کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 220
(65) سورة الطلاق
مدنية و آيها اثنتا عشرة أو إحدى عشرة آية
[سورة الطلاق (65): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ خص النداء و عم الخطاب بالحكم لأنه أمام أمته فنداؤه كندائهم، أو لأن الكلام معه و الحكم يعمهم. و المعنى إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المشارف له منزلة الشارع فيه.
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ أي في وقتها و هو الطهر، فإن اللام في الأزمان و ما يشبهها للتأقيت، و من عدة العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات، و ظاهره يدل على أن العدة بالأطهار و أن طلاق المعتدة بالأقراء ينبغي أن يكون في الطهر، و أنه يحرم في الحيض من حيث إن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده و لا يدل على عدم وقوعه، إذ النهي لا يستلزم الفساد، كيف و قد صح أن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما لما طلق امرأته حائضا أمره النبي صلّى اللّه عليه و سلم بالرجعة و هو سبب نزوله. وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ و اضبطوها و أكملوها ثلاثة أقراء.
وَ اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ في تطويل العدة و الإضرار بهن. لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ من مساكنهن وقت الفراق حتى تنقضي عدتهن. وَ لا يَخْرُجْنَ باستبدادهن أما لو اتفقا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما، و في الجمع بين النهيين دلالة على استحقاقها السكنى و لزومها ملازمة مسكن الفراق و قوله: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ مستثنى من الأول، و المعنى إلا أن تبذو على الزوج فإنه كالنشوز في إسقاط حقها، أو إلا أن تزني فتخرج لإقامة الحد عليها، أو من الثاني للمبالغة في النهي و الدلالة على أن خروجها فاحشة. وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ الإشارة إلى الأحكام المذكورة. وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ بأن عرضها للعقاب. لا تَدْرِي أي النفس أو أنت أيها النبي أو المطلق. لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً و هو الرغبة في المطلقة برجعة أو استئناف.
[سورة الطلاق (65): آية 2]
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ شارفن آخر عدتهن. فَأَمْسِكُوهُنَ فراجعوهن. بِمَعْرُوفٍ بحسن عشرة و إنفاق مناسب، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ بإيفاء الحق و اتقاء الضرار مثل أن يراجعها ثم يطلقها تطويلا لعدتها.
وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ على الرجعة أو الفرقة تبريا عن الريبة و قطعا للتنازع، و هو ندب كقوله:
وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ و عن الشافعي وجوبه في الرجعة. وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ أيها الشهود عند الحاجة. لِلَّهِ خالصا لوجهه. ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ يريد الحث على الإشهاد و الإقامة، أو على جميع ما في الآية. مَنْ كانَ
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 221
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فإنه المنتفع به و المقصود بذكره. وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً .
[سورة الطلاق (65): آية 3]
وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على الاتقاء عما نهى عنه صريحا أو ضمنا من الطلاق في الحيض، و الإضرار بالمعتدة و إخراجها من المسكن، و تعدي حدود اللّه و كتمان الشهادة و توقع جعل على إقامتها بأن يجعل اللّه له مخرجا مما في شأن الأزواج من المضايق و الغموم، و يرزقه فرجا و خلفا من وجه لم يخطر بباله. أو بالوعد لعامة المتقين بالخلاص عن مضار الدارين و الفوز بخيرهما من حيث لا يحتسبون. أو كلام جيء به للاستطراد عند ذكر المؤمنين. و
عنه صلّى اللّه عليه و سلم «إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم».
وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فما زال يقرؤها و يعيدها». و
روي «أن سالم بن عوف بن مالك الأشجعي أسره العدو، فشكا أبوه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال له «اتق اللّه و أكثر قول: لا حول و لا قوة إلا باللّه. ففعل فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب و معه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها».
و
في رواية «رجع و معه غنيمات و متاع».
وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ كافيه. إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ يبلغ ما يريده و لا يفوته مراد، و قرأ حفص بالإضافة، و قرئ «بالغ أمره» أي نافذ و «بالغا» على أنه حال و الخبر: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً تقديرا أو مقدرا، أو أجلا لا يتأتى تغييره، و هو بيان لوجوب التوكل و تقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق بزمان العدة و الأمر بإحصائها، و تمهيد لما سيأتي من مقاديرها.
[سورة الطلاق (65): الآيات 4 الى 5]
وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ لكبرهن. إِنِ ارْتَبْتُمْ شككتم في عدتهن أي جهلتم.
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ
روي أنه لما نزل وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ قيل فما عدة اللّاتي لم يحضن فنزلت:
وَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ أي و اللائي لم يحضن بعد كذلك. وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ منتهى عدتهن. أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ و هو حكم يعم المطلقات و المتوفى عنهم أزواجهن، و المحافظة على عمومه أولى من محافظة عموم قوله: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً* لأن عموم أولات الأحمال بالذات و عموم أزواجا بالعرض، و الحكم معلل ها هنا بخلافه ثمة، و لأنه صح
أن سبيعة بنت الحرث وضعت بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال «قد حللت فتزوجي»
، و لأنه متأخر النزول فتقديمه في العمل تخصيص و تقديم الآخر بناء للعام على الخاص و الأول راجح للوفاق عليه. وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ في أحكامه فيراعي حقوقها. يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً يسهل عليه أمره و يوفقه للخير.
ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ إشارة إلى ما ذكر من الأحكام. أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ في أحكامه فيراعي حقوقها. يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ فإن الحسنات يذهبن السيئات وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً بالمضاعفة.
[سورة الطلاق (65): الآيات 6 الى 7]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 222
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ أي مكانا من مكان سكناكم. مِنْ وُجْدِكُمْ من وسعكم أي مما تطيقونه، أو عطف بيان لقوله من حَيْثُ سَكَنْتُمْ . وَ لا تُضآرُّوهُنَ في السكنى. لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ فتلجئوهن إلى الخروج. وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ فيخرجن من العدة، و هذا يدل على اختصاص استحقاق النفقة بالحامل من المعتدات و الأحاديث تؤيده. فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ بعد انقطاع علقة النكاح. فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ على الإرضاع. وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ و ليأمر بعضكم بعضا بجميل في الإرضاع و الأجر. وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ تضايقتم. فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى امرأة أخرى، و فيه معاتبة للأم على المعاسرة.
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ أي فلينفق كل من الموسر و المعسر ما بلغه وسعه. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها فإنه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، و فيه تطييب لقلب المعسر و لذلك وعد له باليسر فقال: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً أي عاجلا أو آجلا.
[سورة الطلاق (65): الآيات 8 الى 9]
وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أهل قرية. عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ أعرضت عنه إعراض العاتي المعاند.
فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً بالاستقصاء و المناقشة. وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً منكرا و المراد حساب الآخرة، و عذابها و التعبير بلفظ الماضي للتحقيق.
فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها عقوبة كفرها و معاصيها. وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً لا ربح فيه أصلا.
[سورة الطلاق (65): الآيات 10 الى 11]
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً تكرير للوعيد و بيان لما يوجب التقوى المأمور بها في قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ و يجوز أن يكون المراد بالحساب استقصاء ذنوبهم و إثباتها في صحف الحفظة، و بالعذاب ما أصيبوا به عاجلا. الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً .
رَسُولًا يعني بالذكر جبريل عليه السلام لكثرة ذكره، أو لنزوله بالذكر و هو القرآن، أو لأنه مذكور في السموات أو ذا ذكر أي شرف، أو محمدا عليه الصلاة و السلام لمواظبته على تلاوة القرآن، أو تبليغه و عبر عن إرساله بالإنزال ترشيحا، أو لأنه مسبب عن إنزال الوحي إليه، و أبدل منه رَسُولًا للبيان أو أراد به القرآن، و رَسُولًا . منصوب بمقدر مثل أرسل أو ذكرا مصدر و رسولا مفعوله أو بدله على أنه بمعنى الرسالة. يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ حال من اسم اللَّهِ أو صفة رَسُولًا ، و المراد ب الَّذِينَ آمَنُوا في قوله: لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ الذين آمنوا بعد إنزاله أي ليحصل لهم ما هم عليه الآن من الإيمان و العمل الصالح أو ليخرج من علم أو قدر أنه يؤمن مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ من الضلالة إلى الهدى.
وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ يَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً و قرأ نافع و ابن عامر ندخله بالنون. قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً فيه تعجيب و تعظيم لما رزقوا من الثواب.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 223
[سورة الطلاق (65): آية 12]
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ مبتدأ و خبر. وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ أي و خلق مثلهن في العدد من الأرض، و قرئ بالرفع على الابتداء و الخبر: يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ أي يجري أمر اللّه و قضاؤه بينهن و ينفذ حكمه فيهن. لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً علة ل خَلَقَ أو ل يَتَنَزَّلُ ، أو مضمر يعمهما فإن كلّا منهما يدل على كمال قدرته و علمه.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة الطلاق مات على سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 224
(66) سورة التحريم
مدنية و آيها اثنتا عشرة آية
[سورة التحريم (66): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
روي أنه عليه الصلاة و السلام خلا بمارية في نوبة عائشة رضي اللّه تعالى عنها أو حفصة، فاطلعت على ذلك حفصة فعاتبته فيه فحرم مارية فنزلت.
و
قيل شرب عسلا عند حفصة، فواطأت عائشة سودة و صفية فقلن له إنا نشتمّ منك ريح المغافير فحرم العسل فنزلت.
تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ تفسير ل تُحَرِّمُ أو حال من فاعله أو استئناف لبيان الداعي إليه. وَ اللَّهُ غَفُورٌ لك هذه الزلة فإنه لا يجوز تحريم ما أحله اللّه. رَحِيمٌ رحمك حيث لم يؤاخذك به و عاتبك محاماة على عصمتك.
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ قد شرع لكم تحليلها و هو حل ما عقّدته بالكفارة، أو الاستثناء فيها بالمشيئة حتى لا تحنث من قولهم: حلل في يمينه إذا استثنى فيها، و احتج بها من رأى التحريم مطلقا أو تحريم المرأة يمينا، و هو ضعيف إذ لا يلزم من وجوب كفارة اليمين فيه كونه يمينا مع احتمال أنه عليه الصلاة و السلام أتى بلفظ اليمن كما قيل وَ اللَّهُ مَوْلاكُمْ متولي أمركم وَ هُوَ الْعَلِيمُ بما يصلحكم الْحَكِيمُ المتقن في أفعاله و أحكامه.
[سورة التحريم (66): الآيات 3 الى 4]
وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ يعني حفصة حَدِيثاً تحريم مارية أو العسل أو أن الخلافة بعده لأبي بكر و عمر رضي اللّه تعالى عنهما فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ أي فلما أخبرت حفصة عائشة رضي اللّه تعالى عنهما بالحديث. وَ أَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ و اطلع النبي عليه الصلاة و السلام على الحديث أي على إفشائه. عَرَّفَ بَعْضَهُ عرف الرسول صلّى اللّه عليه و سلم حفصة بعض ما فعلت. وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ عن إعلام بعض تكرما أو جازاها على بعض بتطليقه إياها و تجاوز عن بعض، و يؤيده قراءة الكسائي بالتخفيف فإنه لا يحتمل هاهنا غيره لكن المشدد من باب إطلاق اسم المسبب على السبب و المخفف بالعكس، و يؤيد الأول قوله: فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فإنه أوفق للإعلام.
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ خطاب لحفصة و عائشة على الالتفات للمبالغة في المعاتبة. فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، و هو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة رسول اللّه عليه الصلاة و السلام بحب ما يحبه و كراهة ما يكرهه. وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ و إن تتظاهرا عليه بما يسؤوه، و قرأ الكوفيون بالتخفيف.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 225
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ فلن يعدم من يظاهره من اللّه و الملائكة و صلحاء المؤمنين، فإن اللّه ناصره و جبريل رئيس الكروبيين قرينه، و من صلح من المؤمنين أتباعه و أعوانه. وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ متظاهرون، و تخصيص جبريل لتعظيمه، و المراد بالصالح الجنس و لذلك عمم بالإضافة و بقوله بعد ذلك تعظيم لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره اللّه تعالى به.
[سورة التحريم (66): آية 5]
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ على التغليب، أو تعميم الخطاب، و ليس فيه ما يدل على أنه لم يطلق حفصة و أن في النساء خيرا منهن لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة و المعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه، و قرأ نافع و أبو عمرو يُبْدِلَهُ بالتخفيف. مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ مقرات مخلصات أو منقادات مصدقات. قانِتاتٍ مصليات أو مواظبات على الطاعات. تائِباتٍ عن الذنوب. عابِداتٍ متعبدات أو متذللات لأمر الرسول عليه الصلاة و السلام. سائِحاتٍ صائمات سمي الصائم سائحا لأنه يسبح بالنهار بلا زاد، أو مهاجرات. ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً وسط العاطف بينهما لتنافيهما و لأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات و الأبكار.
[سورة التحريم (66): الآيات 6 الى 7]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ بترك المعاصي و فعل الطاعات. وَ أَهْلِيكُمْ بالنصح و التأديب، و قرئ و «أهلوكم» عطف على واو قُوا ، فيكون أَنْفُسَكُمْ أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين. ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب. عَلَيْها مَلائِكَةٌ تلي أمرها و هم الزبانية.
غِلاظٌ شِدادٌ غلاظ الأقوال شداد الأفعال، أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة. لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ فيما مضى. وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فيما يستقبل، أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر و التزامها و يؤدون ما يؤمرون به.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار، و النهي عن الاعتذار لأنه لا عذر لهم أو العذر لا ينفعهم.
[سورة التحريم (66): آية 8]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً بالغة في النصح و هو صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة، و صفت به على الإسناد المجازي مبالغة أو في النصاحة، و هي الخياطة كأنها تنصح ما خرق الذنب.
و قرأ أبو بكر بضم النون و هو مصدر بمعنى النصح كالشكر و الشكور، أو النصاحة كالثبات و الثبوت تقديره ذات نصوح أو تنصح نصوحا، أو توبوا نصوحا لأنفسكم.
و سئل علي رضي اللّه تعالى عنه عن التوبة فقال:
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 226
يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة، و للفرائض الإعادة، و رد المظالم، و استحلال الخصوم، و أن تعزم على أن لا تعود، و أن تربي نفسك في طاعة اللّه كما ربيتها في المعصية.
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذكر بصيغة الأطماع جريا على عادة الملوك، و إشعارا بأنه تفضل و التوبة غير موجبة و أن العبد ينبغي أن يكون بين خوف و رجاء. يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَ ظرف ل يُدْخِلَكُمْ . وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ عطف على النبي عليه الصلاة و السلام إحمادا لهم و تعريضا لمن ناوأهم، و قيل مبتدأ خبره: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ أي على الصراط. يَقُولُونَ إذا طفئ نور المنافقين. رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ و قيل تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلا.
[سورة التحريم (66): الآيات 9 الى 10]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ بالسيف وَ الْمُنافِقِينَ بالحجة. وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ و استعمل الخشونة فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرفق مداه. وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ جهنم أو مأواهم.
و ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ مثّل اللّه تعالى حالهم في أنهم يعاقبون بكفرهم و لا يحابون بما بينهم و بين النبي عليه الصلاة و السلام و المؤمنين من النسبة بحالهما. كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ يريد به تعظيم نوح و لوط عليهما السلام. فَخانَتاهُما بالنفاق. فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فلم يغن النبيان عنهما بحق الزواج شيئا إغناء ما. وَ قِيلَ أي لهما عند موتهما أو يوم القيامة.
ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم و بين الأنبياء عليهم السلام.
[سورة التحريم (66): الآيات 11 الى 12]
وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ شبه حالهم في أن وصلة الكافرين لا تضرهم بحال آسية رضي اللّه عنها و منزلتها عند اللّه مع أنها كانت تحت أعدى أعداء اللّه. إِذْ قالَتْ ظرف للمثل المحذوف.
رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ قريبا من رحمتك أو في أعلى درجات المقربين. وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ من نفسه الخبيثة و عمله السيئ. وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ من القبط التابعين له في الظلم.