کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 215
[سورة المنافقون (63): الآيات 5 الى 6]
وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ عطفوها إعراضا و استكبارا عن ذلك، و قرأ نافع بتخفيف الواو. وَ رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ يعرضون عن الاستغفار. وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ عن الاعتذار.
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ لرسوخهم في الكفر. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ الخارجين عن مظنة الاستصلاح لانهماكهم في الكفر و النفاق.
[سورة المنافقون (63): الآيات 7 الى 8]
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ أي للأنصار. لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا يعنون فقراء المهاجرين. وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بيده الأرزاق و القسم. وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ذلك لجهلهم باللّه.
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ
روي أن أعرابيا نازع أنصاريا في بعض الغزوات على ماء، فضرب الأعرابي رأسه بخشبة، فشكى إلى ابن أبيّ فقال: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى ينفضوا، و إذا رجعنا إلى المدينة فليخرجن الأعز منها الأذل، عنى بالأعز نفسه و بالأذل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
و قرئ «ليخرجن» بفتح الياء و «ليخرجن» على بناء المفعول و «لنخرجن» بالنون، و نصب «الأعز» و «الأذل» على هذه القراءات مصدر أو حال على تقدير مضاف كخروج أو إخراج أو مثل. وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ و للّه الغلبة و القوة و لمن أعزه من رسوله و المؤمنين. وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ من فرط جهلهم و غرورهم.
[سورة المنافقون (63): الآيات 9 الى 11]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ لا يشغلكم تدبيرها و الاهتمام بها عن ذكره كالصلوات و سائر العبادات المذكرة للمعبود، و المراد نهيهم عن اللهو بها. و توجيه النهي إليها للمبالغة و لذا قال: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أي اللهو بها و هو الشغل. فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.
وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ بعض أموالكم ادخارا للآخرة. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أي يرى دلائله فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي هلا أمهلتني. إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أمد غير بعيد. فَأَصَّدَّقَ فأتصدق.
وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ بالتدارك، و جزم أَكُنْ للعطف على موضع الفاء و ما بعده، و قرأ أبو عمرو «و أكون» منصوبا عطفا على «فأصدق»، و قرئ بالرفع على و أنا أكون فيكون عدة بالصلاح.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 216
وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً و لن يمهلها. إِذا جاءَ أَجَلُها آخر عمرها. وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فمجاز عليه، و قرأ أبو بكر بالياء ليوافق ما قبله في الغيبة.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة المنافقين برىء من النفاق».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 217
(64) سورة التغابن
مختلف فيها و آيها ثماني عشرة آية
[سورة التغابن (64): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ بدلالتها على كماله و استغنائه. لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ قدم الظرفين للدلالة على اختصاص الأمرين به من حيث الحقيقة. وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل على سواء ثم شرع فيما ادعاه فقال:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ مقدر كفره موجه إليه ما يحمله عليه. وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ مقدر إيمانه موفق لما يدعوه إليه. وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيعاملكم بما يناسب أعمالكم.
[سورة التغابن (64): الآيات 3 الى 4]
خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِ بالحكمة البالغة. وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ فصوركم من جملة ما خلق فيهما بأحسن صورة، حيث زينكم بصفوة أوصاف الكائنات، و خصكم بخلاصة خصائص المبدعات، و جعلكم أنموذج جميع المخلوقات. وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ فأحسنوا سرائركم حتى لا يمسخ بالعذاب ظواهركم.
يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فلا يخفى عليه ما يصح أن يعلم كليا كان أو جزئيا، لأن نسبة المقتضى لعلمه إلى الكل واحدة، و تقديم تقرير القدرة على العلم لأن دلالة المخلوقات على قدرته أولا و بالذات و على علمه بما فيها من الإتقان و الاختصاص ببعض الأنحاء.
[سورة التغابن (64): الآيات 5 الى 6]
أَ لَمْ يَأْتِكُمْ يا أيها الكفار. نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ كقوم نوح و هود و صالح عليهم السلام.
فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ ضرر كفرهم في الدنيا، و أصله الثقل و منه الوبيل لطعام يثقل على المعدة، و الوابل المطر الثقيل القطار. وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة.
ذلِكَ أي المذكور من الوبال و العذاب. بِأَنَّهُ بسبب أن الشأن. كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات. فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا أنكروا و تعجبوا من أن يكون الرسل بشرا و البشر يطلق للواحد و الجمع.
فَكَفَرُوا بالرسل وَ تَوَلَّوْا عن التدبر في البينات. وَ اسْتَغْنَى اللَّهُ عن كل شيء فضلا عن طاعتهم.
