کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 245
[سورة النحل (16): آية 124]
إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ تعظيم السبت، أو التخلي فيه للعبادة. عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أي على نبيهم، و هم اليهود أمرهم موسى عليه السلام أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة فأبوا و قالوا: نريد يوم السبت لأنه تعالى فرغ فيه من خلق السموات و الأرض، فألزمهم اللّه السبت و شدد الأمر عليهم. و قيل معناه إنما جعل وبال السبت و هو المسخ على الذين اختلفوا فيه، فأحلوا الصيد فيه تارة و حرموه أخرى و احتالوا له الحيل، و ذكرهم هنا لتهديد المشركين كذكر القرية التي كفرت بأنعم اللّه. وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ بالمجازاة على الاختلاف، أو بمجازاة كل فريق بما يستحقه.
[سورة النحل (16): آية 125]
ادْعُ من بعثت إليهم. إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ إلى الإسلام. بِالْحِكْمَةِ بالمقالة المحكمة، و هو الدليل الموضح للحق المزيح للشبهة. وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الخطابات المقنعة و العبر النافعة، فالأولى لدعوة خواص الأمة الطالبين للحقائق و الثانية لدعوة عوامهم. وَ جادِلْهُمْ و جادل معانديهم. بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق و اللين و إيثار الوجه الأيسر، و المقدمات التي هي أشهر فإن ذلك أنفع في تسكين لهبهم و تبيين شغبهم. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أي إنما عليك البلاغ و الدعوة، و أما حصول الهداية و الضلال و المجازاة عليهما فلا إليك بل اللّه أعلم بالضالين و المهتدين و هو المجازي لهم.
[سورة النحل (16): آية 126]
وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ لما أمره بالدعوة و بين له طرقها أشار إليه و إلى من يتابعه بترك المخالفة، و مراعاة العدل مع من يناصبهم، فإن الدعوة لا تنفك عنه من حيث إنها تتضمن رفض العادات، و ترك الشهوات و القدح في دين الأسلاف و الحكم عليهم بالكفر و الضلال. و
قيل إنه عليه السلام لما رأى حمزة و قد مثل به فقال: «و اللّه لئن أظفرني اللّه بهم لأمثلن بسبعين مكانك»، فنزلت.
فكفر عن يمينه، و فيه دليل على أن للمقتص أن يماثل الجاني و ليس له أن يجاوزه، و حث على العفو تعريضا بقوله: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ و تصريحا على الوجه الآكد بقوله: وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ أي الصبر. خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ من الانتقام للمنتقمين، ثم صرح بالأمر به لرسوله لأنه أولى الناس به لزيادة علمه باللّه و وثوقه عليه فقال:
[سورة النحل (16): الآيات 127 الى 128]
وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ إلا بتوفيقه و تثبيته. وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ على الكافرين أو على المؤمنين و ما فعل بهم. وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ في ضيق صدر من مكرهم، و قرأ ابن كثير في ضَيْقٍ بالكسر هنا و في «النمل» و هما لغتان كالقول و القيل، و يجوز أن يكون الضيق تخفيف ضيق.
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا المعاصي. وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ في أعمالهم بالولاية و الفضل، أو مع الذين
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 246
اتقوا اللّه بتعظيم أمره و الذين هم محسنون بالشفقة على خلقه.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «من قرأ سورة النحل لم يحاسبه اللّه بما أنعم عليه في دار الدنيا و إن مات في يوم تلاها أو ليلة كان له من الأجر كالذي مات و أحسن الوصية».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 247
(17) سورة بني إسرائيل
مكية و قيل إلا قوله تعالى: وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و إحدى عشرة آية.
[سورة الإسراء (17): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا سبحان اسم بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه و قد يستعمل علما له فيقطع عن الإضافة و يمنع عن الصرف قال:
قد قلت لمّا جاءني فخره
سبحان من علقمة الفاخر
و انتصابه بفعل متروك إظهاره، و تصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد. و أَسْرى و سرى بمعنى، و لَيْلًا نصب على الظرف. و فائدته الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الإسراء، و لذلك قرئ: «من الليل» أي بعضه كقوله: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ . مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بعينه لما
روي أنه عليه الصلاة و السلام قال: «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم و اليقظان إذا أتاني جبريل بالبراق».
