کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 266
[سورة الإسراء (17): الآيات 86 الى 87]
وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ اللام الأولى موطئة للقسم و لَنَذْهَبَنَ جوابه النائب مناب جزاء الشرط. و المعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن و محوناه من المصاحف و الصدور ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا من يتوكل علينا استرداده مسطورا محفوظا.
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فإنها إن نالتك فلعلها تسترده عليك، و يجوز أن يكون استثناء منقطعا بمعنى و لكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به، فيكون امتنانا بإبقائه بعد المنة في تنزيله. إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً كإرساله و إنزال الكتاب عليه و إبقائه في حفظه.
[سورة الإسراء (17): الآيات 88 الى 89]
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ في البلاغة و حسن النظم و كمال المعنى.
لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ و فيهم العرب العرباء و أرباب البيان و أهل التحقيق، و هو جواب قسم محذوف دل عليه اللام الموطئة، و لولا هي لكان جواب الشرط بلا جزم لكون الشرط ماضيا كقول زهير:
و إن أتاه خليل يوم مسألة
يقول لا غائب مالي و لا حرم
وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً و لو تظاهروا على الإتيان به، و لعله لم يذكر الملائكة لأن إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزا، و لأنهم كانوا وسائط في إتيانه، و يجوز أن تكون الآية تقريرا لقوله: ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا .
وَ لَقَدْ صَرَّفْنا كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير و البيان. لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ من كل معنى هو كالمثل في غرابته و وقوعه موقعها في الأنفس. فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً إلا جحودا، و إنما جاز ذلك و لم يجز: ضربت إلا زيدا لأنه متأول بالنفي.
[سورة الإسراء (17): الآيات 90 الى 91]
وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً تعنتا و اقتراحا بعد ما لزمتهم الحجة ببيان إعجاز القرآن و انضمام غيره من المعجزات إليه. و قرأ الكوفيون و يعقوب تفجر بالتخفيف و الأرض أرض مكة و الينبوع عين لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر.
أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أو يكون لك بستان يشتمل على ذلك.
[سورة الإسراء (17): الآيات 92 الى 93]
أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً يعنون قوله تعالى: أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ و هو كقطع لفظا و معنى، و قد سكنه ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و الكسائي و يعقوب في جميع القرآن إلا في «الروم»
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 267
و ابن عامر إلا في هذه السورة، و أبو بكر و نافع في غيرهما و حفص فيما عدا «الطور»، و هو إما مخفف من المفتوح كسدرة و سدر أو فعل بمعنى مفعول كالطحن. أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا كفيلا بما تدعيه أي شاهدا على صحته ضامنا لدركه، أو مقابلا كالعشير بمعنى المعاشر و هو حال من اللّه و حال الملائكة محذوفة لدلالتها عليها كما حذف الخبر في قوله: فإني و قيّار بها لغريب. أو جماعة فيكون حالا من الْمَلائِكَةِ .
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ من ذهب و قد قرئ به و أصله الزينة. أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ في معارجها. وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ وحده. حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ و كان فيه تصديقك. قُلْ سُبْحانَ رَبِّي تعجبا من اقتراحاتهم أو تنزيها للّه من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة، و قرأ ابن كثير و ابن عامر: «قال سبحان ربي» أي قال الرسول: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً كسائر الناس. رَسُولًا كسائر الرسل و كانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره اللّه عليهم على ما يلائم حال قومهم، و لم يكن أمر الآيات إليهم و لا لهم أن يتحكموا على اللّه حتى تتخيروها عليّ هذا هو الجواب المجمل و أما التفصيل فقد ذكر في آيات أخر كقوله: وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ ، وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً .
[سورة الإسراء (17): الآيات 94 الى 95]
وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى أي و ما منعهم الإيمان بعد نزول الوحي و ظهور الحق.
إِلَّا أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا إلا قولهم هذا، و المعنى أنه لم يبق لهم شبهة تمنعهم عن الإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن إلا إنكارهم أن يرسل اللّه بشرا.
