کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 261
كالصحب و الركب، و يجوز أن يكون تمثيلا لتسلطه على من يغويه بمغوار صوت على قوم فاستفزهم من أماكنهم و أجلب عليهم بجنده حتى استأصلهم. و قرأ حفص وَ رَجِلِكَ بالكسر و غيره بالضم و هما لغتان كندس و ندس و معناه: و جمعك الرجل. و قرئ «و رجالك» «و رجالك». وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ بحملهم على كسبها و جمعها من الحرام و التصرف فيها على ما لا ينبغي. وَ الْأَوْلادِ بالحث على التوصل إلى الولد بالسبب المحرم، و الإشراك فيه بتسميته عبد العزيز، و التضليل بالحمل على الأديان الزائغة و الحرف الذميمة و الأفعال القبيحة. وَ عِدْهُمْ المواعيد الباطلة كشفاعة الآلهة و الاتكال على كرامة الآباء و تأخير التوبة لطول الأمل. وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً اعتراض لبيان مواعيده الباطلة، و الغرور تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب.
[سورة الإسراء (17): آية 65]
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (65)
إِنَّ عِبادِي يعني المخلصين، و تعظيم الإضافة و التقييد في قوله: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* يخصصهم لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي على إغوائهم قدرة. وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا يتوكلون عليه في الاستعاذة منك على الحقيقة.
[سورة الإسراء (17): الآيات 66 الى 67]
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي هو الذي يجري. لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الريح و أنواع الأمتعة التي لا تكون عندكم. إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه و سهل عليكم ما تعسر من أسبابه.
وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ خوف الغرق. ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ ذهب عن خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم. إِلَّا إِيَّاهُ وحده فإنكم حينئذ لا يخطر ببالكم سواه فلا تدعون لكشفه إلا إياه، أو ضل كل من تعبدونه عن إغاثتكم إلا اللّه. فَلَمَّا نَجَّاكُمْ من الغرق. إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن التوحيد. و قيل اتسعتم في كفران النعمة كقول ذي الرمة:
عطاء فتى تمكّن في المعالي
فأعرض في المكارم و استطالا
وَ كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً كالتعليل للإعراض.
[سورة الإسراء (17): آية 68]
أَ فَأَمِنْتُمْ الهمزة فيه للإنكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض، فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قادر أن يهلككم في البر بالخسف و غيره. أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أن يقلبه اللّه و أنتم عليه، أو يقلبه بسببكم فبكم حال أو صلة ليخسف، و قرأ ابن كثير و أبو عمرو بالنون فيه و في الأربعة التي بعده، و في ذكر الجانب تنبيه على أنهم لما وصلوا الساحل كفروا و أعرضوا و أن الجوانب و الجهات في قدرته سواء لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك. أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ريحا تحصب أي ترمي بالحصباء ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفعله.
[سورة الإسراء (17): آية 69]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 262
أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ في البحر. تارَةً أُخْرى بخلق دواع تلجئكم إلى أن ترجعوا فتركبوه.
فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ لا تمر بشيء إلا قصفته أي كسرته. فَيُغْرِقَكُمْ و عن يعقوب بالتاء على إسناده إلى ضمير الرِّيحِ . بِما كَفَرْتُمْ بسبب إشراككم أو كفرانكم نعمة الإنجاء. ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً مطالبا يتبعنا بانتصار أو صرف.
[سورة الإسراء (17): آية 70]
وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ بحسن الصورة و المزاج الأعدل و اعتدال القامة و التمييز بالعقل و الإفهام بالنطق و الإشارة و الخط و التهدي، أو أسباب المعاش و المعاد و التسلط على ما في الأرض و التمكن من الصناعات و انسياق الأسباب و المسببات العلوية و السفلية إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون إحصائه و من ذلك ما ذكره ابن عباس و هو أن كل حيوان يتناول طعامه بفيه إلّا الإنسان فإنه يرفعه إليه بيده وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ على الدواب و السفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه أو حملناهم فيهما حتى لم تخسف بهم الأرض و لم يغرقهم الماء وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ المستلذات مما يحصل بفعلهم و بغير فعلهم. وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا بالغلبة و الاستيلاء أو بالشرف و الكرامة، و المستثنى جنس الملائكة عليهم الصلاة و السلام أو الخواص منهم، و لا يلزم من عدم تفضيل الجنس عدم تفضيل بعض أفراده و المسألة موضع نظر، و قد أول الكثير بالكل و فيه تعسف.
