشدة مفارقته علي و قلة صبري عنه. وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ لأن الأرض كانت مذأبة. و قيل رأى في المنام أن الذئب قد شد على يوسف و كان يحذره عليه، و قد همزها على الأصل ابن كثير و نافع في رواية قالون، و في رواية اليزيدي و أبو عمرو وقفا و عاصم و ابن عامر و حمزة درجا و اشتقاقه من تذاءبت الريح إذا هبت من كل جهة. وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ لاشتغالكم بالرتع و اللعب أو لقلة اهتمامكم بحفظه.
قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ اللام موطئة للقسم و جوابه: إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ ضعفاء مغبونون، أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسار و الواو في وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ للحال.
[سورة يوسف (12): آية 15]
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ و عزموا على إلقائه فيها، و البئر بئر بيت المقدس أو بئر بأرض الأردن أو بين مصر و مدين، أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب و جواب لما محذوف مثل فعلوا به ما فعلوا من الأذى.
فقد روي (أنهم لما برزوا به إلى الصحراء أخذوا يؤذونه و يضربونه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح و يستغيث فقال يهوذا: أما عاهدتموني أن لا تقتلوه فأتوا به إلى البئر، فدلوه فيها فتعلق بشفيرها فربطوا يديه و نزعوا قميصه ليلطخوه بالدم و يحتالوا به على أبيهم، فقال: يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به فقالوا: ادع الأحد عشر كوكبا و الشمس و القمر يلبسوك و يؤنسوك، فلما بلغ نصفها ألقوه و كان فيها ماء فسقط فيه، ثم آوى إلى صخرة كانت فيها فقام عليها يبكي فجاءه جبريل بالوحي)
كما قال: وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِ و كان ابن سبع عشرة سنة. و قيل كان مراهقا أوحي إليه في صغره كما أوحي إلى يحيى و عيسى عليهم الصلاة و السلام. و
في القصص: أن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق و إسحاق إلى يعقوب فجعله في تميمة علقها بيوسف فأخرجه جبريل عليه السلام و ألبسه إياه