أو من الحرم و سماه المسجد الحرام لأنه كله مسجد أو لأنه محيط به، أو ليطابق المبدأ المنتهى. لما
روي أنه صلّى اللّه عليه و سلّم كان نائما في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسري به و رجع من ليلته، و قص القصة عليها و قال: «مثل لي الأنبياء عليهم الصلاة و السلام فصليت بهم»، ثم خرج إلى المسجد الحرام و أخبر به قريشا فتعجبوا منه استحالة، و ارتد ناس ممن آمن به، و سعى رجال إلى أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه فقال: إن كان قال لقد صدق، فقالوا: أ تصدقه على ذلك، قال: إني لأصدقه على أبعد من ذلك فسمي الصديق، و استنعته طائفة سافروا إلى بيت المقدس فجلي له فطفق ينظر إليه و ينعته لهم، فقالوا: أما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها و أحوالها و قال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق، فخرجوا يشتدون إلى الثنية فصادفوا العير كما أخبر، ثم لم يؤمنوا و قالوا ما هذا إلا سحر مبين و كان ذلك قبل الهجرة بسنة
. و اختلف في أنه كان في المنام أو في اليقظة بروحه أو بجسده، و الأكثر على أنه أسري بجسده إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السموات حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، و لذلك تعجب قريش و استحالوه، و الاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضعف ما بين طرفي كرة الأرض مائة و نيفا و ستين مرة، ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى في أقل من ثانية، و قد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض و أن اللّه قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة في بدن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، أو فيما يحمله، و التعجب من لوازم المعجزات. إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد. الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ ببركات الدين و الدنيا لأنه مهبط الوحي و متعبد الأنبياء عليهم الصلاة و السلام من لدن موسى عليه الصلاة و السلام، و محفوف بالأنهار و الأشجار. لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 248
كذهابه في برهة من الليل مسيرة شهر و مشاهدته بيت المقدس و تمثل الأنبياء عليهم الصلاة و السلام له، و وقوفه على مقاماتهم، و صرف الكلام من الغيبة إلى التكلم لتعظيم تلك البركات و الآيات. و قرئ «ليريه» بالياء. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوال محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. الْبَصِيرُ بأفعاله فيكرمه و يقربه على حسب ذلك.
[سورة الإسراء (17): الآيات 2 الى 3]
وَ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا على أن لا تتخذوا كقولك: كتبت إليك أن افعل كذا. و قرأ أبو عمرو بالياء على «أن لا يتخذوا». مِنْ دُونِي وَكِيلًا ربا تكلون إليه أموركم غيري.
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ نصب على الاختصاص أو النداء إن قرئ «أن لا تتخذوا» بالتاء على النهي يعني: قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا، أو على أنه أحد مفعولي أَلَّا تَتَّخِذُوا و مِنْ دُونِي حال من وَكِيلًا فيكون كقوله: وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً و قرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من واو تَتَّخِذُوا ، و «ذرية» بكسر الذال. و فيه تذكير بأنعام اللّه تعالى عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح عليه السلام في السفينة. إِنَّهُ إن نوحا عليه السلام. كانَ عَبْداً شَكُوراً يحمد اللّه تعالى على مجامع حالاته، و فيه إيماء بأن انجاءه و من معه كان ببركة شكره، و حث للذرية على الاقتداء به. و قيل الضمير لموسى عليه الصلاة و السلام.