[سورة الإسراء (17): آية 71]
يَوْمَ نَدْعُوا نصب بإضمار اذكر أو ظرف لما دل عليه وَ لا يُظْلَمُونَ ، و قرئ «يدعو» و «يدعي» و «يدعو» على قلب الألف واوا في لغة من يقول أفعو في أفعى، أو على أن الواو علامة الجمع كما في قوله:
وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أو ضميره و كل بدل منه و النون محذوفة لقلة المبالاة بها فإنها ليست إلا علامة الرفع، و هو قد يقدر كما في «يدعي». كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين. و قيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا صاحب كتاب كذا، أي تنقطع علقة الأنساب و تبقى نسبة الأعمال. و قيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم و أفعالهم. و قيل بأمهاتهم جمع أم كخف و خفاف، و الحكمة في ذلك، إجلال عيسى عليه السلام و إظهار شرف الحسن و الحسين رضي اللّه عنهما، و أن لا يفتضح أولاد الزنا. فَمَنْ أُوتِيَ من المدعوين. كِتابَهُ بِيَمِينِهِ أي كتاب عمله. فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ ابتهاجا و تبجحا بما يرون فيه. وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا و لا ينقصون من أجورهم أدنى شيء، و جمع اسم الإشارة و الضمير لأن من أوتي في معنى الجمع، و تعليق القراءة بإيتاء الكتاب باليمين يدل على أن من أوتي كتابه بشماله إذا اطلع على ما فيه غشيهم من الخجل و الحيرة ما يحبس ألسنتهم عن القراءة، و لذلك لم يذكرهم مع أن قوله:
[سورة الإسراء (17): آية 72]
وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً (72)
وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى أيضا مشعر بذلك فإن الأعمى لا يقرأ الكتاب، و المعنى و من كان في هذه الدنيا أعمى القلب لا يبصر رشده كان في الآخرة أعمى لا يرى طريق النجاة. وَ أَضَلُّ سَبِيلًا منه في الدنيا لزوال الاستعداد و فقدان الآلة و المهلة. و قيل لأن الاهتداء بعد لا ينفعه و الأعمى مستعار
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 263
من فاقد الحاسة. و قيل الثاني للتفضيل من عمي بقلبه كالأجهل و الأبله و لذلك لم يمله أبو عمرو و يعقوب، فإن أفعل التفضيل تمامه بمن فكانت ألفه في حكم المتوسطة كما في أعمالكم بخلاف النعت، فإن ألفه واقعة في الطرف لفظا و حكما فكانت معرضة للإمالة من حيث إنها تصير ياء في التثنية، و قد أمالهما حمزة و الكسائي و أبو بكر، و قرأ ورش بين بين فيهما.
[سورة الإسراء (17): آية 73]
وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ نزلت في ثقيف قالوا لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نعشر و لا نحشر و لا نجبى في صلاتنا، و كل ربا لنا فهو لنا و كل ربا علينا فهو موضوع عنا، و أن تمتعنا باللات سنة و أن تحرم و أدينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب لم فعلت ذلك فقل إن اللّه أمرني.
و قيل في قريش قالوا لا نمكنك من استلام الحجر حتى تلم بآلهتنا و تمسها بيدك. و إن هي المخففة و اللام هي الفارقة و المعنى: أن الشأن قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالاستنزال. عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من الأحكام لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ غير ما أوحينا إليك. وَ إِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا و لو اتبعت مرادهم لاتخذوك بافتتانك وليا لهم بريئا من ولايتي.
[سورة الإسراء (17): الآيات 74 الى 75]
وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ و لولا تثبيتنا إياك. لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم، و المعنى أنك كنت على صدد الركون إليهم لقوة خدعهم و شدة احتيالهم لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون فضلا أن تركن إليهم، و هو صريح في أنه عليه الصلاة و السلام ما همّ بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها، و دليل على أن العصمة بتوفيق اللّه و حفظه.
إِذاً لَأَذَقْناكَ أي لو قاربت لأذقناك. ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ أي عذاب الدنيا و عذاب الآخرة ضعف ما نعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر، و كان أصل الكلام عذابا ضعفا في الحياة و عذابا ضعفا في الممات بمعنى مضاعفا، ثم حذف الموصوف و أقيمت الصفة مقامه، ثم أضيفت كما يضاف موصوفها. و قيل الضعف من أسماء العذاب. و قيل المراد ب ضِعْفَ الْحَياةِ عذاب الآخرة وَ ضِعْفَ الْمَماتِ عذاب القبر. ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يدفع العذاب عنك.
