کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 219
(32) سورة السجدة
مكية و آيها ثلاثون آية و قيل تسع و عشرون آية
[سورة السجده (32): الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم إن جعل اسما للسورة أو القرآن فمبتدأ خبره:
تَنْزِيلُ الْكِتابِ على أن التنزيل بمعنى المنزل، و إن جعل تعديدا للحروف كان تَنْزِيلُ خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره: لا رَيْبَ فِيهِ فيكون مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ حالا من الضمير في فِيهِ لأن المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر، و يجوز أن يكون خبرا ثانيا و لا رَيْبَ فِيهِ حال من الْكِتابِ ، أو اعتراض و الضمير فيه لمضمون الجملة و يؤيده قوله:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ فإنه إنكار لكونه من رب العالمين و قوله: بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فإنه تقرير له، و نظم الكلام على هذا أنه أشار أولا إلى إعجازه، ثم رتب عليه أن تنزيله من رب العالمين، و قرر ذلك بنفي الريب عنه، ثم أضرب عن ذلك إلى ما يقولون فيه على خلاف ذلك إنكارا له و تعجيبا منه، فإن أَمْ منقطعة ثم أضرب عنه إلى إثبات أنه الحق المنزل من اللّه و بين المقصود من تنزيله فقال: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ إذ كانوا أهل الفترة. لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ بإنذارك إياهم.
[سورة السجده (32): آية 4]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ مر بيانه في «الأعراف». ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ ما لَكُمْ إذا جاوزتم رضا اللّه أحد ينصركم و يشفع لكم، أو ما لَكُمْ سواه ولي و لا شفيع بل هو الّذي يتولى مصالحكم و ينصركم في مواطن نصركم على أن الشفيع متجوز به للناصر، فإذا خذلكم لم يبق لكم ولي و لا ناصر. أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ بمواعظ اللّه تعالى.
[سورة السجده (32): الآيات 5 الى 6]
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة و غيرها نازلة آثارها إلى الأرض. ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ثم يصعد إليه و يثبت في علمه موجودا. فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ في برهة من الزمان متطاولة يعني بذلك استطالة ما بين التدبير و الوقوع، و قيل يدبر الأمر بإظهاره في اللوح فينزل به الملك ثم يعرج إليه في زمان هو كألف سنة، لأن مسافة نزوله و عروجه مسيرة ألف سنة فإن ما بين
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 220
السماء و الأرض مسيرة خمسمائة سنة. و قيل يقضي قضاء ألف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الألف لألف آخر. و قيل يدبر الأمر إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه الأمر كله يوم القيامة. و قيل يدبر المأمور به من الطاعات منزلا من السماء إلى الأرض بالوحي، ثم لا يعرج إليه خالصا كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة المخلصين و الأعمال الخلص، و قرئ «يعرج» و «يعدون».
ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فيدبر أمرهما على وفق الحكمة. الْعَزِيزُ الغالب على أمره. الرَّحِيمُ على العباد في تدبيره، و فيه إيماء بأنه يراعي المصالح تفضلا و إحسانا.
[سورة السجده (32): الآيات 7 الى 9]
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ خلقة موفرا عليه ما يستعد له و يليق به على وفق الحكمة و المصلحة، و خلقه بدل من كل بدل الاشتمال و قل علم كيف يخلقه من قولهم قيمة المرء ما يحسنه أي يحسن معرفته، و خَلَقَهُ مفعول ثان. و قرأ نافع و الكوفيون بفتح اللام على الوصف فالشيء على الأول مخصوص بمنفصل و على الثاني بمتصل. وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ يعني آدم. مِنْ طِينٍ .
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ ذريته سميت بذلك لأنها تنسل منه أي تنفصل. مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ممتهن.
ثُمَّ سَوَّاهُ قوّمه بتصوير أعضائه على ما ينبغي. وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ أضافه إلى نفسه تشريفا له و إشعارا بأنه خلق عجيب، و أن له شأنا له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبية و لأجله قيل من عرف نفسه فقد عرف ربه. وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ خصوصا لتسمعوا و تبصروا و تعقلوا. قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ تشكرون شكرا قليلا.
[سورة السجده (32): الآيات 10 الى 11]
وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أي صرنا ترابا مخلوطا بتراب الأرض لا نتميز منه، أو غبنا فيها.
و قرئ «ضللنا» بالكسر من ضل يضل «و صللنا» من صل اللحم إذا أنتن، و قرأ ابن عامر «إذا» على الخبر و العامل فيه ما دل عليه. أَ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ و هو: نبعث أو يجدد خلقنا. و قرأ نافع و الكسائي و يعقوب «إنا» على الخبر، و القائل أبي بن خلف و إسناده إلى جميعهم لرضاهم به. بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ بالبعث أو بتلقي ملك الموت و ما بعده. كافِرُونَ جاحدون.
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ يستوفي نفوسكم لا يترك منها شيئا و لا يبقى منكم أحدا، و التفعل و الاستفعال يلتقيان كثيرا كتقصيته و استقصيته و تعجلته و استعجلته. مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ بقبض أرواحكم و إحصاء آجالكم. ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ للحساب و الجزاء.
[سورة السجده (32): آية 12]
وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ من الحياء و الخزي. رَبَّنا قائلين ربنا. أَبْصَرْنا ما وعدتنا. وَ سَمِعْنا منك تصديق رسلك. فَارْجِعْنا إلى الدنيا. نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ إذ لم يبق لنا
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 221
شك بما شاهدنا، و جواب لَوْ محذوف تقديره لرأيت أمرا فظيعا، و يجوز أن تكون للتمني و المضي فيها و في إِذِ لأن الثابت في علم اللّه بمنزلة الواقع، و لا يقدر ل تَرى مفعول لأن المعنى لو يكون منك رؤية في هذا الوقت، أو يقدر ما دل عليه صلة إذ و الخطاب للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم أو لكل أحد.
[سورة السجده (32): الآيات 13 الى 14]
وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ما تهتدي به إلى الإيمان و العمل الصالح بالتوفيق له. وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي ثبت قضائي و سبق وعيدي و هو لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ و ذلك تصريح بعدم إيمانهم لعدم المشيئة المسبب عن سبق الحكم بأنهم من أهل النار، و لا يدفعه جعل ذوق العذاب مسببا عن نسيانهم العاقبة و عدم تفكرهم فيها بقوله:
فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا فإنه من الوسائط و الأسباب المقتضية له. إِنَّا نَسِيناكُمْ تركناكم من الرحمة، أو في العذاب ترك المنسي و في استئنافه و بناء الفعل على إن و اسمها تشديد في الانتقام منهم.
وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ كرر الأمر للتأكيد و لما نيط به من التصريح بمفعوله و تعليله بأفعالهم السيئة من التكذيب و المعاصي كما علله بتركهم تدبر أمر العاقبة و التفكر فيها دلالة على أن كلا منهما يقتضي ذلك.
[سورة السجده (32): الآيات 15 الى 16]
إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها وعظوا بها. خَرُّوا سُجَّداً خوفا من عذاب اللّه. وَ سَبَّحُوا نزهوه عما لا يليق به كالعجز عن البعث. بِحَمْدِ رَبِّهِمْ حامدين له شكرا على ما وفقهم للإسلام و آتاهم الهدى. وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن الإيمان و الطاعة كم يفعل من يصر مستكبرا.
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ ترتفع و تتنحى. عَنِ الْمَضاجِعِ الفرش و مواضع النوم. يَدْعُونَ رَبَّهُمْ داعين إياه. خَوْفاً من سخطه وَ طَمَعاً في رحمته. و
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في تفسيرها «قيام العبد من الليل».
و
عنه عليه الصلاة و السلام «إذا جمع اللّه الأولين و الآخرين في صعيد واحد جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق كلهم: سيعلم أهل الجمع اليوم من أولى بالكرم، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون و هم قليل، ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانوا يحمدون اللّه في السراء و الضراء فيقومون و هم قليل، فيسرحون جميعا إلى الجنة ثم يحاسب سائر الناس»
و قيل كان أناس من الصحابة يصلون من المغرب إلى العشاء فنزلت فيهم. وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ في وجوه الخير.
[سورة السجده (32): آية 17]
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (17)
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ لا ملك مقرب و لا نبي مرسل. مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ مما تقر به عيونهم.
و
عنه عليه الصلاة و السلام «يقول اللّه: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، بلّه ما أطلعتهم عليه، اقرءوا إن شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ ».
و قرأ حمزة و يعقوب أُخْفِيَ لَهُمْ على أنه مضارع أخفيت، و قرئ «نخفي» و «أخفي» و الفاعل للكل هو اللّه، «و قرأت أعين»
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 222
لاختلاف أنواعها و العلم بمعنى المعرفة و ما موصولة أو استفهامية معلق عنها الفعل. جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي جزوا جزاء أو أخفي للجزاء فإن إخفاءه لعلو شأنه. و قيل هذا لقوم أخفوا أعمالهم فأخفى اللّه ثوابهم.
[سورة السجده (32): الآيات 18 الى 19]
أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً خارجا عن الإيمان لا يَسْتَوُونَ في الشرف و المثوبة تأكيد و تصريح و الجمع للحمل على المعنى.
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى فإنها المأوى الحقيقي و الدنيا منزل مرتحل عنها لا محالة، و قيل المأوى جنة من الجنان. نُزُلًا سبق في سورة «آل عمران». بِما كانُوا يَعْمَلُونَ بسبب أعمالهم أو على أعمالهم.
[سورة السجده (32): الآيات 20 الى 21]
وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ مكان جنة المأوى للمؤمنين. كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها عبارة عن خلودهم فيها. وَ قِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ إهانة لهم و زيادة في غيظهم.
وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى عذاب الدنيا يريد ما محنوا به من السنة سبع سنين و القتل و الأسر.
دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ عذاب الآخرة. لَعَلَّهُمْ لعل من بقي منهم. يَرْجِعُونَ يتوبون عن الكفر. روي أن الوليد بن عقبة فاخر عليا رضي اللّه عنه يوم بدر فنزلت هذه الآيات.
[سورة السجده (32): الآيات 22 الى 24]
وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها فلم يتفكر فيها، و ثُمَ لاستبعاد الإعراض عنها مع فرط وضوحها و إرشادها إلى أسباب السعادة بعد التذكير بها عقلا كما في بيت الحماسة.
و لا يكشف الغماء إلّا ابن حرّة
يرى غمرات الموت ثمّ يزورها
إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ فكيف ممن كان أظلم من كل ظالم.
وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ كما آتيناك. فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ في شك. مِنْ لِقائِهِ من لقائك الكتاب كقوله: وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ فإنا آتيناك من الكتاب مثل ما آتيناه منه فليس ذلك ببدع لم يكن قط حتى ترتاب فيه، أو من لقاء موسى الكتاب أو من لقائك موسى. و
عنه عليه الصلاة و السلام «رأيت ليلة أسري بي موسى صلى اللّه عليه و سلّم رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة».
وَ جَعَلْناهُ أي المنزل على موسى. هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ .
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 223
وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ الناس إلى ما فيه من الحكم و الأحكام. بِأَمْرِنا إياهم به أو بتوفيقنا له.
لَمَّا صَبَرُوا و قرأ حمزة و الكسائي و رويس لَمَّا صَبَرُوا أي لصبرهم على الطاعة أو عن الدنيا. وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ لإمعانهم فيها النظر.
[سورة السجده (32): الآيات 25 الى 26]
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يقضي فيميز الحق من الباطل بتمييز المحق من المبطل. فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر الدين.
أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ الواو للعطف على منوي من جنس المعطوف و الفاعل ضمير ما دل عليه. كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ أي كثرة من أهلكناهم من القرون الماضية، أو ضمير اللّه بدليل القراءة بالنون.
يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ يعني أهل مكة يمرون في متاجرهم على ديارهم، و قرئ «يمشون» بالتشديد. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَ فَلا يَسْمَعُونَ سماع تدبر و اتعاظ.
[سورة السجده (32): آية 27]
أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ الّتي جرز نباتها أي قطع و أزيل لا الّتي لا تنبت لقوله:
فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً و قيل اسم موضع باليمن. تَأْكُلُ مِنْهُ من الزرع. أَنْعامُهُمْ كالتين و الورق.
وَ أَنْفُسُهُمْ كالحب و الثمر. أَ فَلا يُبْصِرُونَ فيستدلون به على كمال قدرته و فضله.
[سورة السجده (32): الآيات 28 الى 29]
وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ النصر أو الفصل بالحكومة من قوله رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في الوعد به.
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ و هو يوم القيامة فإنه يوم نصر المؤمنين على الكفرة و الفصل بينهم. و قيل يوم بدر أو يوم فتح مكة، و المراد بالذين كفروا المقتولون منهم فيه فإنهم لا ينفعهم إيمانهم حال القتل و لا يمهلون و انطباقه جوابا على سؤالهم من حيث المعنى باعتبار ما عرف من غرضهم، فإنهم لما أرادوا به الاستعجال تكذيبا و استهزاء أجيبوا بما يمنع الاستعجال.
[سورة السجده (32): آية 30]
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ انْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ و لا تبال بتكذيبهم، و قيل هو منسوخ بآية السيف. وَ انْتَظِرْ النصرة عليهم. إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ الغلبة عليك، و قرئ بالفتح على معنى أنهم أحقاء بأن ينتظر هلاكهم أو أن الملائكة ينتظرونه.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من قرأ «الم تنزيل، و تبارك الّذي بيده الملك أعطي من الأجر كأنما أحيا ليلة القدر».
و
عنه «من قرأ «الم تنزيل في بيته لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 224
(33) سورة الأحزاب
مدينة و آيها ثلاث و سبعون آية
[سورة الأحزاب (33): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ناداه بالنبي و أمره بالتقوى تعظيما له و تفخيما لشأن التقوى، و المراد به الأمر بالثبات عليه ليكون مانعا له عما نهي عنه بقوله: وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ فيما يعود بوهن في الدين.
روي أن أبا سفيان و عكرمة بن أبي جهل و أبا الأعور السلمي قدموا عليه في الموادعة الّتي كانت بينه و بينهم و قام معهم بن أبي و معتب بن قشير و الجد بن قيس فقالوا له: ارفض ذكر آلهتنا و قل إن لها شفاعة و ندعك و ربك فنزلت.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بالمصالح و المفاسد. حَكِيماً لا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة.
[سورة الأحزاب (33): الآيات 2 الى 3]
وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ كالنهي عن طاعتهم. إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فموح إليك ما تصلح به أعمالك و يغني عن الاستماع إلى الكفرة، و قرأ أبو عمرو بالياء على أن الواو ضمير الكفرة و المنافقين أي أن اللّه خبير بمكايدهم فيدفعها عنك.
وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ و كل أمرك إلى تدبيره. وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا موكولا إليه الأمور كلها.
[سورة الأحزاب (33): آية 4]
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ أي ما جمع قلبين في جوف لأن القلب معدن الروح الحيواني المتعلق بالنفس الإنساني أولا و منع القوى بأسرها و ذلك يمنع التعدد. وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ و ما جمع الزوجية و الأمومة في امرأة و لا الدعوة و البنوة في رجل، و المراد بذلك رد ما كانت العرب تزعم من أن اللبيب الأريب له قلبان و لذلك قيل لأبي معمر أو جميل بن أسد الفهري ذو القلبين، و الزوجة المظاهر عنها كالأم و دعي الرجل ابنه و لذلك كانوا يقولون لزيد بن حارثة الكلبي عتيق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ابن محمّد، أو المراد نفي الأمومة و البنوة عن المظاهر عنها و المتبنى و نفي القلبين لتمهيد أصل يحملان عليه. و المعنى كما لم يجعل اللّه قلبين في جوف لأدائه إلى التناقض و هو أن يكون كل منهما أصلا لكل القوى و غير أصل لم يجعل الزوجة و الدعي اللذين لا ولادة بينهما و بينه أمه و ابنه اللذين بينهما و بينه ولادة، و قرأ أبو عمرو «اللاي» بالياء وحده على أن أصله اللاء بهمزة فخففت و عن الحجازيين مثله، و عنهما و عن يعقوب بالهمز وحده، و أصل تظهرون تتظهرون فأدغمت التاء الثانية في الظاء. و قرأ ابن عامر تظاهرون بالإدغام و حمزة و الكسائي بالحذف و عاصم تَظاهَرُونَ* من ظاهر، و قرئ «تظهرون» من ظهر بمعنى ظاهر كعقد بمعنى عاقد و «تظهرون» من الظهور. و معنى الظهار: أن يقول للزوجة: أنت عليّ
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 225
كظهر أمي، مأخوذ من الظهر باعتبار اللفظ كالتلبية من لبيك و تعديته بمن لتضمنه معنى التجنب لأنه كان طلاقا في الجاهلية و هو في الإسلام يقتضي الطلاق أو الحرمة إلى أداء الكفارة كما عدي آلى بها، و هو بمعنى حلف و ذكر الظهر للكناية عن البطن الّذي هو عموده فإن ذكره يقارب ذكر الفرج، أو للتغليظ في التحريم فإنهم كانوا يحرمون إتيان المرأة و ظهرها إلى السماء، و أدعياء جمع دعي على الشذوذ و كأنه شبه بفعيل بمعنى فاعل فجمع جمعه. ذلِكُمْ إشارة إلى ما ذكر أو إلى الأخير. قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ لا حقيقة له في الأعيان كقول الهاذي. وَ اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَ ما له حقيقة عينية مطابقة له. وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ سبيل الحق.
[سورة الأحزاب (33): آية 5]
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ أنسبوهم إليهم، و هو إفراد للمقصود من أقواله الحقة و قوله: هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ تعليل له، و الضمير لمصدر ادْعُوهُمْ و أَقْسَطُ أفعل تفضيل قصد به الزيادة مطلقا من القسط بمعنى العدل و معناه البالغ في الصدق. فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فتنسبوهم إليهم. فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ أي فهم إخوانكم في الدين. وَ مَوالِيكُمْ و أولياؤكم فيه فقولوا هذا أخي و مولاي بهذا التأويل. وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ و لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي أو بعده على النسيان أو سبق اللسان. وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ و لكن الجناح فيما تعمدت قلوبكم أو و لكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح. وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً لعفوه عن المخطئ. و اعلم أن التبني لا عبرة به عندنا و عند أبي حنيفة يوجب عتق مملوكه و يثبت النسب لمجهوله الّذي يمكن إلحاقه به.
[سورة الأحزاب (33): آية 6]
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ في الأمور كلها فإنه لا يأمرهم و لا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم و نجاحهم بخلاف النفس، فلذلك أطلق فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم و أمره أنفذ عليهم من أمرها و شفقتهم عليه أتم من شفقتهم عليها.
روي: أنه عليه الصلاة و السلام أراد غزوة تبوك فأمر الناس بالخروج فقال ناس: نستأذن آباءنا و أمهاتنا فنزلت.
و قرئ «و هو أب لهم» أي في الدين فإن كل نبي أب لأمته من حيث إنه أصل فيما به الحياة الأبدية و لذلك صار المؤمنون إخوة. وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ منزلات منزلتهن في التحريم و استحقاق التعظيم و فيما عدا ذلك فكالأجنبيات، و لذلك قالت عائشة رضي اللّه عنها: لسنا أمهات النساء. وَ أُولُوا الْأَرْحامِ و ذوو القرابات. بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في التوارث و هو نسخ لما كان في صدر الإسلام من التوارث بالهجرة و الموالاة في الدين. فِي كِتابِ اللَّهِ في اللوح أو فيما أنزل، و هو هذه الآية أو آية المواريث أو فيم فرض اللّه. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ بيان لأولي الأرحام، أو صلة لأولي أي أولوا الأرحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين بحق الدين و من المهاجرين بحق الهجرة. إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً استثناء من أعم ما يقدر الأولوية فيه من النفع و المراد بفعل المعروف التوصية أو منقطع كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً كان ما ذكر في الآيتين ثابتا في اللوح أو القرآن. و قيل في التوراة.
[سورة الأحزاب (33): الآيات 7 الى 8]
وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ مقدر باذكر و ميثاقهم عهودهم بتبليغ الرسالة و الدعاء إلى الدين القيم.