کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 280
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار، أو خزنة الجنة المؤمنين ليحرسوهم من فيحها في مجازهم عليها، كالمضمار فإنه الموضع الذي تضمر فيه الخيل، أو مجدة في ترصد الكفرة لئلا يشذ منها واحد كالمطعان، و قرئ إِنَ بالفتح على التعليل لقيام الساعة.
لِلطَّاغِينَ مَآباً مرجعا و مأوى.
لابِثِينَ فِيها و قرأ حمزة و روح «لبثين» و هو أبلغ. أَحْقاباً دهورا متتابعة، و ليس فيها ما يدل على خروجهم منها إذ لو صح أن الحقب ثمانون سنة أو سبعون ألف سنة، فليس فيه ما يقتضي تناهي تلك الأحقاب لجواز أن يكون المراد أحقابا مترادفة كلما مضى حقب تبعه آخر، و إن كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على خلود الكفار، و لو جعل قوله:
[سورة النبإ (78): الآيات 24 الى 26]
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً (24) إِلاَّ حَمِيماً وَ غَسَّاقاً (25) جَزاءً وِفاقاً (26)
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَ غَسَّاقاً حالا من المستكن في لابِثِينَ أو نصب أَحْقاباً ب لا يَذُوقُونَ احتمل أن يلبثوا فيها أحقابا غير ذائقين إلا حميما و غساقا، ثم يبدلون جنسا آخر من العذاب، و يجوز أن يكون جمع حقب من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق، و حقب العام إذا قل مطره و خيره فيكون حالا بمعنى لابثين فيها حقبين، و قوله لا يَذُوقُونَ تفسير له و المراد بالبرد ما يروحهم و ينفس عنهم حر النار، أو النوم و بالغساق ما يغسق أي يسيل من صديدهم، و قيل الزمهرير و هو مستثنى من البرد إلا أنه أخر ليتوافق رؤوس الآي، و قرأ حمزة و الكسائي و حفص بالتشديد.
جَزاءً وِفاقاً أي جوزوا بذلك جزاء ذا وفاق لأعمالهم، أو موافقا لها أو وافقها وفاقا، و قرئ «وفاقا» فعال من وفقه كذا.
[سورة النبإ (78): الآيات 27 الى 28]
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (27) وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (28)
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً بيان لما وافقه هذا الجزاء.
وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً تكذيبا و فعال بمعنى تفعيل مطرد شائع في كلام الفصحاء. و قرئ بالتخفيف و هو بمعنى الكذب كقوله:
فصدقتها و كذبتها
و المرء ينفعه كذّابه
إنما أقيم مقام التكذيب للدلالة على أنهم كذبوا في تكذيبهم، أو المكاذبة فإنهم كانوا عند المسلمين كاذبين و كان المسلمون كاذبين عندهم فكأن بينهم مكاذبة، أو كانوا مبالغين في الكذب مبالغة المغالبين فيه، و على المعنيين يجوز أن يكون حالا بمعنى كاذبين أو مكاذبين، و يؤيده أنه قرئ «كذابا» و هو جمع كاذب، و يجوز أن يكون للمبالغة فيكون صفة للمصدر أي تكذيبا مفرطا كذبه.
[سورة النبإ (78): الآيات 29 الى 30]
وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (30)
وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ و قرئ بالرفع على الابتداء. كِتاباً مصدر لأحصيناه فإن الإحصاء و الكتبة يتشاركان في معنى الضبط أو لفعله المقدر أو حال بمعنى مكتوبا في اللوح، أو صحف الحفظة و الجملة اعتراض و قوله:
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً مسبب عن كفرهم بالحساب و تكذيبهم بالآيات و مجيئه على طريقة الالتفات للمبالغة. و
في الحديث «هذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 281
[سورة النبإ (78): الآيات 31 الى 35]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً فوزا أو موضع فوز.
حَدائِقَ وَ أَعْناباً بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة بدل من مَفازاً بدل الاشتمال أو البعض.
وَ كَواعِبَ نساء فلكت ثديهن أَتْراباً لدات. وَ كَأْساً دِهاقاً ملآنا و أدهق الحوض ملأه.
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذَّاباً و قرأ الكسائي بالتخفيف أي كذبا أو مكاذبة، إذ لا يكذب بعضهم بعضا.
[سورة النبإ (78): الآيات 36 الى 37]
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ . بمقتضى وعده. عَطاءً تفضلا منه إذ لا يجب عليه شيء، و هو بدل من جَزاءً ، و قيل منتصب به نصب المفعول به. حِساباً كافيا من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي، أو على حسب أعمالهم و قرئ «حسابا» أي محسبا كالدرّاك بمعنى المدرك.
رَبِّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا بدل من ربك و قد رفعه الحجازيان و أبو عمرو على الابتداء.
الرَّحْمنِ بالجر صفة له و كذا في قراءة ابن عامر و عاصم و يعقوب و بالرفع في قراءة أبي عمرو، و في قراءة حمزة و الكسائي بجر الأول و رفع الثاني على أنه خبر محذوف، أو مبتدأ خبره: لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً و الواو لأهل السموات و الأرض أي لا يملكون خطابه، و الاعتراض عليه في ثواب أو عقاب لأنهم مملوكون له على الإطلاق فلا يستحقون عليه اعتراضا و ذلك لا ينافي الشفاعة بإذنه.
[سورة النبإ (78): الآيات 38 الى 39]
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً تقرير و توكيد لقوله لا يَمْلِكُونَ ، فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق و أقربهم من اللّه إذا لم يقدروا أن يتكلموا بما يكون صوابا كالشفاعة لمن ارتضى إلا بإذنه، فكيف يملكه غيرهم و يَوْمَ ظرف ل لا يَمْلِكُونَ ، أو ل يَتَكَلَّمُونَ و الرُّوحُ ملك موكل على الأرواح أو جنسها، أو جبريل أو خلق أعظم من الملائكة.
ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ الكائن لا محالة. فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ إلى ثوابه. مَآباً بالإيمان و الطاعة.
[سورة النبإ (78): آية 40]
إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يعني عذاب الآخرة، و قربه لتحققه فإن كل ما هو آت قريب و لأن مبدأه الموت. يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ يرى ما قدمه من خير أو شر، و الْمَرْءُ عام. و قيل هو الكافر لقوله: إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ فيكون الكافر ظاهرا وضع موضع الضمير لزيادة الذم، و ما موصولة منصوبة بينظر أو استفهامية منصوبة ب قَدَّمَتْ ، أي ينظر أي شيء قدمت يداه. وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً في الدنيا فلم أخلق و لم أكلف، أو في هذا اليوم فلم أبعث، و قيل يحشر سائر الحيوانات للاقتصاص ثم ترد ترابا فيود الكافر حالها.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة عم سقاه اللّه برد الشراب يوم القيامة».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 282
(79) سورة النازعات
مكية و آيها خمس أو ست و أربعون آية
[سورة النازعات (79): الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً هذه صفات ملائكة الموت فإنهم ينزعون أرواح الكفار من أبدانهم غرقا أي إغراقا في النزع، فإنهم ينزعونها من أقاصي الأبدان، أو نفوسا غرقة في الأجساد و ينشطون أي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، و يسبحون في إخراجها سبح الغواص الذي يخرج الشيء من أعماق البحر، فيسبقون بأرواح الكفار إلى النار و بأرواح المؤمنين إلى الجنة، فيدبرون أمر عقابها و ثوابها بأن يهيئوها لإدراك ما أعد لها من الآلام و اللذات، أو الأوليان لهم و الباقيات لطوائف من الملائكة يسبحون في مضيها أي يسرعون فيه فيسبقون إلى ما أمروا به فيدبرون أمره، أو صفات النجوم فإنها تنزع من المشرق إلى المغرب غرقا في النزع بأن تقطع الفلك حتى تنحط في أقصى الغرب، و تنشط من برج إلى برج أي تخرج من نشط الثور إذا خرج من بلد إلى بلد، و يسبحن في الفلك فيسبق بعضها في السير لكونه أسرع حركة فيدبر أمرا أنيط بها، كاختلاف الفصول و تقدير الأزمنة و ظهور مواقيت العبادات، و لما كانت حركاتها من المشرق إلى المغرب قسرية و حركاتها من برج إلى برج ملائمة سمى الأولى نزعا و الثانية نشطا، أو صفات النفوس الفاضلة حال المفارقة فإنها تنزع عن الأبدان غرقا أي نزعا شديدا من إغراق النازع في القوس، و تنشط إلى عالم الملكوت و تسبح فيها فتسبق إلى حظائر القدس فتصير لشرفها و قوتها من المدبرات، أو حال سلوكها فإنها تنزع عن الشهوات فتنشط إلى عالم القدس، فتسبح في مراتب الارتقاء فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من المكملات، أو صفات أنفس الغزاة، أو أيديهم تنزع القسي بإغراق السهام و ينشطون بالسهم للرمي و يسبحون في البر و البحر فيسبقون إلى حرب العدو فيدبرون أمرها، أو صفات خيلهم فإنها تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها و تخرج من دار الإسلام إلى دار الكفر، و تسبح في حربها فتسبق إلى العدو فتدبر أمر الظفر.
أقسم اللّه تعالى بها على قيام الساعة و إنما حذف لدلالة ما بعده عليه.
[سورة النازعات (79): الآيات 6 الى 9]
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ و هو منصوب به و المراد ب الرَّاجِفَةُ الأجرام الساكنة التي تشتد حركتها حينئذ كالأرض و الجبال لقوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ أو الواقعة التي ترجف الأجرام عندها و هي النفخة الأولى.
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ التابعة و هي السماء و الكواكب تنشق و تنتشر، أو النفخة الثانية. و الجملة في موقع الحال.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 283
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ شديدة الاضطراب من الوجيف و هي صفة القلوب و الخبر:
أَبْصارُها خاشِعَةٌ أي أبصار أصحابها ذليلة من الخوف و لذلك أضافها إلى القلوب.
[سورة النازعات (79): الآيات 10 الى 12]
يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ في الحالة الأولى يعنون الحياة بعد الموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها، فحفرها أي أثر فيها بمشيه على النسبة كقوله: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* أو تشبيه القابل بالفاعل و قرئ «في الحفرة» بمعنى المحفورة يقال حفرت أسنانه فحفرت حفرا و هي حفرة.
أَ إِذا كُنَّا و قرأ نافع و ابن عامر و الكسائي إِذا كُنَّا على الخبر. عظاما ناخرة بالية و قرأ الحجازيان و الشامي و حفص و روح نَخِرَةً و هي أبلغ.
قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ذات خسران أو خاسر أصحابها، و المعنى أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها و هو استهزاء منهم.
[سورة النازعات (79): الآيات 13 الى 14]
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ متعلق بمحذوف أي لا يستصعبوها فما هي إلا صيحة واحدة يعني النفخة الثانية.
فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في بطنها، و الساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم: عين ساهرة للتي يجري ماؤها و في ضدها نائمة، أو لأن سالكها يسهر خوفا و قيل اسم لجهنم.
[سورة النازعات (79): الآيات 15 الى 19]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى أليس قد أتاك حديثه فيسليك على تكذيب قومك و تهددهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم.
إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً قد مر بيانه في سورة «طه».
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى على إرادة القول، و قرئ «أن أذهب» لما في النداء من معنى القول.
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر و الطغيان، و قرأ الحجازيان و يعقوب تَزَكَّى بالتشديد.
وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ و أرشدك إلى معرفته. فَتَخْشى بأداء الواجبات و ترك المحرمات، إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة و هذا كالتفصيل لقوله: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً .
[سورة النازعات (79): الآيات 20 الى 22]
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَ عَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى أي فذهب و بلغ فأراه المعجزة الكبرى و هي قلب العصا حية فإنه كان المقدم و الأصل، أو مجموع معجزاته فإنها باعتبار دلالتها كالآية الواحدة.
فَكَذَّبَ وَ عَصى فكذب موسى و عصى اللّه عز و جل بعد ظهور الآية و تحقق الأمر.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 284
ثُمَّ أَدْبَرَ عن الطاعة. يَسْعى ساعيا في إبطال أمره أو أدبر بعد ما رأى الثعبان مرعوبا مسرعا في مشيه.
[سورة النازعات (79): الآيات 23 الى 26]
فَحَشَرَ فجمع السحرة أو جنوده. فَنادى في المجمع بنفسه أو بمناد.
فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى أعلى كل من يلي أمركم.
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى أخذا منكلا لمن رآه، أو سمعه في الآخرة بالإحراق و في الدنيا بالإغراق، أو على كلمته الْآخِرَةِ و هي هذه و كلمته الأولى و هو قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي أو للتنكيل فيهما، أو لهما، و يجوز أن يكون مصدرا مؤكدا مقدرا بفعله.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى لمن كان من شأنه الخشية.
[سورة النازعات (79): الآيات 27 الى 29]
أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أصعب خلقا. أَمِ السَّماءُ ثم بين كيف خلقها فقال: بَناها ثم بين البناء فقال:
رَفَعَ سَمْكَها أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها الذاهب في العلو رفيعا. فَسَوَّاها فعدلها أو فجعلها مستوية، أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب و التداوير و غيرها من قولهم: سوى فلان أمره إذا أصلحه.
وَ أَغْطَشَ لَيْلَها أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم، و إنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها.
وَ أَخْرَجَ ضُحاها و أبرز ضوء شمسها. كقوله تعالى: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها يريد النهار.
[سورة النازعات (79): الآيات 30 الى 33]
وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها بسطها و مهدها للسكنى.
أَخْرَجَ مِنْها ماءَها بتفجير العيون. مَرْعاها و رعيها و هو في الأصل لموضع الرعي، و تجريد الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بيان للدحو.
وَ الْجِبالَ أَرْساها أثبتها و قرئ «و الأرض» و «الجبال» بالرفع على الابتداء، و هو مرجوح لأن العطف على فعلية.
مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ تمتيعا لكم و لمواشيكم.
[سورة النازعات (79): الآيات 34 الى 39]
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39)
فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الداهية التي تطم أي تعلو على سائر الدواهي. الْكُبْرى التي هي أكبر الطامات و هي القيامة، أو النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة و أهل النار إلى النار.
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى بأن يراه مدونا في صحيفته و كان قد نسيه من فرط الغفلة أو طول المدة،
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 285
و هو بدل من «إذا جاءت» و ما موصولة أو مصدرية وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ و أظهرت. لِمَنْ يَرى لكل راء بحيث لا تخفى على أحد، و قرئ «و برزت» و «لمن رأى» و «لمن ترى» على أن فيه ضمير الجحيم كقوله تعالى: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ . أو أنه خطاب للرسول صلّى اللّه عليه و سلم أي لمن تراه من الكفار، و جواب فَإِذا جاءَتِ محذوف دل عليه يَوْمَ يَتَذَكَّرُ أو ما بعده من التفصيل.
فَأَمَّا مَنْ طَغى حتى كفر.
وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فانهمك فيها و لم يستعد للآخرة بالعبادة و تهذيب النفس.
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى هي مأواه و اللام فيه سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي، و هي فصل أو مبتدأ.
[سورة النازعات (79): الآيات 40 الى 41]
وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ و المعاد.
وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى لعلمه بأنه مرد.
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ليس له سواها مأوى.
[سورة النازعات (79): الآيات 42 الى 44]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها متى إرساؤها أي إقامتها و إثباتها، أو منتهاها و مستقرها من مرسى السفينة و هو حيث تنتهي إليه و تستقر فيه.
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها في أي شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم أي ما أنت من ذكرها لهم، و تبيين وقتها في شيء فإن ذكرها لا يزيدهم إلا غيا. و وقتها مما استأثره اللّه تعالى بعلمه. و قيل فِيمَ إنكار لسؤالهم و أَنْتَ مِنْ ذِكْراها مستأنف، و معناه أنت ذكر من ذكرها أي علامة من أشراطها، فإن إرساله خاتما للأنبياء أمارة من أماراتها، و قيل إنه متصل بسؤالهم و الجواب.
إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها أي منتهى علمها.
[سورة النازعات (79): الآيات 45 الى 46]
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها إنما بعثت لإنذار من يخاف هولها، و هو لا يناسب تعيين الوقت و تخصيص من يخشى لأنه المنتفع به، و عن أبي عمرو و منذر بالتنوين و الإعمال على الأصل لأنه بمعنى الحال.
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا أو في القبور. إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها أي عشية يوم أو ضحاه كقوله إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ و لذلك أضاف الضحى إلى ال عَشِيَّةً لأنهما من يوم واحد.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه اللّه في القيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 286
(80) سورة عبس
مكية و آيها ثنتان و أربعون آية
[سورة عبس (80): الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عَبَسَ وَ تَوَلَّى . أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى
روي: أن ابن أم مكتوم أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و عنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام، فقال: يا رسول اللّه علمني مما علمك اللّه، و كرر ذلك و لم يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قطعه لكلامه و عبس و أعرض عنه فنزلت، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يكرمه و يقول إذا رآه: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، و استخلفه على المدينة مرتين.
و قرئ «عبّس» بالتشديد للمبالغة و أَنْ جاءَهُ علة ل تَوَلَّى ، أو عَبَسَ على اختلاف المذهبين، و قرئ «ءاأن» بهمزتين و بألف بينهما بمعنى أ لئن جاءه الأعمى فعل ذلك، و ذكر الأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالقوم و الدلالة على أنه أحق بالرأفة و الرفق، أو لزيادة الإنكار كأنه قال: تولى لكونه أعمى كالالتفات في قوله:
وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أي: و أي شيء يجعلك داريا بحاله لعله يتطهر من الآثام بما يتلقف منك.
و فيه إيماء بأن إعراضه كان لتزكية غيره.
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أو يتعظ فتنفعه موعظتك، و قيل الضمير في لَعَلَّهُ للكافر أي أنك طمعت في تزكيه بالإسلام و تذكره بالموعظة و لذلك أعرضت عن غيره، فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن، و قرأ عاصم فتنفعه بالنصب جوابا للعل.
[سورة عبس (80): الآيات 5 الى 7]
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَ ما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى تتعرض له بالإقبال عليه و أصله تتصدى، و قرأ ابن كثير و نافع تَصَدَّى بالإدغام و قرئ. تَصَدَّى أي تعرض و تدعى إلى التصدي.
وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى و ليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ .
[سورة عبس (80): الآيات 8 الى 10]
وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَ هُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى يسرع طالبا للخير.
وَ هُوَ يَخْشى اللّه أو أذية الكفار في إتيانك، أو كبوة الطريق لأنه أعمى لا قائد له.
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى تتشاغل، يقال لها عنه و التهى و تَلَهَّى ، و لعل ذكر التصدي و التلهي للإشعار بأن العتاب على اهتمام قلبه بالغني و تلهيه عن الفقير، و مثله لا ينبغي له ذلك.
[سورة عبس (80): الآيات 11 الى 16]