کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 8
و هي النفخة الثانية من زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها و أمرها في الإعادة كأمر كن في الإبداء و لذلك رتب عليها. فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون، أو ينتظرون ما يفعل بهم.
وَ قالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ اليوم الذي نجازي بأعمالنا و قد تم به كلامهم و قوله:
هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ جواب الملائكة، و قيل هو أيضا من كلام بعضهم لبعض و الفصل القضاء، أو الفرق بين المحسن و المسيء.
[سورة الصافات (37): الآيات 22 الى 23]
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا أمر اللّه للملائكة، أو أمر بعضهم لبعض بحشر الظلمة من مقامهم إلى الموقف.
و قيل منه إلى الجحيم. وَ أَزْواجَهُمْ و أشباههم عابد الصنم مع عبدة الصنم و عابد الكوكب مع عبدته كقوله تعالى: وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً أو نساءهم اللاتي على دينهم أو قرناءهم من الشياطين. وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام و غيرها زيادة في تحسيرهم و تخجيلهم، و هو عام مخصوص بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الآية، و فيه دليل على أن الَّذِينَ ظَلَمُوا هم المشركون. فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ فعرفوهم طريقا ليسلكوها.
[سورة الصافات (37): الآيات 24 الى 26]
وَ قِفُوهُمْ احبسوهم في الموقف. إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ عن عقائدهم و أعمالهم و الواو لا توجب الترتيب مع جواز أن يكون موقفهم متعددا.
ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ لا ينصر بعضكم بعضا بالتخليص، و هو توبيخ و تقريع.
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ منقادون لعجزهم و انسداد الحيل عليهم، و أصل الاستسلام طلب السلامة أو متسالمون كأنه يسلم بعضهم بعضا و يخذله.
[سورة الصافات (37): الآيات 27 الى 28]
وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يعني الرؤساء و الأتباع أو الكفرة و القرناء. يَتَساءَلُونَ يسأل بعضهم بعضا للتوبيخ و لذلك فسر بيتخاصمون.
قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ عن أقوى الوجوه و أيمنها، أو عن الدين أو عن الخير كأنكم تنفعوننا نفع السانح فتبعناكم و هلكنا، مستعار من يمين الإنسان الذي هو أقوى الجانبين و أشرفهما و أنفعهما و لذلك سمي يمينا و تيمن بالسانح، أو عن القوة و القهر فتقسروننا على الضلال، أو عن الحلف فإنهم كانوا يحلفون لهم أنهم على الحق.
[سورة الصافات (37): الآيات 29 الى 32]
قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ .
وَ ما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ أجابهم الرؤساء أولا بمنع إضلالهم بأنهم كانوا ضالين في أنفسهم، و ثانيا بأنهم ما أجبروهم على الكفر إذ لم يكن لهم عليهم تسلط و إنما جنحوا إليه لأنهم كانوا قوما مختارين الطغيان.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 9
فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ .
فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ ثم بينوا أن ضلال الفريقين و وقوعهم في العذاب كان أمرا مقضيا لا محيص لهم عنه، و أن غاية ما فعلوا بهم أنهم دعوهم إلى الغي لأنهم كانوا على الغي فأحبوا أن يكونوا مثلهم، و فيه إيماء بأن غوايتهم في الحقيقة ليست من قبلهم إذ لو كان كل غواية لإغواء غاو فمن أغواهم.
[سورة الصافات (37): الآيات 33 الى 35]
فَإِنَّهُمْ فإن الأتباع و المتبوعين. يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ كما كانوا مشتركين في الغواية.
إِنَّا كَذلِكَ مثل ذلك الفعل. نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ بالمشركين لقوله تعالى:
إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ أي عن كلمة التوحيد، أو على من يدعوهم إليه.
[سورة الصافات (37): الآيات 36 الى 39]
وَ يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ يعنون محمدا عليه الصلاة و السلام.
بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ رد عليهم بأن ما جاء به من التوحيد حق قام به البرهان و تطابق عليه المرسلون.
إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ بالإشراك و تكذيب الرسل، و قرئ بنصب الْعَذابِ ، على تقرير النون كقوله:
و لا ذاكر اللّه إلّا قليلا و هو ضعيف في غير المحلى باللام و على الأصل.
وَ ما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إلا مثل ما عملتم.
[سورة الصافات (37): الآيات 40 الى 43]
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ استثناء منقطع إلا أن يكون الضمير في تُجْزَوْنَ لجميع المكلفين فيكون استثناؤهم عنه باعتبار المماثلة، فإن ثوابهم مضاعف و المنقطع أيضا بهذا الاعتبار.
أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ خصائصه من الدوام، أو تمحض اللذة و لذلك فسره بقوله:
فَواكِهُ فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ دون التغذي و القوت بالعكس، و أهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل كانت أرزاقهم فواكه خالصة. وَ هُمْ مُكْرَمُونَ في نيله يصل إليهم من غير تعب و سؤال كما عليه رزق الدنيا.
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ في جنات ليس فيها إلا النعيم، و هو ظرف أو حال من المستكن في مُكْرَمُونَ ، أو خبر ثان ل أُولئِكَ و كذلك:
[سورة الصافات (37): الآيات 44 الى 47]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 10
عَلى سُرُرٍ يحتمل الحال أو الخبر فيكون: مُتَقابِلِينَ حالا من المستكن فيه أو في مُكْرَمُونَ ، و أن يتعلق ب مُتَقابِلِينَ فيكون حالا من ضمير مُكْرَمُونَ .
يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ بإناء فيه خمر أو خمر كقوله: و كأس شربت على لذّة. مِنْ مَعِينٍ من شراب معين أو نهر معين أي ظاهر للعيون، أو خارج من العيون و هو صفة للماء من عان الماء إذا نبع. وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء، أو للإشعار بأن ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من أنواع الأشربة لكمال اللذة، و كذلك قوله:
بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ و هما أيضا صفتان لكأس، و وصفها ب لَذَّةٍ إما للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب و وزنه فعل قال:
و لذّ كطعم الصرخديّ تركته
بأرض العدا من خشية الحدثان
لا فِيها غَوْلٌ غائلة كما في خمر الدنيا كالخمار من غاله يغوله إذا أفسده و منه الغول. وَ لا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف و منزوف إذا ذهب عقله، أفرده بالنفي و عطفه على ما يعمه لأنه من عظم فساده كأنه جنس برأسه، و قرأ حمزة و الكسائي بكسر الزاي و تابعهما عاصم في «الواقعة» من أنزف الشارب إذا نفد عقله أو شرابه، و أصله للنفاد يقال نزف المطعون إذا خرج دمه كله و نزحت الركية حتى نزفتها.
[سورة الصافات (37): الآيات 48 الى 49]
وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ قصرن أبصارهن على أزواجهن. عِينٌ نجل العيون جمع عيناء.
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ شبههن ببيض النعام المصون عن الغبار و نحوه في الصفاء و البياض المخلوط بأدنى صفرة فإنه أحسن ألوان الأبدان.
[سورة الصافات (37): الآيات 50 الى 53]
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ معطوف على يُطافُ عَلَيْهِمْ أي يشربون فيتحادثون على الشراب قال:
و ما بقيت من اللّذّات إلّا
أحاديث الكرام على المدام
و التعبير عنه بالماضي للتأكيد فيه فإنه ألذ تلك اللذات إلى العقل، و تساؤلهم عن المعارف و الفضائل و ما جرى لهم و عليهم في الدنيا.
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ في مكالمتهم. إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ جليس في الدنيا ...
يَقُولُ أَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ يوبخني على التصديق بالبعث، و قرئ بتشديد الصاد من التصدق.
أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَدِينُونَ لمجزيون من الدين بمعنى الجزاء.
[سورة الصافات (37): الآيات 54 الى 55]
قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (55)
قالَ أي ذلك القائل. هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين، و قيل القائل هو اللّه أو
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 11
بعض الملائكة يقول لهم: هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لأريكم ذلك القرين فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم؟ و عن أبي عمرو مُطَّلِعُونَ، فَاطَّلَعَ بالتخفيف و كسر النون و ضم الألف على أنه جعل اطلاعهم سبب اطلاعه من حيث أن أدب المجالسة يمنع الاستبداد به، أو خاطب الملائكة على وضع المتصل موضع المنفصل كقوله:
هم الآمرون الخير و الفاعلونه أو شبه اسم الفاعل بالمضارع.
فَاطَّلَعَ عليهم. فَرَآهُ أي قرينه. فِي سَواءِ الْجَحِيمِ وسطه.
[سورة الصافات (37): الآيات 56 الى 59]
قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ لتهلكني بالإغواء، و قرئ «لتغوين» و إِنْ هي المخففة و اللام هي الفارقة.
وَ لَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي بالهداية و العصمة. لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ معك فيها.
أَ فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ عطف على محذوف أي أ نحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين، أي بمن شأنه الموت و قرئ «بمائتين».
إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى التي كانت في الدنيا و هي متناولة لما في القبر بعد الإحياء للسؤال، و نصبها على المصدر من اسم الفاعل. و قيل على الاستثناء المنقطع. وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ كالكفار، و ذلك تمام كلامه لقرينه تقريعا له أو معاودة إلى مكالمة جلسائه تحدثا بنعمة اللّه، أو تبجحا بها و تعجبا منها و تعريضا للقرين بالتوبيخ.