قُلْ جوابا لشبهتهم. لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ كما يمشي بنو آدم. مُطْمَئِنِّينَ ساكنين فيها. لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا لتمكنهم من الاجتماع به و التلقي منه، و أما الإنس فعامتهم عماة عن إدراك الملك و التلقف منه، فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب و التجانس، و ملكا يحتمل أن يكون حالا من رسولا و أن يكون موصوفا به و كذلك بشرا و الأول أوفق.
[سورة الإسراء (17): آية 96]
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (96)
قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ على أني رسول اللّه إليكم بإظهاره المعجزة على وفق دعواي، أو على أني بلغت ما أرسلت به إليكم و أنكم عاندتم و شهيدا نصب على الحال أو التمييز. إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعلم أحوالهم الباطنة منها و الظاهرة فيجازيهم عليها، و فيه تسلية للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و تهديد للكفار.
[سورة الإسراء (17): الآيات 97 الى 98]
وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ يهدونه. وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ يسحبون عليها أو يمشون بها.
روي (أنه قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم)
عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا لا يبصرون ما يقر أعينهم و لا يسمعون ما يلذ مسامعهم و لا ينطقون بما يقبل منهم، لأنهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات و العبر و تصاموا عن استماع الحق و أبوا أن ينطقوا بالصدق، و يجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 268
النار مؤفي القوى و الحواس. مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ سكن لهبها بأن أكلت جلودهم و لحومهم. زِدْناهُمْ سَعِيراً توقدا بأن نبدل جلودهم و لحومهم فتعود ملتهبة مستعرة، كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جزاهم اللّه بأن لا يزالوا على الإعادة و الإفناء و إليه أشار بقوله:
ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً لأن الإشارة إلى ما تقدم من عذابهم.
[سورة الإسراء (17): الآيات 99 الى 100]
أَ وَ لَمْ يَرَوْا أو لم يعلموا. أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ فإنهم ليسوا أشد خلقا منهن و لا الإعادة أصعب عليه من الإبداء. وَ جَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ هو الموت أو القيامة. فَأَبَى الظَّالِمُونَ مع وضوح الحق. إِلَّا كُفُوراً إلا جحودا.
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي خزائن رزقه و سائر نعمه، و أنتم مرفوع بفعل يفسره ما بعده كقول حاتم: لو ذات سوار لطمتني. و فائدة هذا الحذف و التفسير المبالغة مع الإيجاز و الدلالة على الاختصاص. إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ لبخلتم مخافة النفاد بالإنفاق إذ لا أحد إلا و يختار النفع لنفسه و لو آثر غيره بشيء فإنما يؤثره لعوض يفوقه فهو إذن بخيل بالإضافة إلى جود اللّه تعالى و كرمه هذا و إن البخلاء أغلب فيهم. وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً بخيلا لأن بناء أمره على الحاجة و الضنة بما يحتاج إليه و ملاحظة العوض فيما يبذله.
[سورة الإسراء (17): آية 101]
وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ هي العصا و اليد و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و انفجار الماء من الحجر و انفلاق البحر و نتق الطور على بني إسرائيل. و قيل الطوفان و السنون و نقص الثمرات مكان الثلاثة الأخيرة. و
عن صفوان أن يهوديا سأل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم عنها فقال: أن لا تشركوا باللّه شيئا و لا تسرقوا و لا تزنوا و لا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق و لا تسحروا و لا تأكلوا الربا، و لا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله و لا تقذفوا محصنة و لا تفروا من الزحف، و عليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت، فقبل اليهودي يده و رجله.
فعلى هذا المراد بالآيات الأحكام العامة للملل الثابتة في كل الشرائع، سميت بذلك لأنها تدل على حال من يتعاطى متعلقها في الآخرة من السعادة أو الشقاوة. و
قوله و عليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا
، حكم مستأنف زائد على الجواب و لذلك غير فيه سياق الكلام. فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فقلنا له سلهم من فرعون ليرسلهم معك، أو سلهم عن حال دينهم و يؤيده قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «فسأل» على لفظ المضي بغير همز و هو لغة قريش و إِذْ متعلق بقلنا أو سأل على هذه القراءة أو فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى و فرعون إذ جاءهم، أو عن الآيات ليظهر للمشركين صدقك أو لتتسلى نفسك، أو لتعلم أنه تعالى لو أتى بما اقترحوا لأصروا على العناد و المكابرة كمن قبلهم، أو ليزداد يقينك لأن تظاهر الأدلة يوجب قوة اليقين و طمأنينة القلب و على هذا كان إِذْ نصبا ب آتَيْنا أو بإضمار يخبروك على أنه جواب الأمر، أو بإضمار اذكر على الاستئناف. فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً سحرت فتخبط عقلك.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 269
[سورة الإسراء (17): آية 102]
قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ يا فرعون و قرأ الكسائي بالضم على إخباره عن نفسه. ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ يعني الآيات. إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ بينات تبصرك صدقي و لكنك تعاند و انتصابه على الحال. وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر من قولهم: ما ثبرك عن هذا، أي ما صرفك أو هالكا قارع ظنه بظنه و شتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون كذب بحت و ظن موسى يحوم حول اليقين من تظاهر أماراته. و قرئ «و إن أخالك يا فرعون لمثبورا» على إن المخففة و اللام هي الفارقة.
