کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 175
عقيبه فأخذوا في الآخرين.
[سورة القصص (28): الآيات 23 الى 24]
وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وصل إليه و هو بئر كانوا يسقون منها. وَجَدَ عَلَيْهِ وجد فوق شفيرها. أُمَّةً مِنَ النَّاسِ جماعة كثيرة مختلفين. يَسْقُونَ مواشيهم. وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ في مكان أسفل من مكانهم.
امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ تمنعان أغنامهما عن الماء لئلا تختلط بأغنامهم. قالَ ما خَطْبُكُما ما شأنكما تذودان.
قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ تصرف الرعاة مواشيهم عن الماء حذرا عن مزاحمة الرجال، و حذف المفعول لأن الغرض هو بيان ما يدل على عفتهما و يدعوه إلى السقي لهما ثم دونه. و قرأ أبو عمرو و ابن عامر يُصْدِرَ أي ينصرف. و قرئ «الرعاء» بالضم و هو اسم جمع كالرخال. وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ كبير السن لا يستطيع أن يخرج للسقي فيرسلنا اضطرارا.
فَسَقى لَهُما مواشيهما رحمة عليهما. قيل كانت الرعاة يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال أو أكثر فأقله وحده مع ما كان به من الوصب و الجوع و جراحة القدم، و قيل كانت بئرا أخرى عليها صخرة فرفعها و استقى منها. ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَ لأي شيء أنزلت إلي.
مِنْ خَيْرٍ قليل أو كثير و حمله الأكثرون على الطعام. فَقِيرٌ محتاج سائل و لذلك عدي باللام، و قيل معناه إني لما أنزلت إلى من خير الدين صرت فقيرا في الدنيا، لأنه كان في سعة عند فرعون و الغرض منه إظهار التبجح و الشكر على ذلك.
[سورة القصص (28): الآيات 25 الى 26]
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ أي مستحيية متخفرة. قيل كانت الصغرى منهما و قيل الكبرى و اسمها صفوراء أو صفراء و هي الّتي تزوجها موسى عليه السلام. قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ ليكافئك.
أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا جزاء سقيك لنا، و لعل موسى عليه الصلاة و السلام إنما أجابها ليتبرك برؤية الشيخ و يستظهر بمعرفته لا طمعا في الأجر، بل
روي أنه لما جاءه قدم إليه طعاما فامتنع عنه و قال: إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا حتى قال له شعيب عليه الصلاة و السلام: هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا. هذا و أن كل من فعل معروفا فأهدي بشيء لم يحرم أخذه.
فَلَمَّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يريد فرعون و قومه.
قالَتْ إِحْداهُما يعني الّتي استدعته. يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ لرعي الغنم. إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ تعيل شائع يجري مجرى الدليل على أنه حقيق بالاستئجار و للمبالغة فيه، جعل خَيْرَ اسما و ذكر الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه امرؤ مجرب معروف.
روي أن شعيبا قال لها و ما أعلمك بقوته و أمانته فذكرت إقلال الحجر و أنه صوب رأسه حتى بلغته رسالته و أمرها بالمشي خلفه.
[سورة القصص (28): الآيات 27 الى 28]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 176
قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي أي تأجر نفسك مني أو تكون لي أجيرا، أو تثيبني من أجرك اللّه. ثَمانِيَ حِجَجٍ ظرف على الأولين و مفعول به على الثالث بإضمار مضاف أي رعية ثماني حجج. فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً عملت عشر حجج. فَمِنْ عِنْدِكَ فإتمامه من عندك تفضلا لا من عندي إلزاما عليك. و هذا استدعاء العقد لا نفسه، فلعله جرى على أجرة معينة و بمهر آخر أو برعية الأجل الأول و وعد له أن يوفي الأخير إن تيسر له قبل العقد، و كانت الأغنام للمزوجة مع أنه يمكن اختلاف الشرائع في ذلك. وَ ما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ بإلزام إتمام العشر أو المناقشة في مراعاة الأوقات و استيفاء الأعمال، و اشتقاق المشقة من الشق فإن ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك في إطاقته و رأيك في مزاولته. سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ في حسن المعاملة و لين الجانب و الوفاء بالمعاهدة.
قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أي ذلك الّذي عاهدتني فيه قائم بيننا لا نخرج عنه. أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ أطولهما أو أقصرهما. قَضَيْتُ وفيتك إياه. فَلا عُدْوانَ عَلَيَ لا تعتدي علي بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثمان، أو فلا أكون متعديا بترك الزيادة عليه كقولك لا إثم علي، و هو أبلغ في إثبات الخيرة و تساوي الأجلين في القضاء من أن يقال إن قضيت الأقصر فلا عدوان علي. و قرئ «أيما» كقوله:
تنظّرت نصرا و السماكين أيّما
عليّ من الغيث استهلّت مواطره
و أي الأجلين ما قضيت فتكون ما مزيدة لتأكيد الفعل أي: أي الأجلين جردت عزمي لقضائه، و عدوان بالكسر. وَ اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ من المشارطة. وَكِيلٌ شاهد حفيظ.
[سورة القصص (28): آية 29]
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ بامرأته. روي أنه قضى أقصى الأجلين و مكث بعد ذلك عنده عشرا أخرى ثم عزم على الرجوع. آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً أبصر من الجهة الّتي تلي الطور. قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ بخبر الطريق. أَوْ جَذْوَةٍ عود غليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن.
قال:
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها
جزل الجذى غير خوار و لا دعر
و قال آخر:
و ألقى على قبس من النّار جذوة
شديدا عليه حرّها و التهابها
و لذلك بينه بقوله: مِنَ النَّارِ و قرأ عاصم بالفتح و حمزة بالضم و كلها لغات. لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ تستدفئون بها.
[سورة القصص (28): الآيات 30 الى 31]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 177
فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ أتاه النداء من الشاطئ الأيمن لموسى. فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ متصل بالشاطئ أو صلة ل نُودِيَ . مِنَ الشَّجَرَةِ بدل من شاطئ بدل الاشتمال لأنها كانت ثابتة على الشاطئ. أَنْ يا مُوسى أي يا موسى. إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ هذا و إن خالف ما في «طه» «و النمل» لفظا فهو طبقه في المقصود.
وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ أي فألقاها فصارت ثعبانا و اهتزت فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ . كَأَنَّها جَانٌ في الهيئة و الجثة أو في السرعة. وَلَّى مُدْبِراً منهزما من الخوف. وَ لَمْ يُعَقِّبْ و لم يرجع. يا مُوسى نودي يا موسى. أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ من المخاوف، فإنه لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ* .
[سورة القصص (28): آية 32]
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ أدخلها. تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ عيب. وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى و بالعكس، أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر و هو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة و مبدأ لظهور معجزة، و يجوز أن يراد بالضم التجلد و الثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه و إذا أمن و اطمأن ضمهما إليه. مِنَ الرَّهْبِ من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا و ضبطا لنفسك. و قرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و أبو بكر بضم الراء و سكون الهاء، و قرئ بضمهما، و قرأ حفص بالفتح و السكون و الكل لغات. فَذانِكَ إشارة إلى العصا و اليد، و شدده ابن كثير و أبو عمرو و رويس. بُرْهانانِ حجتان و برهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض، و يقال برهاء و برهرهة للمرأة البيضاء و قيل فعلال لقولهم برهن. مِنْ رَبِّكَ مرسلا بهما. إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فكانوا أحقاء بأن يرسل إليهم.
[سورة القصص (28): الآيات 33 الى 35]
قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ بها.
وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً معينا و هو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء، و قرأ نافع «ردا» بالتخفيف. يُصَدِّقُنِي بتخليص الحق و تقرير الحجة و تزييف الشبهة. إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ و لساني لا يطاوعني عند المحاجة، و قيل المراد تصديق القوم لتقريره و توضيحه لكنه أسند إليه إسناد الفعل إلى السبب، و قرأ عاصم و حمزة يُصَدِّقُنِي بالرفع على أنه صفة و الجواب محذوف.
قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ سنقويك به فإن قوة الشخص بشدة اليد على مزاولة الأمور، و لذلك يعبر عنه باليد و شدتها بشدة العضد. وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً غلبة أو حجة. فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما باستيلاء أو حجاج. بِآياتِنا متعلق بمحذوف أي اذهبا بآياتنا، أو ب نَجْعَلُ أي نسلطكما بها، أو بمعنى «لا يصلون» أي تمتنعون منهم، أو قسم جوابه «لا يصلون»، أو بيان ل الْغالِبُونَ في قوله: أَنْتُما وَ مَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ بمعنى أنه صلة لما بينه أو صلة له على أن اللام فيه للتعريف لا بمعنى الّذي.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 178
[سورة القصص (28): الآيات 36 الى 37]
فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً سحر تختلقه لم يفعل قبل مثله، أو سحر تعمله ثم تفتريه على اللّه؛ أو سحر موصوف بالافتراء كسائر أنواع السحر. وَ ما سَمِعْنا بِهذا يعنون السحر أو ادعاء النبوة. فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ كائنا في أيامهم.
