کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 225
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ فلن يعدم من يظاهره من اللّه و الملائكة و صلحاء المؤمنين، فإن اللّه ناصره و جبريل رئيس الكروبيين قرينه، و من صلح من المؤمنين أتباعه و أعوانه. وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ متظاهرون، و تخصيص جبريل لتعظيمه، و المراد بالصالح الجنس و لذلك عمم بالإضافة و بقوله بعد ذلك تعظيم لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره اللّه تعالى به.
[سورة التحريم (66): آية 5]
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ على التغليب، أو تعميم الخطاب، و ليس فيه ما يدل على أنه لم يطلق حفصة و أن في النساء خيرا منهن لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة و المعلق بما لم يقع لا يجب وقوعه، و قرأ نافع و أبو عمرو يُبْدِلَهُ بالتخفيف. مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ مقرات مخلصات أو منقادات مصدقات. قانِتاتٍ مصليات أو مواظبات على الطاعات. تائِباتٍ عن الذنوب. عابِداتٍ متعبدات أو متذللات لأمر الرسول عليه الصلاة و السلام. سائِحاتٍ صائمات سمي الصائم سائحا لأنه يسبح بالنهار بلا زاد، أو مهاجرات. ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً وسط العاطف بينهما لتنافيهما و لأنهما في حكم صفة واحدة إذ المعنى مشتملات على الثيبات و الأبكار.
[سورة التحريم (66): الآيات 6 الى 7]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ بترك المعاصي و فعل الطاعات. وَ أَهْلِيكُمْ بالنصح و التأديب، و قرئ و «أهلوكم» عطف على واو قُوا ، فيكون أَنْفُسَكُمْ أنفس القبيلين على تغليب المخاطبين. ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ نارا تتقد بهما اتقاد غيرها بالحطب. عَلَيْها مَلائِكَةٌ تلي أمرها و هم الزبانية.
غِلاظٌ شِدادٌ غلاظ الأقوال شداد الأفعال، أو غلاظ الخلق شداد الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة. لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ فيما مضى. وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ فيما يستقبل، أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر و التزامها و يؤدون ما يؤمرون به.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار، و النهي عن الاعتذار لأنه لا عذر لهم أو العذر لا ينفعهم.
[سورة التحريم (66): آية 8]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً بالغة في النصح و هو صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة، و صفت به على الإسناد المجازي مبالغة أو في النصاحة، و هي الخياطة كأنها تنصح ما خرق الذنب.
و قرأ أبو بكر بضم النون و هو مصدر بمعنى النصح كالشكر و الشكور، أو النصاحة كالثبات و الثبوت تقديره ذات نصوح أو تنصح نصوحا، أو توبوا نصوحا لأنفسكم.
و سئل علي رضي اللّه تعالى عنه عن التوبة فقال:
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 226
يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة، و للفرائض الإعادة، و رد المظالم، و استحلال الخصوم، و أن تعزم على أن لا تعود، و أن تربي نفسك في طاعة اللّه كما ربيتها في المعصية.
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذكر بصيغة الأطماع جريا على عادة الملوك، و إشعارا بأنه تفضل و التوبة غير موجبة و أن العبد ينبغي أن يكون بين خوف و رجاء. يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَ ظرف ل يُدْخِلَكُمْ . وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ عطف على النبي عليه الصلاة و السلام إحمادا لهم و تعريضا لمن ناوأهم، و قيل مبتدأ خبره: نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ أي على الصراط. يَقُولُونَ إذا طفئ نور المنافقين. رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَ اغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ و قيل تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلا.
[سورة التحريم (66): الآيات 9 الى 10]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ بالسيف وَ الْمُنافِقِينَ بالحجة. وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ و استعمل الخشونة فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرفق مداه. وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ جهنم أو مأواهم.
و ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ مثّل اللّه تعالى حالهم في أنهم يعاقبون بكفرهم و لا يحابون بما بينهم و بين النبي عليه الصلاة و السلام و المؤمنين من النسبة بحالهما. كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ يريد به تعظيم نوح و لوط عليهما السلام. فَخانَتاهُما بالنفاق. فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فلم يغن النبيان عنهما بحق الزواج شيئا إغناء ما. وَ قِيلَ أي لهما عند موتهما أو يوم القيامة.
ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم و بين الأنبياء عليهم السلام.
[سورة التحريم (66): الآيات 11 الى 12]
وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ شبه حالهم في أن وصلة الكافرين لا تضرهم بحال آسية رضي اللّه عنها و منزلتها عند اللّه مع أنها كانت تحت أعدى أعداء اللّه. إِذْ قالَتْ ظرف للمثل المحذوف.
رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ قريبا من رحمتك أو في أعلى درجات المقربين. وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ من نفسه الخبيثة و عمله السيئ. وَ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ من القبط التابعين له في الظلم.
وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ عطف على امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ تسلية للأرامل. الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها من الرجال فَنَفَخْنا فِيهِ في فرجها، و قرئ «فيها» أي في مَرْيَمَ أو في الجملة. مِنْ رُوحِنا من روح خلقناه بلا توسط أصل. وَ صَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها بصحفه المنزلة أو بما أوحى إلى أنبيائه. وَ كُتُبِهِ و ما كتب في اللوح المحفوظ، أو جنس الكتب المنزلة و تدل عليه قراءة البصريين و حفص بالجمع، و قرئ «بكلمة اللّه و كتابه» أي بعيسى عليه السلام و الإنجيل. وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ من عداد المواظبين على الطاعة، و التذكير للتغليب و الإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين حتى عدت من جملتهم، أو من نسلهم فتكون مِنْ ابتدائية.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 227
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، و مريم بنت عمران، و خديجة بنت خويلد، و فاطمة بنت محمد. و فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
و
عنه عليه الصلاة و السلام «من قرأ سورة التحريم آتاه اللّه توبة نصوحا».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 228
(67) سورة الملك
مكية، و تسمى الواقية و المنجية لأنها تقي قارئها و تنجيه من عذاب القبر، و آيها ثلاثون آية
[سورة الملك (67): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها. وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ على كل ما يشاء قدير.
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ قدرهما أو أوجد الحياة و أزالها حسبما قدره، و قدم الموت لقوله: وَ كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ و لأنه أدعى إلى حسن العمل. لِيَبْلُوَكُمْ ليعاملكم معاملة المختبر بالتكليف أيها المكلفون.
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أصوبه و أخلصه، و
جاء مرفوعا: «أحسن عقلا و أورع عن محارم اللّه و أسرع في طاعته»
، جملة واقعة موقع المفعول ثانيا لفعل البلوى المتضمن معنى العلم، و ليس هذا من باب التعليق لأنه يخل به وقوع الجملة خبرا فلا يعلق الفعل عنها بخلاف ما إذا وقعت موقع المفعولين. وَ هُوَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يعجزه من أساء العمل. الْغَفُورُ لمن تاب منهم.
[سورة الملك (67): الآيات 3 الى 4]
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً مطابقة بعضها فوق بعض مصدر طابقت النعل إذا خصفتها طبقا على طبق وصف به، أو طوبقت طباقا أو ذات طباق جمع طبق كجبل و جبال، أو طبقة كرحبة و رحاب. ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ و قرأ حمزة و الكسائي «من تفوت» و معناهما واحد كالتعاهد و التعهد، و هو الاختلاف و عدم التناسب من الفوت كأن كلّا من المتفاوتين فات عنه بعض ما في الآخر، و الجملة صفة ثانية ل سَبْعَ وضع فيها خلق الرحمن موضع الضمير للتعظيم، و الإشعار بأنه تعالى يخلق مثل ذلك بقدرته الباهرة رحمة و تفضلا، و أن في إبداعها نعما جليلة لا تحصى، و الخطاب فيها للرسول أو لكل مخاطب و قوله:
فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ متعلق به على معنى التسبب أي قد نظرت إليها مرارا فانظر إليها مرة أخرى متأملا فيها لتعاين ما أخبرت به من تناسبها و استقامتها و استجماعها ما ينبغي لها، و ال فُطُورٍ الشقوق و المراد الخلل من فطره إذا شقه.
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ أي رجعتين أخريين في ارتياد الخلل و المراد بالتثنية التكرير و التكثير كما في لبيك و سعديك، و لذلك أجاب الأمر بقوله: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً بعيدا عن إصابة المطلوب كأنه طرد عنه طردا بالصغار وَ هُوَ حَسِيرٌ كليل من طول المعاودة و كثرة المراجعة.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 229
[سورة الملك (67): آية 5]
وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا أقرب السموات إلى الأرض. بِمَصابِيحَ بالكواكب المضيئة بالليل إضاءة السرج فيها، و التنكير للتعظيم و لا يمنع ذلك كون بعض الكواكب مركوزة في سموات فوقها إذ التزيين بإظهارها فيها. وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ و جعلنا لها فائدة أخرى و هي رجم أعدائكم، و الرجوم جمع رجم بالفتح و هو مصدر سمي به ما يرجم به بانقضاض الشهب المسببة عنها. و قيل معناه و جعلناها رجوما و ظنونا لشياطين الإنس و هم المنجمون. وَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا.
[سورة الملك (67): الآيات 6 الى 7]
وَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ من الشياطين و غيرهم. عَذابُ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ و قرئ بالنصب على أن لِلَّذِينَ عطف على لَهُمْ و عَذابُ على عَذابَ السَّعِيرِ .
إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً صوتا كصوت الحمير. وَ هِيَ تَفُورُ تغلي بهم غليان المرجل بما فيه.
[سورة الملك (67): الآيات 8 الى 9]
تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ تتفرق غيظا عليهم، و هو تمثيل لشدة اشتعالها بهم، و يجوز أن يراد غيظ الزبانية. كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ جماعة من الكفرة. سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ يخوفكم هذا العذاب و هو توبيخ و تبكيت.
قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَ قُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ أي فكذبنا الرسل و أفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإنزال و الإرسال رأسا، و بالغنا في نسبتهم إلى الضلال، فالنذير إما بمعنى الجمع لأنه فعيل أو مصدر مقدر بمضاف أي أهل إنذار، أو منعوت به للمبالغة أو الواحد و الخطاب له و لأمثاله على التغليب، أو إقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل، أو على أن المعنى قالت الأفواج قد جاء إلى كل فوج منا رسول من اللّه فكذبناهم و ضللناهم، و يجوز أن يكون الخطاب من كلام الزبانية للكفار على إرادة القول فيكون الضلال ما كانوا عليه في الدنيا، أو عقابه الذي يكونون فيه.
[سورة الملك (67): الآيات 10 الى 11]
وَ قالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ كلام الرسل فنقبله جملة من غير بحث و تفتيش اعتمادا على ما لاح من صدقهم بالمعجزات. أَوْ نَعْقِلُ فنتفكر في حكمه و معانيه تفكر المستبصرين. ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ في عدادهم و من جملتهم.
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ حين لا ينفعهم، و الاعتراف إقرار عن معرفة، و الذنب لم يجمع لأنه في الأصل مصدر، أو المراد به الكفر. فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ فأسحقهم اللّه سحقا أبعدهم من رحمته، و التغليب للإيجاز و المبالغة و التعليل و قرأ الكسائي بالتثقيل.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 230
[سورة الملك (67): الآيات 12 الى 13]
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ يخافون عذابه غائبا عنهم لم يعاينوه بعد، أو غائبين عنه أو عن أعين الناس، أو بالمخفي منهم و هو قلوبهم. لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم. وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ تصغر دونه لذائذ الدنيا.
وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بالضمائر قبل أن يعبر عنها سرا أو جهرا.
[سورة الملك (67): الآيات 14 الى 15]
أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ألا يعلم السر و الجهر من أوجد الأشياء حسبما قدرته حكمته. وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه و ما بطن، أو ألا يعلم اللّه من خلقه، و هو بهذه المثابة و التقييد بهذه الحال يستدعي أن يكون ل يَعْلَمُ مفعول ليفيد،
روي: أن المشركين كانوا يتكلمون فيما بينهم بأشياء، فيخبر اللّه بها رسوله فيقولون: أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد فنبه اللّه على جهلهم.
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا لينة يسهل لكم السلوك فيها. فَامْشُوا فِي مَناكِبِها في جوانبها أو جبالها، و هو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب و لا يتذلل له، فإذا جعل الأرض في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل. وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ و التمسوا من نعم اللّه. وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ المرجع فيسألكم عن شكر ما أنعم عليكم.
[سورة الملك (67): الآيات 16 الى 17]
أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ يعني الملائكة الموكلين على تدبير هذا العالم، أو اللّه تعالى على تأويل مَنْ فِي السَّماءِ أمره أو قضاؤه، أو على زعم العرب فإنهم زعموا أنه تعالى في السماء، و عن ابن كثير «و أمنتم» بقلب الهمزة الأولى واوا لانضمام ما قبلها، «و آمنتم» بقلب الثانية ألفا، و هو قراءة نافع و أبي عمرو و رويس.
أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فيغيبكم فيها كما فعل بقارون و هو بدل من بدل الاشتمال. فَإِذا هِيَ تَمُورُ تضطرب، و المور التردد في المجيء و الذهاب.
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً أن يمطر عليكم حصباء. فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به و لكن لا ينفعكم العلم حينئذ.
[سورة الملك (67): الآيات 18 الى 19]
وَ لَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ إنكاري عليهم بإنزال العذاب، و هو تسلية للرسول صلّى اللّه عليه و سلم و تهديد لقومه المشركين.
أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها، فإنهن إذا بسطنها صففن قوادمها. وَ يَقْبِضْنَ و يضممنها إذا ضربن بها جنوبهن وقتا بعد وقت للاستظهار به على التحريك، و لذلك عدل به إلى صيغة الفعل للتفرقة بين الأصل في الطيران و الطارئ عليه. ما يُمْسِكُهُنَ في الجو على خلاف
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 231
الطبع. إِلَّا الرَّحْمنُ الشامل رحمته كل شيء بأن خلقهن على أشكال و خصائص هيأتهن للجري في الهواء.
إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ يعلم كيف يخلق الغرائب و يدبر العجائب.
[سورة الملك (67): الآيات 20 الى 21]
أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ عديل لقوله أَ وَ لَمْ يَرَوْا على معنى أو لم تنظروا في أمثال هذه الصنائع، فلم تعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو خسف و إرسال حاصب، أم لكم جند ينصركم من دون اللّه إن أرسل عليكم عذابه فهو كقوله أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا إلا أنه أخرج مخرج الاستفهام عن تعيين من ينصرهم إشعارا بأنهم اعتقدوا هذا القسم، و من مبتدأ و هذَا خبره و الَّذِي بصلته صفته و يَنْصُرُكُمْ وصف ل جُنْدٌ محمول على لفظه. إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ لا معتمد لهم.
أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ أم من يشار إليه و يقال هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ . إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بإمساك المطر و سائر الأسباب المخلصة و الموصلة له إليكم. بَلْ لَجُّوا تمادوا. فِي عُتُوٍّ عناد. وَ نُفُورٍ شراد عن الحق لتنفر طباعهم عنه.
[سورة الملك (67): آية 22]
أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى يقال كببته فأكب و هو من الغرائب كقشع اللّه السحاب فأقشع، و التحقيق أنهما من باب أنفض بمعنى صار ذا كب و ذا قشع، و ليسا مطاوعي كب و قشع بل المطاوع لهما انكب و انقشع، و معنى مُكِبًّا أنه يعثر كل ساعة و يخر على وجهه لوعورة طريقه و اختلاف أجزائه، و لذلك قابله بقوله: أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا قائما سالما من العثار. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ مستوي الأجزاء و الجهة، و المراد تمثيل المشرك و الموحد بالسالكين و الدينين بالمسلكين، و لعل الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقا، كمشي المتعسف في مكان متعاد غير مستو. و قيل المراد بالمكب الأعمى فإنه يتعسف فينكب و بالسوي البصير، و قيل من يَمْشِي مُكِبًّا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار و من يَمْشِي سَوِيًّا الذي يحشر على قدميه إلى الجنة.
[سورة الملك (67): الآيات 23 الى 24]
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ لتسمعوا المواعظ. وَ الْأَبْصارَ لتنظروا صنائعه. وَ الْأَفْئِدَةَ لتتفكروا و تعتبروا. قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ باستعمالها فيما خلقت لأجلها.
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ للجزاء.
[سورة الملك (67): الآيات 25 الى 27]
وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ أي الحشر أو ما وعدوا به من الخسف و الحاصب. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعنون النبي عليه الصلاة و السلام و المؤمنين.