کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 100
رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما خبر آخر أو استئناف. و قرأ الكوفيون بالجر بدلا مِنْ رَبِّكَ .
إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي إن كنتم من أهل الإيقان في العلوم، أو كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم من خلقها؟
فقلتم اللّه، علمتم أن الأمر كما قلنا، أو إن كنتم مريدين اليقين فاعلموا ذلك.
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا خالق سواه. يُحْيِي وَ يُمِيتُ كما تشاهدون. رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ و قرئا بالجر بدلا مِنْ رَبِّكَ .
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ رد لكونهم موقنين.
[سورة الدخان (44): الآيات 10 الى 11]
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11)
فَارْتَقِبْ فانتظر لهم. يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يوم شدة و مجاعة فإن الجائع يرى بينه و بين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره، أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار و كثرة الغبار، أو لأن العرب تسمي الشر الغالب دخانا و قد قحطوا حتى أكلوا جيف الكلاب و عظامها، و إسناد الإتيان إلى السماء لأن ذلك يكفه عن الأمطار، أو يوم ظهور الدخان المعدود في أشراط الساعة لما
روي أنه عليه الصلاة و السلام لما قال: أول الآيات الدخان و نزول عيسى عليه السلام، و نار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر. قيل و ما الدخان فتلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم الآية و قال: «يملأ ما بين المشرق و المغرب يمكث أربعين يوما و ليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام و أما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه و أذنيه و دبره»
أو يوم القيامة و الدخان يحتمل المعنيين.
يَغْشَى النَّاسَ يحيط بهم صفة للدخان و قوله: هذا عَذابٌ أَلِيمٌ .
[سورة الدخان (44): الآيات 12 الى 14]
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ مقدر بقول وقع حالا و إِنَّا مُؤْمِنُونَ وعد بالإيمان إن كشف العذاب عنهم.
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى من أين لهم و كيف يتذكرون بهذه الحالة. وَ قَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ بين لهم ما هو أعظم منها في إيجاب الإذكار من الآيات و المعجزات.
ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ أي قال بعضهم يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف و قال آخرون إنه مَجْنُونٌ .
[سورة الدخان (44): الآيات 15 الى 16]
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ بدعاء النبي عليه الصلاة و السلام فإنه لما دعا رفع القحط قَلِيلًا كشفا قليلا أو زمانا قليلا و هو ما بقي من أعمارهم. إِنَّكُمْ عائِدُونَ إلى الكفر غب الكشف، و من فسر الدخان بما هو من الأشراط قال إذا جاء الدخان غوّث الكفار بالدعاء فيكشفه اللّه عنهم بعد الأربعين، فريثما يكشفه عنهم يرتدون، و من فسره بما في القيامة أوّله بالشرط و التقدير:
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى يوم القيامة أو يوم بدر ظرف لفعل دل عليه. إِنَّا مُنْتَقِمُونَ لا لمنتقمون فإن إن تحجزه عنه، أو بدل من يَوْمَ تَأْتِي . و قرئ «نبطش» أي نجعل البطشة الكبرى باطشة بهم، أو تحمل الملائكة على بطشهم و هو التناول بصولة.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 101
[سورة الدخان (44): الآيات 17 الى 18]
وَ لَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ امتحناهم بإرسال موسى عليه السلام إليهم، أو أوقعناهم في الفتنة بالإمهال و توسيع الرزق عليهم. و قرئ بالتشديد للتأكيد أو لكثرة القوم. وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ على اللّه أو على المؤمنين أو في نفسه لشرف نسبه و فضل حسبه.
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ بأن أدوهم إليّ و أرسلوهم معي، أو بأن أدوا إلي حق اللّه من الإيمان و قبول الدعوة يا عباد اللّه، و يجوز أن تكون أَنْ مخففة و مفسرة لأن مجيء الرسول يكون برسالة و دعوة. إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ غير متهم لدلالة المعجزات على صدقه، أو لائتمان اللّه إياه على وحيه و هو علة الأمر.
[سورة الدخان (44): الآيات 19 الى 20]
وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ و لا تتكبروا عليه بالاستهانة بوحيه و رسوله، و أَنْ كالأولى في وجهيها.
إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ علة للنهي و لذكر ال أَمِينٌ مع الأداء، و السلطان مع العلاء شأن لا يخفى.
وَ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ التجأت إليه و توكلت عليه. أَنْ تَرْجُمُونِ أن تؤذوني ضربا أو شتما أو أن تقتلوني. و قرئ «عت» بالإدغام فيه.
[سورة الدخان (44): الآيات 21 الى 22]
وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)
وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ فكونوا بمعزل مني لا علي و لا لي، و لا تتعرضوا إليّ بسوء فإنه ليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم.
فَدَعا رَبَّهُ بعد ما كذبوه. أَنَّ هؤُلاءِ بأن هؤلاء قَوْمٌ مُجْرِمُونَ و هو تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به و لذلك سماه دعاء، و قرئ بالكسر على إضمار القول.
[سورة الدخان (44): الآيات 23 الى 24]
فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا أي فقال أسر أو قال إن كان الأمر كذلك فَأَسْرِ ، و قرأ نافع و أبو عمرو و ابن كثير بوصل الهمزة من سرى إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ يتبعكم فرعون و جنوده إذا علموا بخروجكم.
وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً مفتوحا ذا فجوة واسعة أو ساكنا على هيئته بعد ما جاوزته و لا تضربه بعصاك و لا تغير منه شيئا ليدخله القبط إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ و قرئ بالفتح بمعنى لأنهم.
[سورة الدخان (44): الآيات 25 الى 27]
كَمْ تَرَكُوا كثيرا تركوا. مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ .
وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ محافل مزينة و منازل حسنة.
وَ نَعْمَةٍ و تنعم. كانُوا فِيها فاكِهِينَ متنعمين، و قرئ «فكهين».
[سورة الدخان (44): الآيات 28 الى 29]
كَذلِكَ مثل ذلك الإخراج أخرجناهم أو الأمر كذلك. وَ أَوْرَثْناها عطف على المقدر أو على تَرَكُوا . قَوْماً آخَرِينَ ليسوا منهم في شيء و هم بنو إسرائيل، و قيل غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 102
فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم و الاعتداد بوجودهم كقولهم:
بكت عليهم السماء و الأرض و كسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك. و منه ما
روي في الأخبار: إن المؤمن ليبكي عليه مصلاه و محل عبادته و مصعد عمله و مهبط رزقه.
و قيل تقديره فما بكت عليهم أهل السماء و الأرض وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ ممهلين إلى وقت آخر.
[سورة الدخان (44): الآيات 30 الى 31]
وَ لَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ من استعباد فرعون و قتله أبناءهم.
مِنْ فِرْعَوْنَ بدل من الْعَذابِ على حذف المضاف، أو جعله عذاب لإفراطه في التعذيب، أو حال من المهين بمعنى واقعا من جهته، و قرئ «من فرعون» على الاستفهام تنكير له لنكر ما كان عليه من الشيطنة. إِنَّهُ كانَ عالِياً متكبرا. مِنَ الْمُسْرِفِينَ في العتو و الشرارة، و هو خبر ثان أي كان متكبرا مسرفا، أو حال من الضمير في عالِياً أي كان رفيع الطبقة من بينهم.
[سورة الدخان (44): الآيات 32 الى 33]
وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ اخترنا بني إسرائيل. عَلى عِلْمٍ عالمين بأنهم أحقاء بذلك، أو مع علم منا بأنهم يزيغون في بعض الأحوال. عَلَى الْعالَمِينَ لكثرة الأنبياء فيهم أو على عالمي زمانهم.
وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ كفلق البحر و تظليل الغمام و إنزال المن و السلوى. ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ نعمة جلية أو اختبار ظاهر.
[سورة الدخان (44): الآيات 34 الى 35]
إِنَّ هؤُلاءِ يعني كفار قريش لأن الكلام فيهم و قصة فرعون و قومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة، و الإنذار عن مثل ما حل بهم. لَيَقُولُونَ .
إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى ما العاقبة و نهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية، و لا قصد فيه إلى إثبات ثانية كما في قولك. حج زيد الحجة الأولى و مات. و قيل لما قيل إنكم تموتون موتة يعقبها حياة كما تقدم منكم موتة كذلك قالوا إن هي إلا موتتنا الأولى، أي ما الموتة التي من شأنها كذلك إلا الموتة الأولى. وَ ما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ بمبعوثين.
[سورة الدخان (44): الآيات 36 الى 37]
فَأْتُوا بِآبائِنا خطاب لمن وعدهم بالنشور من الرسول و المؤمنين. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في وعدكم ليدل عليه.
أَ هُمْ خَيْرٌ في القوة و المنعة. أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ تبع الحميري الذي سار بالجيوش و حير الحيرة و بنى سمرقند.
و قيل هدمها و كان مؤمنا و قومه كافرين و لذلك ذمهم دونه. و
عنه عليه الصلاة و السلام: «ما أدري أ كان تبع نبيا أم غير نبي».
و قيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل لهم الأقيال لأنهم يتقيلون. وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كعاد و ثمود. أَهْلَكْناهُمْ استئناف بمآل قوم تبع، وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو خبر من الموصول إن استؤنف به. إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ بيان للجامع المقتضي للإهلاك.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 103
[سورة الدخان (44): الآيات 38 الى 39]
وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما و ما بين الجنسين و قرئ «و ما بينهن». لاعِبِينَ لاهين، و هو دليل على صحة الحشر كما مر في الأنبياء و غيرها.
ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ إلا بسبب الحق الذي اقتضاه الدليل من الإيمان و الطاعة، أو البعث و الجزاء.
وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ لقلة نظرهم.
[سورة الدخان (44): الآيات 40 الى 42]
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ فصل الحق عن الباطل، أو المحق عن المبطل بالجزاء، أو فصل الرجل عن أقاربه و أحبائه. مِيقاتُهُمْ وقت موعدهم. أَجْمَعِينَ و قرئ «ميقاتهم» بالنصب على أنه الاسم أي إن ميعاد جزائهم في يَوْمَ الْفَصْلِ .
يَوْمَ لا يُغْنِي بدل من يَوْمَ الْفَصْلِ أو صفة ل مِيقاتُهُمْ ، أو ظرف لما دل عليه الفصل لا له الفصل. مَوْلًى من قرابة أو غيرها. عَنْ مَوْلًى أي مولى كان. شَيْئاً من الإغناء. وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ الضمير ل مَوْلًى الأول باعتبار المعنى لأنه عام.
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ بالعفو عنه و قبول الشفاعة فيه، و محله الرفع على البدل من الواو أو النصب على الاستثناء إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ لا ينصر منه من أراد تعذيبه. الرَّحِيمُ لمن أراد أن يرحمه.
[سورة الدخان (44): الآيات 43 الى 46]
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ و قرئ بكسر الشين و معنى الزَّقُّومِ سبق في «الصافات».
طَعامُ الْأَثِيمِ الكثير الأثام، و المراد به الكافر لدلالة ما قبله و ما بعده عليه.
كَالْمُهْلِ و هو ما يمهل في النار حتى يذوب. و قيل دردي الزيت. تغلي في البطون و قرأ ابن كثير و حفص و رويس بالياء على أن الضمير لل طَعامُ ، أو الزَّقُّومِ لا «للمهل» إذ الأظهر أن الجملة حال من أحدهما.
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ غليانا مثل غليه.
[سورة الدخان (44): الآيات 47 الى 50]
خُذُوهُ على إرادة القول و المقول له الزبانية. فَاعْتِلُوهُ فجروه و العتل الأخذ بمجامع الشيء و جره بقهر، و قرأ الحجازيان و ابن عامر و يعقوب بالضم و هما لغتان. إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ وسطه.
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ كان أصله يصب من فوق رؤوسهم الحميم فقيل يصب من فَوْقَ رؤوسهم عَذابِ هو الْحَمِيمِ للمبالغة، ثم أضيف ال عَذابِ إلى الْحَمِيمِ للتخفيف و زيد من للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 104
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أي و قولوا له ذلك استهزاء به و تقريعا على ما كان يزعمه، و قرأ الكسائي إِنَّكَ بالفتح أي ذق لأنك أو عَذابِ إِنَّكَ .
إِنَّ هذا إن هذا. العذاب. ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ تشكون و تمارون فيه.
[سورة الدخان (44): الآيات 51 الى 57]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ في موضع إقامة، و قرأ نافع و ابن عامر بضم الميم أَمِينٍ يأمن صاحبه عن الآفة و الانتقال.
فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ بدل من مقام جيء به للدلالة على نزاهته، و اشتماله على ما يستلذ به من المآكل و المشارب.
يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ خبر ثان أو حال من الضمير في الجار أو استئناف، و السندس ما رقّ من الحرير و الإستبرق ما غلظ منه معرب استبره، أو مشتق من البراقة. مُتَقابِلِينَ في مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض. كَذلِكَ الأمر كذلك أو آتيناهم مثل ذلك. وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ قرناهم بهن و لذلك عدي بالباء، و الحوراء البيضاء و العيناء عظيمة العينين، و اختلف في أنهن نساء الدنيا أو غيرها.
يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ يطلبون و يأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه لا يتخصص شيء منها بمكان و لا بزمان. آمِنِينَ من الضرر.
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى بل يحيون فيها دائما، و الاستثناء منقطع أو متصل و الضمير للآخرة و الْمَوْتَ أول أحوالها، أو الجنة و المؤمن يشارفها بالموت و يشاهدها عنده فكأنه فيها، أو الاستثناء للمبالغة في تعميم النفي و امتناع الْمَوْتَ فكأنه قال: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إلا إذا أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل. وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ و قرئ «و وقّاهم» على المبالغة.
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ أي أعطوا كل ذلك عطاء و تفضلا منه. و قرئ بالرفع أي ذلك فضل. ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لأنه خلاص عن المكاره و فوز بالمطالب.
[سورة الدخان (44): الآيات 58 الى 59]
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ سهلناه حيث أنزلناه بلغتك و هو فذلكة السورة. لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ لعلهم يفهمونه فيتذكرون به ما لم يتذكروا.
فَارْتَقِبْ فانتظر ما يحل بهم. إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ منتظرون ما يحل بك.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ حم الدخان ليلة جمعة أصبح مغفورا له».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 105
(45) سورة الجاثية
مكية و آيها سبع أو ست و ثلاثون آية
[سورة الجاثية (45): الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ إن جعلت حم مبتدأ خبره تَنْزِيلُ الْكِتابِ احتجت إلى إضمار مثل ذلك تَنْزِيلُ حم ، و إن جعلتها تعديدا للحروف كان تَنْزِيلُ مبتدأ خبره: مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ و قيل حم مقسم به و تَنْزِيلُ الْكِتابِ صفته و جواب القسم:
إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ و هو يحتمل أن يكون على ظاهره و أن يكون المعنى إن في خلق السموات لقوله:
وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ و لا يحسن عطف ما على الضمير المجرور بل عطفه على المضاف إليه بأحد الاحتمالين، فإن بثه و تنوعه و استجماعه لما به يتم معاشه إلى غير ذلك دلائل على وجود الصانع المختار. آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ محمول على محل إن و اسمها، و قرأ حمزة و الكسائي و يعقوب بالنصب حملا على الاسم.
[سورة الجاثية (45): الآيات 5 الى 6]
وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ من مطر و سماه رزقا لأنه سببه. فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها يبسها. وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ باختلاف جهاتها و أحوالها، و قرأ حمزة و الكسائي «و تصريف الريح». آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فيه القراءتان و يلزمهما العطف على عاملين في و الابتداء، أو إن إلا أن يضمر في أو ينصب آياتٌ على الاختصاص أو يرفع بإضمار هي، و لعل اختلاف الفواصل الثلاث لاختلاف الآيات في الدقة و الظهور.
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ أي تلك الآيات دلائله نَتْلُوها عَلَيْكَ حال عاملها معنى الإشارة. بِالْحَقِ ملتبسين به أو ملتبسة به. فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ أي بعد آيات الله، و تقديم اسم اللَّهِ للمبالغة و التعظيم كما في قولك أعجبني زيد و كرمه أو بعد حديث اللَّهِ و هو القرآن كقوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ و آياتِهِ دلائله المتلوة أو القرآن، و العطف لتغاير الوصفين. و قرأ الحجازيان و حفص و أبو عمرو و روح يُؤْمِنُونَ بالياء ليوافق ما قبله.
[سورة الجاثية (45): الآيات 7 الى 10]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 106
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ كذاب. أَثِيمٍ كثير الآثام.
يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ يقيم على كفره. مُسْتَكْبِراً عن الإيمان بالآيات و ثُمَ لاستبعاد الإصرار بعد سماع الآيات كقوله: يرى غمرات ثمّ يزورها. كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أي كأنه فخففت و حذف ضمير الشأن و الجملة في موضع الحال، أي يصر مثل غير السامع. فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ على إصراره و البشارة على الأصل أو التهكم.
وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً و إذا بلغه شيء من آياتِنا و علم أنه منها. اتَّخَذَها هُزُواً لذلك من غير أن يرى فيها ما يناسب الهزء، و الضمير ل آياتِنا و فائدته الإشعار بأنه إذا سمع كلاما و علم أنه من الآيات بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها و لم يقتصر على ما سمعه، أو لشيء لأنه بمعنى الآية. أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ .
مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ من قدامهم لأنهم متوجهون إليها، أو من خلفهم لأنها بعد آجالهم. وَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ و لا يدفع عنهم. ما كَسَبُوا من الأموال و الأولاد. شَيْئاً من عذاب اللّه. وَ لا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ أي الأصنام. وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لا يتحملونه.
[سورة الجاثية (45): آية 11]
هذا هُدىً وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)
هذا هُدىً الإشارة إلى القرآن و يدل عليه قوله: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ و قرأ ابن كثير و يعقوب و حفص برفع أَلِيمٌ و ال رِجْزٍ أشد العذاب.
[سورة الجاثية (45): الآيات 12 الى 13]
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ بأن جعله أملس السطح يطفو عليه ما يتخلخل كالأخشاب و لا يمنع الغوص فيه. لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ بتسخيره و أنتم راكبوها. وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ التجارة و الغوص و الصيد و غيرها. وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ هذه النعم.
وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً بأن خلقها نافعة لكم. مِنْهُ حال من ما أي سخر هذه الأشياء كائنة منه، أو خبر لمحذوف أي هي جميعا منه، أو ل ما فِي السَّماواتِ وَ سَخَّرَ لَكُمْ تكرير للتأكيد أو ل ما فِي الْأَرْضِ ، و قرئ منه على المفعول له و منه على أنه فاعل سَخَّرَ على الإسناد المجازي أو خبر محذوف. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في صنائعه.
[سورة الجاثية (45): الآيات 14 الى 15]