کتابخانه تفاسیر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل
الجزء الأول
مقدمة
(2) سورة البقرة
الجزء الثاني
(3) سورة آل عمران
(4) سورة النساء
(5) سورة المائدة
(6) سورة الأنعام
الجزء الثالث
(7) سورة الأعراف
(8) سورة الأنفال
(9) سورة براءة
(10) سورة يونس
(11) سورة هود
(12) سورة يوسف
(13) سورة الرعد
(14) سورة إبراهيم
(15) سورة الحجر
(16) سورة النحل
(17) سورة بني إسرائيل
(18) سورة الكهف
الجزء الرابع
(19) سورة مريم
(20) سورة طه
(21) سورة الأنبياء
(22) سورة الحج
(23) سورة المؤمنون
(24) سورة النور
(25) سورة الفرقان
(26) سورة الشعراء
(27) سورة النمل
(28) سورة القصص
(29) سورة العنكبوت
(30) سورة الروم
(31) سورة لقمان
(32) سورة السجدة
(33) سورة الأحزاب
(34) سورة سبأ
(35) سورة الملائكة
(36) سورة يس
الجزء الخامس
(37) سورة الصافات
(38) سورة ص
(39) سورة الزمر
(40) سورة المؤمن
(41) سورة فصلت
(42) سورة حم عسق
(43) سورة الزخرف
(44) سورة الدخان
(45) سورة الجاثية
(46) سورة الأحقاف
(47) سورة محمد صلى الله عليه و سلم
(48) سورة الفتح
(49) سورة الحجرات
(50) سورة ق
(51) سورة و الذاريات
(52) سورة و الطور
(53) سورة و النجم
(54) سورة القمر
(55) سورة الرحمن
(56) سورة الواقعة
(57) سورة الحديد
(58) سورة المجادلة
(59) سورة الحشر
(67) سورة الملك
(68) سورة ن
(69) سورة الحاقة
(70) سورة المعارج
(71) سورة نوح
(72) سورة الجن
(73) سورة المزمل
(74) سورة المدثر
(75) سورة القيامة
(76) سورة الإنسان
(77) سورة المرسلات
(78) سورة النبأ
(79) سورة النازعات
(80) سورة عبس
(83) سورة المطففين
(89) سورة الفجر
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 307
(88) سورة الغاشية
مكية و هي ست و عشرون آية
[سورة الغاشية (88): الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ الداهية التي تغشى الناس بشدائدها يعني يوم القيامة، أو النار من قوله تعالى وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ .
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ذليلة.
عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تعمل ما تتعب فيه كجر السلاسل و خوضها في النار خوض الإبل في الوحل، و الصعود و الهبوط في تلالها و وهادها، أو عملت و نصبت في أعمال لا تنفعها يومئذ.
تَصْلى ناراً تدخلها و قرأ أبو عمرو و يعقوب و أبو بكر تَصْلى من أصلاه اللّه، و قرئ «تصلّ» بالتشديد للمبالغة. حامِيَةً متناهية في الحر.
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ بلغت أناها في الحر.
[سورة الغاشية (88): الآيات 6 الى 7]
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ يبيس الشبرق و هو شوك ترعاه الإبل ما دام رطبا، و قيل شجرة نارية تشبه الضريع، و لعله طعام هؤلاء و الزقوم و الغسلين طعام غيرهم، أو المراد طعامهم ما تتحاماه الإبل و تعافه لضره و عدم نفعه كما قال:
لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ و المقصود من الطعام أحد الأمرين.
[سورة الغاشية (88): الآيات 8 الى 11]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ ذات بهجة أو متنعمة.
لِسَعْيِها راضِيَةٌ رضيت بعملها لما رأت ثوابه.
فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ علية المحل أو القدر.
لا تَسْمَعُ يا مخاطب أو الوجوه، و قرأ على بناء المفعول بالياء ابن كثير و أبو عمرو و رويس و بالتاء نافع. فِيها لاغِيَةً لغوا أو كلمة ذات لغو أو نفسا تلغو، فإن كلام أهل الجنة الذكر و الحكم.
[سورة الغاشية (88): الآيات 12 الى 16]
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 308
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ يجري ماؤها و لا ينقطع و التنكير للتعظيم.
فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ رفيعة السمك أو القدر.
وَ أَكْوابٌ جمع كوب و هي آنية لا عروة لها. مَوْضُوعَةٌ بين أيديهم.