[سورة الصافات (37): الآيات 60 الى 61]
إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61)
إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يحتمل أن يكون من كلامهم و أن يكون كلام اللّه لتقرير قوله و الإشارة إلى ما هم عليه من النعمة و الخلود و الأمن من العذاب.
لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ أي لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الانصرام، و هو أيضا يحتمل الأمرين.
[سورة الصافات (37): الآيات 62 الى 66]
أَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ شجرة ثمرها نزل أهل النار، و انتصاب نُزُلًا على التمييز أو الحال و في ذكره دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقام للنازل و لهم وراء ذلك ما تقصر عنه الأفهام، و كذلك الزقوم لأهل النار، و هو: اسم شجرة صغيرة الورق دفر مرة تكون بتهامة سميت به الشجرة الموصوفة.
إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ محنة و عذابا لهم في الآخرة، أو ابتلاء في الدنيا فإنهم لما سمعوا أنها في النار قالوا كيف ذلك و النار تحرق الشجر، و لم يعلموا أن من قدر على خلق حيوان يعيش في النار و يلتذ بها فهو أقدر على خلق الشجر في النار و حفظه من الإحراق.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 12
إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ منبتها في قعر جهنم و أغصانها ترتفع إلى دركاتها.
طَلْعُها حملها مستعار من طلع التمر لمشاركته إياه في الشكل، أو الطلوع من الشجر. كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ في تناهي القبح و الهول، و هو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق الحسن بالملك. و قيل الشَّياطِينِ حيات هائلة قبيحة المنظر لها أعراف، و لعلها سميت بها لذلك.
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها من الشجرة أو من طلعها. فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ لغلبة الجوع أو الجبر على أكلها.
[سورة الصافات (37): الآيات 67 الى 68]
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها أي بعد ما شبعوا منها و غلبهم العطش و طال استسقاؤهم، و يجوز أن يكون ثم لما في شرابهم من مزيد الكراهة و البشاعة. لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ لشرابا من غساق، أو صديد مشوبا بماء حميم يقطع أمعاءهم، و قرئ بالضم و هو اسم ما يشاب به و الأوّل مصدر سمي به.
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ مصيرهم. لَإِلَى الْجَحِيمِ إلى دركاتها أو إلى نفسها، فإن الزقوم و الحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولهم، و قيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ يوردون إليه كما تورد الإبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم، و يؤيده أنه قرئ «ثم إن منقلبهم».
[سورة الصافات (37): الآيات 69 الى 74]
إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الضلال، و الإهراع: الإسراع الشديد كأنهم يزعجون على الإسراع على آثارِهِمْ ، و فيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر و بحث.
وَ لَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ قبل قومك. أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ .
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ أنبياء أنذروهم من العواقب.
فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ من الشدة و الفظاعة.
إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم للّه، و قرئ بالفتح أي الذين أخلصهم اللّه لدينه و الخطاب مع الرسول صلّى اللّه عليه و سلم، و المقصود خطاب قومه فإنهم أيضا سمعوا أخبارهم و رأوا آثارهم.
[سورة الصافات (37): الآيات 75 الى 78]
وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها، أي و لقد دعانا حين أيس من قومه. فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ أي فأجبناه أحسن الإجابة فو اللّه لنعم المجيبون نحن، فحذف منها ما حذف لقيام ما يدل عليه.
وَ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ من الغرق أو أذى قومه.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 13
وَ جَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ إذ هلك من عداهم و بقوا متناسلين إلى يوم القيامة، إذ
روي أنه مات كل من كان معه في السفينة غير بنيه و أزواجهم.
وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ من الأمم.
[سورة الصافات (37): الآيات 79 الى 82]
سَلامٌ عَلى نُوحٍ هذا الكلام جيء به على الحكاية و المعنى يسلمون عليه تسليما. و قيل هو سلام من اللّه عليه و مفعول تَرَكْنا محذوف مثل الثناء. فِي الْعالَمِينَ متعلق بالجار و المجرور و معناه الدعاء بثبوت هذه التحية في الملائكة و الثقلين جميعا.
إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ تعليل لما فعل بنوح من التكرمة بأنه مجازاة له على إحسانه.
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ تعليل لإحسانه بالإيمان إظهارا لجلالة قدره و أصالة أمره.
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ يعني كفار قومه.
[سورة الصافات (37): الآيات 83 الى 87]
وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ ممن شايعه في الإيمان و أصول الشريعة. لَإِبْراهِيمَ و لا يبعد اتفاق شرعهما في الفروع أو غالبا، و كان بينهما ألفان و ستمائة و أربعون سنة، و كان بينهما نبيان هود و صالح.
إِذْ جاءَ رَبَّهُ متعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة أو بمحذوف هو اذكر. بِقَلْبٍ سَلِيمٍ من آفات القلوب أو من العلائق خالص للّه أو مخلص له، و قيل حزين من السليم بمعنى اللديغ. و معنى المجيء به ربه: إخلاصه له كأنه جاء به متحفا إياه.
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ بدل من الأولى أو ظرف ل جاءَ أو سَلِيمٍ .
أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ أي تريدون آلهة دون اللّه إفكا مقدم المفعول للعناية ثم المفعول له لأن الأهم أن يقرر أنهم على الباطل و مبنى أمرهم على الإفك، و يجوز أن يكون إفكا مفعولا به و آلِهَةً بدل منه على أنها إفك في نفسها للمبالغة، أو المراد بها عبادتها بحذف المضاف أو حالا بمعنى آفكين.
فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ بمن هو حقيق بالعبادة لكونه ربا للعالمين حتى تركتم عبادته، أو أشركتم به غيره أو أمنتم من عذابه، و المعنى إنكار ما يوجب ظنا فضلا عن قطع يصد عن عبادته، أو يجوز الإشراك به أو يقتضي الأمن من عقابه على طريقة الإلزام و هو كالحجة على ما قبله.
[سورة الصافات (37): الآيات 88 الى 90]
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فرأى مواقعها و اتصالاتها، أو في علمها أو في كتابها، و لا منع منه مع أن قصده إيهامهم و ذلك حين سألوه أن يعبد معهم.
فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ أراهم أنه استدل بها لأنهم كانوا منجمين على أنه مشارف للسقم لئلا يخرجوه إلى معبدهم، فإنه كان أغلب أسقامهم الطاعون و كانوا يخافون العدوى، أو أراد إني سقيم القلب لكفركم، أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا قل من يخلو منه أو بصدد الموت و منه المثل: كفى بالسلامة داء، و قول لبيد:
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 14
فدعوت ربّي بالسّلامة جاهدا
ليصحّني فإذا السّلامة داء
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ هاربين مخافة العدوى.
[سورة الصافات (37): الآيات 91 الى 93]
فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فذهب إليها في خفية من روغة الثعلب و أصله الميل بحيلة. فَقالَ أي للأصنام استهزاء. أَ لا تَأْكُلُونَ يعني الطعام الذي كان عندهم.
ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ بجوابي.
فَراغَ عَلَيْهِمْ فمال عليهم مستخفيا، و التعدية بعلى للاستعلاء و إن الميل لمكروه. ضَرْباً بِالْيَمِينِ مصدر «لراغ عليهم» لأنه في معنى ضربهم، أو لمضمر تقديره فراغ عليهم يضربهم و تقييده باليمين للدلالة على قوته فإن قوة الآلة تستدعي قوة الفعل، و قيل بِالْيَمِينِ بسبب الحلف و هو قوله: تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ .
[سورة الصافات (37): الآيات 94 الى 96]
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ إلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام بعد ما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة و بحثوا عن كاسرها فظنوا أنه هو كما شرحه في قوله: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا الآية. يَزِفُّونَ يسرعون من زفيف النعام. و قرى حمزة على بناء المفعول من أزفه أي يحملون على الزفيف. و قرئ «يزفون» أي يزف بعضهم بعضا، و «يزفون» من وزف يزف إذا أسرع و «يزفون» من زفاه إذا حداه كأن بعضهم يزفو بعضا لتسارعهم إليه قالَ أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ما تنحتونه من الأصنام.
وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ أي و ما تعملونه فإن جوهرها بخلقه و شكلها و إن كان بفعلهم، و لذلك جعل من أعمالهم فبإقداره إياهم عليه و خلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي و العدد، أو عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون، أو أنه بمعنى الحدث فإن فعلهم إذا كان بخلق اللّه تعالى فيهم كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك، و بهذا المعنى تمسك أصحابنا على خلق الأعمال و لهم أن يرجحوه على الأولين لما فيهما من حذف أو مجاز.
[سورة الصافات (37): الآيات 97 الى 98]
قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ في النار الشديدة من الجحمة و هي شدة التأجج، و اللام بدل الإضافة أي جحيم ذلك البنيان.
فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة عجزهم. فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ الأذلين بإبطال كيدهم و جعله برهانا نيرا على علو شأنه، حيث جعل النار عليه بردا و سلاما.
[سورة الصافات (37): الآيات 99 الى 101]
وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي إلى حيث أمرني ربي و هو الشام، أو حيث أتجرد فيه لعبادته. سَيَهْدِينِ إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي، و إنما بت القول لسبق وعده أو لفرط توكله، أو البناء على عادته معه و لم يكن كذلك حال موسى عليه الصلاة و السلام حين قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ فلذلك ذكر بصيغة التوقع.