کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 177
(56) سورة الواقعة
مكية و آيها ست و تسعون آية
[سورة الواقعة (56): الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3)
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ إذا حدثت القيامة، سماها واقعة لتحقق وقوعها و انتصاب إِذا بمحذوف مثل اذكر أو كان كيت و كيت.
لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ أي لا يكون حين تقع نفس تكذب على اللّه تعالى، أو تكذب في نفيها كما تكذب الآن، و اللام مثلها في قوله: قَدَّمْتُ لِحَياتِي أو ليس لأحد في وقعتها كاذبة فإن من أخبر عنها صدق، أو ليس لها حينئذ نفس تحدث صاحبها بإطاقة شدتها و احتمالها و تغريه عليها من قولهم: كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم، إذا شجعته عليه و سولت له أنه يطيقه.
خافِضَةٌ رافِعَةٌ تخفض قوما و ترفع آخرين، و هو تقرير لعظمتها فإن الوقائع العظام كذلك، أو بيان لما يكون حينئذ من خفض أعداء اللّه و رفع أوليائه، أو إزالة الأجرام عن مقارها بنثر الكواكب و تسيير الجبال في الجو، و قرئتا بالنصب على الحال.
[سورة الواقعة (56): الآيات 4 الى 7]
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا حركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء و جبل، و الظرف متعلق ب خافِضَةٌ أو بدل من إِذا وَقَعَتِ .
وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا أي فتتت حتى صارت كالسويق الملتوت من بس السويق إذا لته، أو سيقت و سيرت من بس الغنم إذا ساقها، فَكانَتْ هَباءً غبارا. مُنْبَثًّا منتشرا.
وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً أصنافا. ثَلاثَةً و كل صنف يكون أو يذكر مع صنف آخر زوج.
[سورة الواقعة (56): الآيات 8 الى 9]
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ فأصحاب المنزلة السنية و أصحاب المنزلة الدنيئة من تيمنهم بالميامن و تشاؤمهم بالشمائل، أو أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ و أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم و الذين يؤتونها بشمائلهم، أو أصحاب اليمن و الشؤم فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم و الأشقياء مشائيم عليها بمعصيتهم. و الجملتان الاستفهاميتان خبران لما قبلهما بإقامة الظاهر مقام الضمير و معناهما التعجب من حال الفريقين.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 178
[سورة الواقعة (56): الآيات 10 الى 12]
وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)
وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ و الذين سبقوا إلى الإيمان و الطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم و توان، أو سبقوا في حيازة الفضائل و الكمالات، أو الأنبياء فإنهم مقدمو أهل الأديان هم الذين عرفت حالهم و عرفت مآلهم كقول أبي النجم:
أنا أبو النّجم و شعري شعري أو الذين سبقوا إلى الجنة أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ الذين قربت درجاتهم في الجنة و أعليت مراتبهم.
[سورة الواقعة (56): الآيات 13 الى 14]
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ أي هم كثير من الأولين يعني الأمم السالفة من لدن آدم إلى محمد عليه الصلاة و السلام.
وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ يعني أمة محمد عليه الصلاة و السلام و لا يخالف ذلك
قوله عليه الصلاة و السلام «إن أمتي يكثرون سائر الأمم».
لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة، و تابعو هذه أكثر من تابعيهم، و لا يرده قوله في أصحاب اليمين، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ . لأن كثرة الفريقين لا تنافي أكثرية أحدهما، و روي مرفوعا أنهما من هذه الأمة، و اشتقاقها من الثل و هو القطع.
[سورة الواقعة (56): الآيات 15 الى 19]
عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ خبر آخر للضمير المحذوف، و ال مَوْضُونَةٍ المنسوجة بالذهب مشبكة بالدار و الياقوت، أو المتواصلة من الوضن و هو نسج الدرع.
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ حالان من الضمير في عَلى سُرُرٍ .
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ للخدمة. وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ مبقون أبدا على هيئة الولدان و طراوتهم.
بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ حال الشرب و غيره، و الكوب إناء بلا عروة و لا خرطوم له، و الإبريق إناء له ذلك.
وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ من خمر.
لا يُصَدَّعُونَ عَنْها بخمار. وَ لا يُنْزِفُونَ و لا تنزف عقولهم، أو لا ينفد شرابهم. و قرأ الكوفيون بكسر الزاي لا يُصَدَّعُونَ بمعنى لا يتصدعون أي لا يتفرقون.
