کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 283
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ شديدة الاضطراب من الوجيف و هي صفة القلوب و الخبر:
أَبْصارُها خاشِعَةٌ أي أبصار أصحابها ذليلة من الخوف و لذلك أضافها إلى القلوب.
[سورة النازعات (79): الآيات 10 الى 12]
يَقُولُونَ أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ في الحالة الأولى يعنون الحياة بعد الموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها، فحفرها أي أثر فيها بمشيه على النسبة كقوله: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* أو تشبيه القابل بالفاعل و قرئ «في الحفرة» بمعنى المحفورة يقال حفرت أسنانه فحفرت حفرا و هي حفرة.
أَ إِذا كُنَّا و قرأ نافع و ابن عامر و الكسائي إِذا كُنَّا على الخبر. عظاما ناخرة بالية و قرأ الحجازيان و الشامي و حفص و روح نَخِرَةً و هي أبلغ.
قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ذات خسران أو خاسر أصحابها، و المعنى أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها و هو استهزاء منهم.
[سورة النازعات (79): الآيات 13 الى 14]
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (13) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ متعلق بمحذوف أي لا يستصعبوها فما هي إلا صيحة واحدة يعني النفخة الثانية.
فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في بطنها، و الساهرة الأرض البيضاء المستوية سميت بذلك لأن السراب يجري فيها من قولهم: عين ساهرة للتي يجري ماؤها و في ضدها نائمة، أو لأن سالكها يسهر خوفا و قيل اسم لجهنم.
[سورة النازعات (79): الآيات 15 الى 19]
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى أليس قد أتاك حديثه فيسليك على تكذيب قومك و تهددهم عليه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من هو أعظم منهم.
إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً قد مر بيانه في سورة «طه».
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى على إرادة القول، و قرئ «أن أذهب» لما في النداء من معنى القول.
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر و الطغيان، و قرأ الحجازيان و يعقوب تَزَكَّى بالتشديد.
وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ و أرشدك إلى معرفته. فَتَخْشى بأداء الواجبات و ترك المحرمات، إذ الخشية إنما تكون بعد المعرفة و هذا كالتفصيل لقوله: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً .
[سورة النازعات (79): الآيات 20 الى 22]
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَ عَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22)
فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى أي فذهب و بلغ فأراه المعجزة الكبرى و هي قلب العصا حية فإنه كان المقدم و الأصل، أو مجموع معجزاته فإنها باعتبار دلالتها كالآية الواحدة.
فَكَذَّبَ وَ عَصى فكذب موسى و عصى اللّه عز و جل بعد ظهور الآية و تحقق الأمر.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 284
ثُمَّ أَدْبَرَ عن الطاعة. يَسْعى ساعيا في إبطال أمره أو أدبر بعد ما رأى الثعبان مرعوبا مسرعا في مشيه.
[سورة النازعات (79): الآيات 23 الى 26]
فَحَشَرَ فجمع السحرة أو جنوده. فَنادى في المجمع بنفسه أو بمناد.
فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى أعلى كل من يلي أمركم.
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى أخذا منكلا لمن رآه، أو سمعه في الآخرة بالإحراق و في الدنيا بالإغراق، أو على كلمته الْآخِرَةِ و هي هذه و كلمته الأولى و هو قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي أو للتنكيل فيهما، أو لهما، و يجوز أن يكون مصدرا مؤكدا مقدرا بفعله.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى لمن كان من شأنه الخشية.
[سورة النازعات (79): الآيات 27 الى 29]
أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أصعب خلقا. أَمِ السَّماءُ ثم بين كيف خلقها فقال: بَناها ثم بين البناء فقال:
رَفَعَ سَمْكَها أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها الذاهب في العلو رفيعا. فَسَوَّاها فعدلها أو فجعلها مستوية، أو فتممها بما يتم به كمالها من الكواكب و التداوير و غيرها من قولهم: سوى فلان أمره إذا أصلحه.
وَ أَغْطَشَ لَيْلَها أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم، و إنما أضافه إليها لأنه يحدث بحركتها.
وَ أَخْرَجَ ضُحاها و أبرز ضوء شمسها. كقوله تعالى: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها يريد النهار.
[سورة النازعات (79): الآيات 30 الى 33]
وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها بسطها و مهدها للسكنى.
أَخْرَجَ مِنْها ماءَها بتفجير العيون. مَرْعاها و رعيها و هو في الأصل لموضع الرعي، و تجريد الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بيان للدحو.
وَ الْجِبالَ أَرْساها أثبتها و قرئ «و الأرض» و «الجبال» بالرفع على الابتداء، و هو مرجوح لأن العطف على فعلية.
مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ تمتيعا لكم و لمواشيكم.
[سورة النازعات (79): الآيات 34 الى 39]
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39)
فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الداهية التي تطم أي تعلو على سائر الدواهي. الْكُبْرى التي هي أكبر الطامات و هي القيامة، أو النفخة الثانية أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة و أهل النار إلى النار.
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى بأن يراه مدونا في صحيفته و كان قد نسيه من فرط الغفلة أو طول المدة،
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 285
و هو بدل من «إذا جاءت» و ما موصولة أو مصدرية وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ و أظهرت. لِمَنْ يَرى لكل راء بحيث لا تخفى على أحد، و قرئ «و برزت» و «لمن رأى» و «لمن ترى» على أن فيه ضمير الجحيم كقوله تعالى: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ . أو أنه خطاب للرسول صلّى اللّه عليه و سلم أي لمن تراه من الكفار، و جواب فَإِذا جاءَتِ محذوف دل عليه يَوْمَ يَتَذَكَّرُ أو ما بعده من التفصيل.
فَأَمَّا مَنْ طَغى حتى كفر.
وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فانهمك فيها و لم يستعد للآخرة بالعبادة و تهذيب النفس.
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى هي مأواه و اللام فيه سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي، و هي فصل أو مبتدأ.
[سورة النازعات (79): الآيات 40 الى 41]
وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ مقامه بين يدي ربه لعلمه بالمبدأ و المعاد.
وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى لعلمه بأنه مرد.
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ليس له سواها مأوى.
[سورة النازعات (79): الآيات 42 الى 44]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها متى إرساؤها أي إقامتها و إثباتها، أو منتهاها و مستقرها من مرسى السفينة و هو حيث تنتهي إليه و تستقر فيه.
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها في أي شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم أي ما أنت من ذكرها لهم، و تبيين وقتها في شيء فإن ذكرها لا يزيدهم إلا غيا. و وقتها مما استأثره اللّه تعالى بعلمه. و قيل فِيمَ إنكار لسؤالهم و أَنْتَ مِنْ ذِكْراها مستأنف، و معناه أنت ذكر من ذكرها أي علامة من أشراطها، فإن إرساله خاتما للأنبياء أمارة من أماراتها، و قيل إنه متصل بسؤالهم و الجواب.
إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها أي منتهى علمها.
[سورة النازعات (79): الآيات 45 الى 46]
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها إنما بعثت لإنذار من يخاف هولها، و هو لا يناسب تعيين الوقت و تخصيص من يخشى لأنه المنتفع به، و عن أبي عمرو و منذر بالتنوين و الإعمال على الأصل لأنه بمعنى الحال.
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا أو في القبور. إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها أي عشية يوم أو ضحاه كقوله إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ و لذلك أضاف الضحى إلى ال عَشِيَّةً لأنهما من يوم واحد.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة النازعات كان ممن حبسه اللّه في القيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 286
(80) سورة عبس
مكية و آيها ثنتان و أربعون آية
[سورة عبس (80): الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عَبَسَ وَ تَوَلَّى . أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى
روي: أن ابن أم مكتوم أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و عنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام، فقال: يا رسول اللّه علمني مما علمك اللّه، و كرر ذلك و لم يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قطعه لكلامه و عبس و أعرض عنه فنزلت، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يكرمه و يقول إذا رآه: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، و استخلفه على المدينة مرتين.
و قرئ «عبّس» بالتشديد للمبالغة و أَنْ جاءَهُ علة ل تَوَلَّى ، أو عَبَسَ على اختلاف المذهبين، و قرئ «ءاأن» بهمزتين و بألف بينهما بمعنى أ لئن جاءه الأعمى فعل ذلك، و ذكر الأعمى للإشعار بعذره في الإقدام على قطع كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بالقوم و الدلالة على أنه أحق بالرأفة و الرفق، أو لزيادة الإنكار كأنه قال: تولى لكونه أعمى كالالتفات في قوله:
وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أي: و أي شيء يجعلك داريا بحاله لعله يتطهر من الآثام بما يتلقف منك.