[سورة الإسراء (17): الآيات 76 الى 77]
وَ إِنْ كادُوا و إن كاد أهل مكة. لَيَسْتَفِزُّونَكَ ليزعجوك بمعاداتهم. مِنَ الْأَرْضِ أرض مكة.
لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ و لو خرجت لا يبقون بعد خروجك. إِلَّا قَلِيلًا إلا زمانا قليلا، و قد كان كذلك فإنهم أهلكوا ببدر بعد هجرته بسنة. و قيل الآية: نزلت في اليهود حسدوا مقام النبي بالمدينة فقالوا: الشام مقام الأنبياء فإن كنت نبيا فالحق بها حتى نؤمن بك، فوقع ذلك في قلبه فخرج مرحلة فنزلت، فرجع ثم قتل منهم بنو قريظة و أجلي بنو النضير بقليل. و قرئ «لا يلبثوا» منصوبا ب إِذاً على أنه معطوف على جملة قوله: وَ إِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ لا على خبر كاد فإن إذا لا تعمل إذا كان معتمد ما بعدها على ما قبلها و قرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و يعقوب و حفص خِلافَكَ و هو لغة فيه قال الشاعر:
عفت الديار خلافهم فكأنّما
بسط الشّواطب بينهنّ حصيرا
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 264
سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا نصب على المصدر أي سن اللّه ذلك سنة، و هو أن يهلك كل أمة أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم، فالسنة للّه و إضافتها إلى الرسل لأنها من أجلهم و يدل عليه. وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا أي تغييرا.
[سورة الإسراء (17): آية 78]
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ لزوالها و يدل عليه
قوله عليه الصلاة و السلام «أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر».
و قيل لغروبها و أصل التركيب للانتقال و منه الدالك فإن الدالك لا تستقر يده، و كذا كل ما تركب من الدال و اللام: كدلج و دلح و دلع و دلف و دله. و قيل الدلوك من الدلك لأن الناظر إليها يدلك عينيه ليدفع شعاعها، و اللام للتأقيت مثلها في: لثلاث خلون إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ إلى ظلمته و هو وقت صلاة العشاء الأخيرة. وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ و صلاة الصبح، سميت قرآنا لأنه ركنها كما سميت ركوعا و سجودا، و استدل به على وجوب القراءة فيها و لا دليل فيه لجواز أن يكون التجوز لكونها مندوبة فيها، نعم لو فسر بالقراءة في صلاة الفجر دل الأمر بإقامتها على الوجوب فيها نصا و في غيرها قياسا. إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار، أو شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء و النوم الذي هو أخو الموت بالانتباه أو كثير من المصلين أو من حقه أن يشهده الجم الغفير، و الآية جامعة للصلوات الخمس إن فسر الدلوك بالزوال و لصلوات الليل وحدها إن فسر بالغروب. و قيل المراد بالصلاة صلاة المغرب و قوله لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ بيان لمبدأ الوقت و منتهاه، و استدل به على أن الوقت يمتد إلى غروب الشفق.
[سورة الإسراء (17): آية 79]
وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ و بعض الليل فاترك الهجود للصلاة و الضمير لل قُرْآنَ . نافِلَةً لَكَ فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة، أو فضيلة لك لاختصاص وجوبه بك. عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً مقاما يحمده القائم فيه و كل من عرفه، و هو مطلق في كل مقام يتضمن كرامة و المشهور أنه مقام الشفاعة. لما
روى أبو هريرة رضي اللّه تعالى عنه أنه عليه الصلاة و السلام قال: «هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي»
و لإشعاره بأن الناس يحمدونه لقيامه فيه و ما ذاك إلا مقام الشفاعة، و انتصابه على الظرف بإضمار فعله أي فيقيمك مقاما أو بتضمين يَبْعَثَكَ معناه، أو الحال بمعنى أن يبعثك ذا مقام.
[سورة الإسراء (17): الآيات 80 الى 81]
وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي أي في القبر. مُدْخَلَ صِدْقٍ إدخالا مرضيا. وَ أَخْرِجْنِي أي منه عند البعث.
مُخْرَجَ صِدْقٍ إخراجا ملقى بالكرامة. و قيل المراد إدخال المدينة و الإخراج من مكة. و قيل إدخاله مكة ظاهرا عليها و إخراجه منها آمنا من المشركين. و قيل إدخاله الغار و إخراجه منه سالما. و قيل إدخاله فيما حمله من أعباء الرسالة و إخراجه منه مؤديا حقه. و قيل إدخاله في كل ما يلابسه من مكان أو أمر و إخراجه منه.