[سورة الإسراء (17): الآيات 4 الى 5]
وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ و أوحينا إليهم وحيا مقتضيا مبتوتا. فِي الْكِتابِ في التوراة. لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ جواب قسم محذوف، أو قضينا على إجراء القضاء المبتوت مجرى القسم. مَرَّتَيْنِ إفسادتين أولادهما مخالفة أحكام التوراة و قتل شعياء و قيل أرمياء. و ثانيهما قتل زكريا و يحيى و قصد قتل عيسى عليهم السلام. وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً و لتستكبرن عن طاعة اللّه تعالى أو لتظلمن الناس.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما وعد عقاب أولاهما. بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا بختنصر عامل لهراسف على بابل و جنوده. و قيل جالوت الجزري. و قيل سنحاريب من أهل نينوى. أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ذوي قوة و بطش في الحرب شديد. فَجاسُوا فترددوا لطلبكم. و قرئ بالحاء المهملة و هما أخوان. خِلالَ الدِّيارِ وسطها للقتل و الغارة فقتلوا كبارهم و سبوا صغارهم و حرقوا التوراة و خربوا المسجد. و المعتزلة لما منعوا تسليط اللّه الكافر على ذلك أولوا البعث بالتخلية و عدم المنع. وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولًا و كان وعد عقابهم لا بد أن يفعل.
[سورة الإسراء (17): آية 6]
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ أي الدولة و الغلبة. عَلَيْهِمْ على الذين بعثوا عليكم، و ذلك بأن ألقى اللّه في قلب بهمن بن إسفنديار لما ورث الملك من جده كشتاسف بن لهراسف شفقة عليهم، فرد أسراهم إلى الشام و ملك دانيال عليهم فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختنصر، أو بأن سلط اللّه داود عليه الصلاة و السلام على جالوت فقتله وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً مما كنتم، و النفير من ينفر مع الرجل من قومه و قيل جمع نفر و هم المجتمعون للذهاب إلى العدو.
[سورة الإسراء (17): آية 7]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 249
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لأن ثوابه لها. وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فإن وباله عليها، و إنما ذكرها باللام ازدواجا. فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ وعد عقوبة المرة الآخرة. لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ أي بعثناهم لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ أي يجعلوها بادية آثار المساءة فيها، فحذف لدلالة ذكره أولا عليه. و قرأ ابن عامر و حمزة و أبو بكر «ليسوء» على التوحيد، و الضمير فيه للوعد أو للبعث أو للّه، و يعضده قراءة الكسائي بالنون. و قرئ «لنسوأن» بالنون و الياء و النون المخففة و المثقلة، و «لنسوأن» بفتح اللام على الأوجه الأربعة على أنه جواب إذا و اللام في قوله: وَ لِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ متعلق بمحذوف هو بعثناهم. كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ لِيُتَبِّرُوا ليهلكوا. ما عَلَوْا ما غلبوه و استولوا عليه أو مدة علوهم. تَتْبِيراً ذلك بأن سلط اللّه عليهم الفرس مرة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه جودرز، و قيل حردوس قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرا بينهم فوجد فيه دما يغلي فسألهم عنه فقالوا: دم قربان لم يقبل منا فقال: ما صدقوني فقتل عليه ألوفا منهم فلم يهدأ الدم، ثم قال إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحدا، فقالوا: إنه دم يحيى فقال لمثل هذا ينتقم ربكم منكم، ثم قال يا يحيى قد علم ربي و ربك ما أصاب قومك من أجلك، فاهدأ بإذن اللّه تعالى قبل أن لا أبقي أحدا منهم فهدأ.
[سورة الإسراء (17): آية 8]
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرة الآخرة. وَ إِنْ عُدْتُمْ نوبة أخرى. عُدْنا مرة ثالثة إلى عقوبتكم و قد عادوا بتكذيب محمد صلّى اللّه عليه و سلّم، و قصد قتله فعاد اللّه تعلى بتسليطه عليهم فقتل قريظة و أجلى بني النضير، و ضرب الجزية على الباقين هذا لهم في الدنيا. وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً محبسا لا يقدرون على الخروج منها أبدا الآباد. و قيل بساطا كما يبسط الحصير.
