کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 259
(74) سورة المدثر
مكية، و آيها خمس و خمسون آية
[سورة المدثر (74): الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ أي المتدثر و هو لابس الدثار.
روي أنه عليه الصلاة و السلام قال «كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يميني و شمالي فلم أر شيئا، فنظرت فوقي فإذا هو على عرش بين السماء و الأرض- يعني الملك الذي ناداه- فرعبت فرجعت إلى خديجة فقلت: دثروني، فنزل جبريل و قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
و لذلك قيل هي أول سورة نزلت. و قيل تأذى من قريش فتغطي بثوبه مفكرا، أو كان نائما متدثرا فنزلت، و قيل المراد بالمدثر المتدثر بالنبوة و الكمالات النفسانية، أو المختفي فإنه كان بحراء كالمختفي فيه على سبيل الاستعارة، و قرئ «المدثر» أي الذي دثر هذا الأمر و عصب به.
قُمْ من مضجعك أو قم قيام عزم وجد. فَأَنْذِرْ مطلق للتعميم أو مقدر بمفعول دل عليه قوله:
وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أو قوله: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً .
[سورة المدثر (74): الآيات 3 الى 4]
وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4)
وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ و خصص ربك بالتكبير و هو وصفه بالكبرياء عقدا و قولا،
روي أنه لما نزل كبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و أيقن أنه الوحي
، و ذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك و الفاء فيه و فيما بعده لإفادة معنى الشرط و كأنه قال: و ما يكن فكبر ربك، أو الدلالة على أن المقصود الأول من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عن الشرك و التشبيه، فإن أول ما يجب معرفة الصانع و أول ما يجب بعد العلم بوجوده تنزيهه، و القوم كانوا مقرين به.
وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ من النجاسات فإن التطهير واجب في الصلوات محبوب في غيرها، و ذلك بغسلها أو بحفظها عن النجاسة بتقصيرها مخافة جر الذيول فيها، و هو أول ما أمر به من رفض العادات المذمومة، أو طهر نفسك من الأخلاق الذميمة و الأفعال الدنيئة، فيكون أمرا باستكمال القوة العملية بعد أمره باستكمال القوّة النظرية و الدعاء إليه، أو فطهر دثار النبوة عما يدنسه من الحقد و الضجر و قلة الصبر.
[سورة المدثر (74): الآيات 5 الى 7]
وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَ لِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ فاهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الشرك و غيره من القبائح، و قرأ يعقوب و حفص وَ الرُّجْزَ بالضم و هو لغة كالذكر.
وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ أي لا تعط مستكثرا، نهى عن الاستفزار و هو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر، نهي تنزيه أو نهيا خاصا به
لقوله عليه الصلاة و السلام «المستفزر يثاب من هبته»
و الموجب له ما فيه من الحرص و الضنة، أو لا تَمْنُنْ على اللّه تعالى بعبادتك مستكثرا إياها، أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم أو مستكثرا إياه، و قرئ «تستكثر» بالسكون للوقف أو الإبدال من تمنن على أنه من من بكذا، أو
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 260
تَسْتَكْثِرُ بمعنى تجده كثيرا و بالنصب على إضمار أن، و قد قرئ بها و على هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها و إبطال عملها، كما روي: احضر الوغى. بالرفع.
وَ لِرَبِّكَ لوجهه أو أمره. فَاصْبِرْ فاستعمل الصبر، أو فاصبر على مشاق التكاليف و أذى المشركين.
[سورة المدثر (74): الآيات 8 الى 10]
فَإِذا نُقِرَ نفخ. فِي النَّاقُورِ في الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت و أصله القرع الذي هو سبب الصوت، و الفاء للسببية كأنه قال: اصبر على زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك و أعداؤك عاقبة ضرهم، و «إذا» ظرف لما دل عليه قوله:
فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ لأن معناه عسر الأمر على الكافرين، و ذلك إشارة إلى وقت النقر، و هو مبتدأ خبره يَوْمٌ عَسِيرٌ و يَوْمَئِذٍ بدل أو ظرف لخبره إذ التقدير: فذلك الوقت وقت وقوع يَوْمٌ عَسِيرٌ . غَيْرُ يَسِيرٍ تأكيد بمنع أن يكون عسيرا عليهم من وجه دون وجه و يشعر بيسره على المؤمنين.
[سورة المدثر (74): الآيات 11 الى 13]
ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً نزلت في الوليد بن المغيرة، و وَحِيداً حال من الياء أي ذرني وحدي معه فإني أكفيكه، أو من التاء أي و من خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد، أو من العائد المحذوف أي من خلقته فريدا لا مال له و لا ولد، أو ذم فإنه كان ملقبا به فسماه اللّه به تهكما، أو إرادة أنه وحيد و لكن في الشرارة أو عن أبيه فإنه كان زنيما.
وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً مبسوطا كثيرا أو ممدا بالنماء، و كان له الزرع و الضرع و التجارة.
وَ بَنِينَ شُهُوداً حضورا معه بمكة يتمتع بلقائهم لا يحتاجون إلى سفر لطلب المعاش استغناء بنعمته، و لا يحتاج إلى أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه، أو في المحافل و الأندية لوجاهتهم و اعتبارهم. قيل كان له عشرة بنين أو أكثر كلهم رجال، فأسلم منهم ثلاثة خالد و عمارة و هشام.
[سورة المدثر (74): الآيات 14 الى 15]
وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً و بسطت له الرياسة و الجاه العريض حتى لقب ريحانة قريش و الوحيد أي باستحقاقه الرياسة و التقدم.
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ على ما أوتيه و هو استبعاد لطمعه إما لأنه لا مزيد على ما أوتي، أو لأنه لا يناسب ما هو عليه من كفران النعم و معاندة المنعم و لذلك قال:
[سورة المدثر (74): الآيات 16 الى 17]
كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)
كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً فإنه ردع له عن الطمع و تعليل للردع على سبيل الاستئناف بمعاندة آيات المنعم المناسبة لإزالة النعمة المانعة عن الزيادة، قيل: ما زال بعد نزول هذه الآية في نقصان ماله حتى هلك.
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً سأغشيه عقبة شاقة المصعد، و هو مثل لما يلقى من الشدائد. و
عنه عليه الصلاة و السلام «الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا».
[سورة المدثر (74): الآيات 18 الى 20]
إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)
.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 261
إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ تعليل للوعيد أو بيان للعناد، و المعنى فكر فيما يخيل طعنا في القرآن و قدر في نفسه ما يقول فيه.
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ تعجب من تقديره استهزاء به، أو لأنه أصاب أقصى ما يمكن أن يقال عليه من قولهم: قتله اللّه ما أشجعه، أي بلغ في الشجاعة مبلغا يحق أن يحسد و يدعو عليه حاسده بذلك.
روي أنه مر بالنبي صلّى اللّه عليه و سلم و هو يقرأ حم «السجدة»، فأتى قومه و قال لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس و الجن، إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة، و إن أعلاه لمثمر و إن أسفله لمغدق، و إنه ليعلو و لا يعلى.
فقالت قريش صبأ الوليد فقال ابن أخيه أبو جهل: أنا أكفيكموه، فقعد إليه حزينا و كلمه بما أحماه فناداهم فقال: تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق، و تقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن، و تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا، فقالوا لا فقال: ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل و أهله و ولده و مواليه، ففرحوا بقوله و تفرقوا عنه متعجبين منه.
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ تكرير للمبالغة و ثم للدلالة على أن الثانية أبلغ من الأولى و فيما بعد على أصلها.
[سورة المدثر (74): الآيات 21 الى 25]
ثُمَّ نَظَرَ أي في أمر القرآن مرة بعد أخرى.
ثُمَّ عَبَسَ قطب وجهه لما لم يجد فيه مطعنا و لم يدر ما يقول، أو نظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و قطب في وجهه. وَ بَسَرَ اتباع لعبس.
ثُمَّ أَدْبَرَ عن الحق أو الرسول عليه الصلاة و السلام. وَ اسْتَكْبَرَ عن اتباعه.
فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يروى و يتعلم، و الفاء للدلالة على أنه لما خطرت هذه الكلمة بباله تفوه بها من غير تلبث و تفكر.
إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ كالتأكيد للجملة الأولى و لذلك لم يعطف عليها.
[سورة المدثر (74): الآيات 26 الى 30]
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ بدل من سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً :
وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ تفخيم لشأنها تعالى و قوله: لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ بيان لذلك أو حال من سقر، و العامل فيها معنى التعظيم و المعنى لا تبقي على شيء يلقى فيها و لا تدعه حتى تهلكه.
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ أي مسودة لأعالي الجلد، أو لائحة للناس و قرئت بالنصب على الاختصاص.
عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ملكا أو صنفا من الملائكة يلون أمرها، و المخصص لهذا العدد أن اختلال النفوس البشرية في النظر و العمل بسبب القوى الحيوانية الاثنتي عشرة و الطبيعة السبع، أو أن لجهنم سبع دركات ست منها لأصناف الكفار و كل صنف يعذب بترك الاعتقاد و الإقرار، و العمل أنواعا من العذاب تناسبها على كل نوع ملك أو صنف يتولاه و واحدة لعصاة الأمة يعذبون فيها بترك العمل نوعا يناسبه و يتولاه ملك، أو صنف أو أن الساعات أربع و عشرون خمسة منها مصروفة في الصلاة فيبقى تسعة عشر قد تصرف فيما يؤاخذ به بأنواع من العذاب يتولاها الزبانية، و قرئ «تسعة عشر» بسكون العين كراهة توالي حركات فيما هو كاسم واحد و «تسعة أعشر» جمع عشير كيمين و أيمن، أي تسعة كل عشير جمع يعني نقيبهم أو جمع عشر فتكون
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 262
تسعين.
[سورة المدثر (74): آية 31]
وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ليخالفوا جنس المعذبين فلا يرقون لهم و لا يستروحون إليهم، و لأنهم أقوى الخلق بأسا و أشدهم غضبا للّه.
روي أن أبا جهل لما سمع عليها تسع عشر قال لقريش: أ يعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم فنزلت.
وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا و ما جعلنا عددهم إلا العدد الذي اقتضى فتنتهم و هو التسعة عشر، فعبر بالأثر عن المؤثر تنبيها على أنه لا ينفك منه و افتتانهم به استقلالهم و استهزاؤهم به و استبعادهم أن يتولى هذا العدد القليل تعذيب أكثر الثقلين، و لعل المراد الجعل بالقول ليحسن تعليله بقوله: لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي ليكتسبوا اليقين بنبوة محمد صلّى اللّه عليه و سلم و صدق القرآن لما رأوا ذلك موافقا لما في كتابهم. وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً بالإيمان به و بتصديق أهل الكتاب له. وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ أي في ذلك و هو تأكيد للاستيقان و زيادة الإيمان و نفي لما يعرض للمتيقن حيثما عراه شبهة. وَ لِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك أو نفاق، فيكون إخبارا بمكة عما سيكون في المدينة بعد الهجرة. وَ الْكافِرُونَ الجازمون في التكذيب. ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا أي شيء أراد بهذا العدد المستغرب استغراب المثل، و قيل لما استبعدوه حسبوا أنه مثل مضروب. كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ مثل ذلك المذكور من الإضلال و الهدى يضل الكافرين و يهدي المؤمنين. وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ جموع خلقه على ما هم عليه. إِلَّا هُوَ إذ لا سبيل لأحد إلى حصر الممكنات و الاطلاع على حقائقها و صفاتها و ما يوجب اختصاص كل منها بما يخصه من كم و كيف و اعتبار و نسبة. وَ ما هِيَ و ما سقر أو عدة الخزنة أو السورة. إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ إلا تذكرة لهم.
[سورة المدثر (74): الآيات 32 الى 35]
كَلَّا ردع لمن أنكرها، أو إنكار لأن يتذكروا بها. وَ الْقَمَرِ .
و اللّيل إذا دبر أي أدبر كقبل بمعنى أقبل، و قرأ نافع و حمزة و يعقوب و حفص إذا أدبر على المضي.
وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أضاء.
إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ أي لإحدى البلايا الكبر أي البلايا الكبر كثيرة و سَقَرَ واحدة منها، و إنما جمع كبرى على «كبر» إلحاقا لها بفعله تنزيلا للألف منزلة التاء كما ألحقت قاصعاء بقاصعة فجمعت على قواصع، و الجملة جواب القسم أو تعليل ل كَلَّا ، و القسم معترض للتأكيد.
[سورة المدثر (74): الآيات 36 الى 37]
نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
نَذِيراً لِلْبَشَرِ تمييز أي لَإِحْدَى الْكُبَرِ إنذارا أو حال عما دلت عليه الجملة أي كبرت منذرة، و قرئ بالرفع خبرا ثانيا أو خبرا لمحذوف.
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ بدل من لِلْبَشَرِ أي نذيرا للمتمكنين من السبق إلى الخير و التخلف عنه، أو لِمَنْ شاءَ خبر ل أَنْ يَتَقَدَّمَ فيكون في معنى قوله: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 263
[سورة المدثر (74): الآيات 38 الى 42]
كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ مرهونة عند اللّه مصدر كالشكيمة أطلقت للمفعول كالرهن و لو كانت صفة لقيل رهين.
إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فإنهم فكوا رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم، و قيل هم الملائكة أو الأطفال.
فِي جَنَّاتٍ لا يكتنه وصفها و هي حال من أَصْحابَ الْيَمِينِ ، أو ضميرهم في قوله: يَتَساءَلُونَ .
عَنِ الْمُجْرِمِينَ أي يسأل بعضهم بعضا أو يسألون غيرهم عن حالهم كقولك: تداعيناه أي دعوناه و قوله:
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ بجوابه حكاية لما جرى بين المسؤولين و المجرمين أجابوا بها.
[سورة المدثر (74): الآيات 43 الى 48]
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ الصلاة الواجبة.
وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ أي ما يجب إعطاؤه، و فيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع.
وَ كُنَّا نَخُوضُ نشرع في الباطل. مَعَ الْخائِضِينَ مع الشارعين فيه.
وَ كُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ أخره لتعظيمه أي و كنا بعد ذلك كله مكذبين بالقيامة.
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ الموت و مقدماته.
فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ لو شفعوا لهم جميعا.
[سورة المدثر (74): الآيات 49 الى 52]
فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ أي معرضين عن التذكرة يعني القرآن، أو ما يعمه و مُعْرِضِينَ حال.
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ شبههم في إعراضهم و نفارهم عن استماع الذكر بحمر نافرة.
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ أي أسد فعولة من القسر و هو القهر.
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً قراطيس تنشر و تقرأ و ذلك أنهم قالوا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم: لن نتبعك حتى تأتي كلامنا بكتاب من السماء فيه من اللّه إلى فلان اتبع محمدا.
[سورة المدثر (74): الآيات 53 الى 56]
كَلَّا ردع لهم عن اقتراحهم الآيات. بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 264
كَلَّا ردع عن إعراضهم. إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ و أي تذكرة.
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فمن شاء أن يذكره.
وَ ما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ذكرهم أو مشيئتهم كقوله: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ* و هو تصريح بأن فعل العبد بمشيئة اللّه تعالى، و قرأ نافع تذكرون بالتاء و قرئ بهما مشددا. هُوَ أَهْلُ التَّقْوى حقيق بأن يتقى عقابه. وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ حقيق بأن يغفر لعباده سيما المتقين منهم.
و
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة المدثر أعطاه اللّه عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد عليه الصلاة و السلام و كذب به بمكة شرفها اللّه تعالى».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 265
(75) سورة القيامة
مكية و آيها أربعون آية
[سورة القيامة (75): الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ إدخال لا النافية على فعل القسم للتأكيد شائع في كلامهم قال امرؤ القيس:
لا و أبيك ابنة العامريّ
لا يدّعي القوم أنّي أفر
و قد مر الكلام فيه في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ و قرأ قنبل لأقسم بغير ألف بعد اللام و كذا روي عن البزي.
وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ بالنفس المتقية التي تلوم النفوس المقصرة في التقوى يوم القيامة على تقصيرها، أو التي تلوم نفسها أبدا و إن اجتهدت في الطاعة أو النفس المطمئنة اللائمة للنفس الأمارة أو بالجنس. لما
روي أنه عليه الصلاة و السلام قال: «ليس من نفس برة و لا فاجرة إلا و تلوم نفسها يوم القيامة، إن عملت خيرا قالت كيف لم أزدد و إن عملت شرا قالت يا ليتني كنت قصرت».
أو نفس آدم فإنها لم تزل تتلوم على ما خرجت به من الجنة، و ضمها إلى يوم القيامة لأن المقصود من إقامتها مجازاتها.
أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ يعني الجنس و إسناد الفعل إليه لأن فيهم من يحسب، أو الذي نزل فيه
و هو عدي بن أبي ربيعة سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن أمر القيامة، فأخبره به فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك.
أو يجمع اللّه هذه العظام. ألن نجمع عظامه بعد تفرقها، و قرئ «أن لن يجمع» على البناء للمفعول.
[سورة القيامة (75): الآيات 4 الى 6]
بَلى نجمعها. قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ بجمع سلامياته و ضم بعضها إلى بعض كما كانت مع صغرها و لطافتها فكيف بكبار العظام، أو عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ الذي هو أطرافه فكيف بغيرها، و هو حال من فاعل الفعل المقدر بعد بَلى ، و قرئ بالرفع أي نحن قادرون.
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ عطف على أَ يَحْسَبُ فيجوز أن يكون استفهاما و أن يكون إيجابا لجواز أن يكون الإضراب عن المستفهم و عن الاستفهام. لِيَفْجُرَ أَمامَهُ ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان.
يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ متى يكون يوم القيامة استبعادا له أو استهزاء.
[سورة القيامة (75): الآيات 7 الى 10]
فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ تحير فزعا من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره، و قرأ نافع بالفتح و هو لغة، أو من البريق بمعنى لمع من شدة شخوصه، و قرئ «بلق» من بلق الباب إذا انفتح.