کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 36
بعبادة ما هو مثل في الغباوة. فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي وعدكم إياي بالثبات على الإيمان باللّه و القيام على ما أمرتكم به، و قيل هو من أخلفت وعده إذا وجدت الخلف فيه، أي فوجدتم الخلف في وعدي لكم بالعود بعد الأربعين، و هو لا يناسب الترتيب على الترديد و لا على الشق الّذي يليه و لا جوابهم له.
[سورة طه (20): الآيات 87 الى 89]
قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا بأن ملكنا أمرنا إذ لو خلينا و أمرنا و لم يسول لنا السامري لما أخلفناه، و قرأ نافع و عاصم بِمَلْكِنا بالفتح و حمزة و الكسائي بالضم و ثلاثتها في الأصل لغات في مصدر ملكت الشيء. وَ لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ حملنا أحمالا من حلي القبط الّتي استعرناها منهم حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس. و قيل استعاروا لعيد كان لهم، ثم لم يردوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به، و قيل: هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه و لعلهم سموها أوزارا لأنها آثام، فإن الغنائم لم تكن تحل بعد أو لأنهم كانوا مستأمنين و ليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي. فَقَذَفْناها أي في النار.
فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ أي ما كان معه منها.
روي أنهم لما حسبوا أن العدة قد كملت قال لهم السامري:
إنما أخلف موسى ميعادكم لما معكم من حلي القوم و هو حرام عليكم، فالرأي أن نحفر حفيرة و نسجر فيها نارا و نقذف كل ما معنا فيها ففعلوا.
و قرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي و أبو بكر و روح حُمِّلْنا بالفتح و التخفيف.
فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً من تلك الحلي المذابة. لَهُ خُوارٌ صوت العجل. فَقالُوا يعني السامري و من افتتن به أول ما رآه. هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى فَنَسِيَ أي فنسيه موسى و ذهب يطلبه عند الطور، أو فنسي السامري أي ترك ما كان عليه من إظهار الإيمان.
أَ فَلا يَرَوْنَ أفلا يعلمون. أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا أنه لا يرجع إليهم كلاما و لا يرد عليهم جوابا.
و قرئ يَرْجِعُ بالنصب و فيه ضعف لأن أن الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين. وَ لا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً و لا يقدر على إنفاعهم و إضرارهم.
[سورة طه (20): الآيات 90 الى 91]
وَ لَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ من قبل رجوع موسى عليه الصلاة و السلام، أو قول السامري كأنه أول ما وقع عليه بصره حين طلع من الحفرة توهم ذلك و بادر تحذيرهم. يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ بالعجل. وَ إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ لا غيره. فَاتَّبِعُونِي وَ أَطِيعُوا أَمْرِي في الثبات على الدين.
قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ على العجل و عبادته. عاكِفِينَ مقيمين. حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى و هذا الجواب يؤيد الوجه الأول.
[سورة طه (20): الآيات 92 الى 94]
قالَ يا هارُونُ أي قال له موسى حين رجع. ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا بعبادة العجل.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 37
أَلَّا تَتَّبِعَنِ أن تتبعني في الغضب للّه و المقاتلة مع من كفر به، أو أن تأتي عقبي و تلحقني و «لا» مزيدة كما في قوله ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ . أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي بالصلابة في الدين و المحاماة عليه.
قالَ يَا بْنَ أُمَ خص الأم استعطافا و ترقيقا، و قيل لأنه كان أخاه من الأم و الجمهور على أنهما كانا من أب و أم. لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لا بِرَأْسِي أي بشعر رأسي قبض عليهما يجره إليه من شدة غيظه و فرط غضبه للّه، و كان عليه الصلاة و السلام حديدا خشنا متصلبا في كل شيء فلم يتمالك حين رآهم يعبدون العجل.
إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ لو قاتلت أو فارقت بعضهم ببعض. وَ لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي حين قلت اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ فإن الإصلاح كان في حفظ الدهماء و المداراة لهم إلى أن ترجع إليهم فتتدارك الأمر برأيك.
[سورة طه (20): الآيات 95 الى 96]
قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ أي ثم أقبل عليه و قال له منكرا ما خطبك أي ما طلبك له و ما الّذي حملك عليه، و هو مصدر خطب الشيء إذا طلبه.
قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ و قرأ حمزة و الكسائي بالتاء على الخطاب أي علمت بما لم تعلموه و فطنت لما لم تفطنوا له، و هو أن الرسول الّذي جاءك روحاني لا يمس أثره شيئا إلا أحياه، أو رأيت ما لم تروه و هو أن جبريل عليه الصلاة و السلام جاءك على فرس الحياة. و قيل إنما عرفه لأن أمه ألقته حين ولدته خوفا من فرعون و كان جبريل يغذوه حتى استقل. فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ من تربة موطئه و القبضة المرة من القبض فأطلق على المقبوض كضرب الأمير، و قرئ بالصاد و الأول للأخذ بجميع الكف و الثاني للأخذ بأطراف الأصابع و نحوهما الخضم و القضم، و الرسول جبريل عليه الصلاة و السلام و لعله لم يسمه لأنه لم يعرف أنه جبريل أو أراد أن ينبه على الوقت و هو حين أرسل إليه ليذهب به إلى الطور. فَنَبَذْتُها في الحلي المذاب أو في جوف العجل حتى حيي. وَ كَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي زينته و حسنته لي.
[سورة طه (20): آية 97]
قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ عقوبة على ما فعلت. أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ خوفا من أن يمسك أحد فتأخذك الحمى و من مسك فتتحامى الناس و يتحاموك و تكون طريدا وحيدا كالوحش النافر، و قرئ «لا مساس» كفجار و هو علم للمسة. وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً في الآخرة. لَنْ تُخْلَفَهُ لن يخلفكه اللّه و ينجزه لك في الآخرة بعد ما عاقبك في الدنيا، و قرأ ابن كثير و البصريان بكسر اللام أي لن تخلف الواعد إياه و سيأتيك لا محالة، فحذف المفعول الأول لأن المقصود هو الموعد و يجوز أن يكون من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا، و قرئ بالنون على حكاية قول اللّه. وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً ظللت على عبادته مقيما فحذف اللام الأولى تخفيفا، و قرئ بكسر الظاء على نقل حركة اللام إليها. لَنُحَرِّقَنَّهُ أي بالنار و يؤيده قراءة لَنُحَرِّقَنَّهُ ، أو بالمبرد على أنه مبالغة في حرق إذ برد بالمبرد و يعضده قراءة لَنُحَرِّقَنَّهُ . ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ ثم لنذرينه رمادا أو مبرودا و قرئ بضم السين. فِي الْيَمِّ نَسْفاً فلا يصادف منه شيء و المقصود من ذلك زيادة عقوبته و إظهار غباوة المفتتنين به لمن له أدنى نظر.
[سورة طه (20): آية 98]
إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (98)
.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 38
إِنَّما إِلهُكُمُ المستحق لعبادتكم. اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا أحد يماثله أو يدانيه في كمال العلم و القدرة. وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً وسع علمه كل ما يصح أن يعلم لا العجل الّذي يصاغ و يحرق و إن كان حيا في نفسه كان مثلا في الغباوة، و قرئ وَسِعَ فيكون انتصاب عِلْماً على المفعولية لأنه و إن انتصب على التمييز في المشهورة لكنه فاعل في المعنى فلما عدي الفعل بالتضعيف إلى المفعولين صار مفعولا.