[سورة الإسراء (17): الآيات 103 الى 104]
فَأَرادَ فرعون. أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ أن يستخف موسى و قومه و ينفيهم. مِنَ الْأَرْضِ أرض مصر أو الأرض مطلقا بالقتل و الاستئصال. فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً فعكسنا عليه مكره فاستفززناه و قومه بالإغراق.
وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ من بعد فرعون أو إغراقه. لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ التي أراد أن يستفزكم منها. فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ الكرة أو الحياة أو الساعة أو الدار الآخرة يعني قيام القيامة. جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً مختلطين إياكم و إياهم ثم نحكم بينكم و نميز سعداءكم من أشقيائكم، و اللفيف الجماعات من قبائل شتى.
[سورة الإسراء (17): الآيات 105 الى 106]
وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ أي و ما أنزلنا القرآن إلا ملتبسا بالحق المقتضي لإنزاله، و ما نزل على الرسول إلا ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه. و قيل و ما أنزلناه من السماء إلا محفوظا بالرصد من الملائكة، و ما نزل على الرسول إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين. و لعله أراد به نفي اعتراء البطلان له أول الأمر و آخره وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً للمطيع بالثواب. وَ نَذِيراً للعاصي بالعقاب فلا عليك إلا التبشير و الإنذار.
وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ نزلناه مفرقا منجما. و قيل فرقنا فيه الحق من الباطل فحذف الجار كما في قوله: و يوما شهدناه، و قرئ بالتشديد لكثرة نجومه فإنه نزل في تضاعيف عشرين سنة. لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ على مهل و تؤدة فإنه أيسر للحفظ و أعون في الفهم و قرئ بالفتح و هو لغة فيه. وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا على حسب الحوادث.
[سورة الإسراء (17): آية 107]
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا فإن إيمانكم بالقرآن لا يزيده كمالا و امتناعكم عنه لا يورثه نقصا و قوله:
إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ تعليل له أي إن لم تؤمنوا به فقد آمن به من هو خير منكم و هم العلماء الذين قرءوا الكتب السابقة و عرفوا حقيقة الوحي و أمارات النبوة، و تمكنوا من الميز بين المحق و المبطل، أو رأوا نعتك و صفة ما أنزل إليك في تلك الكتب، و يجوز أن يكون تعليلا ل قُلْ على سبيل التسلية كأنه قيل.
تسل بإيمان العلماء عن إيمان الجهلة و لا تكترث بإيمانهم و إعراضهم. إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ القرآن. يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر اللّه أو شكرا لإنجاز وعده في تلك الكتب ببعثة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم على فترة من الرسل و إنزال القرآن عليه.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 270
[سورة الإسراء (17): الآيات 108 الى 109]
وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا عن خلف الموعد. إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا إنه كان وعده كائنا لا محالة.
وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ كرره لاختلاف الحال و السبب فإن الأول للشكر عند إنجاز الوعد و الثاني لما أثر فيهم من مواعظ القرآن حال كونهم باكين من خشية اللّه، و ذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد، و اللام فيه لاختصاص الخرور به. وَ يَزِيدُهُمْ سماع القرآن خُشُوعاً كما يزيدهم علما و يقينا باللّه.
[سورة الإسراء (17): آية 110]
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ
نزلت حين سمع المشركون رسول اللّه يقول: يا اللّه يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إليهن و هو يدعو إلها آخر.