و فيه إيماء بأن إعراضه كان لتزكية غيره.
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى أو يتعظ فتنفعه موعظتك، و قيل الضمير في لَعَلَّهُ للكافر أي أنك طمعت في تزكيه بالإسلام و تذكره بالموعظة و لذلك أعرضت عن غيره، فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن، و قرأ عاصم فتنفعه بالنصب جوابا للعل.
[سورة عبس (80): الآيات 5 الى 7]
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَ ما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى تتعرض له بالإقبال عليه و أصله تتصدى، و قرأ ابن كثير و نافع تَصَدَّى بالإدغام و قرئ. تَصَدَّى أي تعرض و تدعى إلى التصدي.
وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى و ليس عليك بأس في أن لا يتزكى بالإسلام حتى يبعثك الحرص على إسلامه إلى الإعراض عمن أسلم إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ .
[سورة عبس (80): الآيات 8 الى 10]
وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَ هُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى يسرع طالبا للخير.
وَ هُوَ يَخْشى اللّه أو أذية الكفار في إتيانك، أو كبوة الطريق لأنه أعمى لا قائد له.
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى تتشاغل، يقال لها عنه و التهى و تَلَهَّى ، و لعل ذكر التصدي و التلهي للإشعار بأن العتاب على اهتمام قلبه بالغني و تلهيه عن الفقير، و مثله لا ينبغي له ذلك.
[سورة عبس (80): الآيات 11 الى 16]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 287
كَلَّا ردع عن المعاتب عليه أو عن معاودة مثله. إِنَّها تَذْكِرَةٌ .
فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ حفظه أو اتعظ به و الضميران للقرآن، أو العتاب المذكور و تأنيث الأول لتأنيث خبره.
فِي صُحُفٍ مثبتة فيها صفة لتذكرة، أو خبر ثان أو خبر لمحذوف. مُكَرَّمَةٍ عند اللّه.
مَرْفُوعَةٍ القدر. مُطَهَّرَةٍ منزهة عن أيدي الشياطين:
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كتبة من الملائكة أو الأنبياء ينتسخون الكتب من اللوح أو الوحي، أو سفراء يسفرون بالوحي بين اللّه تعالى و رسله، أو الأمة جمع سافر من السفر، أو السفارة و التركيب للكشف يقال سفرت المرأة إذا كشفت وجهها.
كِرامٍ أعزاء على اللّه أو متعطفين على المؤمنين يكلمونهم و يستغفرون لهم. بَرَرَةٍ أتقياء.
[سورة عبس (80): الآيات 17 الى 19]
قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ دعاه عليه بأشنع الدعوات و تعجب من إفراطه في الكفران، و هو مع قصره يدل على سخط عظيم و ذم بليغ.
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ بيان لما أنعم عليه خصوصا من مبدأ حدوثه، و الاستفهام للتحقير و لذلك أجاب عنه بقوله:
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ فهيأه لما يصلح له من الأعضاء و الأشكال، أو فَقَدَّرَهُ أطوارا إلى أن تم خلقته.
[سورة عبس (80): الآيات 20 الى 22]
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (22)
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثم سهل مخرجه من بطن أمه بأن فتح فوهة الرحم و ألهمه أن ينتكس، أو ذلل له سبيل الخير و الشر و نصب السبيل بفعل يفسره الظاهر للمبالغة في التيسير، و تعريفه باللام دون الإضافة للإشعار بأنه سبيل عام، و فيه على المعنى الأخير إيماء بأن الدنيا طريق و المقصد غيرها و لذلك عقبه بقوله:
ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ وعد الإماتة و الإقبار في النعم لأن الإماتة وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية و اللذات الخالصة و الأمر بالقبر تكرمة و صيانة عن السباع، و في إِذا شاءَ إشعار بأن وقت النشور غير متعين في نفسه، و إنما هو موكول إلى مشيئته تعالى.
[سورة عبس (80): الآيات 23 الى 25]
كَلَّا ردع للإنسان بما هو عليه. لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ لم يقض بعد من لدن آدم إلى هذه الغاية ما أمره اللّه بأسره، إذ لا يخلو أحد من تقصير ما.
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ إتباع للنعم الذاتية بالنعم الخارجية.
أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا استئناف مبين لكيفية إحداث الطعام، و قرأ الكوفيون بالفتح على البدل منه بدل الاشتمال.
[سورة عبس (80): الآيات 26 الى 28]
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَ عِنَباً وَ قَضْباً (28)
.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 288
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا أي بالنبات أو بالكراب، و أسند الشق إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب.
فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا كالحنطة و الشعير.
وَ عِنَباً وَ قَضْباً يعني الرطبة سميت بمصدر قضبه إذا قطعه لأنها تقضب مرة بعد أخرى.
[سورة عبس (80): الآيات 29 الى 32]
وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلًا وَ حَدائِقَ غُلْباً عظاما وصف به الحدائق لتكاثفها و كثرة أشجارها، أو لأنها ذات أشجار غلاظ مستعار من وصف الرقاب.
وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا و مرعى من أب إذا أم لأنه يؤم و ينتجع، أو من أب لكذا إذا تهيأ له لأنه متهيئ للرعي، أو فاكهة يابسة تؤوب للشتاء.
مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ فإن الأنواع المذكورة بعضها طعام و بعضها علف.
[سورة عبس (80): الآيات 33 الى 37]
فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ أي النفخة و صفت بها مجازا لأن الناس يصخون لها.
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ لاشتغاله بشأنه و علمه بأنهم لا ينفعونه، أو للحذر من مطالبتهم بما قصر في حقهم و تأخير الأحب فالأحب للمبالغة كأنه قيل: يفر من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته و بنيه.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ يكفيه في الاهتمام به، و قرئ «يعنيه» أي يهمه.
[سورة عبس (80): الآيات 38 الى 42]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ مضيئة من إسفار الصبح.
ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ لما ترى من النعيم.
وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ غبار و كدورة.
تَرْهَقُها قَتَرَةٌ يغشاها سواد و ظلمة.
أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ الذين جمعوا إلى الكفر الفجور، فلذلك يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة.
قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة عبس جاء يوم القيامة و وجهه ضاحك مستبشر».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 289
(81) سورة التكوير
مكية و آيها تسع و عشرون آية
[سورة التكوير (81): الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (3)
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ لفت من كورت العمامة إذا لففتها بمعنى رفعت لأن الثوب إذا أريد رفعه لف، أو لف ضوؤها فذهب انبساطه في الآفاق و زال أثره، أو ألقيت عن فلكها من طعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعا و التركيب للإدارة و الجمع و ارتفاع الشمس بفعل يفسره ما بعدها أولى لأن إذا الشرطية تطلب الفعل.
وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ انقضت قال: أبصر خربان فضاء فانكدر. أو أظلمت من كدرت الماء فانكدر.
وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ عن وجه الأرض أو في الجو.
[سورة التكوير (81): الآيات 4 الى 7]
وَ إِذَا الْعِشارُ النوق اللواتي أتى على حملهن عشرة أشهر جمع عشراء. عُطِّلَتْ تركت مهملة، أو السحائب عطلت عن المطر، و قرئ بالتخفيف.
وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ جمعت من كل جانب أو بعثت للقصاص ثم ردت ترابا، أو أميتت من قولهم إذا أجحفت السنة بالناس حشرتهم، و قرئ بالتشديد.
وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ أحميت أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى تعود بحرا واحدا، من سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه، و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و روح بالتخفيف.
وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ قرنت بالأبدان أو كل منها بشكلها، أو بكتابها و عملها أو نفوس المؤمنين بالحور و نفوس الكافرين بالشياطين.
[سورة التكوير (81): الآيات 8 الى 10]
وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ المدفونة حية و كانت العرب تئد البنات مخافة الإملاق، أو لحوق العار بهم من أجلهن.
سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ تبكيتا لوائدها كتبكيت النصارى بقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة و السلام أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ و قرئ «سألت» أي خاصمت عن نفسها و سألت، و إنما قيل قُتِلَتْ على الإخبار عنها و قرئ «قتلت» على الحكاية.