و قرئ «مدخل» و «مخرج» بالفتح على معنى أدخلني فأدخل دخولا و أخرجني فأخرج خروجا. وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً حجة تنصرني على من خالفني أو ملكا ينصر الإسلام على الكفر، فاستجاب له بقوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ* ، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ . وَ قُلْ جاءَ الْحَقُ الإسلام وَ زَهَقَ الْباطِلُ و ذهب و هلك الشرك من زهق روحه إذا خرج. إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 265
مضمحلا غير ثابت،
عن ابن مسعود رضي اللّه عنه (أنه عليه الصلاة و السلام دخل مكة يوم الفتح و فيها ثلاثمائة و ستون صنما ينكت بمخصرته في عين كل واحد منها فيقول جاء الحق و زهق الباطل، فينكب لوجهه حتى ألقى جميعها و بقي صنم خزاعة فوق الكعبة و كان من صفر فقال: يا علي ارم به فصعد فرمى به فكسره).
[سورة الإسراء (17): آية 82]
وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ما هو في تقويم دينهم و استصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمرضى، و مِنَ للبيان فإن كله كذلك. و قيل إنه للتبعيض و المعنى أن منه ما يشفي من المرض كالفاتحة و آيات الشفاء. و قرأ البصريان نُنَزِّلُ بالتخفيف. وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً لتكذيبهم و كفرهم به.
[سورة الإسراء (17): الآيات 83 الى 84]
وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ بالصحة و السعة أَعْرَضَ عن ذكر اللّه. وَ نَأى بِجانِبِهِ لوى عطفه و بعد بنفسه عنه كأنه مستغن مستبد بأمره، و يجوز أن يكون كناية عن الاستكبار لأنه من عادة المستكبرين، و قرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان هنا و في «فصلت» و ناء على القلب أو على أنه بمعنى نهض. وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ من مرض أو فقر. كانَ يَؤُساً شديد اليأس من روح اللّه.
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ قل كل أحد يعمل على طريقته التي تشاكل حاله في الهدى و الضلالة، أو جوهر روحه و أحواله التابعة لمزاج بدنه. فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا أسد طريقا و أبين منهجا، و قد فسرت الشاكلة بالطبيعة و العادة و الدين.
[سورة الإسراء (17): آية 85]
وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ الذي يحيا به بدن الإنسان و يدبره. قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي من الإبداعيات الكائنة بكن من غير مادة و تولد من أصل كأعضاء جسده، أو وجد بأمره و حدث بتكوينه على أن السؤال عن قدمه و حدوثه. و قيل مما استأثر اللّه بعلمه. لما
روي: أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف و عن ذي القرنين و عن الروح، فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبي، و إن أجاب عن بعض و سكت عن بعض فهو نبي، فبين لهم القصتين و أبهم أمر الروح و هو مبهم في التوراة.
و قيل الروح جبريل و قيل خلق أعظم من الملك و قيل القرآن، و من أمر ربي معناه من وحيه. وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا تستفيدونه بتوسط حواسكم، فإن اكتساب العقل للمعارف النظرية. إنما هو من الضروريات المستفادة من إحساس الجزئيات، و لذلك قيل من فقد حسا فقد فقد علما. و لعل أكثر الأشياء لا يدركه الحس و لا شيئا من أحواله المعروفة لذاته، و هو إشارة إلى أن الروح مما لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس به، فلذلك اقتصر على هذا الجواب كما اقتصر موسى في جواب: و ما رب العالمين بذكر بعض صفاته.
روي: أنه عليه الصلاة و السلام لما قال لهم ذلك قالوا: أ نحن مختصون بهذا الخطاب؟ فقال: بل نحن و أنتم، فقالوا: ما أعجب شأنك ساعة تقول وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً . و ساعة تقول هذا فنزلت
وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ و ما قالوه لسوء فهمهم لأن الحكمة الإنسانية أن يعلم من الخير و الحق ما تسعه القوة البشرية بل ما ينتظم به معاشه و معاده، و هو بالإضافة إلى معلومات اللّه التي لا نهاية لها قليل ينال به خير الدارين و هو بالإضافة إليه كثيرا.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 266
[سورة الإسراء (17): الآيات 86 الى 87]
وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ اللام الأولى موطئة للقسم و لَنَذْهَبَنَ جوابه النائب مناب جزاء الشرط. و المعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن و محوناه من المصاحف و الصدور ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا من يتوكل علينا استرداده مسطورا محفوظا.
