کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 33
لتنكير المضاف كقول العجاج:
يوم ترى النّفوس ما أعدّت
في سعي دنيا طالما قد مدّت
كأنه قيل إنما صنعوا كيد سحري. حَيْثُ أَتى حيث كان و أين أقبل.
[سورة طه (20): آية 70]
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَ مُوسى (70)
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً أي فألقى فتلقفت فتحقق عند السحرة أنه ليس بسحر و إنما هو آية من آيات اللّه و معجزة من معجزاته، فألقاهم ذلك على وجوههم سجدا للّه توبة عما صنعوا و إعتابا و تعظيما لما رأوا. قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَ مُوسى قدم هارون لكبر سنه أو لروي الآية، أو لأن فرعون ربي موسى في صغره فلو اقتصر على موسى أو قدم ذكره لربما توهم أن المراد فرعون و ذكر هارون على الاستتباع. روي أنهم رأوا في سجودهم الجنة و منازلهم فيها.
[سورة طه (20): آية 71]
قالَ آمَنْتُمْ لَهُ أي لموسى و اللام لتضمن الفعل معنى الاتباع. و قرأ قنبل و حفص آمَنْتُمْ لَهُ على الخبر و الباقون على الاستفهام. قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ في الإيمان له. إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ لعظيمكم في فنكم و أعلمكم به أو لأستاذكم. الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ و أنتم تواطأتم على ما فعلتم. فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ اليد اليمنى و الرجل اليسرى، و من ابتدائية كأن القطع ابتدأ من مخالفة العضو العضو و هي مع المجرور بها في حيز النصب على الحال، أي لأقطعنها مختلفات و قرئ «لأقطعن» «و لأصلبن» بالتخفيف.
وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ شبه تمكن المصلوب بالجذع بتمكن المظروف بالظرف و هو أول من صلب.
وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا يريد نفسه و موسى لقوله آمَنْتُمْ لَهُ و اللام مع الإيمان في كتاب اللّه لغير اللّه أراد به توضيع موسى و الهزء به، فإنه لم يكن من التعذيب في شيء. و قيل رب موسى الّذي آمنوا به. أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى و أدوم عقابا.
[سورة طه (20): الآيات 72 الى 73]
قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ لن نختارك. عَلى ما جاءَنا موسى به، و يجوز أن يكون الضمير فيه لما. مِنَ الْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات. وَ الَّذِي فَطَرَنا عطف على ما جاءنا أو قسم. فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ما أنت قاضيه أي صانعه أو حاكم به. إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا إنما تصنع ما تهواه، أو تحكم بما تراه في هذه الدنيا وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى فهو كالتعليل لما قبله و التمهيد لما بعده. و قرئ «تقضي هذه الحياة الدنيا» كقولك: صيم يوم الجمعة.
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا من الكفر و المعاصي. وَ ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ من معارضة المعجزة. روي أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى نائما فوجدوه تحرسه العصا فقالوا ما هذا بسحر فإن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه. وَ اللَّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى جزاء أو خير ثوابا و أبقى عقابا.
[سورة طه (20): الآيات 74 الى 76]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 34
إِنَّهُ إن الأمر. مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً بأن يموت على كفره و عصيانه. فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح. وَ لا يَحْيى حياة مهنأة.
وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ في الدنيا. فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى المنازل الرفيعة.
جَنَّاتُ عَدْنٍ بدل من الدرجات. تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها حال و العامل فيها معنى الإشارة أو الاستقرار. وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى تطهر من أدناس الكفر و المعاصي، و الآيات الثلاث يحتمل أن تكون من كلام السحرة و أن تكون ابتداء كلام من اللّه تعالى.
[سورة طه (20): آية 77]
وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي أي من مصر. فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فاجعل لهم، من قولهم ضرب له في ماله سهما أو فاتخذ من ضرب اللبن إذا عمله. فِي الْبَحْرِ يَبَساً يابسا مصدر وصف به يقال يبس يبسا و يبسا كسقم سقما و سقما، و لذلك وصف به المؤنث فقيل شاة يبس للتي جف لبنها، و قرئ «يبسا» و هو إما مخفف منه أو وصف على فعل كصعب أو جمع يابس كصحب وصف به الواحد مبالغة كقوله:
كأنّ قتود رحلي حين ضمّت
حوالب غرزا و معي جياعا
أو لتعدده معنى فإنه جعل لكل سبط منهم طريقا. لا تَخافُ دَرَكاً حال من المأمور أي آمنا من أن يدرككم العدو، أو صفة ثانية و العائد محذوف، و قرأ حمزة «لا تخف» على أنه جواب الأمر. وَ لا تَخْشى استئناف أي و أنت لا تخشى، أو عطف عليه و الألف فيه للإطلاق كقوله وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا أو حال بالواو و المعنى و لا تخشى الغرق.
[سورة طه (20): الآيات 78 الى 79]
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ و ذلك أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل فأخبر فرعون بذلك فقص أثرهم، و المعنى فاتبعهم فرعون نفسه و معه جنوده فحذف المفعول الثاني. و قيل فَأَتْبَعَهُمْ بمعنى فاتبعهم و يؤيده القراءة به و الباء للتعدية و قيل الباء مزيدة و المعنى: فاتبعهم جنوده و ذادهم خلفهم. فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ الضمير لجنوده أوله و لهم، و فيه مبالغة و وجازة أي: غشيهم ما سمعت قصته و لا يعرف كنهه إلا اللّه. و قرئ «فغشاهم ما غشاهم» أي غطاهم ما غطاهم و الفاعل هو اللّه تعالى أو ما غشاهم أو فرعون لأنه الّذي ورطهم للهلاك.
وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدى أي أضلهم في الدين و ما هداهم و هو تهكم به في قوله وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ أو أضلهم في البحر و ما نجا.
[سورة طه (20): آية 80]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر و إهلاك فرعون على إضمار قلنا، أو للذين منهم في عهد النبي عليه الصلاة و السلام بما فعل بآبائهم. قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فرعون و قومه. وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ بمناجاة موسى و إنزال التوراة عليه، و إنما عد المواعدة إليهم و هي لموسى أوله و للسبعين المختارين للملابسة. وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى يعني في التيه.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 35
[سورة طه (20): الآيات 81 الى 82]
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ لذائذه أو حلالاته، و قرأ حمزة و الكسائي «أنجيتكم» «و واعدتكم» و «ما رزقتكم» على التاء. و قرئ «و وعدتكم» «و وعدناكم»، و الأيمن بالجر على الجوار مثل: جحر ضب خرب.
وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فيما رزقناكم بالإخلال بشكره و التعدي لما حد اللّه لكم فيه كالسرف و البطر و المنع عن المستحق. فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي فيلزمكم عذابي و يجب لكم من حل الدين إذا وجب أداؤه. وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى فقد تردى و هلك، و قيل وقع في الهاوية، و قرأ الكسائي «يحل» و يَحْلِلْ بالضم من حل يحل إذا نزل.
وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ عن الشرك. وَ آمَنَ بما يجب الإيمان به. وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ثم استقام على الهدى المذكور.
[سورة طه (20): الآيات 83 الى 84]
وَ ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة في نفسها انضم إليها إغفال القوم و إيهام التعظم عليهم فلذلك أجاب موسى عن الأمرين و قدم جواب الإنكار لأنه أهم.
قالَ موسى. هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي أي ما تقدمتهم إلا بخطا يسيرة لا يعتد بها عادة و ليس بيني و بينهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضا. وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى فإن المسارعة إلى امتثال أمرك و الوفاء بعهدك توجب مرضاتك.
[سورة طه (20): الآيات 85 الى 86]
قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ابتليناهم بعبادة العجل بعد خروجك من بينهم و هم الذين خلفهم مع هارون و كانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل منهم إلا اثنا عشر ألفا. وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ باتخاذ العجل و الدعاء إلى عبادته، و قرئ «و أضلّهم» أي أشدهم ضلالا لأنه كان ضالا مضلا، و إن صح أنهم أقاموا على الدين بعد ذهابه عشرين ليلة و حسبوها بأيامها أربعين و قالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل، و إن هذا الخطاب كان له عند مقدمه إذ ليس في الآية ما يدل عليه كان ذلك إخبارا من اللّه له عن المترقب بلفظ الواقع على عادته، فإن أصل وقوع الشيء أن يكون في علمه و مقتضى مشيئته، و السَّامِرِيُ منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. و قيل كان علجا من كرمان. و قيل من أهل باجرما و اسمه موسى بن ظفر و كان منافقا.
فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ بعد ما استوفى الأربعين و أخذ التوراة غَضْبانَ عليهم. أَسِفاً حزينا بما فعلوا. قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً و بأن يعطيكم التوراة فيها هدى و نور. أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أي الزمان يعني زمان مفارقته لهم. أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ يجب عليكم. غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 36
بعبادة ما هو مثل في الغباوة. فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي وعدكم إياي بالثبات على الإيمان باللّه و القيام على ما أمرتكم به، و قيل هو من أخلفت وعده إذا وجدت الخلف فيه، أي فوجدتم الخلف في وعدي لكم بالعود بعد الأربعين، و هو لا يناسب الترتيب على الترديد و لا على الشق الّذي يليه و لا جوابهم له.
[سورة طه (20): الآيات 87 الى 89]
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا بأن ملكنا أمرنا إذ لو خلينا و أمرنا و لم يسول لنا السامري لما أخلفناه، و قرأ نافع و عاصم بِمَلْكِنا بالفتح و حمزة و الكسائي بالضم و ثلاثتها في الأصل لغات في مصدر ملكت الشيء. وَ لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ حملنا أحمالا من حلي القبط الّتي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس. و قيل استعاروا لعيد كان لهم، ثم لم يردوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به، و قيل: هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه و لعلهم سموها أوزارا لأنها آثام، فإن الغنائم لم تكن تحل بعد أو لأنهم كانوا مستأمنين و ليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي. فَقَذَفْناها أي في النار.
فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ أي ما كان معه منها.
روي أنهم لما حسبوا أن العدة قد كملت قال لهم السامري:
إنما أخلف موسى ميعادكم لما معكم من حلي القوم و هو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة و نسجر فيها نارا و نقذف كل ما معنا فيها ففعلوا.
و قرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي و أبو بكر و روح حُمِّلْنا بالفتح و التخفيف.
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً من تلك الحلي المذابة. لَهُ خُوارٌ صوت العجل. فَقالُوا يعني السامري و من افتتن به أول ما رآه. هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أي فنسيه موسى و ذهب يطلبه عند الطور، أو فنسي السامري أي ترك ما كان عليه من إظهار الإيمان.
أَ فَلا يَرَوْنَ أفلا يعلمون. أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا أنه لا يرجع إليهم كلاما و لا يرد عليهم جوابا.
و قرئ يَرْجِعُ بالنصب و فيه ضعف لأن أن الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين. وَ لا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً و لا يقدر على إنفاعهم و إضرارهم.
[سورة طه (20): الآيات 90 الى 91]
وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ من قبل رجوع موسى عليه الصلاة و السلام، أو قول السامري كأنه أول ما وقع عليه بصره حين طلع من الحفرة توهم ذلك و بادر تحذيرهم. يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ بالعجل. وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ لا غيره. فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي في الثبات على الدين.
قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ على العجل و عبادته. عاكِفِينَ مقيمين. حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى و هذا الجواب يؤيد الوجه الأول.
[سورة طه (20): الآيات 92 الى 94]
قالَ يا هارُونُ أي قال له موسى حين رجع. ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا بعبادة العجل.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 37
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أن تتبعني في الغضب للّه و المقاتلة مع من كفر به، أو أن تأتي عقبي و تلحقني و «لا» مزيدة كما في قوله ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ . أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي بالصلابة في الدين و المحاماة عليه.
قالَ يَا بْنَ أُمَ خص الأم استعطافا و ترقيقا، و قيل لأنه كان أخاه من الأم و الجمهور على أنهما كانا من أب و أم. لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي أي بشعر رأسي قبض عليهما يجره إليه من شدة غيظه و فرط غضبه للّه، و كان عليه الصلاة و السلام حديدا خشنا متصلبا في كل شيء فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل.
إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ لو قاتلت أو فارقت بعضهم ببعض. وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي حين قلت اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ فإن الإصلاح كان في حفظ الدهماء و المداراة لهم إلى أن ترجع إليهم فتتدارك الأمر برأيك.
[سورة طه (20): الآيات 95 الى 96]
قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ أي ثم أقبل عليه و قال له منكرا ما خطبك أي ما طلبك له و ما الّذي حملك عليه، و هو مصدر خطب الشيء إذا طلبه.
قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ و قرأ حمزة و الكسائي بالتاء على الخطاب أي علمت بما لم تعلموه و فطنت لما لم تفطنوا له، و هو أن الرسول الّذي جاءك روحاني لا يمس أثره شيئا إلا أحياه، أو رأيت ما لم تروه و هو أن جبريل عليه الصلاة و السلام جاءك على فرس الحياة. و قيل إنما عرفه لأن أمه ألقته حين ولدته خوفا من فرعون و كان جبريل يغذوه حتى استقل. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ من تربة موطئه و القبضة المرة من القبض فأطلق على المقبوض كضرب الأمير، و قرئ بالصاد و الأول للأخذ بجميع الكف و الثاني للأخذ بأطراف الأصابع و نحوهما الخضم و القضم، و الرسول جبريل عليه الصلاة و السلام و لعله لم يسمه لأنه لم يعرف أنه جبريل أو أراد أن ينبه على الوقت و هو حين أرسل إليه ليذهب به إلى الطور. فَنَبَذْتُها في الحلي المذاب أو في جوف العجل حتى حيي. وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي زينته و حسنته لي.
[سورة طه (20): آية 97]
قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ عقوبة على ما فعلت. أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ خوفا من أن يمسك أحد فتأخذك الحمى و من مسك فتتحامى الناس و يتحاموك و تكون طريدا وحيدا كالوحش النافر، و قرئ «لا مساس» كفجار و هو علم للمسة. وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً في الآخرة. لَنْ تُخْلَفَهُ لن يخلفكه اللّه و ينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا، و قرأ ابن كثير و البصريان بكسر اللام أي لن تخلف الواعد إياه و سيأتيك لا محالة، فحذف المفعول الأول لأن المقصود هو الموعد و يجوز أن يكون من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا، و قرئ بالنون على حكاية قول اللّه. وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً ظللت على عبادته مقيما فحذف اللام الأولى تخفيفا، و قرئ بكسر الظاء على نقل حركة اللام إليها. لَنُحَرِّقَنَّهُ أي بالنار و يؤيده قراءة لَنُحَرِّقَنَّهُ ، أو بالمبرد على أنه مبالغة في حرق إذ برد بالمبرد و يعضده قراءة لَنُحَرِّقَنَّهُ . ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ ثم لنذرينه رمادا أو مبرودا و قرئ بضم السين. فِي الْيَمِّ نَسْفاً فلا يصادف منه شيء و المقصود من ذلك زيادة عقوبته و إظهار غباوة المفتتنين به لمن له أدنى نظر.
[سورة طه (20): آية 98]
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98)
.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 38
إِنَّما إِلهُكُمُ المستحق لعبادتكم. اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا أحد يماثله أو يدانيه في كمال العلم و القدرة. وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً وسع علمه كل ما يصح أن يعلم لا العجل الّذي يصاغ و يحرق و إن كان حيا في نفسه كان مثلا في الغباوة، و قرئ وَسِعَ فيكون انتصاب عِلْماً على المفعولية لأنه و إن انتصب على التمييز في المشهورة لكنه فاعل في المعنى فلما عدي الفعل بالتضعيف إلى المفعولين صار مفعولا.
[سورة طه (20): آية 99]
كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99)
كَذلِكَ مثل ذلك الاقتصاص يعني اقتصاص قصة موسى عليه الصلاة و السلام. نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ من أخبار الأمور الماضية و الأمم الدارجة تبصرة لك و زيادة في علمك و تكثيرا لمعجزاتك و تنبيها و تذكيرا للمستبصرين من أمتك. وَ قَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً كتابا مشتملا على هذه الأقاصيص و الأخبار حقيقا بالتفكر و الاعتبار، و التنكير فيه للتعظيم. و قيل ذكرا جميلا و صيتا عظيما بين الناس.
[سورة طه (20): الآيات 100 الى 101]
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ عن الذكر الّذي هو القرآن الجامع لوجوه السعادة و النجاة و قيل عن اللّه. فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً عقوبة ثقيلة فادحة على كفره، و ذنوبه سماها وِزْراً تشبيها في ثقلها على المعاقب و صعوبة احتمالها بالحمل الّذي يفدح الحامل و ينقض ظهره، أو إثما عظيما.
خالِدِينَ فِيهِ في الوزر أو في حمله، و الجمع فيه و التوحيد في أعرض للحمل على المعنى و اللفظ.
وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا أي بئس لهم ففيه ضمير مبهم يفسره حِمْلًا ، و المخصوص بالذم محذوف أي ساء حملا وزرهم، و اللام في لَهُمْ للبيان كما في هَيْتَ لَكَ و لو جعلت ساءَ بمعنى أحزن و الضمير الّذي فيه للوزر أشكل أمر اللام و نصب حِمْلًا و لم يفد مزيد معنى.
[سورة طه (20): آية 102]
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ و قرأ أبو عمرو بالنون على إسناد النفخ إلى الآمر به تعظيما له أو للنافخ. و قرئ بالياء المفتوحة على أن فيه ضمير اللّه أو ضمير إسرافيل و إن لم يجر ذكره لأنه المشهور بذلك، و قرئ «في الصور» و هو جمع صورة و قد سبق بيان ذلك وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ و قرئ «و يحشر المجرمون» زُرْقاً زرق العيون وصفوا بذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين و أبغضها إلى العرب، لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم و هم زرق العين و لذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكيد، أصهب السبال، أزرق العين أو عميا، فإن حدقة الأعمى تزراق.
[سورة طه (20): الآيات 103 الى 104]
يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ يخفضون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرعب و الهول و الخفت خفض الصوت و إخفاؤه. إِنْ ما لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً أي في الدنيا يستقصرون مدة لبثهم فيها لزوالها، أو لاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد و علموا أنهم استحقوها على إضاعتها في قضاء الأوطار و اتباع الشهوات، أو في القبر لقوله وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ* إلى آخر الآيات.
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ و هو مدة لبثهم. إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أعدلهم رأيا أو عملا. إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً استرجاح لقول من يكون أشد ثقالا منهم.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 39
[سورة طه (20): الآيات 105 الى 107]
وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ عن مآل أمرها و قد سأل عنها رجل من ثقيف. فَقُلْ لهم. يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها.
فَيَذَرُها فيذر مقارها، أو الأرض و إضمارها من غير ذكر لدلالة الْجِبالِ عليها كقوله: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ . قاعاً خاليا صَفْصَفاً مستويا كأن أجزاءها على صف واحد.
لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً اعوجاجا و لا نتوا إن تأملت فيها بالقياس الهندسي، و ثلاثتها أحوال مترتبة فالأولان باعتبار الإحساس و الثالث باعتبار المقياس و لذلك ذكر العوج بالكسر و هو يخص بالمعاني، و الأمت و هو النتوء اليسير و قيل لا ترى استئناف مبين للحالين.
[سورة طه (20): الآيات 108 الى 109]
يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ نسفت على إضافة اليوم إلى وقت النسف، و يجوز أن يكون بدلا ثانيا من يوم القيامة. يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ داعي اللّه إلى المحشر، قيل هو إسرافيل يدعو الناس قائما على صخرة بيت المقدس فيقبلون من كل أوب إلى صوبه لا عِوَجَ لَهُ لا يعوج له مدعو و لا يعدل عنه. وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ خفضت لمهابته. فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً صوتا خفيا و منه الهميس لصوت أخفاف الإبل، و قد فسر الهمس بخفق أقدامهم و نقلها إلى المحشر.
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ الاستثناء من الشفاعة أي إلا شفاعة من أذن له أو من أعم المفاعيل، أي إلا من أذن في أن يشفع له فإن الشفاعة تنفعه، ف مَنْ على الأول مرفوع على البدلية و على الثاني منصوب على المفعولية و أَذِنَ يحتمل أن يكون من الاذن و من الأذن. وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا أي و رضي لمكانه عند اللّه قوله في الشفاعة أو رضي لأجله قول الشافع في شأنه، أو قوله لأجله و في شأنه.
[سورة طه (20): الآيات 110 الى 111]
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ما تقدمهم من الأحوال. وَ ما خَلْفَهُمْ و ما بعدهم مما يستقبلونه. وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و لا يحيط علمهم بمعلوماته، و قيل بذاته و قيل الضمير لأحد الموصولين أو لمجموعهما، فإنهم لم يعلموا جميع ذلك و لا تفصيل ما علموا منه.
وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ذلت و خضعت له خضوع العناة و هم الأسارى في يد الملك القهار، و ظاهرها يقتضي العموم و يجوز أن يراد بها وجوه المجرمين فتكون اللام بدل الإضافة و يؤيده. وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً و هو يحتمل الحال و الاستئناف لبيان ما لأجله عنت وجوههم.
[سورة طه (20): الآيات 112 الى 113]