[سورة الإسراء (17): الآيات 9 الى 10]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ للحالة أو الطريقة التي هي أقوم الحالات أو الطرق. وَ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً و قرأ حمزة و الكسائي وَ يُبَشِّرُ بالتخفيف.
وَ أَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً عطف على أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ، و المعنى أنه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم و عقاب أعدائهم، أو على يُبَشِّرُ بإضمار يخبر.
[سورة الإسراء (17): آية 11]
وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (11)
وَ يَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ و يدعو اللّه تعالى عند غضبه بالشر على نفسه و أهله و ماله، أو يدعوه بما يحسبه خيرا و هو شر. دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ مثل دعائه بالخير. وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته. و قيل المراد آدم عليه الصلاة و السلام فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط.
روي: أنه عليه السلام دفع أسيرا إلى سودة بنت زمعة فرحمته لأنينه فأرخت كتافه، فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم فقال عليه السلام: اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت.
و يجوز أن يريد بالإنسان الكافر و بالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن الحرث: اللهم انصر خير الحزبين، اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الآية. فأجيب له فضرب عنقه صبرا يوم بدر.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 250
[سورة الإسراء (17): آية 12]
وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ تدلان على القادر الحكيم بتعاقبهما على نسق واحد بإمكان غيره.
فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ أي الآية التي هي الليل، بالإشراق و الإضافة فيهما للتبيين كإضافة العدد إلى المعدود.
وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً مضيئة أو مبصرة للناس من أبصره فبصر، أو مبصرا أهله كقولهم: أجبن الرجل إذا كان أهله جبناء. و قيل الآيتان القمر و الشمس، و تقدير الكلام و جعلنا نيري الليل و النهار آيتين، أو جعلنا الليل و النهار ذوي آيتين و محو آية الليل التي هي القمر جعلها مظلمة في نفسها مطموسة النور، أو نقص نورها شيئا فشيئا إلى المحاق، و جعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة جعلها ذات شعاع تبصر الأشياء بضوئها.
لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ لتطلبوا في بياض النهار أسباب معاشكم و تتوصلوا به إلى استبانة أعمالكم.
وَ لِتَعْلَمُوا باختلافهما أو بحركاتهما. عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ و جنس الحساب. وَ كُلَّ شَيْءٍ تفتقرون إليه في أمر الدين و الدنيا. فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا بيناه بيانا غير ملتبس.
[سورة الإسراء (17): آية 13]
وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ عمله و ما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب و وكر القدر، لما كانوا يتيمنون و يتشاءمون بسنوح الطائر و بروحه، استعير لما هو سبب الخير و الشر من قدر اللّه تعالى و عمل العبد.
فِي عُنُقِهِ لزوم الطوق في عنقه. وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً هي صحيفة عمله أو نفسه المنتقشة بآثار أعماله، فإن الأعمال الاختيارية تحدث في النفس أحوالا و لذلك يفيد تكريرها لها ملكات، و نصبه بأنه مفعول أو حال من مفعول محذوف، و هو ضمير الطائر و يعضده قراءة يعقوب و يخرج من خرج و «يخرج» و قرئ «و يخرج» أي اللّه عز و جل يَلْقاهُ مَنْشُوراً لكشف الغطاء، و هما صفتان للكتاب، أو يَلْقاهُ صفة و مَنْشُوراً حال من مفعوله. و قرأ ابن عامر يَلْقاهُ على البناء للمفعول من لقيته كذا.
[سورة الإسراء (17): الآيات 14 الى 15]
اقْرَأْ كِتابَكَ على إرادة القول. كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً أي كفى نفسك، و الباء مزيدة و حَسِيباً تمييز و على صلته لأنه إما بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم و ضريب القداح بمعنى ضاربها من حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي فوضع موضع الشهيد، لأنه يكفي المدعي ما أهمه، و تذكيره على أن الحساب و الشهادة مما يتولاه الرجال أو على تأويل النفس بالشخص.