[سورة طه (20): آية 99]
كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99)
كَذلِكَ مثل ذلك الاقتصاص يعني اقتصاص قصة موسى عليه الصلاة و السلام. نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ من أخبار الأمور الماضية و الأمم الدارجة تبصرة لك و زيادة في علمك و تكثيرا لمعجزاتك و تنبيها و تذكيرا للمستبصرين من أمتك. وَ قَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً كتابا مشتملا على هذه الأقاصيص و الأخبار حقيقا بالتفكر و الاعتبار، و التنكير فيه للتعظيم. و قيل ذكرا جميلا و صيتا عظيما بين الناس.
[سورة طه (20): الآيات 100 الى 101]
مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ عن الذكر الّذي هو القرآن الجامع لوجوه السعادة و النجاة و قيل عن اللّه. فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً عقوبة ثقيلة فادحة على كفره، و ذنوبه سماها وِزْراً تشبيها في ثقلها على المعاقب و صعوبة احتمالها بالحمل الّذي يفدح الحامل و ينقض ظهره، أو إثما عظيما.
خالِدِينَ فِيهِ في الوزر أو في حمله، و الجمع فيه و التوحيد في أعرض للحمل على المعنى و اللفظ.
وَ ساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا أي بئس لهم ففيه ضمير مبهم يفسره حِمْلًا ، و المخصوص بالذم محذوف أي ساء حملا وزرهم، و اللام في لَهُمْ للبيان كما في هَيْتَ لَكَ و لو جعلت ساءَ بمعنى أحزن و الضمير الّذي فيه للوزر أشكل أمر اللام و نصب حِمْلًا و لم يفد مزيد معنى.
[سورة طه (20): آية 102]
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ و قرأ أبو عمرو بالنون على إسناد النفخ إلى الآمر به تعظيما له أو للنافخ. و قرئ بالياء المفتوحة على أن فيه ضمير اللّه أو ضمير إسرافيل و إن لم يجر ذكره لأنه المشهور بذلك، و قرئ «في الصور» و هو جمع صورة و قد سبق بيان ذلك وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ و قرئ «و يحشر المجرمون» زُرْقاً زرق العيون وصفوا بذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين و أبغضها إلى العرب، لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم و هم زرق العين و لذلك قالوا في صفة العدو: أسود الكيد، أصهب السبال، أزرق العين أو عميا، فإن حدقة الأعمى تزراق.
[سورة طه (20): الآيات 103 الى 104]
يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ يخفضون أصواتهم لما يملأ صدورهم من الرعب و الهول و الخفت خفض الصوت و إخفاؤه. إِنْ ما لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً أي في الدنيا يستقصرون مدة لبثهم فيها لزوالها، أو لاستطالتهم مدة الآخرة أو لتأسفهم عليها لما عاينوا الشدائد و علموا أنهم استحقوها على إضاعتها في قضاء الأوطار و اتباع الشهوات، أو في القبر لقوله وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ* إلى آخر الآيات.
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ و هو مدة لبثهم. إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أعدلهم رأيا أو عملا. إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً استرجاح لقول من يكون أشد ثقالا منهم.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 39
[سورة طه (20): الآيات 105 الى 107]
وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ عن مآل أمرها و قد سأل عنها رجل من ثقيف. فَقُلْ لهم. يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها.
فَيَذَرُها فيذر مقارها، أو الأرض و إضمارها من غير ذكر لدلالة الْجِبالِ عليها كقوله: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ . قاعاً خاليا صَفْصَفاً مستويا كأن أجزاءها على صف واحد.
لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً اعوجاجا و لا نتوا إن تأملت فيها بالقياس الهندسي، و ثلاثتها أحوال مترتبة فالأولان باعتبار الإحساس و الثالث باعتبار المقياس و لذلك ذكر العوج بالكسر و هو يخص بالمعاني، و الأمت و هو النتوء اليسير و قيل لا ترى استئناف مبين للحالين.