وَ قالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ فيعلم أني محق و أنتم مبطلون. و قرأ ابن كثير «قال» بغير واو لأنه قال ما قاله جوابا لمقالهم، و وجه العطف أن المراد حكاية القولين ليوازن الناظر بينهما فيميز صحيحهما من الفاسد. وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ العاقبة المحمودة فإن المراد بالدار الدنيا و عاقبتها الأصلية هي الجنة لأنها خلقت مجازا إلى الآخرة، و المقصود منها بالذات هو الثواب و العقاب إنما قصد بالعرض.
و قرأ حمزة و الكسائي يكون بالياء. إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ لا يفوزون بالهدى في الدنيا و حسن العاقبة في العقبى.
[سورة القصص (28): الآيات 38 الى 40]
وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي نفى علمه بإله غيره دون وجوده إذ لم يكن عنده ما يقتضي الجزم بعدمه، و لذلك أمر ببناء الصرح ليصعد إليه و يتطلع على الحال بقوله: فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى كأنه توهم أنه لو كان لكان جسما في السماء يمكن الترقي إليه ثم قال: وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ أو أراد أن يبني له رصدا يترصد منه أوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثة رسول و تبدل دولة، و قيل المراد بنفي العلم نفي المعلوم كقوله تعالى:
أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ فإن معناه بما ليس فيهن، و هذا من خواص العلوم الفعلية فإنها لازمة لتحقق معلوماتها فيلزم من انتفائها انتفاؤها، و لا كذلك العلوم الانفعالية، قيل أول من اتخذ الآجر فرعون و لذلك أمر باتخاذه على وجه يتضمن تعليم الصنعة مع ما فيه من تعظم؛ و لذلك نادى هامان باسمه بيا في وسط الكلام.
وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ بغير استحقاق. وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ بالنشور.
و قرأ نافع و حمزة و الكسائي بفتح الياء و كسر الجيم.
فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ كما مر بيانه، و فيه فخامة و تعظيم لشأن الآخذ و استحقار للمأخوذين كأنه أخذهم مع كثرتهم في كف و طرحهم في اليم، و نظيره: وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ . فَانْظُرْ يا محمّد. كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ و حذر قومك عن مثلها.
[سورة القصص (28): الآيات 41 الى 42]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 179
وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً قدوة للضلال بالحمل على الإضلال، و قيل بالتسمية كقوله تعالى: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ، أو بمنع الألطاف الصارفة عنه. يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ إلى موجباتها من الكفر و المعاصي. وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ بدفع العذاب عنهم.
وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً طردا عن الرحمة، أو لعن اللاعنين يلعنهم الملائكة و المؤمنون. وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ من المطرودين، أو ممن قبح وجوههم.
[سورة القصص (28): آية 43]
وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التوراة. مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى أقوام نوح و هود و صالح و لوط.
بَصائِرَ لِلنَّاسِ أنوارا لقلوبهم تتبصر بها الحقائق و تميز بين الحق و الباطل. وَ هُدىً إلى الشرائع الّتي هي سبل اللّه تعالى. وَ رَحْمَةً لأنهم لو عملوا بها نالوا رحمة اللّه سبحانه و تعالى. لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ليكونوا على حال يرجى منهم التذكر، و قد فسر بالإرادة و فيه ما عرفت.
[سورة القصص (28): الآيات 44 الى 45]
وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ يريد الوادي، أو الطور فإنه كان في شق الغرب من مقام موسى، أو الجانب الغربي منه و الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أي ما كنت حاضرا. إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ إذ أوحينا إليه الأمر الّذي أردنا تعريفه. وَ ما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ للوحي إليه أو على الوحي إليه، و هم السبعون المختارون الميقات، و المراد الدلالة على أن إخباره عن ذلك من قبيل الإخبار عن المغيبات الّتي لا تعرف إلا بالوحي و لذلك استدرك عنه بقوله:
وَ لكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أي و لكنا أوحينا إليك لأنا أنشأنا قرونا مختلفة بعد موسى فتطاولت عليهم المدد، فحرفت الأخبار و تغيرت الشرائع و اندرست العلوم، فحذف المستدرك و أقام سببه مقامه. وَ ما كُنْتَ ثاوِياً مقيما. فِي أَهْلِ مَدْيَنَ شعيب و المؤمنين به. تَتْلُوا عَلَيْهِمْ تقرأ عليهم تعلما منهم. آياتِنا الّتي فيها قصتهم. وَ لكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ إياك و مخبرين لك بها.
[سورة القصص (28): آية 46]
وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا لعل المراد به وقت ما أعطاه التوراة و بالأول حين ما استنبأه لأنهما المذكوران في القصد. وَ لكِنْ علمناك. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ و قرئت بالرفع على هذه رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ .
لِتُنْذِرَ قَوْماً متعلق بالفعل المحذوف. ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لوقوعهم في فترة بينك و بين عيسى، و هي خمسمائة و خمسون سنة، أو بينك و بين إسماعيل، على أن دعوة موسى و عيسى كانت مختصة ببني إسرائيل و ما حواليهم. لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يتعظون.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 180
[سورة القصص (28): آية 47]
وَ لَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا لَوْ لا الأولى امتناعية و الثانية تحضيضية واقعة في سياقها، لأنها إنما أجيبت بالفاء تشبيها لها بالأمر مفعول يقولوا المعطوف على تصيبهم بالفاء المعطية معنى السببية المنبهة على أن القول هو المقصود بأن يكون سببا لانتفاء ما يجاب به، و أنه لا يصدر عنهم حتى تلجئهم العقوبة و الجواب محذوف و المعنى: لولا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم و معاصيهم ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا يبلغنا آياتك فنتبعها و نكون من المصدقين، ما أرسلناك أي إنما أرسلناك قطعا لعذرهم و إلزاما للحجة عليهم. فَنَتَّبِعَ آياتِكَ يعني الرسول المصدق بنوع من المعجزات.
وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
[سورة القصص (28): الآيات 48 الى 49]
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى من الكتاب جملة و اليد و العصا و غيرها اقتراحا و تعنتا. أَ وَ لَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ يعني أبناء جنسهم في الرأي و المذهب و هم كفرة زمان موسى، أو كان فرعون عربيا من أولاد عاد. قالُوا سِحْرانِ يعني موسى و هارون، أو موسى و محمّدا عليهما السلام. تَظاهَرا تعاونا بإظهار تلك الخوارق أو بتوافق الكتابين. و قرأ الكوفيون «سحران» بتقدير مضاف أو جعلهما سحرين مبالغة، أو إسناد تظاهرهما إلى فعلهما دلالة على سبب الإعجاز. و قرئ ظاهرا على الإدغام. وَ قالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ أي بكل منهما أو بكل الأنبياء.
قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما مما أنزل على موسى و على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و إضمارهما لدلالة المعنى، و هو يؤيد أن المراد بالساحرين موسى و محمّد عليهما الصلاة و السلام. أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إنا ساحران مختلقان، و هذا من الشروط الّتي يراد بها الإلزام و التبكيت، و لعل مجيء حرف الشك للتهكم بهم.
[سورة القصص (28): الآيات 50 الى 51]
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ دعاءك إلى الإتيان بالكتاب الأهدى فحذف المفعول للعلم به، و لأن فعل الاستجابة يعدى بنفسه إلى الدعاء و باللام إلى الداعي، فإذا عدي إليه حذف الدعا غالبا كقوله:
و داع دعا يا من يجيب إلى النّدا
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ إذ لو اتبعوا حجة لأتوا بها. وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ استفهام بمعنى النفي. بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ في موضع الحال للتأكيد أو التقييد، فإن هوى النفس قد يوافق الحق. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى.
وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ أتبعنا بعضه بعضا في الإنزال ليتصل التذكير، أو في النظم لتتقر الدعوة بالحجة و المواعظ بالمواعيد و النصائح بالعبر. لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فيؤمنون و يطيعون.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 181
[سورة القصص (28): الآيات 52 الى 53]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ نزلت في مؤمني أهل الكتاب، و قيل في أربعين من أهل الإنجيل اثنان و ثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة و ثمانية من الشام، و الضمير في مِنْ قَبْلِهِ للقرآن كالمستكن في:
وَ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ أي بأنه كلام اللّه تعالى. إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم به. إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ استئناف آخر للدلالة على أن إيمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ، و إنما هو أمر تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة و كونهم على دين الإسلام قبل نزول القرآن، أو تلاوته عليهم باعتقادهم صحته في الجملة.
[سورة القصص (28): الآيات 54 الى 55]
أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ مرة على إيمانهم بكتابهم و مرة على إيمانهم بالقرآن. بِما صَبَرُوا بصبرهم و ثباتهم على الإيمانين، أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول و بعده، أو على أذى المشركين و من هاجرهم من أهل دينهم. وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ و يدفعون بالطاعة المعصية
لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم «أتبع السيئة الحسنة تمحها».
وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ في سبيل الخير.
وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ تكرما. وَ قالُوا للاغين. لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ متاركة لهم و توديعا، أو دعاء لهم بالسلامة عما هم فيه. لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ لا نطلب صحبتهم و لا نريدها.
[سورة القصص (28): الآيات 56 الى 57]
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ لا تقدر على أن تدخلهم في الإسلام. وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ فيدخله في الإسلام. وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ بالمستعدين لذلك. و الجمهور على
أنها نزلت في أبي طالب فإنه لما احتضر جاءه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قال: يا عم قل لا إله إلا اللّه كلمة أحاج لك بها عند اللّه، قال: يا ابن أخي قد علمت إنك لصادق و لكن أكره أن يقال خدع عند الموت.