وَ نَمارِقُ وسائد جمع نمرقة بالفتح و الضم. مَصْفُوفَةٌ بعضها إلى بعض.
وَ زَرابِيُ بسط فاخرة جمع زربية. مَبْثُوثَةٌ مبسوطة.
[سورة الغاشية (88): الآيات 17 الى 18]
أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)
أَ فَلا يَنْظُرُونَ نظر اعتبار. إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ خلقا دالا على كمال قدرته و حسن تدبيره حيث خلقها لجر الأثقال إلى البلاد النائية، فجعلها عظيمة باركة للحمل ناهضة بالحمل منقادة لمن اقتادها طوال الأعناق لينوء بالأوقار، ترعى كل نابت و تحتمل العطش إلى عشر فصاعدا ليتأتى لها قطع البوادي و المفاوز، مع مالها من منافع أخرى و لذلك خصت بالذكر لبيان الآيات المنبثة في الحيوانات التي هي أشرف المركبات و أكثرها صنعا، و لأنها أعجب ما عند العرب من هذا النوع. و قيل المراد بها السحاب على الاستعارة.
وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ بلا عمد.
[سورة الغاشية (88): الآيات 19 الى 20]
وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)
وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ فهي راسخة لا تميل.
وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ بسطت حتى صارت مهادا، و قرئ الأفعال الأربعة على بناء الفاعل المتكلم و حذف الراجع المنصوب، و المعنى أَ فَلا يَنْظُرُونَ إلى أنواع المخلوقات من البسائط و المركبات ليتحققوا كمال قدرة الخالق سبحانه و تعالى، فلا ينكروا اقتداره على البعث و لذلك عقب به أمر المعاد و رتب عليه الأمر بالتذكير فقال:
[سورة الغاشية (88): الآيات 21 الى 24]
فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ فلا عليك إن لم ينظروا و لم يذكروا إذ ما عليك إلا البلاغ.
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ بمتسلط، و عن الكسائي بالسين على الأصل و حمزة بالإشمام.
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ لكن من تولى و كفر.
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ يعني عذاب الآخرة. و قيل متصل فإن جهاد الكفار و قتلهم تسلط، و كأنه أوعدهم بالجهاد في الدنيا و عذاب النار في الآخرة و قيل هو استثناء من قوله فَذَكِّرْ أي فذكر إلا من تولى و أصر فاستحق العذاب الأكبر، و ما بينهما اعتراض و يؤيد الأول أنه قرئ «ألا» على التنبيه.
[سورة الغاشية (88): الآيات 25 الى 26]
إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (26)
إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ رجوعهم، و قرئ بالتشديد على أنه فيعال مصدر فيعل من الإياب، أو فعال من الأوب قلبت واوه الأولى قلبها في ديوان ثم الثانية للإدغام.
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ في المحشر، و تقديم الخبر للتخصيص و المبالغة في الوعيد.
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة الغاشية حاسبه اللّه حسابا يسيرا».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 309
(89) سورة الفجر
مكية و آيها ثلاثون آية
[سورة الفجر (89): الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَ الْفَجْرِ (1) وَ لَيالٍ عَشْرٍ (2) وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ (3)
وَ الْفَجْرِ أقسم بالصبح أو فلقه كقوله: وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ أو بصلاته.
وَ لَيالٍ عَشْرٍ عشر ذي الحجة و لذلك فسر الْفَجْرِ بفجر عرفة، أو النحر أو عشر رمضان الأخير و تنكيرها للتعظيم، و قرئ وَ لَيالٍ عَشْرٍ بالإضافة على أن المراد بالعشر الأيام.
وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ و الأشياء كلها شفعها و وترها، أو الخلق لقوله: وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ و الخالق لأنه فرد، و من فسرهما بالعناصر و الأفلاك أو البروج و السيارات أو شفع الصلوات و وترها، أو بيومي النحر و عرفة، و قد روي مرفوعا، أو بغيرها فلعله أفرد بالذكر من أنواع المدلول ما رآه أظهر دلالة على التوحيد، أو مدخلا في الدين أو مناسبة لما قبلهما أو أكثر منفعة موجبة للشكر، و قرئ «و الوتر» بكسر الواو و هما لغتان كالحبر و الحبر.
