کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 182
[سورة الواقعة (56): الآيات 68 الى 70]
أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أي العذب الصالح للشرب.
أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ من السحاب واحده مزنة، و قيل الْمُزْنِ السحاب الأبيض و ماؤه أعذب.
أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ بقدرتنا و الرؤية إن كانت بمعنى العلم فمتعلقة بالاستفهام.
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً ملحا أو من الأجيج فإنه يحرق الفم، و حذف اللام الفاصلة بين جواب ما يتمحض للشرط و ما يتضمن معناه لعلم السامع بمكانها، أو الاكتفاء بسبق ذكرها أو يختص ما يقصد لذاته و يكون أهم و فقده أصعب بمزيد التأكيد. فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ أمثال هذه النعم الضرورية.
[سورة الواقعة (56): الآيات 71 الى 74]
أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ تقدحون.
أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ يعني الشجرة التي منها الزناد.
نَحْنُ جَعَلْناها جعلنا نار الزناد. تَذْكِرَةً تبصرة في أمر البعث كما مر في سورة «يس»، أو في الظلام أو تذكيرا و أنموذجا لنار جهنم. وَ مَتاعاً و منفعة. لِلْمُقْوِينَ الذين ينزلون القواء و هي القفر، أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام، من أقوت الدار إذا خلت من ساكنيها.
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فأحدث التسبيح بذكر اسمه تعالى أو بذكره فإن إطلاق اسم الشيء ذكره و العظيم صفة للاسم أو الرب، و تعقيب الأمر بالتسبيح لما عدد من بدائع صنعه و إنعامه إما لتنزيهه تعالى عما يقول الجاحدون لوحدانيته الكافرون لنعمته، أو للتعجب من أمرهم في غمط نعمه، أو للشكر على ما عدها من النعم.
[سورة الواقعة (56): الآيات 75 الى 76]
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
فَلا أُقْسِمُ إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم، أو فأقسم و «لا» مزيدة للتأكيد كما في لِئَلَّا يَعْلَمَ أو فلأنا أقسم فحذف المبتدأ و أشبع فتحة لام الابتداء، و يدل عليه قراءة فلا قسم أو فَلا رد لكلام يخالف المقسم عليه. بِمَواقِعِ النُّجُومِ بمساقطها، و تخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها و الدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره، أو بمنازلها و مجاريها. و قيل النجوم نجوم القرآن و مواقعها أوقات نزولها، و قرأ حمزة و الكسائي بموقع.
وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة و كمال الحكمة و فرط الرحمة، و من مقتضيات رحمته أن لا يترك عباده سدى، و هو اعتراض في اعتراض فإنه اعتراض بين القسم و المقسم عليه، و لَوْ تَعْلَمُونَ اعتراض بين الموصوف و الصفة.
[سورة الواقعة (56): الآيات 77 الى 80]
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ كثير النفع لاشتماله على أصول العلوم المهمة في إصلاح المعاش و المعاد، أو حسن
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 183
مرضي في جنسه.
فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ مصون و هو اللوح المحفوظ.
لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية و هم الملائكة، أو لا يمس القرآن إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ من الأحداث فيكون نفيا بمعنى النهي، أو لا يطلبه إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ من الكفر، و قرئ «المتطهرون» و «المطّهّرون» من أطهره بمعنى طهره و «المطّهرون» أي أنفسهم أو غيرهم بالاستغفار لهم و الإلهام.
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ صفة ثالثة أو رابعة للقرآن، و هو مصدر نعت به و قرئ بالنصب أي نزل تنزيلا.
[سورة الواقعة (56): الآيات 81 الى 82]
أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ يعني القرآن. أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه و لا يتصلب فيه تهاونا به.
وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أي شكر رزقكم. أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ أي بمانحه حيث تنسبونه إلى الأنواء، و قرئ «شكركم» أي و تجعلون شكركم لنعمة القرآن أنكم تكذبون به و تكذبون أي بقولكم في القرآن أنه سحر و شعر، أو في المطر أنه من الأنواء.