أو قالت اليهود: إنك لتقل ذكر الرحمن و قد أكثره اللّه في التوراة، و المراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بأنهما يطلقان على ذات واحدة و إن اختلف اعتبار إطلاقهما، و التوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق و على الثاني أنهما سيان في حسن الإطلاق و الإفضاء إلى المقصود و هو أجود لقوله: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى و الدعاء في الآية بمعنى التسمية و هو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه و أو للتخيير و التنوين في أَيًّا عوض عن المضاف إليه، و ما صلة لتأكيد ما في أَيًّا من الإبهام، و الضمير في فَلَهُ للمسمى لأن التسمية له لا للاسم، و كان أصل الكلام أَيًّا ما تَدْعُوا فهو حسن، فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة و الدلالة على ما هو الدليل عليه و كونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال و الإكرام. وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ بقراءة صلاتك حتى تسمع المشركين، فإن ذلك يحملهم على السب و اللغو فيها. وَ لا تُخافِتْ بِها حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين. وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ بين الجهر و المخافتة. سَبِيلًا وسطا فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب.
روي أن أبا بكر رضي اللّه عنه كان يخفت و يقول: أناجي ربي و قد علم حاجتي، و عمر رضي اللّه عنه كان يجهر و يقول أطرد الشيطان و أوقظ الوسنان، فلما نزلت أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أبا بكر أن يرفع قليلا و عمر أن يخفض قليلا.
و قيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها و لا تخافت بها بأسرها و ابتغ بين ذلك سبيلا بالإخفات نهارا و الجهر ليلا.
[سورة الإسراء (17): آية 111]
وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ في الألوهية. وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ ولي يواليه من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه و من غير جنسه اختيارا و اضطرارا، و ما يعاونه و يقويه، و رتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإيجاد، المنعم على الإطلاق و ما عداه ناقص مملوك نعمة، أو منعم عليه و لذلك عطف عليه قوله: وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً و فيه تنبيه على أن العبد و إن بالغ في التنزيه و التمجيد و اجتهد في العبادة و التحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 271
روي أنه صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية، و عنه عليه السلام «من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين، كان له قنطار في الجنة»
و القنطار ألف أوقية و مائتا أوقية. و اللّه أعلم بالصواب و إليه المرجع و المآب.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج3، ص: 272
(18) سورة الكهف
مكية و قيل إلا قوله (وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الآية و هي مائة و إحدى عشرة آية.
[سورة الكهف (18): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ يعني القرآن، رتب استحقاق الحمد على إنزاله تنبيها على أنه أعظم نعمائه، و ذلك لأنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد و الداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش و المعاد.
وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً شيئا من العوج باختلال في اللفظ و تناف في المعنى، أو انحراف من الدعوة إلى جناب الحق و هو في المعاني كالعوج في الأعيان.
[سورة الكهف (18): الآيات 2 الى 3]
قَيِّماً مستقيما معتدلا لا إفراط فيه و لا تفريط، أو قَيِّماً بمصالح العباد فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال، أو على الكتب السابقة يشهد بصحتها، و انتصابه بمضمر تقديره جعله قيما أو على الحال من الضمير في لَهُ ، أو من الْكِتابَ على أن الواو وَ لَمْ يَجْعَلْ للحال دون العطف، إذ لو كان للعطف لكان المعطوف فاصلا بين أبعاض المعطوف عليه و لذلك قيل فيه تقديم و تأخير و قرئ «قيما». لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً أي لينذر الذين كفروا عذابا شديدا، فحذف المفعول الأول اكتفاء بدلالة القرينة و اقتصارا على الغرض المسوق إليه. مِنْ لَدُنْهُ صادرا من عنده، و قرأ أبو بكر بإسكان الدال كإسكان الباء من سبع مع الإشمام ليدل على أصله، و كسر النون لالتقاء الساكنين و كسر الهاء للإتباع. وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً هو الجنة.
ماكِثِينَ فِيهِ في الأجر. أَبَداً بلا انقطاع.
[سورة الكهف (18): الآيات 4 الى 5]
وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً خصهم بالذكر و كرر الإنذار متعلقا بهم استعظاما لكفرهم، و إنما لم يذكر المنذر به استغناء بتقدم ذكره.