وَ اللَّهُ غَنِيٌ عن عبادتهم و غيرها. حَمِيدٌ يدل على حمده كل مخلوق.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 218
[سورة التغابن (64): الآيات 7 الى 8]
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا الزعم ادعاء العلم و لذلك يتعدى إلى مفعولين و قد قام مقامهما أن بما في حيزه. قُلْ بَلى أي بلى تبعثون. وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَ قسم أكد به الجواب. ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ بالمحاسبة و المجازاة. وَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لقبول المادة و حصول القدرة التامة.
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ محمد عليه الصلاة و السلام. وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا يعني القرآن فإنه بإعجازه ظاهر بنفسه مظهر لغيره مما فيه شرحه و بيانه. وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فمجاز عليه.
[سورة التغابن (64): الآيات 9 الى 10]
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ ظرف لَتُنَبَّؤُنَ أو مقدر باذكر، و قرأ يعقوب «نجمعكم». لِيَوْمِ الْجَمْعِ لأجل ما فيه من الحساب و الجزاء و الجمع جمع الملائكة و الثقلين. ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ يغبن فيه بعضهم بعضا لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء و بالعكس، مستعار من تغابن التجار و اللام فيه للدلالة على أن التغابن الحقيقي و هو التغابن في أمور الآخرة لعظمها و دوامها. وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً أي عملا صالحا.
يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً و قرأ نافع و ابن عامر بالنون فيهما.
ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الإشارة إلى مجموع الأمرين، و لذلك جعله الفوز العظيم لأنه جامع للمصالح من دفع المضار و جلب المنافع.
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ كأنها و الآية المتقدمة بيان ل التَّغابُنِ و تفصيل له.
[سورة التغابن (64): الآيات 11 الى 13]
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ إلا بتقديره و إرادته. وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ للثبات و الاسترجاع عند حلولها، و قرئ «يهد قلبه» بالرفع على إقامته مقام الفاعل و بالنصب على طريقة سَفِهَ نَفْسَهُ ، و «يهدأ» بالهمزة أي يسكن. وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ حتى القلوب و أحوالها.
وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي فإن توليتم فلا بأس عليه إذ وظيفته التبليغ و قد بلغ.
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ لأن إيمانهم بأن الكل منه يقتضي ذلك.
[سورة التغابن (64): الآيات 14 الى 15]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ يشغلكم عن طاعة اللّه أو يخاصمكم في أمر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 219
الدين أو الدنيا. فَاحْذَرُوهُمْ و لا تأمنوا غوائلهم. وَ إِنْ تَعْفُوا عن ذنوبهم بترك المعاقبة. وَ تَصْفَحُوا بالإعراض و ترك التثريب عليها. وَ تَغْفِرُوا بإخفائها و تمهيد معذرتهم فيها. فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعاملكم بمثل ما عملتم و يتفضل عليكم.
إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ اختبار لكم. وَ اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ لمن آثر محبة اللّه و طاعته على محبة الأموال و الأولاد و السعي لهم.
[سورة التغابن (64): الآيات 16 الى 18]
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ أي ابذلوا في تقواه جهدكم و طاقتكم. وَ اسْمَعُوا مواعظه. وَ أَطِيعُوا أوامره. وَ أَنْفِقُوا في وجوه الخير خالصا لوجهه. خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ أي افعلوا ما هو خير لها، و هو تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر، و يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف تقديره: إنفاقا خيرا أو خبرا لكان مقدرا جوابا للأوامر. وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ سبق تفسيره.
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ تصرفوا المال فيما أمره. قَرْضاً حَسَناً مقرونا بإخلاص و طيب قلب. يُضاعِفْهُ لَكُمْ . يجعل لكم بالواحد عشرا إلى سبعمائة و أكثر، و قرأ ابن كثير و ابن عامر و يعقوب «يضعفه لكم».
وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ببركة الإنفاق. وَ اللَّهُ شَكُورٌ يعطي الجزيل بالقليل. حَلِيمٌ لا يعاجل بالعقوبة.
عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ لا يخفي عليه شيء. الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تام القدرة و العلم.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة التغابن دفع عنه موت الفجأة»
و اللّه أعلم.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 220
(65) سورة الطلاق
مدنية و آيها اثنتا عشرة أو إحدى عشرة آية
[سورة الطلاق (65): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ خص النداء و عم الخطاب بالحكم لأنه أمام أمته فنداؤه كندائهم، أو لأن الكلام معه و الحكم يعمهم. و المعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له منزلة الشارع فيه.