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها لا ينجي اهتداؤه غيره و لا يردي ضلاله سواه. وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى و لا تحمل نفس حاملة وزرا وزر نفس أخرى، بل إنما تحمل وزرها.
وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا يبين الحجج و يمهد الشرائع فيلزمهم الحجة، و فيه دليل على أن لا وجوب قبل الشرع.
[سورة الإسراء (17): آية 16]
وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً و إذا تعلقت إرادتنا بإهلاك قوم لإنفاذ قضائنا السابق، أو دنا وقته المقدر كقولهم: إذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدة. أَمَرْنا مُتْرَفِيها متنعميها بالطاعة على لسان رسول
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 251
بعثناه إليهم، و يدل على ذلك ما قبله و ما بعده، فإن الفسق هو الخروج عن الطاعة و التمرد في العصيان، فيدل على الطاعة من طريق المقابلة، و قيل أمرناهم بالفسق لقوله: فَفَسَقُوا فِيها كقولك أمرته فقرأ، فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقراءة على أن الأمر مجاز من الحمل عليه، أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما أبطرهم و أفضى بهم إلى الفسوق، و يحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم: أمرته فعصاني. و قيل معناه كثرنا يقال: أمرت الشيء و آمرته فأمر إذا كثرته، و
في الحديث «خير المال سكة مأبورة، و مهرة مأمورة»
، أي كثيرة النتاج. و هو أيضا مجاز من معنى الطلب، و يؤيده قراءة يعقوب «آمرنا» و رواية أَمَرْنا عن أبي عمرو، و يحتمل أن يكون منقولا من أمر بالضم أمارة أي جعلناهم أمراء، و تخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم و لأنهم أسرع إلى الحماقة و أقدر على الفجور. فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ يعني كلمة العذاب السابقة بحلوله، أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم في المعاصي. فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً أهلكناها بإهلاك أهلها و تخريب ديارهم.
[سورة الإسراء (17): الآيات 17 الى 18]
وَ كَمْ أَهْلَكْنا و كثيرا أهلكنا. مِنَ الْقُرُونِ بيان لكم و تمييز له. مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كعاد و ثمود.
وَ كَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يدرك بواطنها و ظواهرها فيعاقب عليها، و تقديم الخبير لتقدم متعلقه.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ مقصورا عليها همه. عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ قيد المعجل و المعجل له بالمشيئة و الإرادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه، و لا كل واجد جميع ما يهواه و ليعلم أن الأمر بالمشيئة و الهم فضل. و لِمَنْ نُرِيدُ بدل من له بدل البعض. و قرئ «ما يشاء» و الضمير فيه للّه تعالى حتى يطابق المشهورة. و قيل لِمَنْ فيكون مخصوصا بمن أراد اللّه تعالى به ذلك. و قيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين و يغزون معهم و لم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم و نحوها. ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً مطرودا من رحمة اللّه تعالى.
[سورة الإسراء (17): الآيات 19 الى 20]
وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها حقها من السعي و هو الإتيان بما أمر به، و الانتهاء عما نهى عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم. و فائدة اللام اعتبار النية و الإخلاص. وَ هُوَ مُؤْمِنٌ إيمانا صحيحا لا شرك معه و لا تكذيب فإنه العمدة. فَأُولئِكَ الجامعون للشروط الثلاثة. كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً من اللّه تعالى أي مقبولا عنده مثابا عليه، فطن شكر اللّه الثواب على الطاعة.
كُلًّا كل واحد من الفريقين، و التنوين بدل من المضاف إليه. نُمِدُّ بالعطاء مرة بعد أخرى و نجعل آنفه مددا لسالفه. هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ بدل من كُلًّا . مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ من معطاه متعلق ب نُمِدُّ . وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ممنوعا لا يمنعه في الدنيا من مؤمن و لا كافر تفضلا.
[سورة الإسراء (17): الآيات 21 الى 22]