[سورة الواقعة (56): الآيات 83 الى 85]
فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ أي النفس.
وَ أَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ حالكم، و الخطاب لمن حول المحتضر و الواو للحال.
وَ نَحْنُ أَقْرَبُ أي و نحن أعلم. إِلَيْهِ إلى المحتضر. مِنْكُمْ عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب الاطلاع. وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ لا تدركون كنه ما يجري عليه.
[سورة الواقعة (56): الآيات 86 الى 87]
فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (87)
فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ أي مجزيين يوم القيامة أو مملوكين مقهورين من دانه إذا أذله و استعبده، و أصل التركيب للذل و الانقياد.
تَرْجِعُونَها ترجعون النفس إلى مقرها و هو عامل الظرف و المحضض عليه بلولا الأولى و الثانية تكرير للتوكيد و هي بما في حيزها دليل جواب الشرط، و المعنى إن كنتم غير مملوكين مجزيين كما دل عليه جحدكم أفعال اللّه و تكذيبكم بآياته. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أباطيلكم فَلَوْ لا ترجعون الأرواح إلى الأبدان بعد بلوغها الحلقوم.
[سورة الواقعة (56): الآيات 88 الى 91]
فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي إن كان المتوفى من السابقين.
فَرَوْحٌ فله استراحة و قرئ «فروح» بالضم و فسر بالرحمة لأنها كالسبب لحياة المرحوم و بالحياة
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 184
الدائمة. وَ رَيْحانٌ و رزق طيب. وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ ذات تنعم.
وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ يا صاحب اليمين. مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ أي من إخوانك يسلمون عليك.
[سورة الواقعة (56): الآيات 92 الى 94]
وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ يعني أصحاب الشمال، و إنما وصفهم بأفعالهم زجرا عنها و إشعارا بما أوجب لهم ما أوعدهم به.
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ و ذلك ما يجد في القبر من سموم النار و دخانها.
[سورة الواقعة (56): الآيات 95 الى 96]
إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
إِنَّ هذا أي الذي ذكر في السورة أو في شأن الفرق. لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ أي حق الخبر اليقين.
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فنزهه بذكر اسمه تعالى عما لا يليق بعظمة شأنه.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 185
(57) سورة الحديد
مدينة و قيل مكية و آيها تسع و عشرون آية
[سورة الحديد (57): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ذكر ها هنا و في «الحشر» و «الصف» بلفظ الماضي، و في «الجمعة» و «التغابن» بلفظ المضارع إشعارا بأن من شأن ما أسند إليه أن يسبحه في جميع أوقاته، لأنه دلالة جبلّية لا تختلف باختلاف الحالات، و مجيء المصدر مطلقا في «بني إسرائيل» أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء و في كل حال، و إنما عدي باللام و هو متعد بنفسه مثل نصحت له في نصحته أشعارا بأن إيقاع الفعل لأجل اللّه و خالصا لوجهه. وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ حال يشعر بما هو المبدأ للتسبيح.
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فإنه الموجد لهما و المتصرف فيهما. يُحْيِي وَ يُمِيتُ استئناف أو خبر لمحذوف أو حال من المجرور في له وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإحياء و الإماتة و غيرهما. قَدِيرٌ تام القدرة.
[سورة الحديد (57): الآيات 3 الى 4]
هُوَ الْأَوَّلُ السابق على سائر الموجودات من حيث إنه موجدها و محدثها. وَ الْآخِرُ الباقي بعد فنائها و لو بالنظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن غيرها، أو هُوَ الْأَوَّلُ الذي تبتدأ منه الأسباب و تنتهي إليه المسببات، أو الْأَوَّلُ خارجا و الْآخِرُ ذهنا. وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ الظاهر وجوده لكثرة دلائله و الباطن حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول، أو الغالب على كل شيء و العالم بباطنه و الواو الأولى و الأخيرة للجمع بين الوصفين، و المتوسطة للجمع بين المجموعين. وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يستوي عنده الظاهر و الخفي.
