کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 139
(50) سورة ق
مكية، و هي خمس و أربعون آية
[سورة ق (50): الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ الكلام فيه كما مر في ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ . و الْمَجِيدِ ذو المجد و الشرف على سائر الكتب، أو لأنه كلام المجيد، أو لأن من علم معانيه و امتثل أحكامه مجد.
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب، و هو أن ينذرهم أحد من جنسهم أو من أبناء جلدتهم. فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ حكاية لتعجبهم، و هذا إشارة إلى اختيار اللّه محمدا للرسالة، و إضمار ذكرهم ثم إظهاره للأشعار بتعنتهم بهذا المقال، ثم التسجيل على كفرهم بذلك أو عطف لتعجبهم من البعث على تعجبهم من البعثة، و المبالغة فيه بوضع الظاهر موضع ضميرهم و حكاية تعجبهم مبهما إن كانت الإشارة إلى مبهم يفسره ما بعده، أو مجملا إن كانت الإشارة إلى محذوف دل عليه منذر، ثم تفسيره أو تفصيله لأنه أدخل في الإنكار إذ الأول استبعاد لأن يفضل عليهم مثلهم، و الثاني استقصار لقدرة اللّه تعالى عما هو أهون مما يشاهدون من صنعه.
أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً أي أ نرجع إذا متنا و صرنا ترابا، و يدل على المحذوف قوله: ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ أي بعيد عن الوهم أو العادة أو الإمكان. و قيل الرجع بمعنى المرجوع.
[سورة ق (50): الآيات 4 الى 5]
قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ما تأكل من أجساد موتاهم، و هو رد لاستبعادهم بإزاحة ما هو الأصل فيه، و قيل إنه جواب القسم و اللام محذوف لطول الكلام. وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ حافظ لتفاصيل الأشياء كلها، أو محفوظ عن التغيير، و المراد إما تمثيل علمه بتفاصيل الأشياء بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه، أو تأكيد لعلمه بها بثبوتها في اللوح المحفوظ عنده.
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ يعني النبوة الثابتة بالمعجزات، أو النبي صلّى اللّه عليه و سلم، أو القرآن. لَمَّا جاءَهُمْ و قرئ «لمّا» بالكسر. فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ مضطرب من مرج الخاتم في إصبعه إذا خرج، و ذلك قولهم تارة أنه شاعِرٌ* و تارة أنه ساحِرٌ* و تارة أنه كاهن.
[سورة ق (50): الآيات 6 الى 8]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 140
أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا حين كفروا بالبعث. إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ إلى آثار قدرة اللّه تعالى في خلق العالم.
كَيْفَ بَنَيْناها رفعناها بلا عمد. وَ زَيَّنَّاها بالكواكب. وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ فتوق بأن خلقها ملساء متلاصقة الطباق.
وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها بسطناها. وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالا ثوابت. وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي من كل صنف. بَهِيجٍ حسن.
تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ راجع إلى ربه متفكر في بدائع صنعه، و هما علتان للأفعال المذكورة معنى و إن انتصبتا عن الفعل الأخير.
[سورة ق (50): الآيات 9 الى 11]
وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً كثير المنافع فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ أشجارا و أثمارا. وَ حَبَّ الْحَصِيدِ و حب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالبر و الشعير.
وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ طوالا أو حوامل من أبسقت الشاة إذا حملت فيكون من أفعل فهو فاعل، و إفرادها بالذكر لفرط ارتفاعها و كثرة منافعها. و قرئ «باصقات» لأجل القاف. لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ منضود بعضه فوق بعض، و المراد تراكم الطلع أو كثرة ما فيه من الثمر.
رِزْقاً لِلْعِبادِ علة ل أَنْبَتْنا أو مصدر، فإن الإنبات رزق. وَ أَحْيَيْنا بِهِ بذلك الماء. بَلْدَةً مَيْتاً أرضا جدبة لا نماء فيها. كَذلِكَ الْخُرُوجُ كما حييت هذه البلدة يكون خروجكم أحياء بعد موتكم.
[سورة ق (50): الآيات 12 الى 14]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ أَصْحابُ الرَّسِّ وَ ثَمُودُ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ أراد بفرعون إياه و قومه ليلائم ما قبله و ما بعده. وَ إِخْوانُ لُوطٍ أخدانه لأنهم كانوا أصهاره.
وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَ قَوْمُ تُبَّعٍ سبق في «الحجر» و «الدخان». كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ أي كل واحد أو قوم منهم أو جميعهم، و إفراد الضمير لإفراد لفظه. فَحَقَّ وَعِيدِ فوجب و حل عليه و عيدي، و فيه تسلية للرسول صلى اللّه عليه و سلم و تهديد لهم.
[سورة ق (50): الآيات 15 الى 16]
أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ أي أ فعجزنا عن الإبداء حتى نعجز عن الإعادة، من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله و الهمزة فيه للإنكار. بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ أي هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأول بل هم في خلط، و شبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة، و تنكير الخلق الجديد لتعظيم شأنه و الإشعار بأنه على وجه غير متعارف و لا معتاد.
وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ما تحدثه به نفسه و هو ما يخطر بالبال، و الوسوسة الصوت الخفي و منها وسواس الحلي، و الضمير ل ما إن جعلت موصولة و الباء مثلها في صوت بكذا، أو ل الْإِنْسانَ إن جعلت مصدرية و الباء للتعدية. وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ أي و نحن أعلم بحاله ممن
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 141
كان أقرب إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبه و حَبْلِ الْوَرِيدِ مثل في القرب قال: و الموت أدنى من الوريد. و ال حَبْلِ العرق و إضافته للبيان، و الوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه، و قيل سمي وريدا لأن الروح ترده.
[سورة ق (50): الآيات 17 الى 18]
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ مقدر باذكر أو متعلق ب أَقْرَبُ ، أي هو أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقى أي يتلقن الحفيظان ما يتلفظ به، و فيه إيذان بأنه غني عن استحفاظ الملكين فإنه أعلم منهما و مطلع على ما يخفى عليهما، لكنه لحكمة اقتضته و هي ما فيه من تشديد يثبط العبد عن المعصية، و تأكيد في اعتبار الأعمال و ضبطها للجزاء و إلزام للحجة يوم يقوم الاشهاد. عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ أي عَنِ الْيَمِينِ قعيد وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ، أي مقاعد كالجليس فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كقوله: فإني و قيار بها لغريب.
و قد يطلق الفعيل للواحد و المتعدد كقوله: وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ .
ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ ما يرمي به من فيه. إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ ملك يرقب عمله. عَتِيدٌ معد حاضر، و لعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب و
في الحديث «كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا، و إذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر».
[سورة ق (50): الآيات 19 الى 20]
وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ لما ذكر استبعادهم البعث للجزاء و أزاح ذلك بتحقيق قدرته و علمه أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت و قيام الساعة، و نبه على اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي، و سكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل و الباء للتعدية كما في قولك: جاء زيد بعمرو. و المعنى و أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر أو الموعود الحق، أو الحق الذي ينبغي أن يكون من الموت أو الجزاء، فإن الإنسان خلق له أو مثل الباء في تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ . و قرئ «سكرة الحق بالموت» على أنها لشدتها اقتضت الزهوق أو لاستعقابها له كأنها جاءت به، أو على أن الباء بمعنى مع. و قيل سكرة الحق سكرة اللّه و إضافتها إليه للتهويل. و قرئ «سكرات الموت». ذلِكَ أي الموت. ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ تميل و تنفر عنه و الخطاب للإنسان.
وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ يعني نفخة البعث. ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ أي وقت ذلك يوم تحقق الوعيد و إنجازه و الإشارة إلى مصدر نُفِخَ .
[سورة ق (50): الآيات 21 الى 22]
وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ ملكان أحدهما يسوقه و الآخر يشهد بعمله، أو ملك جامع للوصفين. و قيل السائق كاتب السيئات، و الشهيد كاتب الحسنات. و قيل السائق نفسه أو قرينه و الشهيد جوارحه أو أعماله، و محل مَعَها النصب على الحال من كل لإضافته إلى ما هو في حكم المعرفة.
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا على إضمار القول و الخطاب لِكُلِّ نَفْسٍ إذ ما من أحد إلا و له اشتغال ما عن الآخرة أو للكفار. فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ الغطاء الحاجب لأمور المعاد، و هو الغفلة و الانهماك في المحسوسات و الإلف بها و قصور النظر عليها. فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ نافذ لزوال المانع للإبصار. و قيل
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 142
الخطاب للنبي عليه الصلاة و السلام و المعنى: كنت في غفلة من أمر الديانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي و تعليم القرآن، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ترى ما لا يرون و تعلم ما لا يعلمون. و يؤيد الأول قراءة من كسر التاء و الكافات على خطاب النفس.
[سورة ق (50): الآيات 23 الى 25]
وَ قالَ قَرِينُهُ قال الملك الموكل عليه. هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لدي، أو الشيطان الذي قيض له هذا ما عندي و في ملكتي عتيد لجهنم هيأته لها باغوائي و إضلالي، و ما إن جعلت موصوفة ف عَتِيدٌ صفتها و إن جعلت موصولة فبدلها أو خبر بعد خبر أو خبر محذوف.
أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ خطاب من اللّه تعالى للسائق و الشهيد، أو لملكين من خزنة النار، أو لواحد و تثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل و تكريره كقوله:
فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر
و إن تدعاني أحم عرضا ممنعا
أو الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف، و يؤيده أنه قرئ «ألقين» بالنون الخفيفة. عَنِيدٍ معاند للحق.
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة. و قيل المراد بالخير الإسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه. مُعْتَدٍ متعد. مُرِيبٍ شاك في اللّه و في دينه.
[سورة ق (50): الآيات 26 الى 27]
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ مبتدأ متضمن معنى الشرط و خبره. فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ أو بدل من كُلَّ كَفَّارٍ فيكون فَأَلْقِياهُ تكريرا للتوكيد، أو مفعول لمضمر يفسره فَأَلْقِياهُ .
قالَ قَرِينُهُ أي الشيطان المقيض له، و إنما استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول فإنه جواب لمحذوف دل عليه. رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ كأن الكافر قال هو أطغاني ف قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين و قول قرينه: وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ فأعنته عليه فإن إغواء الشياطين إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلا إلى الفجور كما قال: وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي .
[سورة ق (50): الآيات 28 الى 29]
قالَ أي اللّه تعالى. لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه، و هو استئناف مثل الأول. وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ على الطغيان في كتبي و على ألسنة رسلي فلم يبق لكم حجة. و هو حال فيه تعليل للنهي أي لا تَخْتَصِمُوا عالمين بأني أوعدتكم، و الباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم، و يجوز أن يكون بِالْوَعِيدِ حالا و الفعل واقعا على قوله:
ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ أي بوقوع الخلف فيه فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي. و عفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد. وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فأعذب من
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 143
ليس لي تعذيبه.
[سورة ق (50): آية 30]
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ سؤال و جواب جيء بهما للتخييل و التصوير، و المعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها الجنة و الناس فوجا فوجا حتى تمتلئ لقوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ* ، أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها و فيها بعد فراغ، أو أنها من شدة زفيرها و حدتها و تشبثها بالعصاة كالمستكثرة لهم و الطالبة لزيادتهم. و قرأ نافع و أبو بكر يقول بالياء و ال مَزِيدٍ إما مصدر كالمحيد أو مفعول كالمبيع، و يَوْمَ مقدر باذكر أو ظرف ل نُفِخَ فيكون ذلك إشارة إليه فلا يفتقر إلى تقدير مضاف.
[سورة ق (50): الآيات 31 الى 35]
وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ قربت لهم. غَيْرَ بَعِيدٍ مكانا غير بعيد، و يجوز أن يكون حالا و تذكيره لأنه صفة محذوف، أو شيئا غير بعيد أو على زنة المصدر أو لأن الجنة بمعنى البستان.
هذا ما تُوعَدُونَ على إضمار القول و الإشارة إلى الثواب أو مصدر أُزْلِفَتِ . و قرأ ابن كثير بالياء.
لِكُلِّ أَوَّابٍ رجاع إلى اللّه تعالى، بدل من «المتقين» بإعادة الجار. حَفِيظٍ حافظ لحدوده.
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ بدل بعد بدل أو بدل من موصوف أَوَّابٍ ، و لا يجوز أن يكون في حكمه لأن مَنْ لا يوصف به أو مبتدأ خبره:
ادْخُلُوها على تأويل يقال لهم ادْخُلُوها ، فإن من بمعنى الجمع و بالغيب حال من الفاعل أو المفعول، أو صفة لمصدر أي خشية ملتبسة بالغيب حيث خشي عقابه و هو غائب، أو العقاب بعد غيب أو هو غائب عن الأعين لا يراه أحد. و تخصيص الرَّحْمنَ للإشعار بأنهم يرجون رحمته و يخافون عذابه، أو بأنهم يخشون مع علمهم بسعة رحمته، و وصف القلب بالإنابة إذ الاعتبار برجوعه إلى اللّه. بِسَلامٍ سالمين من العذاب و زوال النعم، أو مسلما عليكم من اللّه و ملائكته. ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ يوم تقدير الخلود كقوله:
لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ و هو ما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.