[سورة الواقعة (56): الآيات 20 الى 24]
وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ أي يختارون.
وَ لَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ يتمنون.
وَ حُورٌ عِينٌ عطف على وِلْدانٌ ، أو مبتدأ محذوف الخبر أي و فيها أو و لهم حور، و قرأ حمزة و الكسائي بالجر عطفا على جَنَّاتِ بتقدير مضاف أي هم في جنات و مصاحبة حور، أو على أكواب لأن معنى يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ ينعمون بأكواب، و قرئتا بالنصب على و يؤتون حورا.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 179
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ المصون عما يضربه في الصفاء و النقاء.
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي يفعل ذلك كله بهم جزاء بأعمالهم.
[سورة الواقعة (56): الآيات 25 الى 26]
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً (25) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (26)
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً باطلا. وَ لا تَأْثِيماً و لا نسبة إلى الإثم أي لا يقال لهم أثمتم.
إِلَّا قِيلًا أي قولا. سَلاماً سَلاماً بدل من قِيلًا كقوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً أو صفته أو مفعوله بمعنى إلا أن يقولوا سلاما، أو مصدر و التكرير للدلالة على فشو السلام بينهم. و قرئ «سلام سلام» على الحكاية.
[سورة الواقعة (56): الآيات 27 الى 30]
وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ لا شوك فيه من خضد الشوك إذا قطعه، أو مثنى أغصانه من كثرة حمله من خضد الغصن إذا ثناه و هو رطب.
وَ طَلْحٍ و شجر موز، أو أم غيلان و له أنوار كثيرة طيبة الرائحة، و قرئ بالعين. مَنْضُودٍ نضد حمله من أسفله إلى أعلاه.
وَ ظِلٍّ مَمْدُودٍ منبسط لا يتقلص و لا يتفاوت.
[سورة الواقعة (56): الآيات 31 الى 33]
وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ (33)
وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ يسكب لهم أين شاؤوا و كيف شاؤوا بلا تعب، أو مصبوب سائل كأنه لما شبه حال السابقين في التنعم بأعلى ما يتصور لأهل المدن شبه حال أصحاب اليمين بأكمل ما يتمناه أهل البوادي إشعارا بالتفاوت بين الحالين.
وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ كثيرة الأجناس.
لا مَقْطُوعَةٍ لا تنقطع في وقت. وَ لا مَمْنُوعَةٍ لا تمنع عن متناولها بوجه.
[سورة الواقعة (56): الآيات 34 الى 37]
وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ رفيعة القدر أو منضدة مرتفعة. و قيل الفرش النساء و ارتفاعها أنها على الأرائك، و يدل عليه قوله:
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً أي ابتدأناهن ابتداء جديدا من غير ولادة إبداء أو إعادة. و
في الحديث «هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطا رمصا، جعلهن اللّه بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا».
فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً . عُرُباً متحببات إلى أزواجهن جمع عروب، و سكن راءه حمزة و أبو بكر و روي عن نافع و عاصم مثله. أَتْراباً فإن كلهن بنات ثلاث و ثلاثين و كذا أزواجهن.
[سورة الواقعة (56): الآيات 38 الى 40]
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ متعلق ب أَنْشَأْناهُنَ أو «جعلنا»، أو صفة ل أَبْكاراً أو خبر لمحذوف مثل هن أو لقوله:
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 180
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ و هي على الوجه الأول خبر محذوف.
[سورة الواقعة (56): الآيات 41 الى 44]
وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ في حر نار ينفذ في المسام. وَ حَمِيمٍ و ماء متناه في الحرارة.
وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ من دخان أسود يفعول من الحممة.
لا بارِدٍ كسائر الظل. وَ لا كَرِيمٍ و لا نافع، نفى بذلك ما أوهم الظل من الاسترواح.
[سورة الواقعة (56): الآيات 45 الى 46]
إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)
إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ منهمكين في الشهوات.
وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ الذنب العظيم يعني الشرك، و منه بلغ الغلام الحنث أي الحلم و وقت المؤاخذة بالذنب، و حنث في يمينه خلاف بر فيها و تحنث إذا تأثم.
[سورة الواقعة (56): الآيات 47 الى 50]
وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ كررت الهمزة للدلالة على إنكار البعث مطلقا و خصوصا في هذا الوقت كما دخلت العاطفة في قوله:
أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ للدلالة على أن ذلك أشد إنكارا في حقهم لتقادم زمانهم و للفصل بها حسن العطف على المستكن في لَمَبْعُوثُونَ ، و قرأ نافع و ابن عامر أو بالسكون و قد سبق مثله، و العامل في الظرف ما دل عليه «مبعوثون» لا هو للفصل بأن و الهمزة.
قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ . و قرئ «لمجمعون». إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ إلى ما وقت به الدنيا وحدت من يوم معين عند اللّه معلوم له.
[سورة الواقعة (56): الآيات 51 الى 53]
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ أي بالبعث و الخطاب لأهل مكة و أضرابهم.
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ مِنْ الأولى للابتداء و الثانية للبيان.
فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ من شدة الجوع.
[سورة الواقعة (56): الآيات 54 الى 56]
فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ لغلبة العطش، و تأنيث الضمير في منها و تذكيره في عَلَيْهِ على معنى الشجر و لفظه، و قرئ «من شجرة» فيكون التذكير لل زَقُّومٍ فإنه تفسيرها.
فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ الإبل التي بها الهيام و هو داء يشبه الاستسقاء، جمع أهيم و هيماء قال ذو الرمة:
فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد
صداها و لا يقضي عليها هيامها
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 181
و قيل الرمال على أنه جمع هيام بالفتح و هو الرمل الذي لا يتماسك جمع على هيم كسحب، ثم خفف و فعل به ما فعل بجمع أبيض و كل من المعطوف و المعطوف عليه أخص من الآخر من وجه فلا اتحاد، و قرأ نافع و حمزة و عاصم شُرْبَ بضم الشين.
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ يوم الجزاء فما ظنك بما يكون لهم بعد ما استقروا في الجحيم، و فيه تهكم كما في قوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* لأن النزل ما يعد للنازل تكرمة له، و قرئ «نزلهم» بالتخفيف.
[سورة الواقعة (56): الآيات 57 الى 59]
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ بالخلق متيقنين محققين للتصديق بالأعمال الدالة عليه، أو بالبعث فإن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة.
أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أي ما تقذفونه في الأرحام من النطف، و قرئ بفتح التاء من منى النطفة بمعنى أمناها.
أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ تجعلونه بشرا سويا. أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ .
[سورة الواقعة (56): الآيات 60 الى 62]
نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ قسمناه عليكم و أقتنا موت كل بوقت معين، و قرأ ابن كثير بتخفيف الدال.
وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ لا يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو يغير وقته، أو لا يغلبنا أحد من سبقته على كذا إذا غلبته عليه.
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ على الأول حال أو علة ل قَدَّرْنا و على بمعنى اللام، وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ اعتراض و على الثاني صلة، و المعنى على أن نبدل منكم أشباهكم فنخلق بدلكم، أو نبدل صفاتكم على أن أمثالكم جمع مثل بمعنى صفة. وَ نُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ في خلق أو صفات لا تعلمونها.
وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ أن من قدر عليها قدر على النشأة الأخرى فإنها أقل صنعا لحصول المواد و تخصيص الاجزاء و سبق المثال، و فيه دليل على صحة القياس.
[سورة الواقعة (56): الآيات 63 الى 67]
أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ تبذرون حبه.
أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ تنبتونه. أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ المنبتون.
لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً هشيما. فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ تعجبون أو تندمون على اجتهادكم فيه، أو على ما أصبتم لأجله من المعاصي فتتحدثون فيه، و الفكه التنقل بصنوف الفاكهة و قد استعير للتنقل بالحديث، و قرئ «فظلتم» بالكسر و «فظللتم» على الأصل.
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ لملزمون غرامة ما أنفقنا، أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام، و قرأ أبو بكر «أ إنا لمغرمون» على الاستفهام.
بَلْ نَحْنُ قوم. مَحْرُومُونَ حرمنا رزقنا، أو محدودون لا مجدودون.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 182
[سورة الواقعة (56): الآيات 68 الى 70]
أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أي العذب الصالح للشرب.
أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ من السحاب واحده مزنة، و قيل الْمُزْنِ السحاب الأبيض و ماؤه أعذب.
أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ بقدرتنا و الرؤية إن كانت بمعنى العلم فمتعلقة بالاستفهام.
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً ملحا أو من الأجيج فإنه يحرق الفم، و حذف اللام الفاصلة بين جواب ما يتمحض للشرط و ما يتضمن معناه لعلم السامع بمكانها، أو الاكتفاء بسبق ذكرها أو يختص ما يقصد لذاته و يكون أهم و فقده أصعب بمزيد التأكيد. فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ أمثال هذه النعم الضرورية.
[سورة الواقعة (56): الآيات 71 الى 74]
أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ تقدحون.
أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ يعني الشجرة التي منها الزناد.
نَحْنُ جَعَلْناها جعلنا نار الزناد. تَذْكِرَةً تبصرة في أمر البعث كما مر في سورة «يس»، أو في الظلام أو تذكيرا و أنموذجا لنار جهنم. وَ مَتاعاً و منفعة. لِلْمُقْوِينَ الذين ينزلون القواء و هي القفر، أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام، من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها.
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى أو بذكره فإن إطلاق اسم الشيء ذكره و العظيم صفة للاسم أو الرب، و تعقيب الأمر بالتسبيح لما عدد من بدائع صنعه و إنعامه إما لتنزيهه تعالى عما يقول الجاحدون لوحدانيته الكافرون لنعمته، أو للتعجب من أمرهم في غمط نعمه، أو للشكر على ما عدها من النعم.
[سورة الواقعة (56): الآيات 75 الى 76]
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
فَلا أُقْسِمُ إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم، أو فأقسم و «لا» مزيدة للتأكيد كما في لِئَلَّا يَعْلَمَ أو فلأنا أقسم فحذف المبتدأ و أشبع فتحة لام الابتداء، و يدل عليه قراءة فلا قسم أو فَلا رد لكلام يخالف المقسم عليه. بِمَواقِعِ النُّجُومِ بمساقطها، و تخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها و الدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره، أو بمنازلها و مجاريها. و قيل النجوم نجوم القرآن و مواقعها أوقات نزولها، و قرأ حمزة و الكسائي بموقع.
وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة و كمال الحكمة و فرط الرحمة، و من مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى، و هو اعتراض في اعتراض فإنه اعتراض بين القسم و المقسم عليه، و لَوْ تَعْلَمُونَ اعتراض بين الموصوف و الصفة.
[سورة الواقعة (56): الآيات 77 الى 80]
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ كثير النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش و المعاد، أو حسن
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 183
مرضي في جنسه.
فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ مصون و هو اللوح المحفوظ.
لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية و هم الملائكة، أو لا يمس القرآن إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ من الأحداث فيكون نفيا بمعنى النهي، أو لا يطلبه إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ من الكفر، و قرئ «المتطهرون» و «المطّهّرون» من أطهره بمعنى طهره و «المطّهرون» أي أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم و الإلهام.
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ صفة ثالثة أو رابعة للقرآن، و هو مصدر نعت به و قرئ بالنصب أي نزل تنزيلا.
[سورة الواقعة (56): الآيات 81 الى 82]
أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن. أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه و لا يتصلب فيه تهاونا به.
وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أي شكر رزقكم. أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ أي بمانحه حيث تنسبونه إلى الأنواء، و قرئ «شكركم» أي و تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به و تكذبون أي بقولكم في القرآن أنه سحر و شعر، أو في المطر أنه من الأنواء.
[سورة الواقعة (56): الآيات 83 الى 85]
فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ أي النفس.
وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ حالكم، و الخطاب لمن حول المحتضر و الواو للحال.
وَ نَحْنُ أَقْرَبُ أي و نحن أعلم. إِلَيْهِ إلى المحتضر. مِنْكُمْ عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع. وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ لا تدركون كنه ما يجري عليه.
[سورة الواقعة (56): الآيات 86 الى 87]
فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87)
فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ أي مجزيين يوم القيامة أو مملوكين مقهورين من دانه إذا أذله و استعبده، و أصل التركيب للذل و الانقياد.
تَرْجِعُونَها ترجعون النفس إلى مقرها و هو عامل الظرف و المحضض عليه بلولا الأولى و الثانية تكرير للتوكيد و هي بما في حيزها دليل جواب الشرط، و المعنى إن كنتم غير مملوكين مجزيين كما دل عليه جحدكم أفعال اللّه و تكذيبكم بآياته. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أباطيلكم فَلَوْ لا ترجعون الأرواح إلى الأبدان بعد بلوغها الحلقوم.
[سورة الواقعة (56): الآيات 88 الى 91]
فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي إن كان المتوفى من السابقين.