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فإنها إن نالتك فلعلها تسترده عليك، و يجوز أن يكون استثناء منقطعا بمعنى و لكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به، فيكون امتنانا بإبقائه بعد المنة في تنزيله. إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً كإرساله و إنزال الكتاب عليه و إبقائه في حفظه.
[سورة الإسراء (17): الآيات 88 الى 89]
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ في البلاغة و حسن النظم و كمال المعنى.
لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ و فيهم العرب العرباء و أرباب البيان و أهل التحقيق، و هو جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة، و لولا هي لكان جواب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضيا كقول زهير:
و إن أتاه خليل يوم مسألة
يقول لا غائب مالي و لا حرم
وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً و لو تظاهروا على الإتيان به، و لعله لم يذكر الملائكة لأن إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا، و لأنهم كانوا وسائط في إتيانه، و يجوز أن تكون الآية تقريرا لقوله: ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا .
وَ لَقَدْ صَرَّفْنا كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير و البيان. لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ من كل معنى هو كالمثل في غرابته و وقوعه موقعها في الأنفس. فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً إلا جحودا، و إنما جاز ذلك و لم يجز: ضربت إلا زيدا لأنه متأول بالنفي.
[سورة الإسراء (17): الآيات 90 الى 91]
وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً تعنتا و اقتراحا بعد ما لزمتهم الحجة ببيان إعجاز القرآن و انضمام غيره من المعجزات إليه. و قرأ الكوفيون و يعقوب تفجر بالتخفيف و الأرض أرض مكة و الينبوع عين لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر.
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك.
[سورة الإسراء (17): الآيات 92 الى 93]
أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً يعنون قوله تعالى: أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ و هو كقطع لفظا و معنى، و قد سكنه ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و الكسائي و يعقوب في جميع القرآن إلا في «الروم»
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 267
و ابن عامر إلا في هذه السورة، و أبو بكر و نافع في غيرهما و حفص فيما عدا «الطور»، و هو إما مخفف من المفتوح كسدرة و سدر أو فعل بمعنى مفعول كالطحن. أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا كفيلا بما تدعيه أي شاهدا على صحته ضامنا لدركه، أو مقابلا كالعشير بمعنى المعاشر و هو حال من اللّه و حال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف الخبر في قوله: فإني و قيّار بها لغريب. أو جماعة فيكون حالا من الْمَلائِكَةِ .
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ من ذهب و قد قرئ به و أصله الزينة. أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ في معارجها. وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ وحده. حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ و كان فيه تصديقك. قُلْ سُبْحانَ رَبِّي تعجبا من اقتراحاتهم أو تنزيها للّه من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة، و قرأ ابن كثير و ابن عامر: «قال سبحان ربي» أي قال الرسول: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً كسائر الناس. رَسُولًا كسائر الرسل و كانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره اللّه عليهم على ما يلائم حال قومهم، و لم يكن أمر الآيات إليهم و لا لهم أن يتحكموا على اللّه حتى تتخيروها عليّ هذا هو الجواب المجمل و أما التفصيل فقد ذكر في آيات أخر كقوله: وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ ، وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً .
[سورة الإسراء (17): الآيات 94 الى 95]
وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى أي و ما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي و ظهور الحق.
إِلَّا أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا إلا قولهم هذا، و المعنى أنه لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن إلا إنكارهم أن يرسل اللّه بشرا.
قُلْ جوابا لشبهتهم. لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ كما يمشي بنو آدم. مُطْمَئِنِّينَ ساكنين فيها. لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا لتمكنهم من الاجتماع به و التلقي منه، و أما الإنس فعامتهم عماة عن إدراك الملك و التلقف منه، فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب و التجانس، و ملكا يحتمل أن يكون حالا من رسولا و أن يكون موصوفا به و كذلك بشرا و الأول أوفق.
[سورة الإسراء (17): آية 96]
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96)
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ على أني رسول اللّه إليكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي، أو على أني بلغت ما أرسلت به إليكم و أنكم عاندتم و شهيدا نصب على الحال أو التمييز. إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعلم أحوالهم الباطنة منها و الظاهرة فيجازيهم عليها، و فيه تسلية للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و تهديد للكفار.
[سورة الإسراء (17): الآيات 97 الى 98]
وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ يهدونه. وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ يسحبون عليها أو يمشون بها.
روي (أنه قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم)