کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 163
قالُوا أي قال بعضهم لبعض. تَقاسَمُوا بِاللَّهِ أمر مقول أو خبر وقع بدلا أو حالا بإضمار قد.
لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ لنباغتن صالحا و أهله ليلا. و قرأ حمزة و الكسائي بالتاء على خطاب بعضهم لبعض، و قرئ بالياء على أن تقاسموا خبر. ثُمَّ لَنَقُولَنَ فيه القراءات الثلاث. لِوَلِيِّهِ لولي دمه. ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ فضلا أن تولينا إهلاكهم، و هو يحتمل المصدر و الزمان و المكان و كذا مَهْلِكَ في قراءة حفص فإن مفعلا قد جاء مصدرا كمرجع. و قرأ أبو بكر بالفتح فيكون مصدرا. وَ إِنَّا لَصادِقُونَ و نحلف إنا لصادقون، أو و الحال إِنَّا لَصادِقُونَ فيما ذكرنا لأن الشاهد للشيء غير المباشر له عرفا، أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده بل مهلكه و مهلكهم كقولك ما رأيت ثمة رجلا بل رجلين.
[سورة النمل (27): الآيات 50 الى 51]
وَ مَكَرُوا مَكْراً بهذه المواضعة. وَ مَكَرْنا مَكْراً بأن جعلناها سببا لإهلاكهم. وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ بذلك،
روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه فقالوا: زعم أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنفرغ منه و من أهله قبل الثلاث، فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه، فوقع عليهم صخرة حيالهم فطبقت عليهم فم الشعب فهلكوا ثمة و هلك الباقون في أماكنهم بالصيحة
كما أشار إليه قوله:
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ و كانَ إن جعلت ناقصة فخبرها كَيْفَ و أَنَّا دَمَّرْناهُمْ استئناف أو خبر محذوف لا خبر كانَ لعدم العائد، و إن جعلتها تامة ف- كَيْفَ حال. و قرأ الكوفيون و يعقوب أَنَّا دَمَّرْناهُمْ بالفتح على أنه خبر محذوف أو بدل من اسم كانَ أو خبر له و كَيْفَ حال.
[سورة النمل (27): الآيات 52 الى 53]
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً خالية من خوى البطن إذا خلا، أو ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط، و هي حال عمل فيها معنى الإشارة. و قرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. بِما ظَلَمُوا بسبب ظلمهم.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فيتعظون.
وَ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا صالحا و من معه. وَ كانُوا يَتَّقُونَ الكفر و المعاصي فلذلك خصوا بالنجاة.
[سورة النمل (27): الآيات 54 الى 55]
وَ لُوطاً و اذكر لوطا، أو و أرسلنا لوطا لدلالة و لقد أرسلنا عليه. إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ بدل على الأول و ظرف على الثاني. أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ تعلمون فحشها من بصر القلب و اقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح، أو يبصرها بعضكم من بعض لأنهم كانوا يعلنون بها فتكون أفحش.
أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً بيان لإتيانهم الفاحشة و تعليله بالشهوة للدلالة على قبحه، و التنبيه على أن الحكمة في المواقعة طلب النسل لا قضاء الوطر. مِنْ دُونِ النِّساءِ اللاتي خلقن لذلك. بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ تفعلون فعل من يجهل قبحها، أو يكون سفيها لا يميز بين الحسن و القبيح، أو تجهلون العاقبة و التاء فيه لكون الموصوف به في معنى المخاطب.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 164
[سورة النمل (27): الآيات 56 الى 58]
فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ أي يتنزهون عن أفعالنا، أو عن الأقذار و يعدون فعلنا قذرا.
فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ قدرنا كونها من الباقين في العذاب.
وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ مر مثله.
[سورة النمل (27): آية 59]
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى أمر رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم. بعد ما قص عليه القصص الدالة على كمال قدرته و عظم شأنه و ما خص به رسله من الآيات الكبرى و الانتصار من العدا- بتحميده و السلام على المصطفين من عباده شكرا على ما أنعم عليهم، أو علمه ما جهل من أحوالهم و عرفانا لفضلهم و حق تقدمهم و اجتهادهم في الدين، أو لوطا بأن يحمده على هلاك كفرة قومه و يسلم على من اصطفاه بالعصمة من الفواحش و النجاة من الهلاك. آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ إلزام لهم و تهكم بهم و تسفيه لرأيهم، إذ من المعلوم أن لا خير فيما أشركوه رأسا حتى يوازن بينه و بين من هو مبدأ كل خير. و قرأ أبو عمرو و عاصم و يعقوب بالياء.
[سورة النمل (27): آية 60]
أَمَّنْ بل أمن خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ الّتي هي أصول الكائنات و مبادئ المنافع. و قرأ «أمن» بالتخفيف على أنه بدل من اللّه. وَ أَنْزَلَ لَكُمْ لأجلكم. مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ عدل به من الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته، و التنبيه على أن إنبات الحدائق البهية المختلفة الأنواع المتباعدة الطباع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره كما أشار إليه بقوله: ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها شجر الحدائق و هي البساتين من الإحداق و هو الإحاطة. أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ أغيره يقرن به و يجعل له شريكا، و هو المنفرد بالخلق و التكوين. و قرئ «أ إلها» بإضمار فعل مثل أ تدعون أو أ تشركون و بتوسيط مدة بين الهمزتين و إخراج الثانية بين بين. بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ عن الحق الّذي هو التوحيد.
[سورة النمل (27): آية 61]
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً بدل من أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ و جعلها قرارا بإبداء بعضها من الماء و تسويتها بحيث يتأتى استقرار الإنسان و الدواب عليها. وَ جَعَلَ خِلالَها وسطها. أَنْهاراً جارية. وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ جبالا تتكون فيها المعادن و تنبع من حضيضها المنابع. وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ العذب و المالح، أو خليجي فارس و الروم. حاجِزاً برزخا و قد مر بيانه في سورة «الفرقان». أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الحق فيشركون به.
[سورة النمل (27): الآيات 62 الى 63]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 165
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ المضطر الّذي أحوجه شدة ما به إلى اللجإ إلى اللّه تعالى من الاضطرار، و هو افتعال من الضرورة و اللام فيه للجنس لا للاستغراق فلا يلزم منه إجابة كل مضطر. وَ يَكْشِفُ السُّوءَ و يدفع عن الإنسان ما يسوءه. وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ خلفاء فيها بأن ورثكم سكناها و التصرف فيها ممن قبلكم. أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ الّذي خصكم بهذه النعم العامة و الخاصة. قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ أي تذكرون آلاءه تذكرا قليلا، و ما مزيدة و المراد بالقلة العدم أو الحقارة المزيحة للفائدة. و قرأ أبو عمرو و هشام و روح بالياء و حمزة و الكسائي و حفص بالتاء و تخفيف الذال.
أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بالنجوم و علامات الأرض، و ال ظُلُماتِ ظلمات الليالي و إضافتها إلى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ للملابسة، أو مشتبهات الطرق يقال طريقة ظلماء و عمياء للتي لا منار بها. وَ مَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يعني المطر، و لو صح أن السبب الأكثر في تكون الرياح معاودة الأدخنة الصاعدة من الطبقة الباردة لانكسار حرها و تمويجها الهواء فلا شك أن الأسباب الفاعلية و القابلية لذلك من خلق اللّه تعالى، و الفاعل للسبب فعل للمسبب. أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ يقدر على مثل ذلك. تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ تعالى اللّه القادر الخالق عن مشاركة العاجز المخلوق.
[سورة النمل (27): آية 64]
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ و الكفرة و إن أنكروا الإعادة فهم محجوجون بالحجج الدالة عليها. وَ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أي بأسباب سماوية و أرضية. أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ يفعل ذلك. قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ على أن غيره يقدر على شيء من ذلك. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في إشراككم فإن كمال القدرة من لوازم الألوهية.
[سورة النمل (27): آية 65]
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ لما بين اختصاصه تعالى بالقدرة التامة الفائقة العامة أتبعه ما هو كاللازم له، و هو التفرد بعلم الغيب و الاستثناء منقطع، و رفع المستثنى على اللغة التميمية للدلالة على أنه تعالى إن كان ممن في السموات و الأرض ففيها من يعلم الغيب مبالغة في نفيه عنهم، أو متصل على أن المراد ممن في السموات و الأرض من تعلق علمه بها و اطلع عليها اطلاع الحاضر فيها، فإنه يعم اللّه تعالى و أولي العلم من خلقه و هو موصول أو موصوف. وَ ما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ متى ينشرون مركبة من «أي» «و آن»، و قرئت بكسر الهمزة و الضمير لمن و قيل للكفرة.
[سورة النمل (27): آية 66]
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (66)
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ لما نفى عنهم علم الغيب و أكد ذلك بنفي شعورهم بما هو مآلهم لا محالة بالغ فيه، بأن أضرب عنه و بين أن ما انتهى و تكامل فيه أسباب علمهم من الحجج و الآيات و هو أن القيامة كائنة لا محالة لا يعلمونه كما ينبغي. بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلا.
بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم، و هذا و إن اختص بالمشركين ممن في السموات
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 166
و الأرض نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل، و الإضرابات الثلاث تنزيل لأحوالهم، و قيل الأول إضراب عن نفي الشعور بوقت القيامة عنهم إلى وصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكما بهم، و قيل أدرك بمعنى انتهى و اضمحل من قولهم أدركت الثمرة لأن تلك غايتها الّتي عندها تعدم. و قرأ نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائي و حفص بَلِ ادَّارَكَ بمعنى تتابع حتى استحكم، أو تتابع حتى انقطع من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك، و أبو بكر «ادّرك» و أصلهما تفاعل و افتعل. و قرئ «أأدرك» و «أم أدرك» بهمزتين «و ءاأدرك» بألف بينهما و «بل أدرك» و «بل تدارك» و «بلى أأدرك» و «بلى أأدرك» و «أم أدرك» و «أم تدارك»، و ما فيه استفهام صريح أو مضمن من ذلك فإنكار و ما فيه بلى فإثبات لشعورهم و تفسير له بالإدراك على التهكم، و ما بعده إضراب عن التفسير مبالغة في نفيه و دلالة على أن شعورهم بها أنهم شاكون فيها بَلِ إنهم مِنْها عَمُونَ أو رد و إنكار لشعورهم.
[سورة النمل (27): الآيات 67 الى 68]
وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَ إِذا كُنَّا تُراباً وَ آباؤُنا أَ إِنَّا لَمُخْرَجُونَ كالبيان لعمههم و العامل في إذا ما دل عليه أَ إِنَّا لَمُخْرَجُونَ ، و هو نخرج لا مخرجون لأن كلا من الهمزة و إن و اللام مانعة من عمله فيما قبلها، و تكرير الهمزة للمبالغة في الإنكار، و المراد بالإخراج الإخراج من الأجداث أو من حال الفناء إلى الحياة، و قرأ نافع «إذا كنا» بهمزة واحدة مكسورة، و قرأ ابن عامر و الكسائي «إننا لمخرجون» بنونين على الخبر.
لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ من قبل وعد محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، و تقديم هذا على نحن لأن المقصود بالذكر هو البعث و حيث أخر فالمقصود به المبعوث. إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الّتي هي كالأسمار.
[سورة النمل (27): الآيات 69 الى 70]
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ تهديد لهم على التكذيب و تخويف بأن ينزل بهم مثل ما نزل بالمكذبين قبلهم، و التعبير عنهم ب الْمُجْرِمِينَ ليكون لطفا بالمؤمنين في ترك الجرائم.
وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ على تكذبيهم و إعراضهم. وَ لا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ في حرج صدر، و قرأ ابن كثير بكسر الضاد و هما لغتان، و قرئ ضيق أي أمر ضيق. مِمَّا يَمْكُرُونَ من مكرهم فإن اللّه يعصمك من الناس.
[سورة النمل (27): الآيات 71 الى 72]
وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ العذاب الموعود. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ .
قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ تبعكم و لحقكم، و اللام مزيدة للتأكيد أو الفعل مضمن معنى فعل يتعدى باللام مثل دنا. و قرئ بالفتح و هو لغة فيه. بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ حلوله و هو عذاب يوم بدر، و عسى و لعل و سوف في مواعيد الملوك كالجزم بها و إنما يطلقونها إظهارا لوقارهم و إشعارا بأن الرمز منهم كالتصريح من غيرهم و عليه جرى وعد اللّه تعالى و وعيده.
[سورة النمل (27): الآيات 73 الى 75]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 167
وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ لتأخير عقوبتهم على المعاصي، و الفضل و الفاضلة الأفضال و جمعها فضول و فواضل. وَ لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ لا يعرفون حق النعمة فيه فلا يشكرونه بل يستعجلون بجهلهم وقوعه.
وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ما تخفيه و قرئ بفتح التاء من كننت أي سترت. وَ ما يُعْلِنُونَ من عداوتك فيجازيهم عليه.
وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ خافية فيهما، و هما من الصفات الغالبة و التاء فيهما للمبالغة كما في الراوية، أو اسمان لما يغيب و يخفى كالتاء في عافية و عاقبة. إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ بين أو مُبِينٍ ما فيه لما يطالعه، و المراد اللوح أو القضاء على الاستعارة.
[سورة النمل (27): الآيات 76 الى 78]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ كالتشبيه و التنزيه و أحوال الجنة و النار و عزير و المسيح.
وَ إِنَّهُ لَهُدىً وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فإنهم المنتفعون به.
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بين بني إسرائيل. بِحُكْمِهِ بما يحكم به و هو الحق، بحكمته و يدل عليه أنه قرئ بحكمه. وَ هُوَ الْعَزِيزُ فلا يرد قضاؤه. الْعَلِيمُ بحقيقة ما يقضي فيه، و حكمه.
[سورة النمل (27): الآيات 79 الى 81]
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ و لا تبال بمعاداتهم. إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ و صاحب الحق حقيق بالوثوق بحفظ اللّه و نصره.
إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى تعليل آخر للأمر بالتوكل من حيث إنه يقطع طعمه عن مشايعتهم و معاضدتهم رأسا، و إنما شبهوا بالموتى لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم كما شبهوا بالصم في قوله: وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ فإن إسماعهم في هذه الحالة أبعد. و قرأ ابن كثير وَ لا يَسْمَعُ الصُّمُ .
وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ حيث الهداية لا تحصل إلا بالبصر. و قرأ حمزة وحده «و ما أنت تهدي العمي». إِنْ تُسْمِعُ أي ما يجدي إسماعك. إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا من هو في علم اللّه كذلك.
فَهُمْ مُسْلِمُونَ مخلصون من أسلم وجهة للّه.
[سورة النمل (27): آية 82]
وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ إذا دنا وقوع معناه و هو ما وعدوا به من البعث و العذاب. أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ و هي الجساسة روي أن طولها ستون ذراعا و لها أربع قوائم و زغب و ريش و جناحان، لا يفوتها
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 168
هارب و لا يدركها طالب. و
روي أنه عليه الصلاة و السلام سئل من أين مخرجها فقال: من أعظم المساجد حرمة على اللّه، يعني المسجد الحرام.
تُكَلِّمُهُمْ من الكلام، و قيل من الكلم إذ قرئ «تكلمهم». و
روي أنها تخرج و معها عصا موسى و خاتم سليمان عليهما الصلاة و السلام، فتنكت بالعصا في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فيبيض وجهه، و بالخاتم في أنف الكافر نكتة سوداء فيسود وجهه.
أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا خروجها و سائر أحوالها فإنها من آيات اللّه تعالى، و قيل القرآن، و قرأ الكوفيون أن الناس بالفتح. لا يُوقِنُونَ لا يتيقنون، و هو حكاية معنى قولها أو حكايتها لقول اللّه عز و جل أو علة خروجها، أو تكلمها على حذف الجار.
[سورة النمل (27): الآيات 83 الى 85]
وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً يعني يوم القيامة. مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا بيان للفوج أي فوجا مكذبين، و مِنْ الأولى للتبعيض لأن أمة كل نبي و أهل كل قرن شامل للمصدقين و المكذبين. فَهُمْ يُوزَعُونَ يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا، و هو عبارة عن كثرة عددهم و تباعد أطرافهم.
حَتَّى إِذا جاؤُ إلى المحشر. قالَ أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَ لَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً الواو للحال أي أ كذبتم بها بادئ الرأي غير ناظرين فيها نظرا يحيط علمكم بكنهها و أنها حقيقة بالتصديق أو التكذيب، أو للعطف أي أجمعتم بين التكذيب بها و عدم إلقاء الأذهان لتحققها. أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أم أي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك، و هو للتبكيت إذ لم يفعلوا غير التكذيب من الجهل فلا يقدرون أن يقولوا فعلنا غير ذلك.
وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ حل بهم العذاب الموعود و هو كبهم في النار بعد ذلك. بِما ظَلَمُوا بسبب ظلمهم و هو التكذيب بآيات اللّه. فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ باعتذار لشغلهم بالعذاب.
[سورة النمل (27): آية 86]
أَ لَمْ يَرَوْا ليتحقق لهم التوحيد و يرشدهم إلى تجويز الحشر و بعثة الرسل، لأن تعاقب النور و الظلمة على وجه مخصوص غير متعين بذاته لا يكون إلا بقدرة قاهر، و أن من قدر على إبدال الظلمة بالنور في مادة واحدة قدر على إبدال الموت بالحياة في مواد الأبدان، و أن من جعل النهار ليبصروا فيه سببا من أسباب معاشهم لعله لا يخل بما هو مناط جميع مصالحهم في معاشهم و معادهم. أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ بالنوم و القرار. وَ النَّهارَ مُبْصِراً فإن أصله ليبصروا فيه فبولغ فيه بجعل الإبصار حالا من أحواله المجعول عليها بحيث لا ينفك عنها. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لدلالتها على الأمور الثلاثة.
[سورة النمل (27): آية 87]
وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ في الصور أو القرن، و قيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق. فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ من الهول و عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه. إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ أن لا يفزع بأن يثبت قلبه. قيل هم جبريل و ميكائيل و إسرافيل و عزرائيل، و قيل الحور و الخزنة و حملة العرش، و قيل الشهداء، و قيل موسى عليه الصلاة و السلام لأنه صعق مرة و لعل المراد ما يعم ذلك.
وَ كُلٌّ أَتَوْهُ حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية، أو راجعون إلى أمره و قرأ حمزة و حفص أَتَوْهُ على
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 169
الفعل، و قرئ «أتاه» على التوحيد للفظ الكل. داخِرِينَ صاغرين و قرئ «دخرين».
[سورة النمل (27): آية 88]
وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً ثابتة في مكانها. وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ في السرعة، و ذلك لأن الأجرام الكبار إذا تحركت في سمت واحد لا تكاد تبين حركتها. صُنْعَ اللَّهِ مصدر مؤكد لنفسه و هو لمضمون الجملة المتقدمة كقوله وَعَدَ اللَّهُ* . الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ أحكم خلقه و سواه على ما ينبغي. إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ عالم بظواهر الأفعال و بواطنها فيجازيكم عليها كما قال:
[سورة النمل (27): الآيات 89 الى 90]
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها إذ ثبت له الشريف بالخسيس و الباقي بالفاني و سبعمائة بواحدة، و قيل خَيْرٌ مِنْها أي خير حاصل من جهتها و هو الجنة، و قرأ ابن كثير و أبو عمر و هشام خبير بما يفعلون بالياء و الباقون بالتاء. وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ يعني به خوف عذاب يوم القيامة، و بالأول ما يلحق الإنسان من التهيب لما يرى من الأهوال و العظائم و لذلك يعم الكافر و المؤمن، و قرأ الكوفيون بالتنوين لأن المراد فزع واحد من أفزاع ذلك اليوم، و آمن يتعدى بالجار و بنفسه كقوله أَ فَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ* . و قرأ الكوفيون و نافع يَوْمَئِذٍ بفتح الميم و الباقون بكسرها.
وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ قيل بالشرك. فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ فكبوا فيها على وجوههم، و يجوز أن يراد بالوجوه أنفسهم كما أريدت بالأيدي في قوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ* . هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ على الالتفات أو بإضمار القول أي قيل لهم ذلك.
[سورة النمل (27): الآيات 91 الى 92]
إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها أمر الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يقول لهم ذلك بعد ما بين المبدأ و المعاد و شرح أحوال القيامة، إشعارا بأنه قد أتم الدعوة و قد كملت و ما عليه بعد إلا الاشتغال بشأنه و الاستغراق في عبادة ربه، و تخصيص مكة بهذه الإضافة تشريف لها و تعظيم لشأنها و قرئ «الّتي حرمها».
وَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ خلقا و ملكا. وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ المنقادين أو الثابتين على ملة الإسلام.
وَ أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ و أن أواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئا فشيئا، أو اتباعه و قرئ «و اتل عليهم» «و أن اتل». فَمَنِ اهْتَدى باتباعه إياي في ذلك، فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ فإن منافعه عائدة إليه.
وَ مَنْ ضَلَ بمخالفتي. فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ فلا علي من وبال ضلاله شيء إذ ما على الرسول إلا البلاغ و قد بلغت.
[سورة النمل (27): آية 93]