وَ ما يَخْرُجُ مِنْها كالزروع. وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ كالأمطار. وَ ما يَعْرُجُ فِيها كالأبخرة. وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ لا ينفك علمه و قدرته عنكم بحال. وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم عليه، و لعل تقديم الخلق على العلم لأنه دليل عليه.
[سورة الحديد (57): الآيات 5 الى 6]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 186
لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ذكره مع الإعادة كما ذكره مع كالإبداء لأنه كالمقدمة لهما. وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ .
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ هُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بمكنوناتها.
[سورة الحديد (57): الآيات 7 الى 8]
آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ من الأموال التي جعلكم اللّه خلفاء في التصرف فيها فهي في الحقيقة له لا لكم، أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها و التصرف فيها، و فيه حث على الإنفاق و تهوين له على النفس. فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ أَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ وعد فيه مبالغات جعل الجملة اسمية و إعادة ذكر الإيمان و الإنفاق و بناء الحكم على الضمير و تنكير الأجر و وصفه بالكبر.
وَ ما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ أي و ما تصنعون غير مؤمنين به كقولك: مالك قائما. وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ حال من ضمير تؤمنون، و المعنى أي عذر لكم في ترك الإيمان و الرسول يدعوكم إليه بالحجج و الآيات. وَ قَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ أي و قد أخذ اللّه ميثاقكم بالإيمان قبل، و ذلك بنصب الأدلة و التمكين من النظر، و الواو للحال من مفعول يَدْعُوكُمْ ، و قرأ أبو عمرو على البناء للمفعول و رفع مِيثاقَكُمْ . إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ لموجب ما فإن هذا موجب لا مزيد عليه.
[سورة الحديد (57): الآيات 9 الى 10]
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ أي اللّه أو العبد. مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. وَ إِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث نبهكم بالرسول و الآيات و لم يقتصر على ما نصب لكم من الحجج العقلية.
وَ ما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا و أي شيء لكم في أَلَّا تُنْفِقُوا . فِي سَبِيلِ اللَّهِ فيما يكون قربة إليه. وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يرث كل شيء فيهما فلا يبقى لأحد مال، و إذا كان كذلك فإنفاقه بحيث يستخلف عوضا يبقي و هو الثواب كان أولى. لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم من السبق و قوة اليقين، و تحري الحاجات حثا على تحري الأفضل منها بعد الحث على الإنفاق، و ذكر القتال للاستطراد و قسيم من أنفق محذوف لوضوحه و دلالة ما بعده عليه، و الْفَتْحِ فتح مكة إذ عز الإسلام به و كثر أهله و قلت الحاجة إلى المقاتلة و الإنفاق. مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ أي من بعد الفتح. وَ قاتَلُوا وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي وعد اللّه كلّا من المنفقين المثوبة الحسنى و هي الجنة. و قرأ ابن عامر «و كلّ» بالرفع على الابتداء أي و كل وعده اللّه ليطابق ما عطف عليه. وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ عالم بظاهره و باطنه فيجازيكم على حسبه، و الآية نزلت في أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه فإنه أول من آمن و أنفق في سبيل اللّه و خاصم الكفار حتى ضرب ضربا أشرف به على الهلاك.
[سورة الحديد (57): الآيات 11 الى 12]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 187
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه، فإنه كمن يقرضه و حسن الإنفاق بالإخلاص فيه و تحري أكرم المال و أفضل الجهات له. فَيُضاعِفَهُ لَهُ أي يعطي أجره أضعافا. وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ أي و ذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى و إن لم يضاعف، فكيف و قد يضاعف أضعافا. و قرأ عاصم فَيُضاعِفَهُ بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال: أ يقرض اللّه أحد فيضاعفه له. و قرأ ابن كثير «فيضعفه» مرفوعا و قرأ ابن عامر و يعقوب «فيضعفه» منصوبا.
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ظرف لقوله وَ لَهُ أو فَيُضاعِفَهُ أو مقدر باذكر يَسْعى نُورُهُمْ ما يوجب نجاتهم و هدايتهم إلى الجنة. بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين. بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة بُشْراكُمُ أي المبشر به جنات، أو بُشْراكُمُ دخول جنات. تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الإشارة إلى ما تقدم من النور و البشرى بالجنات المخلدة.