[سورة طه (20): الآيات 108 الى 109]
يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ نسفت على إضافة اليوم إلى وقت النسف، و يجوز أن يكون بدلا ثانيا من يوم القيامة. يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ داعي اللّه إلى المحشر، قيل هو إسرافيل يدعو الناس قائما على صخرة بيت المقدس فيقبلون من كل أوب إلى صوبه لا عِوَجَ لَهُ لا يعوج له مدعو و لا يعدل عنه. وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ خفضت لمهابته. فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً صوتا خفيا و منه الهميس لصوت أخفاف الإبل، و قد فسر الهمس بخفق أقدامهم و نقلها إلى المحشر.
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ الاستثناء من الشفاعة أي إلا شفاعة من أذن له أو من أعم المفاعيل، أي إلا من أذن في أن يشفع له فإن الشفاعة تنفعه، ف مَنْ على الأول مرفوع على البدلية و على الثاني منصوب على المفعولية و أَذِنَ يحتمل أن يكون من الاذن و من الأذن. وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا أي و رضي لمكانه عند اللّه قوله في الشفاعة أو رضي لأجله قول الشافع في شأنه، أو قوله لأجله و في شأنه.
[سورة طه (20): الآيات 110 الى 111]
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ما تقدمهم من الأحوال. وَ ما خَلْفَهُمْ و ما بعدهم مما يستقبلونه. وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً و لا يحيط علمهم بمعلوماته، و قيل بذاته و قيل الضمير لأحد الموصولين أو لمجموعهما، فإنهم لم يعلموا جميع ذلك و لا تفصيل ما علموا منه.
وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ذلت و خضعت له خضوع العناة و هم الأسارى في يد الملك القهار، و ظاهرها يقتضي العموم و يجوز أن يراد بها وجوه المجرمين فتكون اللام بدل الإضافة و يؤيده. وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً و هو يحتمل الحال و الاستئناف لبيان ما لأجله عنت وجوههم.
[سورة طه (20): الآيات 112 الى 113]
وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ بعض الطاعات. وَ هُوَ مُؤْمِنٌ إذ الإيمان شرط في صحة الطاعات و قبول
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 40
الخيرات. فَلا يَخافُ ظُلْماً منع ثواب مستحق بالوعد وَ لا هَضْماً و لا كسرا منه بنقصان أو جزاء ظلم و هضم لأنه لم يظلم غيره و لم يهضم حقه، و قرئ «فلا يخف» على النهي.
وَ كَذلِكَ عطف على كذلك نقص أي مثل ذلك الإنزال أو مثل إنزال هذه الآيات المتضمنة للوعيد.
أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا كله على هذه الوتيرة. وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ مكررين فيه آيات الوعيد. لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ المعاصي فتصير التقوى لهم ملكة. أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً عظة و اعتبارا حين يسمعونها فتثبطهم عنها، و لهذه النكتة أسند التقوى إليهم و الإحداث إلى القرآن.
[سورة طه (20): آية 114]
فَتَعالَى اللَّهُ في ذاته و صفاته عن مماثلة المخلوقين لا يماثل كلامه كلامهم كما لا تماثل ذاته ذاتهم.
الْمَلِكُ النافذ أمره و نهيه الحقيق بأن يرجى وعده و يخشى وعيده. الْحَقُ في ملكوته يستحقه لذاته، أو الثابت في ذاته و صفاته وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ نهي عن الاستعجال في تلقي الوحي من جبريل عليه السلام و مساوقته في القراءة حتى يتم و حيه بعد ذكر الإنزال على سبيل الاستطراد. و قيل نهي عن تبليغ ما كان مجملا قبل أن يأتي بيانه. وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً أي سل اللّه زيادة العلم بدل الاستعجال فإن ما أوحى إليك تناله لا محالة.