[سورة ق (50): آية 36]
وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ قبل قومك. مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً قوة كعاد و ثمود و فرعون. فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ فخرقوا في البلاد و تصرفوا فيها، أو جالوا في الأرض كل مجال حذر الموت، فالفاء على الأول للتسبب و على الثاني لمجرد التعقيب، و أصل التنقيب التنقير عن الشيء و البحث عنه. هَلْ مِنْ مَحِيصٍ أي لهم من اللّه أو من الموت. و قيل الضمير في فَنَقَّبُوا لأهل مكة أي ساروا في أسفارهم في بلاد القرون فهل رأوا لهم محيضا حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم، و يؤيده أنه قرئ «فنقّبوا» على الأمر، و قرئ «فنقّبوا» بالكسر من النقب و هو أن ينتقب خف البعير أي أكثروا السير حتى نقبت أقدامهم أو أخفاف مراكبهم.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 144
[سورة ق (50): الآيات 37 الى 38]
إِنَّ فِي ذلِكَ فيما ذكر في هذه السورة. لَذِكْرى لتذكرة. لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أي قلب واع يتفكر في حقائقه. أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ أي أصغى لاستماعه. وَ هُوَ شَهِيدٌ حاضر بذهنه ليفهم معانيه، أو شاهد بصدقه فيتعظ بظواهره و ينزجر بزواجره، و في تنكير ال قَلْبٌ و إبهامه تفخيم و إشعار بأن كل قلب لا يتفكر و لا يتدبر كلا قلب.
وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ مر تفسيره مرارا. وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ من تعب و إعياء، و هو رد لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدا خلق العالم يوم الأحد و فرغ منه يوم الجمعة و استراح يوم السبت و استلقى على العرش.
[سورة ق (50): الآيات 39 الى 40]
فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ما يقول المشركون من إنكارهم البعث، فإن من قدر على خلق العالم بلا اعياء قدر على بعثهم و الانتقام منهم، أو ما يقول اليهود من الكفر و التشبيه. وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ و نزهه عن العجز عما يمكن و الوصف بما يوجب التشبيه حامدا له على ما أنعم عليك من إصابة الحق و غيرها. قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يعني الفجر و العصر و قد عرفت فضيلة الوقتين.
وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ أي و سبحه بعض الليل. وَ أَدْبارَ السُّجُودِ و أعقاب الصلوات جمع دبر من أدبر، و قرأ الحجازيان و حمزة و خلف بالكسر من أدبرت الصلاة إذا انقضت. و قيل المراد بالتسبيح الصلاة، فالصلاة قبل الطلوع: الصبح و قبل الغروب: الظهر، و العصر. و من الليل: العشاءان، و التهجد. و أدبار السجود النوافل بعد المكتوبات، و قيل الوتر بعد العشاء.
[سورة ق (50): الآيات 41 الى 43]
وَ اسْتَمِعْ لما أخبرك به من أحوال القيامة، و فيه تهويل و تعظيم للمخبر به. يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ إسرافيل أو جبريل عليهما السلام فيقول: أيتها العظام البالية و اللحوم المتمزقة و الشعور المتفرقة إن اللّه يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ بحيث يصل نداؤه إلى الكل على سواء، و لعله في الإعادة نظير «كن» في الإبداء، و يوم نصب بما دل عليه يوم الخروج.
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بدل منه و الصَّيْحَةَ النفخة الثانية. بِالْحَقِ متعلق ب الصَّيْحَةَ و المراد به البعث للجزاء. ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ من القبور، و هو من أسماء يوم القيامة و قد يقال للعيد.
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَ نُمِيتُ في الدنيا. وَ إِلَيْنَا الْمَصِيرُ للجزاء في الآخرة.
[سورة ق (50): الآيات 44 الى 45]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 145
يَوْمَ تَشَقَّقُ تتشقق، و قرى «تنشق». و قرأ عاصم و حمزة و الكسائي و خلف و أبو عمرو بتخفيف الشين.
الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً مسرعين. ذلِكَ حَشْرٌ بعث و جمع. عَلَيْنا يَسِيرٌ هين، و تقديم الظرف للاختصاص فإن ذلك لا يتيسر إلا على العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شأن عن شأن، كما قال اللّه تعالى:
ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ .
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و تهديد لهم. وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ بمسلط تقسرهم على الإيمان، أو تفعل بهم ما تريد و إنما أنت داع. فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ فإنه لا ينتفع به غيره.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة «ق» هون اللّه عليه تارات الموت و سكراته».