کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 199
[سورة العنكبوت (29): الآيات 62 الى 63]
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ يحتمل أن يكون الموسع له و المضيق عليه واحدا على أن البسط و القبض على التعاقب و ألا يكون على وضع الضمير موضع من يشاء و إبهامه لأن من يشاء مبهم.
إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يعلم مصالحهم و مفاسدهم.
وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ معترفين بأنه الموجد للممكنات بأسرها أصولها و فروعها، ثم إنهم يشركون به بعض مخلوقاته الّذي لا يقدر على شيء من ذلك.
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على ما عصمك من مثل هذه الضلالة، أو على تصديقك و إظهار حجتك. بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ فيتناقضون حيث يقرون بأنه المبدئ لكل ما عداه ثم إنهم يشركون به الصنم، و قيل لا يعقلون ما تريد بتحميدك عند مقالهم.
[سورة العنكبوت (29): آية 64]
وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إشارة تحقير و كيف لا و هي لا تزن عند اللّه جناح بعوضة. إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ إلا كما يلهى و يلعب به الصبيان يجتمعون عليه و يبتهجون به ساعة ثم يتفرقون متعبين. وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لهي دار الحياة الحقيقية لامتناع طريان الموت عليها، أو هي في ذاتها حياة للمبالغة، و الْحَيَوانُ مصدر حين سمي به ذو الحياة و أصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا و هو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من الحركة و الاضطراب اللازم للحياة و لذلك اختير عليها ها هنا. لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ لم يؤثروا عليها الدنيا الّتي أصلها عدم الحياة و الحياة فيها عارضة سريعة الزوال.
[سورة العنكبوت (29): الآيات 65 الى 66]
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ متصل بما دل عليه شرح حالهم أي هم على ما وصفوا به من الشرك فإذا ركبوا البحر. دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كائنين في صورة من أخلص دينه من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا اللّه و لا يدعون سواه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ فاجؤوا المعاودة إلى الشرك.
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ اللام فيه لام كي أي يشركون ليكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة. وَ لِيَتَمَتَّعُوا باجتماعهم على عبادة الأصنام و توادهم عليها، أو لام الأمر على التهديد و يؤيده قراءة ابن كثير و حمزة و الكسائي و قالون عن نافع وَ لِيَتَمَتَّعُوا بالسكون. فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة ذلك حين يعاقبون.
[سورة العنكبوت (29): الآيات 67 الى 68]
أَ وَ لَمْ يَرَوْا يعني أهل مكة. أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً أي جعلنا بلدهم مصونا عن النهب و التعدي آمنا
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 200
أهله عن القتل و السبي. وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ يختلسون قتلا و سبيا إذ كانت العرب حوله في تغاور و تناهب. أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ أبعد هذه النعمة المكشوفة و غيرها مما لا يقدر عليه إلا اللّه يؤمنون بالصنم أو الشيطان. وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ حيث أشركوا به غيره و تقديم الصلتين للاهتمام أو الاختصاص على طريق المبالغة.
وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن زعم أن له شريكا. أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ يعني الرسول أو الكتاب، و في لَمَّا تسفيه لهم بأن لم يتوافقوا و لم يتأملوا قط حين جاءهم بل سارعوا إلى التكذيب أول ما سمعوه. أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ تقرير لثوائهم كقوله:
ألستم خير من ركب المطايا أي ألا يستوجبون الثواء فيها و قد افتروا مثل هذا الكذب على اللّه و كذبوا بالحق مثل هذا التكذيب، أو لاجترائهم أي ألم يعلموا أن فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ حتى اجترءوا مثل هذه الجراءة.
[سورة العنكبوت (29): آية 69]
وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا في حقنا و إطلاق المجاهدة ليعم جهاد الأعادي الظاهرة و الباطنة بأنواعه.
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا سبل السير إلينا و الوصول إلى جنابنا، أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير و توفيقا لسلوكها كقوله تعالى: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً و
في الحديث «من عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لم يعلم».
وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ بالنصر و الإعانة.
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل المؤمنين و المنافقين».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 201
(30) سورة الروم
مكية إلا قوله (فسبحان اللّه) الآية و آيها ستون أو تسع و خمسون آية
[سورة الروم (30): الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)
الم .
غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ أرض العرب منهم لأنها الأرض المعهودة عندهم، أو في أدنى أرضهم من العرب و اللام بدل من الإضافة. وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ من إضافة المصدر إلى المفعول، و قرئ «غلبهم» و هو لغة كالجلب و الجلب. سَيَغْلِبُونَ .
روي أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات و بصرى، و قيل بالجزيرة و هي أدنى أرض الروم من الفرس فغلبوا عليهم و بلغ الخبر مكة ففرح المشركون و شمتوا بالمسلمين و قالوا: أنتم و النصارى أهل كتاب و نحن و فارس أميون و قد ظهر إخواننا على إخوانكم و لنظهرن عليكم فنزلت، فقال لهم أبو بكر: لا يقرن اللّه أعينكم فو اللّه لتظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له أبي بن خلف: كذبت اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه، فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما و جعلا الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رضي اللّه عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر و مادة في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين و مات أبي من جرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعد قفوله من أحد و ظهرت الروم على فارس يوم الحديبية فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبي، و جاء به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال تصدق به.
و استدلت به الحنفية على جواز العقود الفاسدة في دار الحرب، و أجيب بأنه كان قبل تحريم القمار، و الآية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغيب. و قرئ «غلبت» بالفتح و «سيغلبون» بالضم و معناه أن الروم غلبوا على ريف الشام و المسلمون سيغلبونهم، و في السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون و فتحوا بعض بلادهم و على هذا تكون إضافة الغلب إلى الفاعل. لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ من قبل كونهم غالبين و هو وقت كونهم مغلوبين، و من بعد كونهم مغلوبين و هو وقت كونهم غالبين أي له الأمر حين غلبوا و حين يغلبون ليس شيء منهما إلا بقضائه، و قرئ «من قبل و من بعد» من غير تقدير مضاف إليه كأنه قيل قبلا و بعدا أي أولا و آخرا. وَ يَوْمَئِذٍ و يوم تغلب الروم. يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ .
بِنَصْرِ اللَّهِ من له كتاب على من لا كتاب له لما فيه من انقلاب التفاؤل و ظهور صدقهم فيما أخبرا به المشركين و غلبتهم في رهانهم و ازدياد يقينهم و ثباتهم في دينهم، و قيل بنصر اللّه المؤمنين بإظهار صدقهم أو بأن ولي بعض أعدائهم بعضا حتى تفانوا. يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ فينصر هؤلاء تارة و هؤلاء أخرى. وَ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ينتقم من عباده بالنصر عليهم تارة و يتفضل عليهم بنصرهم أخرى.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 202
[سورة الروم (30): الآيات 6 الى 7]
وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد لنفسه لأن ما قبله في معنى الوعد. لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ لامتناع الكذب عليه تعالى. وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وعده و لا صحة وعده لجهلهم و عدم تفكرهم.
يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ما يشاهدونه منها و التمتع بزخارفها. وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ الّتي هي غايتها و المقصود منها. هُمْ غافِلُونَ لا تخطر ببالهم، و هُمْ الثانية تكرير للأولى أو مبتدأ و غافِلُونَ خبره و الجملة خبر الأولى، و هو على الوجهين مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة المتقدمة المبدلة من قوله: لا يَعْلَمُونَ تقريرا لجهالتهم و تشبيها لهم بالحيوانات المقصور إدراكها من الدنيا ببعض ظاهرها، فإن من العلم بظاهرها معرفة حقائقها و صفاتها و خصائصها و أفعالها و أسبابها و كيفية صدورها منها و كيفية التصرف فيها و لذلك نكر ظاهرا، و أما باطنها فإنها مجاز إلى الآخرة و وصلة إلى نيلها و أنموذج لأحوالها و إشعارا بأنه لا فرق بين عدم العلم و العلم الّذي يختص بظاهر الدنيا.
[سورة الروم (30): آية 8]
أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أو لم يحدثوا التفكر فيها، أو أو لم يتفكروا في أمر أنفسهم فإنها أقرب إليهم من غيرها و مرآة يجتلى فيها للمستبصر ما يجتلى له في الممكنات بأسرها ليتحقق لهم قدرة مبدعها على إعادتها مثل قدرته على إبدائها. ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ متعلق بقول أو علم محذوف يدل عليه الكلام. وَ أَجَلٍ مُسَمًّى تنتهي عنده و لا تبقى بعده. وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ بلقاء جزائه عند انقضاء الأجل المسمى أو قيام الساعة. لَكافِرُونَ جاحدون يحسبون أن الدنيا أبدية و أن الآخرة لا تكون.
[سورة الروم (30): آية 9]
أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ تقرير لسيرهم في أقطار الأرض و نظرهم في آثار المدمرين قبلهم. كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً كعاد و ثمود. وَ أَثارُوا الْأَرْضَ و قلبوا وجهها لاستنباط المياه و استخراج المعادن و زرع البذور و غيرها. وَ عَمَرُوها و عمروا الأرض. أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها من عمارة أهل مكة إياها فإنهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسط لهم في غيرها، و فيه تهكم بهم من حيث إنهم مغترون بالدنيا مفتخرون بها و هم أضعف حالا فيها، إذ مدار أمرها على التبسط في البلاد و التسلط على العباد و التصرف في أقطار الأرض بأنواع العمارة و هم ضعفاء ملجؤون إلى دار لا نفع لها. وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات أو الآيات الواضحات. فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ليفعل بهم ما تفعل الظلمة فيدمرهم من غير جرم و لا تذكير. وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ حيث عملوا ما أدى إلى تدميرهم.
[سورة الروم (30): آية 10]
ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أي ثم كان عاقبتهم العاقبة السُّواى أو الخصلة السُّواى ،
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 203
فوضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ما اقتضى أن تكون تلك عاقبتهم و أنهم جاءوا بمثل أفعالهم، و السُّواى تأنيث الأسوأ كالحسنى أو مصدر كالبشرى نعت به. أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ علة أو بدل أو عطف بيان ل السُّواى ، أو خبر كان و السُّواى مصدر أساؤوا أو مفعوله بمعنى، ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الذين اقترفوا الخطيئة أن طبع اللّه على قلوبهم حتى كذبوا بآيات اللّه و استهزءوا بها، و يجوز أن تكون السُّواى صلة الفعل و أَنْ كَذَّبُوا تابعها و الخبر محذوف للإبهام و التهويل، و أن تكون أَنْ مفسرة لأن الإساءة إذا كانت مفسرة بالتكذيب و الاستهزاء كانت متضمنة معنى القول، و قرأ ابن عامر و الكوفيون عاقِبَةَ بالنصب على أن الاسم السُّواى و أَنْ كَذَّبُوا على الوجوه المذكورة.
[سورة الروم (30): الآيات 11 الى 12]
اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ينشئهم. ثُمَّ يُعِيدُهُ يبعثهم. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للجزاء و العدول إلى الخطاب للمبالغة في المقصود، و قرأ أبو بكر و أبو عمرو و روح بالياء على الأصل.
وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ يسكتون متحرين آيسين يقال ناظرته فأبلس إذا سكت و أيس من أن يحتج و منه الناقة المبلاس الّتي لا ترغو، و قرئ بفتح اللام من أبلسه إذا أسكته.
[سورة الروم (30): الآيات 13 الى 14]
وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ ممن أشركوهم باللّه. شُفَعاءُ يجيرونهم من عذاب اللّه، و مجيئه بلفظ الماضي لتحققه. وَ كانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ يكفرون بآلهتهم حين يئسوا منهم، و قيل كانوا في الدنيا كافرين بسببهم، و كتب في المصحف شفعواء و علمواء بني إسرائيل بالواو و كذا السُّواى بالألف إثباتا للهمزة على صورة الحرف الّذي منه حركتها.
وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ أي المؤمنون و الكافرون لقوله تعالى:
[سورة الروم (30): الآيات 15 الى 16]
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ أرض ذات أزهار و أنهار. يُحْبَرُونَ يسرون سرورا تهللت له وجوههم.
وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ مدخلون لا يغيبون عنه.
[سورة الروم (30): الآيات 17 الى 18]
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ إخبار في معنى الأمر بتنزيه اللّه تعالى و الثناء عليه في هذه الأوقات الّتي تظهر فيها قدرته و تتجدد فيها نعمته، أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزهه و استحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات و الأرض، و تخصيص التسبيح بالمساء و الصباح لأن آثار القدرة و العظمة فيهما أظهر، و تخصيص الحمد بالعشي الّذي هو آخر النهار من عشى العين إذا نقص نورها و الظهيرة الّتي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر،
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 204
و يجوز أن يكون عَشِيًّا معطوفا على حِينَ تُمْسُونَ و قوله وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ اعتراضا.
و عن ابن عباس أن الآية جامعة للصلوات الخمس تُمْسُونَ صلاتا المغرب و العشاء، و تُصْبِحُونَ صلاة الفجر، و عَشِيًّا صلاة العصر، و تُظْهِرُونَ صلاة الظهر. و لذلك زعم الحسن أنها مدنية لأنه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا و إنما فرضه الخمس بالمدينة، و الأكثر على أنها فرضت بمكة.
و
عنه عليه الصلاة و السلام «من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان اللّه حين تمسون الآية».
و
عنه عليه الصلاة و السلام «من قال حين يصبح فسبحان اللّه حين تمسون إلى قوله و كذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته، و من قاله حين يمسي أدرك ما فاته في يومه».
و قرئ «حينا تمسون» و «حينا تصبحون» أي تمسون فيه و تصبحون فيه.
[سورة الروم (30): آية 19]
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ كالإنسان من النطفة و الطائر من البيضة. وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ كالنطفة و البيضة، أو يعقب الحياة الموت و بالعكس. وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات. بَعْدَ مَوْتِها يبسها. وَ كَذلِكَ و مثل ذلك الإخراج. تُخْرَجُونَ من قبوركم فإنه أيضا تعقيب للحياة الموت، و قرأ حمزة و الكسائي بفتح التاء.
[سورة الروم (30): الآيات 20 الى 21]
وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ أي في أصل الإنشاء لأنه خلق أصلهم منه. ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ثم فاجأتم وقت كونكم بشرا منتشرين في الأرض.
وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لأن حواء خلقت من ضلع آدم و سائر النساء خلقن من نطف الرجال، أو لأنهن من جنسهم لا من جنس آخر. لِتَسْكُنُوا إِلَيْها لتميلوا إليها و تألفوا بها فإن الجنسية علة للضم و الاختلاف سبب للتنافر. وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ أي بين الرجال و النساء، أو بين أفراد الجنس. مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً بواسطة الزواج حال الشبق و غيرها بخلاف سائر الحيوانات نظما لأمر المعاش، أو بأن تعيش الإنسان متوقف على التعارف و التعاون المحوج إلى التواد و التراحم، و قيل المودة كناية عن الجماع و الرحمة عن الولد كقوله تعالى: وَ رَحْمَةً مِنَّا . إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فيعلمون ما في ذلك من الحكم.
[سورة الروم (30): آية 22]
وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ لغاتكم بأن علم كل صنف لغته أو ألهمه وضعها و أقدره عليها، أو أجناس نطقكم و أشكاله فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية. وَ أَلْوانِكُمْ بياض الجلد و سواده، أو تخطيطات الأعضاء و هيئاتها و ألوانها، و حلاها بحيث وقع التمايز و التعارف حتى أن التوأمين مع توافق موادهما و أسبابهما و الأمور الملاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ لا تكاد تخفى على عاقل من ملك أو إنس أو جن، و قرأ حفص بكسر اللام و يؤيد قوله: وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ .
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 205
[سورة الروم (30): آية 23]
وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ منامكم في الزمانين لاستراحة القوى النفسانية و تقوى القوى الطبيعية و طلب معاشكم فيهما، أو منامكم بالليل و ابتغاؤكم بالنهار فلف و ضم بين الزمانين و الفعلين بعاطفين إشعارا بأن كلا من الزمانين و إن اختص بأحدهما فهو صالح للآخر عند الحاجة، و يؤيده سائر الآيات الواردة فيه. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع تفهم و استبصار فإن الحكمة فيه ظاهرة.
[سورة الروم (30): آية 24]
وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ مقدر بأن المصدرية كقوله:
ألا أيهذا الزّاجري أحضر الوغى
و أن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي
أو الفعل فيه منزلة المصدر كقولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، أو صفة لمحذوف تقديره آية يريكم بها البرق كقوله:
فما الدّهر إلّا تارتان فمنهما
أموت و أخرى أبتغي العيش أكدح
خَوْفاً من الصاعقة للمسافر. وَ طَمَعاً في الغيث للمقيم، و نصبهما على العلة لفعل يلزم المذكور فإن إراءتهم تستلزم رؤيتهم أوله على تقدير مضاف نحو إرادة خوف و طمع، أو تأويل الخوف و الطمع بالإخافة و الإطماع كقولك فعلته رغما للشيطان، أو على الحال مثل كلّمته شفاها. وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً و قرئ بالتشديد. فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بالنبات. بَعْدَ مَوْتِها يبسها. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم في استنباط أسبابها و كيفية تكونها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع و حكمته.
[سورة الروم (30): الآيات 25 الى 26]
وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ قيامهما بإقامته لهما و إرادته لقيامهما في حيزيهما المعينين من غير مقيم محسوس، و التعبير بالأمر للمبالغة في كمال القدرة و الغنى عن الآلة. ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ عطف على أَنْ تَقُومَ على تأويل مفرد كأنه قيل: و من آياته قيام السموات و الأرض بأمره ثم خروجكم من القبور إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً واحدة فيقول أيها الموتى اخرجوا، و المراد تشبيه سرعة ترتب حصول ذلك على تعلق إرادته بلا توقف و احتياج إلى تجشم عمل بسرعة ترتب إجابة الداعي المطاع على دعائه، و ثم إما لتراخي زمانه أو لعظم ما فيه و من الأرض متعلق بدعا كقولك: دعوته من أسفل الوادي فطلع إلي لا بتخرجون لأن ما بعد إذا لا يعمل فيما قبلها، و إِذا الثانية للمفاجأة و لذلك نابت مناب الفاء في جواب الأولى.
وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ منقادون لفعله فيهم لا يمتنعون عليه.
[سورة الروم (30): آية 27]