کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 145
قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عما تقول. لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ من المشتومين أو المضروبين بالحجارة.
قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ إظهارا لما يدعو عليهم لأجله و هو تكذيب الحق لا تخويفهم له و استخفافهم عليه.
فَافْتَحْ بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ فَتْحاً فاحكم بيني و بينهم من الفتاحة. وَ نَجِّنِي وَ مَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ من قصدهم أو شؤم عملهم.
[سورة الشعراء (26): الآيات 119 الى 122]
فَأَنْجَيْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ المملوء.
ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ بعد إنجائه. الْباقِينَ من قومه.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً شاعت و تواترت. وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ .
وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ .
[سورة الشعراء (26): الآيات 123 الى 126]
كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ أنثه باعتبار القبيلة و هو في الأصل اسم أبيهم.
[سورة الشعراء (26): آية 127]
وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (127)
وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ تصدير القصص بها دلالة على أن البعثة مقصورة على الدعاء إلى معرفة الحق و الطاعة فيما يقرب المدعو إلى ثوابه و يبعده عن عقابه، و كان الأنبياء متفقين على ذلك و إن اختلفوا في بعض التفاريع مبرئين عن المطامع الدنيئة و الأغراض الدنيوية.
[سورة الشعراء (26): الآيات 128 الى 131]
أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ بكل مكان مرتفع، و منه ريع الأرض لارتفاعها. آيَةً علما للمارة. تَعْبَثُونَ ببنائها إذ كانوا يهتدون بالنجوم في أسفارهم فلا يحتاجون إليها أو بروج الحمام، أو بنيانا يجتمعون إليه للعبث بمن يمر عليهم، أو قصورا يفتخرون بها.
وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ مآخذ الماء و قيل قصورا مشيدة و حصونا. لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ فتحكمون بنيانها.
وَ إِذا بَطَشْتُمْ بسيف أو سوط. بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ متسلطين غاشمين بلا رأفة و لا قصد تأديب و نظر في العاقبة.
فَاتَّقُوا اللَّهَ بترك هذه الأشياء. وَ أَطِيعُونِ فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم.
[سورة الشعراء (26): الآيات 132 الى 135]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 146
وَ اتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ كرره مرتبا على إمداد اللّه تعالى إياهم بما يعرفونه من أنواع النعم تعليلا و تنبيها على الوعد عليه بدوام الإمداد و الوعيد على تركه بالانقطاع، ثم فصل بعض تلك النعم كما فصل بعض مساويهم المدلول عليها إجمالا بالإنكار في أَ لا تَتَّقُونَ مبالغة في الإيقاظ و الحث على التقوى فقال.
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَ بَنِينَ وَ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ ثم أوعدهم فقال.
إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ في الدنيا و الآخرة، فإنه كما قدر على الإنعام قدر على الانتقام.
[سورة الشعراء (26): الآيات 136 الى 139]
قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ فإنا لا نرعوي عما نحن عليه، و تغيير شق النفي عما تقتضيه المقابلة للمبالغة في قلة اعتدادهم بوعظه.
إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ما هذا الّذي جئتنا به إلا كذب الأوليين، أو ما خلقنا هذا إلا خلقهم نحيا و نموت مثلهم و لا بعث و لا حساب، و قرأ نافع و ابن عامر و عاصم و حمزة خُلُقُ الْأَوَّلِينَ بضمتين أي ما هذا الّذي جئت به إلا عادة الأولين كانوا يلفقون مثله، أو ما هذا الّذي نحن عليه من الدين إلا خلق الأولين و عادتهم و نحن بهم مقتدون، أو ما هذا الّذي نحن عليه من الحياة و الموت إلا عادة قديمة لم تزل الناس عليها.
وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ على ما نحن عليه.
فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ بسبب التكذيب بريح صرصر. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ .
[سورة الشعراء (26): الآيات 140 الى 148]
وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَ تُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ إنكار لأن يتركوا كذلك أو تذكير للنعمة في تخلية اللّه إياهم و أسباب تنعمهم آمنين ثم فسره بقوله:
وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ لطيف لين للطف التمر، أو لأن النخل أنثى و طلع إناث النخل ألطف و هو ما يطلع منها كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو، أو متدل منكسر من كثرة الحمل، و إفراد ال نَخْلٍ لفضله على سائر أشجار الجنات أو لأن المراد بها غيرها من الأشجار.
[سورة الشعراء (26): الآيات 149 الى 152]
وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ بطرين أو حاذقين من الفراهة و هي النشاط، فإن الحاذق يعمل
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 147
بنشاط و طيب قلب. و قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو «فرهين» و هو أبلغ من «فارهين».
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ استعير الطاعة الّتي هي انقياد الأمر لامتثال الأمر، أو نسب حكم الآمر إلى أمره مجازا.
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وصف موضح لإسرافهم و لذلك عطف: وَ لا يُصْلِحُونَ على يفسدون دلالة على خلوص فسادهم.
[سورة الشعراء (26): الآيات 153 الى 154]
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ الذين سحروا كثيرا حتى غلب على عقلهم، أو من ذوي السحر و هي الرئة أي من الأناسي فيكون ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تأكيدا له. فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواك.
[سورة الشعراء (26): الآيات 155 الى 158]
قالَ هذِهِ ناقَةٌ أي بعد ما أخرجها اللّه من الصخرة بدعائه كما اقترحوها. لَها شِرْبٌ نصيب من الماء كالسقي و ألقيت للحظ من السقي و القوت و قرئ بالضم. وَ لَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فاقتصروا على شربكم و لا تزاحموها في شربها.
وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ كضرب و عقر. فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ عظم اليوم لعظم ما يحل فيه، و هو أبلغ من تعظيم العذاب.
فَعَقَرُوها أسند العقر إلى كلهم لأن عاقرها إنما عقرها برضاهم و لذلك أخذوا جميعا. فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ على عقرها خوفا من حلول العذاب لا توبة، أو عند معاينة العذاب و لذلك لم ينفعهم.
فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ أي العذاب الموعود. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ في نفي الإيمان عن أكثرهم في هذا المعرض إيماء بأنه لو آمن أكثرهم أو شطرهم لما أخذوا بالعذاب، و أن قريشا إنما عصموا من مثله ببركة من آمن منهم.
[سورة الشعراء (26): الآيات 159 الى 166]
وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ أ تأتون من بين من عداكم من العالمين الذكران لا يشارككم فيه غيركم، أو أ تأتون الذكران من أولاد آدم مع كثرتهم و غلبة الإناث فيهم كأنهن قد أعوزنكم، فالمراد ب الْعالَمِينَ على الأول كل من ينكح و على الثاني الناس.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 148
وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ لأجل استمتاعكم. رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ للبيان إن أريد به جنس الإناث، أو للتبعيض إن أريد به العضو المباح منهن فيكون تعريضا بأنهم كانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم أيضا. بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ متجاوزون عن حد الشهوة حيث زادوا على سائر الناس بل الحيوانات، أو مفرطون في المعاصي و هذا من جملة ذاك، أو أحقاء بأن توصفوا بالعدوان لارتكابكم هذه الجريمة.
[سورة الشعراء (26): الآيات 167 الى 168]
قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ عما تدعيه أو عن نهينا و تقبيح أمرنا. لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ من المنفيين من بين أظهرنا، و لعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على عنف و سوء حال.
قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ من المبغضين غاية البغض لا أقف عن الإنكار عليه بالإبعاد، و هو أبلغ من أن يقول إِنِّي لِعَمَلِكُمْ قال لدلالته على أنه معدود في زمرتهم مشهور بأنه من جملتهم.
[سورة الشعراء (26): الآيات 169 الى 171]
رَبِّ نَجِّنِي وَ أَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ أي من شؤمه و عذابه.
فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ أهل بيته و المتبعين له على دينه بإخراجهم من بينهم وقت حلول العذاب بهم.
إِلَّا عَجُوزاً هي امرأة لوط. فِي الْغابِرِينَ مقدرة في الباقين في العذاب إذ أصابها حجر في الطريق فأهلكها لأنها كانت مائلة إلى القوم راضية بفعلهم. و قيل كائنة فيمن بقي في القرية فإنها لم تخرج مع لوط.
[سورة الشعراء (26): الآيات 172 الى 175]
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ أهلكناهم.
وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً و قيل أمطر اللّه على شذاذ القوم حجارة فأهلكهم. فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ اللام فيه للجنس حتى يصح وقوع المضاف إليه فاعل ساء و المخصوص بالذم محذوف و هو مطرهم.
[سورة الشعراء (26): الآيات 176 الى 181]
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181)
كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ الأيكة غيضة تنبت ناعم الشجر يريد غيضة بقرب مدين تسكنها طائفة فبعث اللّه إليهم شعيبا كما بعثه إلى مدين و كان أجنبيا منهم فلذلك قال:
إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ و لم يقل أخوهم شعيب. و قيل الأيكة شجر ملتف و كان شجرهم الدوم و هو المقل، و قرأ ابن كثير و نافع و ابن عامر «ليكة» بحذف الهمزة و إبقاء حركتها على اللام و قرئت كذلك مفتوحة على أنها ليكة و هي اسم بلدتهم، و إنما كتبت ها هنا و في ص بغير ألف اتباعا للفظ.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 149
أَوْفُوا الْكَيْلَ أتموه. وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ الناقصين حقوق الناس بالتطفيف.
[سورة الشعراء (26): الآيات 182 الى 184]
وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ بالميزان السوي، و هو و إن كان عربيا فإن كان من القسط ففعلاس بتكرير العين و إلا ففعلال. و قرأ حمزة و الكسائي و حفص بكسر القاف. وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ و لا تنقصوا شيئا من حقوقهم. وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بالقتل و الغارة و قطع الطريق.
وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ و ذوي الجبلة الأولين يعني من تقدمهم من الخلائق.
[سورة الشعراء (26): الآيات 185 الى 187]
قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا أتوا بالواو للدلالة على أنه جامع بين وصفين متنافيين للرسالة مبالغة في تكذيبه. وَ إِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ في دعواك.
فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ قطعة منها، و لعله جواب لما أشعر به الأمر بالتقوى من التهديد. و قرأ حفص بفتح السين. إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواك.
[سورة الشعراء (26): الآيات 188 الى 190]
قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ و بعذابه منزل عليكم ما أوجبه لكم عليه في وقته المقدر له لا محالة.
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ على نحو ما اقترحوا بأن سلط اللّه عليهم الحر سبعة أيام حتى غلت أنهارهم و أظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا. إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ .
[سورة الشعراء (26): الآيات 191 الى 196]
وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)
وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ هذا آخر القصص السبع المذكورة على سبيل الاختصار تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم و تهديدا للمكذبين به، و إطراد نزول العذاب على تكذيب الأمم بعد إنذار الرسل به، و اقتراحهم له استهزاء و عدم مبالاة به يدفع أن يقال إنه كان بسبب اتصالات فلكية أو كان إبتلاء لهم لا مؤاخذة على تكذيبهم.
وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ .
عَلى قَلْبِكَ تقرير لحقية تلك القصص و تنبيه على إعجاز القرآن و نبوة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، فإن الإخبار عنها ممن لم يتعلمها لا يكون إلا وحيا من اللّه عز و جل، و القلب إن أراد به الروح فذاك و إن أراد به العضو فتخصيصه، لأن المعاني الروحانية إنما تنزل أولا على الروح ثم تنتقل منه إلى القلب لما بينهما من التعلق، ثم تتصعد منه إلى الدماغ فينتقش بها لوح المتخيلة، و الرُّوحُ الْأَمِينُ جبريل عليه السلام فإنه أمين اللّه على وحيه. و قرأ ابن عامر و أبو بكر و حمزة و الكسائي بتشديد الزاي و نصب الرُّوحُ الْأَمِينُ . لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ عما يؤدي إلى عذاب من فعل أو ترك.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 150
بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ واضح المعنى لئلا يقولوا ما نصنع بما لا نفهمه فهو متعلق ب نَزَلَ ، و يجوز أن يتعلق بالمنذرين أي لتكون ممن أنذروا بلغة العرب و هم هود و صالح و إسماعيل و شعيب و محمّد عليهم الصلاة و السلام.
وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ و إن ذكره أو معناه لفي الكتب المتقدمة.
[سورة الشعراء (26): الآيات 197 الى 199]
أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً على صحة القرآن أو نبوة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم. أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ أن يعرفوه بنعته المذكور في كتبهم و هو تقرير لكونه دليلا. و قرأ ابن عامر تكن بالتاء و آيَةً بالرفع على أنها الاسم و الخبر لَهُمْ و أَنْ يَعْلَمَهُ بدل أو الفاعل و أَنْ يَعْلَمَهُ بدل لَهُمْ حال، أو أن الاسم ضمير القصة و آيَةً خبر أَنْ يَعْلَمَهُ و الجملة خبر تكن.
وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ كما هو زيادة في إعجازه أو بلغة العجم.
فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ لفرط عنادهم و استكبارهم، أو لعدم فهمهم و استنكافهم من اتباع العجم، و الْأَعْجَمِينَ جمع أعجمي على التخفيف و لذلك جمع جمع السلامة.
[سورة الشعراء (26): الآيات 200 الى 203]
كَذلِكَ سَلَكْناهُ أدخلناه. فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ و الضمير للكفر المدلول عليه بقوله ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ فتدل الآية على أنه بخلق اللّه، و قيل للقرآن أي أدخلناه فيها فعرفوا معانيه و إعجازه ثم لم يؤمنوا به عنادا.
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ الملجئ إلى الإيمان.
فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً في الدنيا و الآخرة. وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ بإتيانه.
فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ تحسرا و تأسفا.
[سورة الشعراء (26): الآيات 204 الى 207]
أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ فيقولون أمطر علينا حجارة من السماء، فَأْتِنا بِما تَعِدُنا* ، و حالهم عند نزول العذاب طلب النظرة.
أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ لم يغن عنهم تمتعهم المتطاول في دفع العذاب و تخفيفه.
[سورة الشعراء (26): الآيات 208 الى 209]
وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرى وَ ما كُنَّا ظالِمِينَ (209)
وَ ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ أنذروا أهلها إلزاما للحجة.
ذِكْرى تذكرة و محلها النصب على العلة أو المصدر لأنها في معنى الإنذار، أو الرفع على أنها صفة
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 151
مُنْذِرُونَ بإضمار ذوو، أو بجعلهم ذكرى لإمعانهم في التذكرة، أو خبر محذوف و الجملة اعتراضية. وَ ما كُنَّا ظالِمِينَ فنهلك غير الظالمين، أو قبل الإنذار.
[سورة الشعراء (26): الآيات 210 الى 213]
وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ كما زعم المشركون أنه من قبيل ما يلقي الشياطين على الكهنة.
وَ ما يَنْبَغِي لَهُمْ و ما يصح لهم أن يتنزلوا به. وَ ما يَسْتَطِيعُونَ و ما يقدرون.
إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لكلام الملائكة. لَمَعْزُولُونَ لأنه مشروط بمشاركة في صفاء الذات و قبول فيضان الحق و الانتقاش بالصور الملكوتية، و نفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لا تقبل ذلك و القرآن مشتمل على حقائق و مغيبات لا يمكن تلقيها إلا من الملائكة.
فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ تهييج لازدياد الإخلاص و لطف لسائر المكلفين.
[سورة الشعراء (26): الآيات 214 الى 216]
وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الأقرب منهم فالأقرب فإن الاهتمام بشأنهم أهم.
روي أنه لما نزلت صعد الصفا و ناداهم فخذا فخذا حتى اجتمعوا إليه فقال: «لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أ كنتم مصدقيّ» قالوا نعم قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد».
وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لين جانبك لهم مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط، و مِنَ للتبيين لأن من اتبع أعم ممن اتبع لدين أو غيره، أو للتبعيض على أن المراد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المشارفون للإيمان أو المصدقون باللسان.
فَإِنْ عَصَوْكَ و لم يتبعوك. فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ مما تعملونه أو من أعمالكم.
[سورة الشعراء (26): الآيات 217 الى 220]
وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الّذي يقدر على قهر أعدائه و نصر أوليائه يكفك شر من يعصيك منهم و من غيرهم. و قرأ نافع و ابن عامر «فتوكل» على الإبدال من جواب الشرط.
الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ إلى التهجد.
وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ و ترددك في تصفح أحوال المجتهدين
كما روي أنه عليه السلام لما نسخ قيام فرض الليل طاف عليه السلام تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم، فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع بها من دندنتهم بذكر اللّه و تلاوة القرآن. أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام و الركوع و السجود و القعود إذا أممتهم، و إنما وصفه اللّه تعالى بعلمه بحاله الّتي بها يستأهل ولايته بعد وصفه بأن من شأنه قهر أعدائه و نصر أوليائه تحقيقا للتوكل و تطمينا لقلبه عليه.
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لما تقوله. الْعَلِيمُ بما تنويه.
[سورة الشعراء (26): الآيات 221 الى 223]