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ أي في وقتها و هو الطهر، فإن اللام في الأزمان و ما يشبهها للتأقيت، و من عدة العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات، و ظاهره يدل على أن العدة بالأطهار و أن طلاق المعتدة بالأقراء ينبغي أن يكون في الطهر، و أنه يحرم في الحيض من حيث إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده و لا يدل على عدم وقوعه، إذ النهي لا يستلزم الفساد، كيف و قد صح أن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما لما طلق امرأته حائضا أمره النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالرجعة و هو سبب نزوله. وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ و اضبطوها و أكملوها ثلاثة أقراء.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ في تطويل العدة و الإضرار بهن. لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن. وَ لا يَخْرُجْنَ باستبدادهن أما لو اتفقا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما، و في الجمع بين النهيين دلالة على استحقاقها السكنى و لزومها ملازمة مسكن الفراق و قوله: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ مستثنى من الأول، و المعنى إلا أن تبذو على الزوج فإنه كالنشوز في إسقاط حقها، أو إلا أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها، أو من الثاني للمبالغة في النهي و الدلالة على أن خروجها فاحشة. وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ الإشارة إلى الأحكام المذكورة. وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بأن عرضها للعقاب. لا تَدْرِي أي النفس أو أنت أيها النبي أو المطلق. لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً و هو الرغبة في المطلقة برجعة أو استئناف.
[سورة الطلاق (65): آية 2]
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ شارفن آخر عدتهن. فَأَمْسِكُوهُنَ فراجعوهن. بِمَعْرُوفٍ بحسن عشرة و إنفاق مناسب، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ بإيفاء الحق و اتقاء الضرار مثل أن يراجعها ثم يطلقها تطويلا لعدتها.
وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ على الرجعة أو الفرقة تبريا عن الريبة و قطعا للتنازع، و هو ندب كقوله:
وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ و عن الشافعي وجوبه في الرجعة. وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ أيها الشهود عند الحاجة. لِلَّهِ خالصا لوجهه. ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ يريد الحث على الإشهاد و الإقامة، أو على جميع ما في الآية. مَنْ كانَ
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 221
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فإنه المنتفع به و المقصود بذكره. وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً .
[سورة الطلاق (65): آية 3]
وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على الاتقاء عما نهى عنه صريحا أو ضمنا من الطلاق في الحيض، و الإضرار بالمعتدة و إخراجها من المسكن، و تعدي حدود اللّه و كتمان الشهادة و توقع جعل على إقامتها بأن يجعل اللّه له مخرجا مما في شأن الأزواج من المضايق و الغموم، و يرزقه فرجا و خلفا من وجه لم يخطر بباله. أو بالوعد لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين و الفوز بخيرهما من حيث لا يحتسبون. أو كلام جيء به للاستطراد عند ذكر المؤمنين. و
عنه صلّى اللّه عليه و سلم «إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم».
وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فما زال يقرؤها و يعيدها». و
روي «أن سالم بن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو، فشكا أبوه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال له «اتق اللّه و أكثر قول: لا حول و لا قوة إلا باللّه. ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب و معه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها».
و
في رواية «رجع و معه غنيمات و متاع».
وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ كافيه. إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ يبلغ ما يريده و لا يفوته مراد، و قرأ حفص بالإضافة، و قرئ «بالغ أمره» أي نافذ و «بالغا» على أنه حال و الخبر: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً تقديرا أو مقدرا، أو أجلا لا يتأتى تغييره، و هو بيان لوجوب التوكل و تقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق بزمان العدة و الأمر بإحصائها، و تمهيد لما سيأتي من مقاديرها.
[سورة الطلاق (65): الآيات 4 الى 5]
وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ لكبرهن. إِنِ ارْتَبْتُمْ شككتم في عدتهن أي جهلتم.
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ
روي أنه لما نزل وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ قيل فما عدة اللّاتي لم يحضن فنزلت:
وَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ أي و اللائي لم يحضن بعد كذلك. وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ منتهى عدتهن. أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ و هو حكم يعم المطلقات و المتوفى عنهم أزواجهن، و المحافظة على عمومه أولى من محافظة عموم قوله: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً* لأن عموم أولات الأحمال بالذات و عموم أزواجا بالعرض، و الحكم معلل ها هنا بخلافه ثمة، و لأنه صح
أن سبيعة بنت الحرث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال «قد حللت فتزوجي»
، و لأنه متأخر النزول فتقديمه في العمل تخصيص و تقديم الآخر بناء للعام على الخاص و الأول راجح للوفاق عليه. وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ في أحكامه فيراعي حقوقها. يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً يسهل عليه أمره و يوفقه للخير.
ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ إشارة إلى ما ذكر من الأحكام. أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ في أحكامه فيراعي حقوقها. يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ فإن الحسنات يذهبن السيئات وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً بالمضاعفة.
[سورة الطلاق (65): الآيات 6 الى 7]