[سورة طه (20): آية 115]
وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115)
وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ و لقد أمرناه يقال تقدم الملك إليه و أوعز إليه و عزم عليه و عهد إليه إذا أمره، و اللام جواب قسم محذوف و إنما عطف قصة آدم على قوله وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ للدلالة على أن أساس بني آدم على العصيان و عرقهم راسخ في النسيان. مِنْ قَبْلُ من قبل هذا الزمان. فَنَسِيَ العهد و لم يعن به حتى غفل عنه، أو ترك ما وصي به من الاحتراز عن الشجرة. وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً تصميم رأي و ثباتا على الأمر إذ لو كان ذا عزيمة و تصلب لم يزله الشيطان و لم يستطع تغريره، و لعل ذلك كان في بدء أمره قبل أن يجرب الأمور و يذوق شريها و أريها. و
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «لو وزنت أحلام بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه و قد قال اللّه تعالى وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ».
و قيل عزما على الذنب لأنه أخطأ و لم يتعمده و نَجِدْ و إن كان من الوجود الّذي بمعنى العلم ف لَهُ عَزْماً مفعولاه، و إن كان من الوجود المناقض للعدم فله حال من عزما أو متعلق بنجد.
[سورة طه (20): الآيات 116 الى 117]
وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ مقدر باذكر أي اذكر حاله في ذلك الوقت ليتبين لك أنه نسي و لم يكن من أولي العزيمة و الثبات. فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قد سبق القول فيه. أَبى جملة مستأنفة لبيان ما منعه من السجود و هو الاستكبار و على هذا لا يقدر له مفعول مثل السجود المدلول عليه بقوله فَسَجَدُوا لأن المعنى أظهر الإباءة عن المطاوعة.
فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما فلا يكونن سببا لإخراجكما، و المراد نهيهما عن أن يكون بحيث يتسبب الشيطان إلى إخراجهما. مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى أفرده بإسناد الشقاء إليه بعد إشراكهما في الخروج اكتفاء باستلزام شقائه شقاءها من حيث إنه قيم عليها و محافظة على الفواصل، أو لأن المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش و ذلك وظيفة الرجال و يؤيده قوله.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 41
[سورة طه (20): الآيات 118 الى 119]
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى .
وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى فإنه بيان و تذكير لما له في الجنة من أسباب الكفاية و أقطاب الكفاف الّتي هي الشبع و الري و الكسوة و السكن مستغنيا عن اكتسابها و السعي في تحصيل أغراض ما عسى ينقطع و يزول منها بذكر نقائضها، ليطرق سمعه بأصناف الشقوة المحذر عنها، و العاطف و إن ناب عن أن لكنه ناب من حيث إنه عامل لا من حيث إنه حرف تحقيق فلا يمتنع دخوله على أن امتناع دخول إن عليه. و قرأ نافع و أبو بكر وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا بكسر الهمزة و الباقون بفتحها.
[سورة طه (20): الآيات 120 الى 122]
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ فانتهى إليه وسوسته. قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ الشجرة الّتي من أكل منها خلد و لم يمت أصلا. فأضافها إلى الخلد أي الخلود لأنها سببه بزعمه. وَ مُلْكٍ لا يَبْلى لا يزول و لا يضعف.
فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أخذا يلزقان الورق على سوآتهما للتستر و هو ورق التين وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ بأكل الشجرة. فَغَوى فضل عن المطلوب و خاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة، أو عن المأمور به أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو. و قرئ «فغوى» من غوى الفصيل إذا أتخم من اللبن و في النعي عليه بالعصيان و الغواية مع صغر زلته تعظيم للزلة و زجر بليغ لأولاده عنها.
ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ اصطفاه و قربه بالحمل على التوبة و التوفيق لها من أجبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها، و أصل معنى الكلمة الجمع. فَتابَ عَلَيْهِ فقبل توبته لما تاب. وَ هَدى إلى الثبات على التوبة و التشبث بأسباب العصمة.
[سورة طه (20): الآيات 123 الى 124]
قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً الخطاب لآدم و حواء، أوله و لإبليس و لما كانا أصليّ الذرية خاطبهما مخاطبتهم فقال: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ لأمر المعاش كما عليه الناس من التجاذب و التحارب، أو لاختلال حال كل من النوعين بواسطة الآخر و يؤيد الأول قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً كتاب و رسول. فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُ في الدنيا. وَ لا يَشْقى في الآخرة.
وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي عن الهدى الذاكر لي و الداعي إلى عبادتي. فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ضيقا مصدر وصف به و لذلك يستوي فيه المذكر و المؤنث، و قرئ «ضنكى» كسكرى، و ذلك لأن مجامع همته و مطامح نظره تكون إلى أعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انتقاصها، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر و يوسع ببركة الإيمان كما قال وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا الآيات، و قيل هو الضريع و الزقوم في النار، و قيل عذاب القبر وَ نَحْشُرُهُ قرئ بسكون الهاء على لفظ الوقف و بالجزم عطفا على محل فَإِنَّ لَهُ
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 42
مَعِيشَةً ضَنْكاً لأنه جواب الشرط. يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى أعمى البصر أو القلب و يؤيد الأول.
[سورة طه (20): الآيات 125 الى 127]
قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً و قد أمالهما حمزة و الكسائي لأن الألف منقلبة من الياء، و فرق أبو عمرو بأن الأول رأس الآية و محل الوقف فهو جدير بالتغيير.
قالَ كَذلِكَ أي مثل ذلك فعلت ثم فسره فقال: أَتَتْكَ آياتُنا واضحة نيرة. فَنَسِيتَها فعميت عنها و تركتها غير منظور إليها. وَ كَذلِكَ و مثل تركك إياها. الْيَوْمَ تُنْسى تترك في العمى و العذاب.
وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ بالانهماك في الشهوات و الإعراض عن الآيات. وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ بل كذب بها و خالفها. وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ و هو الحشر على العمى، و قيل عذاب النار أي و للنار بعد ذلك أَشَدُّ وَ أَبْقى من ضنك العيش أو منه و من العمى، و لعله إذا دخل النار زال عماه ليرى محله و حاله أو مما فعله من ترك الآيات و الكفر بها.
[سورة طه (20): الآيات 128 الى 129]
أَ فَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ مسند إلى اللّه تعالى أو الرسول أو ما دل عليه. كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أي إهلاكنا إياهم أو الجملة بمضمونها، و الفعل على الأولين معلق يجري مجرى أعلم و يدل عليه القراءة بالنون.
يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ و يشاهدون آثار هلاكهم. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى لذوي العقول الناهية عن التغافل و التعامي.
وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ و هي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة. لَكانَ لِزاماً لكان مثل ما نزل بعاد و ثمود لازما لهؤلاء الكفرة، و هو مصدر وصف به أو اسم آلة سمي به اللازم لفرط لزومه كقولهم لزاز خصم. وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عطف على كلمة أي و لو لا العدة بتأخير العذاب و أجل مسمى لأعمارهم، أو لعذابهم و هو يوم القيامة أو يوم بدر لكان العذاب لزاما و الفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب، و يجوز عطفه على المستكن في كان أي لكان الأخذ العاجل و أجل مسمى لازمين له.
[سورة طه (20): آية 130]
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وصل و أنت حامد لربك على هدايته و توفيقه، أو نزهه عن الشرك و سائر ما يضيفون إليه من النقائص حامدا له على ما ميزك بالهدى معترفا بأنه المولى للنعم كلها. قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يعني الفجر. وَ قَبْلَ غُرُوبِها يعني الظهر و العصر لأنهما في آخر النهار أو العصر وحده.
وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ و من ساعاته جمع أنا بالكسر و القصر، أو أناء بالفتح و المد. فَسَبِّحْ يعني المغرب و العشاء و إنما قدم زمان الليل لاختصاصه بمزيد الفضل فإن القلب فيه أجمع و النفس أميل إلى الاستراحة فكانت العبادة فيه أحمز و لذلك قال سبحانه و تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا . وَ أَطْرافَ النَّهارِ تكرير لصلاتي الصبح و المغرب إرادة الاختصاص، و مجيئه بلفظ الجمع لأمن الإلباس كقوله: