کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 261
أو لأنفسهم فيما يملكونه. أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ بدل من أَ رَأَيْتُمْ بدل الاشتمال لأنه بمعنى أخبروني كأنه قال: أخبروني عن هؤلاء الشركاء أروني أي جزء من الأرض استبدوا بخلقه. أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أم لهم شركة مع اللّه في خلق السموات فاستحقوا بذلك شركة في الألوهية ذاتية. أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً ينطق على أنا اتخذناهم شركاء. فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ على حجة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية، و يجوز أن يكون هم للمشركين كقوله: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً و قرأ نافع و ابن عامر و يعقوب و أبو بكر و الكسائي على بينات فيكون إيماء إلى أن الشرك خطير لا بد فيه من تعاضد الدلائل. بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً لما نفى أنواع الحجج في ذلك أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه و هو تغرير الأسلاف الأخلاف، أو الرؤساء الأتباع بأنهم شفعاء عند اللّه يشفعون لهم بالتقرب إليه.
[سورة فاطر (35): آية 41]
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا كراهة أن تزولا فإن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ، أو يمنعهما أن تزولا لأن الإمساك منع. وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ ما أمسكهما. مِنْ بَعْدِهِ من بعد اللّه أو من بعد الزوال، و الجملة سادة مسد الجوابين و من الأولى زائدة و الثانية للابتداء. إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً حيث أمسكهما و كانتا جديرتين بأن تهدا هدا كما قال: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ .
[سورة فاطر (35): الآيات 42 الى 43]
وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ . و ذلك أن قريشا لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا: لعن اللّه اليهود و النصارى لو أتانا رسول لنكونن أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ، أي من واحدة من الأمم اليهود و النصارى و غيرهم، أو من الأمة الّتي يقال فيها هي إِحْدَى الْأُمَمِ تفضيلا لها على غيرها في الهدى و الاستقامة. فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ يعني محمّدا عليه الصلاة و السلام. ما زادَهُمْ أي النذير أو مجيئه على التسبب. إِلَّا نُفُوراً تباعدا عن الحق.
اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ بدل من نفورا أو مفعول له. وَ مَكْرَ السَّيِّئِ أصله و إن مكروا المكر السيئ فحذف الموصوف استغناء بوصفه، ثم بدل أن مع الفعل بالمصدر، ثم أضيف. و قرأ حمزة وحده بسكون الهمزة في الوصل. وَ لا يَحِيقُ و لا يحيط. الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ و هو الماكر و قد حاق بهم يوم بدر، و قرئ «و لا يحيق المكر» أي و لا يحيق اللّه. فَهَلْ يَنْظُرُونَ ينتظرون. إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ سنة اللّه فيهم بتعذيب مكذبيهم. فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا إذ لا يبدلها بجعله غير التعذيب تعذيبا و لا يحولها بأن ينقله من المكذبين إلى غيرهم، و قوله:
[سورة فاطر (35): الآيات 44 الى 45]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 262
أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ استشهاد علم بما يشاهدونه في مسايرهم إلى الشام و اليمن و العراق من آثار الماضين. وَ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ ليسبقه و يفوته. فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً بالأشياء كلها. قَدِيراً عليها.
وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا من المعاصي. ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها ظهر الأرض مِنْ دَابَّةٍ من نسمة تدب عليها بشؤم معاصيهم، و قيل المراد بالدابة الإنس وحده لقوله: وَ لكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو يوم القيامة. فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً فيجازيهم على أعمالهم.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم «من قرأ سورة الملائكة دعته ثمانية أبواب الجنة: أن أدخل من أي باب شئت».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 263
(36) سورة يس
مكية و عنه عليه الصلاة و السلام «يس تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين و الدافعة و القاضية تدفع عنه كل سوء و تقضي له كل حاجة» و آيها ثلاث و ثمانون آية
[سورة يس (36): الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يس (1) وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
يس ك الم* في المعنى و الإعراب، و قيل معناه يا إنسان لغة طيئ، على أن أصله يا أنيسين فاقتصر على شطره لكثرة النداء به كما قيل (من اللّه) في أيمن. و قرئ بالكسر كجير و بالفتح على البناء كأين، أو الإعراب على اتل يس أو بإضمار حرف القسم و الفتحة لمنع الصرف و بالضم بناء كحيث، أو إعرابا على هذه يس و أمال الياء حمزة و الكسائي و روح و أبو بكر، و أدغم النون في واو: وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ابن عامر و الكسائي و أبو بكر و ورش و يعقوب، و هي واو القسم أو العطف إن جعل يس مقسما به.
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ لمن الذين أرسلوا.
عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و هو التوحيد و الاستقامة في الأمور، و يجوز أن يكون عَلى صِراطٍ خبرا ثانيا أو حالا من المستكن في الجار و المجرور، و فائدته وصف الشرع صريحا بالاستقامة و إن دل عليه لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ التزاما.
[سورة يس (36): الآيات 5 الى 6]
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (6)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ خبر محذوف و المصدر بمعنى المفعول. و قرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و حفص بالنصب بإضمار أعني أو فعله على أنه على أصله، و قرئ بالجر على البدل من القرآن.
لِتُنْذِرَ قَوْماً متعلق ب تَنْزِيلَ أو بمعنى لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ . ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ قوما غير منذر آباؤهم يعني آباءهم الأقربين لتطاول مدة الفترة، فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى إرساله، أو الّذي أنذر به أو شيئا أنذر به آباؤهم الأبعدون، فيكون مفعولا ثانيا لِتُنْذِرَ ، أو إنذار آبائهم على المصدر. فَهُمْ غافِلُونَ متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين، أو بقوله إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ على الوجوه الأخرى أي أرسلناك إليهم لتنذرهم فإنهم غافلون.
[سورة يس (36): الآيات 7 الى 9]
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ يعني قوله: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ* . فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ لأنهم ممن علم اللّه أنهم لا يؤمنون.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 264
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا تقرير لتصميمهم على الكفر و الطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات و النذر، بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم. فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فالأغلال، واصلة إلى أذقانهم فلا تخليهم يطأطئون رؤوسهم له. فَهُمْ مُقْمَحُونَ رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون لفت الحق و لا يعطفون أعناقهم نحوه و لا يطأطئون رؤوسهم له.
وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ و بمن أحاط بهم سدان فغطى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم و وراءهم في أنهم محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات و الدلائل. و قرأ حمزة و الكسائي و حفص سدا بالفتح و هو لغة فيه، و قيل ما كان بفعل الناس فبالفتح و ما كان بخلق اللّه فبالضم. و قرئ «فأعشيناهم» من العشاء. و قيل الآيتان في بني مخزوم حلف أبو جهل أن يرضخ رأس النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فأتاه و هو يصلي و معه حجر ليدمغه، فلما رفع يده انثنت إلى عنقه و لزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد، فرجع إلى قومه فأخبرهم، فقال مخزومي آخر: أنا أقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى اللّه بصره.
[سورة يس (36): الآيات 10 الى 11]
وَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ سبق في «البقرة» تفسيره.
إِنَّما تُنْذِرُ إنذارا يترتب عليه البغية المرومة. مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ أي القرآن بالتأمل فيه و العمل به.
وَ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ و خاف عقابه قبل حلوله و معاينة أهواله، أو في سريرته و لا يغتر برحمته فإنه كما هو رحمن، منتقم قهار. فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ .
[سورة يس (36): آية 12]
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى الأموات بالبعث أو الجهال بالهداية. وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا ما أسلفوا من الأعمال الصالحة و الطالحة. وَ آثارَهُمْ الحسنة كعلم علموه و حبيس وقفوه، و السيئة كإشاعة باطل و تأسيس ظلم.
وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ يعني اللوح المحفوظ.
[سورة يس (36): الآيات 13 الى 14]
وَ اضْرِبْ لَهُمْ و مثل لهم من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد أي مثال واحد، و هو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل و هما: مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلا، و يجوز أن يقتصر على واحد و يجعل المقدر بدلا من الملفوظ أو بيانا له، و القرية أنطاكية. إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ بدل من أصحاب القرية، و الْمُرْسَلُونَ رسل عيسى عليه الصلاة و السلام إلى أهلها و إضافته إلى نفسه في قوله:
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ لأنه فعل رسوله و خليفته و هما يحيى و يونس، و قيل غيرهما. فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا فقوينا، و قرأ أبو بكر مخففا من عزه إذا غلبه و حذف المفعول لدلالة ما قبله عليه و لأن المقصود ذكر المعزز به. بِثالِثٍ و هو شمعون. فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ و ذلك أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم عيسى عليه السلام اثنين، فلما قربا من المدينة رأيا حبيبا النجار يرعى غنما فسألهما فأخبراه فقال: أ معكما آية
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 265
فقالا: نشفي المريض و نبرئ الأكمه و الأبرص، و كان له ولد مريض فمسحاه فبرأ فآمن حبيب و فشا الخبر، فشفي على أيديهما خلق كثير و بلغ حديثهما إلى الملك و قال لهما: ألنا إله سوى آلهتنا؟
قالا: نعم من أوجدك و آلهتك؛ قال حتى أنظر في أمركما فحبسهما، ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكرا و عاشر أصحاب الملك حتى استأنسوا به و أوصلوه إلى الملك فآنس به، فقال له يوما: سمعت أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه، قال لا، فدعاهما فقال شمعون من أرسلكما قالا: اللّه الّذي خلق كل شيء و ليس له شريك، فقال صفاه و أوجزا، قالا: يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد، قال و ما آيتكما، قالا: ما يتمنى الملك، فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا اللّه حتى انشق له بصره، و أخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما، فقال شمعون أ رأيت لو سألت آلهتك حتى تصنع مثل هذا حتى يكون لك و لها الشرف، قال ليس لي عنك سر آلهتنا لا تسمع و لا تبصر و لا تضر و لا تنفع، ثم قال إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به، فأتوا بغلام مات منذ سبعة أيام فدعوا اللّه فقام و قال: إني أدخلت في سبعة أودية من النار و أنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا، و قال فتحت أبواب السماء فرأيت شابا حسنا يشفع لهؤلاء الثلاثة فقال الملك من هم قال شمعون و هذان فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن في جمع، و من لم يؤمن صاح عليهم جبريل عليه الصلاة و السلام فهلكوا.
[سورة يس (36): الآيات 15 الى 17]
قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لا مزية لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما تدعون، و رفع بشر لانتقاض النفي المقتضي إعمال ما بإلا. وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ وحي و رسالة. إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ في دعوى الرسالة.
قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ استشهدوا بعلم اللّه و هو يجري مجرى القسم، و زادوا اللام المؤكدة لأنه جواب عن إنكارهم.
وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته، و هو المحسن للاستشهاد فإنه لا يحسن إلا ببينة.
[سورة يس (36): الآيات 18 الى 19]
قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ تشاءمنا بكم، و ذلك لاستغرابهم ما ادعوه و استقباحهم له و تنفرهم عنه. لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عن مقالتكم هذه. لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَ لَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ .
قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ سبب شؤمكم معكم و هو سوء عقيدتكم و أعمالكم، و قرئ «طيركم معكم».
أَ إِنْ ذُكِّرْتُمْ وعظتم، و جواب الشرط محذوف مثل تطيرتم أو توعدتم بالرجم و التعذيب، و قد قرئ بألف بين الهمزتين و بفتح أن بمعنى أ تطيرتم لأن ذكرتم و إن و أن بغير الاستفهام و «أين ذكرتم» بمعنى طائركم معكم حيث جرى ذكركم و هو أبلغ. بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ قوم عادتكم الإسراف في العصيان فمن ثم جاءكم الشؤم، أو في الضلال و لذلك توعدتم و تشاءمتم بمن يجب أن يكرم و يتبرك به.
[سورة يس (36): الآيات 20 الى 21]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 266
وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى هو حبيب النجار و كان ينحت أصنامهم و هو ممن آمن بمحمّد عليه الصلاة و السلام و بينهما ستمائة سنة، و قيل كان في غار يعبد اللّه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم و أظهر دينه.
قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ .
اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً على النصح و تبليغ الرسالة. وَ هُمْ مُهْتَدُونَ إلى خير الدارين.
[سورة يس (36): الآيات 22 الى 24]
وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي على قراءة غير حمزة فإنه يسكن الياء في الوصل، تلطف في الإرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه و إمحاض النصح، حيث أراد لهم ما أراد لها و المراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره و لذلك قال: وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* مبالغة في التهديد ثم عاد إلى المساق الأول فقال:
أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً لا تنفعني شفاعتهم. وَ لا يُنْقِذُونِ بالنصرة و المظاهرة.
إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ فإن إيثار ما لا ينفع و لا يدفع ضرا بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع و الضر و إشراكه به ضلال بين لا يخفى على عاقل، و قرأ نافع و يعقوب و أبو عمرو بفتح الياء.
[سورة يس (36): الآيات 25 الى 27]
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ الّذي خلقكم، و قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو بفتح الياء. فَاسْمَعُونِ فاسمعوا إيماني، و قيل الخطاب للرسل فإنه لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحوهم قبل أن يقتلوه.
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قيل له ذلك لما قتلوه بشرى له بأنه من أهل الجنة، أو إكراما و إذنا في دخولها كسائر الشهداء، أو لما هموا بقتله رفعه اللّه إلى الجنة على ما قاله الحسن و إنما لم يقل له لأن الغرض بيان المقول دون المقول له فإنه معلوم، و الكلام استئناف في حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصلبه في نصر دينه و كذلك: قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ .
بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ فإنه جواب عن السؤال عن قوله عند ذلك القول، و إنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم على اكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر و الدخول في الإيمان و الطاعة على دأب الأولياء في كظم الغيظ و الترحم على الأعداء، أو ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره و أنه كان على حق، و قرئ «المكرّمين» و «ما» خبرية أو مصدرية و الباء صلة يَعْلَمُونَ أو استفهامية جاء على الأصل، و الباء صلة غفر أي بأي شيء غَفَرَ لي، يريد به المهاجرة عن دينهم و المصابرة على أذيتهم.
[سورة يس (36): آية 28]
وَ ما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ من بعد إهلاكه أو رفعه. مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ لإهلاكهم كما أرسلنا يوم بدر و الخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك، و فيه استحقار لإهلاكهم و إيماء بتعظيم الرسول عليه السلام.
وَ ما كُنَّا مُنْزِلِينَ و ما صح في حكمتنا أن ننزل جندا لإهلاك قومه إذ قدرنا لكل شيء سببا و جعلنا ذلك سببا لانتصارك من قومك، و قيل ما موصولة معطوفة على جُنْدٍ أي و مما كنا منزلين على من قبلهم من
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج4، ص: 267
حجارة و ريح و أمطار شديدة.
[سورة يس (36): الآيات 29 الى 30]
إِنْ كانَتْ ما كانت الأخذة أو العقوبة. إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً صاح بها جبريل عليه السلام، و قرئت بالرفع على كان التامة. فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ميتون، شبهوا بالنار رمزا إلى أن الحي كالنار الساطعة و الميت كرمادها كما قال لبيد:
و ما المرء إلّا كالشّهاب وضوئه
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع
يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ تعالي فهذه من الأحوال الّتي من حقها أن تحضري فيها، و هي ما دل عليها:
ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فإن المستهزئين بالناصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدارين أحقاء بأن يتحسروا و يتحسر عليهم، و قد تلهف على حالهم الملائكة و المؤمنون من الثقلين، و يجوز أن يكون تحسرا من اللّه عليهم على سبيل الاستعارة لتعظيم ما جنوه على أنفسهم و يؤيده قراءة يا حَسْرَتى و نصبها لطولها بالجار المتعلق بها، و قيل بإضمار فعلها و المنادى محذوف، و قرئ «يا حسرة العباد» بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول، و «يا حسره» بالهاء على العباد بإجراء الوصل مجرى الوقف.
[سورة يس (36): الآيات 31 الى 32]
أَ لَمْ يَرَوْا ألم يعلموا و هو معلق عن قوله: كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ لأن كَمْ لا يعمل فيها ما قبلها و إن كانت خبرية لأن أصلها الاستفهام. أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ بدل من كَمْ على المعنى أي ألم يروا كثرة إهلاكنا من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم، و قرئ بالكسر على الاستئناف.
وَ إِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ يوم القيامة للجزاء، و إِنْ مخففة من الثقيلة و اللام هي الفارقة و «ما» مزيدة للتأكيد، و قرأ ابن عامر و عاصم و حمزة لَمَّا بالتشديد بمعنى إلا فتكون إن نافية و جميع فعيل بمعنى مفعول، و لَدَيْنا ظرف له أو ل مُحْضَرُونَ .
[سورة يس (36): الآيات 33 الى 34]
وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ و قرأ نافع بالتشديد. أَحْيَيْناها خبر ل الْأَرْضُ ، و الجملة خبر آيَةٌ أو صفة لها إذ لم يرد بها معينة و هي الخبر أو المبتدأ و الآية خبرها، أو استئناف لبيان كونها آيَةٌ . وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا جنس الحب. فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ قدم الصلة للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل و يعاش به.