[سورة الحديد (57): آية 13]
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بدل من يَوْمَ تَرَى . لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف، أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم. و قرأ حمزة «أنظرونا» على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم. نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ نصب منه. قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ إلى الدنيا. فَالْتَمِسُوا نُوراً بتحصيل المعارف الإلهية و الأخلاق الفاضلة، فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس، أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نورا آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا، و هو تهكم بهم و تخييب من المؤمنين أو الملائكة فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بين المؤمنين و المنافقين. بِسُورٍ بحائط. لَهُ بابٌ يدخل منه المؤمنون. باطِنُهُ باطن السور أو الباب. فِيهِ الرَّحْمَةُ لأنه يلي الجنة. وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ من جهته لأنه يلي النار.
[سورة الحديد (57): الآيات 14 الى 15]
يُنادُونَهُمْ أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ يريدون موافقتهم في الظاهر. قالُوا بَلى وَ لكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بالنفاق.
وَ تَرَبَّصْتُمْ بالمؤمنين الدوائر. وَ ارْتَبْتُمْ و شككتم في الدين. وَ غَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ كامتداد العمر. حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ و هو الموت. وَ غَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ الشيطان أو الدنيا.
فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ فداء و قرأ ابن عامر و يعقوب بالتاء. وَ لا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ظاهرا و باطنا.
مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ هي أولى بكم كقول لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه
مولى المخافة خلفها و أمامها
و حقيقته محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك: هو مئنة الكرم أي مكان قول القائل
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 188
إنه لكريم، أو مكانكم عما قريب من الولي و هو القرب، أو ناصركم على طريقة قوله: تحيّة بينهم ضرب وجيع. أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا. وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ النار.
[سورة الحديد (57): آية 16]
أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ألم يأت وقته يقال أنى الأمر يأني أنيا و أنا و إنا إذا جاء إناه، و قرئ «ألم يئن» بكسر الهمزة و سكون النون من آن يئين بمعنى أتى و «ألما يأن».
روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق و النعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت.
وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ أي القرآن و هو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر، و يجوز أن يراد بالذكر أن يذكر اللّه، و قرأ نافع و حفص و يعقوب نَزَلَ بالتخفيف. و قرئ «أنزل». وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ عطف على تَخْشَعَ ، و قرأ رويس بالتاء و المراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم و آمالهم، أو ما بينهم و بين أنبيائهم فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ . و قرئ «الأمدّ» و هو الوقت الأطول. وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة.
[سورة الحديد (57): الآيات 17 الى 18]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذكر و التلاوة بالإحياء و الإموات ترغيبا في الخشوع و زجرا عن القساوة. قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ كي تكمل عقولكم.
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ إن المتصدقين و المتصدقات، و قد قرئ بهما، و قرأ ابن كثير و أبو بكر بتخفيف الصاد أي الذين صدقوا اللّه و رسوله. وَ أَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً عطف على معنى الفعل في المحلى باللام لأن معناه: الذين أصدقوا، أو صدقوا و هو على الأول للدلالة على أن المعتبر هو التصدق المقرون بالإخلاص. يُضاعَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ معناه و القراءة في يُضاعَفُ كما مر غير أنه لم يجزم لأنه خبر إن و هو مسند إلى لَهُمْ أو إلى ضمير المصدر.
[سورة الحديد (57): آية 19]
وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي أولئك عند اللّه بمنزلة الصديقين و الشهداء، أو هم المبالغون في الصدق فإنهم آمنوا و صدقوا جميع أخبار اللّه و رسله و القائمون بالشهادة للّه و لهم، أو على الأمم يوم القيامة. و قيل وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ مبتدأ و خبر، و المراد به الأنبياء من قوله:
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ أو الذين استشهدوا في سبيل اللّه. لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ مثل أجر الصديقين و الشهداء و مثل نورهم و لكنه من غير تضعيف ليحل التفاوت، أو الأجر و النور الموعودان لهم.