[سورة الفجر (89): الآيات 4 الى 5]
وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ إذا يمضي كقوله: وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ و التقييد بذلك لما في التعاقب من قوة الدلالة على كمال القدرة و وفور النعمة، أو يسرى فيه من قولهم صلّى المقام و حذف الياء للاكتفاء بالكسرة تخفيفا، و قد خصه نافع و أبو عمرو بالوقف لمراعاة الفواصل و لم يحذفها ابن كثير و يعقوب أصلا، و قرئ «يسر» بالتنوين المبدل من حرف الإطلاق.
هَلْ فِي ذلِكَ القسم أو المقسم به قَسَمٌ حلف أو محلوف به. لِذِي حِجْرٍ يعتبره و يؤكد به ما يريد تحقيقه، و ال حِجْرٍ العقل سمي به لأنه يحجر عما لا ينبغي كما سمي عقلا و نهية و حصاة من الإحصاء، و هو الضبط و المقسم عليه محذوف و هو ليعذبن يدل عليه قوله:
[سورة الفجر (89): الآيات 6 الى 8]
أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ يعني أولاد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، قوم هود سموا باسم أبيهم كما سمي بنو هاشم باسمه.
إِرَمَ عطف بيان لعاد على تقدير مضاف أي سبط إِرَمَ ، أو أهل إِرَمَ إن صح أنه اسم بلدتهم. و قيل سمي أوائلهم و هم «عاد الأولى» باسم جدهم و منع صرفه للعلمية و التأنيث. ذاتِ الْعِمادِ ذات البناء الرفيع أو القدود الطوال، أو الرفعة و الثبات. و قيل كان لعاد ابنان شداد و شديد فملكا و قهرا، ثم مات شديد فخلص الأمر لشداد و ملك المعمورة و دانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنة فبنى على مثالها في بعض صحاري عدن جنة و سماها إرم، فلما تمت سار إليها بأهله، فلما كان منها على مسيرة يوم و ليلة بعث
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 310
اللّه عليهم صيحة من السماء فهلكوا. و عن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبله فوقع عليها.
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ صفة أخرى لاسم و الضمير لها سواء جعلت اسم القبيلة أو البلدة.
[سورة الفجر (89): الآيات 9 الى 12]
وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ قطعوه و اتخذوه منازل لقوله: وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً . بِالْوادِ وادي القرى.
وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ لكثرة جنوده و مضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا، أو لتعذيبه بالأوتاد.
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ صفة للمذكورين «عاد» وَ ثَمُودَ وَ فِرْعَوْنَ ، أو ذم منصوب أو مرفوع.
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ بالكفر و الظلم.
[سورة الفجر (89): الآيات 13 الى 14]
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14)
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ ما خلط لهم من أنواع العذاب، و أصله الخلط و إنما سمي به الجلد المضفور الذي يضرب به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض، و قيل شبه بال سَوْطَ ما أحل بهم في الدنيا إشعارا بأنه القياس إلى ما أعد لهم في الآخرة من العذاب كالسوط إذا قيس إلى السيف.
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ المكان الذي يترقب فيه الرصد، مفعال من رصده كالميقات من وقته، و هو تمثيل لإرصاده العصاة بالعقاب.
[سورة الفجر (89): الآيات 15 الى 16]
فَأَمَّا الْإِنْسانُ متصل بقوله: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ كأنه قيل إنه لَبِالْمِرْصادِ من الآخرة فلا يريد إلا السعي لها فأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا و لذاتها. إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ اختبره بالغنى و اليسر. فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ بالجاه و المال. فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ فضلني بما أعطاني، و هو خبر المبتدأ الذي هو الْإِنْسانُ ، و الفاء لما في «أما» من معنى الشرط، و الظرف المتوسط في تقدير التأخير كأنه قيل: فأما الإنسان فقائل ربي أكرمني وقت ابتلائه بالإنعام، و كذا قوله:
وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ إذ التقدير و أما الإنسان إذا ما ابتلاه أي بالفقر و التقتير ليوازن قسيمه.
فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ لقصور نظره و سوء فكره، فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين، و التوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء و الانهماك في حب الدنيا و لذلك ذمه على قوليه و ردعه عنه بقوله:
[سورة الفجر (89): الآيات 17 الى 20]
كَلَّا مع أن قوله الأول مطابق لأكرمه و لم يقل فأهانه و قدر عليه كما قال: فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ لأن التوسعة تفضل و الإخلال به لا يكون إهانة، و قرأ ابن عامر و الكوفيون «أكرمن» و «أهانن» بغير ياء في الوصل و الوقف. و عن أبي عمرو مثله و وافقهم نافع في الوقف و قرأ ابن عامر فَقَدَرَ بالتشديد.
بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ و لا يحضّون على طعام المسكين أي بل فعلهم أسوأ من قولهم و أدل على
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 311
تهالكهم بالمال و هو أنهم لا يكرمون اليتيم بالنفقة و المبرة، و لا يحثون أهلهم على طعام المسكين فضلا عن غيرهم، و قرأ الكوفيون «وَ لا تَحَاضُّونَ» .
وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ الميراث و أصله وراث. أَكْلًا لَمًّا ذا لم أي جمع بين الحلال و الحرام فإنهم كانوا لا يورثون النساء و الصبيان و يأكلون أنصباءهم، أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال و حرام عالمين بذلك.
وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا كثيرا مع حرص و شره، و قرأ أبو عمرو و سهل و يعقوب «لا يكرمون» إلى «و يحبون» بالياء و الباقون بالتاء.
[سورة الفجر (89): الآيات 21 الى 23]
كَلَّا ردع لهم عن ذلك و إنكار لفعلهم و ما بعده وعيد عليه. إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا أي دكا بعد دك حتى صارت منخفضة الجبال و التلال، أو هَباءً مُنْبَثًّا .
وَ جاءَ رَبُّكَ أي ظهرت آيات قدرته و آثار قهره مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان من آثار هيبته و سياسته. وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا بحسب منازلهم و مراتبهم.
وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ كقوله تعالى: وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ* و
في الحديث «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها».
يَوْمَئِذٍ بدل من إذا دكت الأرض و العامل فيهما.
يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ أي يتذكر معاصيه أو يتعظ لأنه يعلم قبحها فيندم عليها. وَ أَنَّى لَهُ الذِّكْرى أي منفعة الذكرى لئلا يناقض ما قبله، و استدل به على عدم وجوب قبول التوبة، فإن هذا التذكر توبة غير مقبولة.
[سورة الفجر (89): الآيات 24 الى 26]
يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي أي لحياتي هذه، أو وقت حياتي في الدنيا أعمالا صالحة، و ليس في هذا التمني دلالة على استقلال العبد بفعله فإن المحجور عن شيء قد يتمنى أن كان ممكنا منه.
فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ الهاء للّه أي لا يتولى عذاب اللّه و وثاقه يوم القيامة سواه إذ الأمر كله له، أو للإنسان أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه، و قرأهما الكسائي و يعقوب على بناء المفعول.
[سورة الفجر (89): الآيات 27 الى 30]
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ على إرادة القول و هي التي اطمأنت بذكر اللّه، فإن النفس تترقى في سلسلة الأسباب و المسببات إلى الواجب لذاته فتستفز دون معرفته و تستغني به عن غيره، أو إلى الحق بحيث لا يريبها شك أو الآمنة التي لا يستفزها خوف و لا حزن، و قد قرئ بهما.
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ إلى أمره أو موعده بالموت، و يشعر ذلك بقول من قال: كانت النفوس قبل الأبدان موجودة في عالم القدس أو البعث، راضِيَةً بما أوتيت. مَرْضِيَّةً عند اللّه تعالى.
فَادْخُلِي فِي عِبادِي في جملة عبادي الصالحين.
وَ ادْخُلِي جَنَّتِي معهم أو في زمرة المقربين فتستضيء بنورهم، فإن الجواهر القدسية كالمرايا المتقابلة، أو ادخلي في أجساد عبادي التي فارقت عنها، و ادخلي دار ثوابي التي أعدت لك.
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 312
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم «من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له، و من قرأها في سائر الأيام كانت له نورا يوم القيامة».
أنوار التنزيل و أسرار التأويل، ج5، ص: 313
(90) سورة البلد
مكية، و آيها عشرون آية
[سورة البلد (90): الآيات 1 الى 3]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ (3)
لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ أقسم سبحانه بالبلد الحرام و قيده بحلول الرسول عليه الصلاة و السلام فيه إظهارا لمزيد فضله، و إشعارا بأن شرف المكان بشرف أهله. و قيل حِلٌ مستحل تعرضك فيه كما يستحل تعرض الصيد في غيره، أو حلال لك أن تفعل فيه ما تريد ساعة من النهار فهو وعد بما أحل له عام الفتح.
وَ والِدٍ عطف على بِهذَا الْبَلَدِ و الوالد آدم أو إبراهيم عليهما الصلاة و السلام. وَ ما وَلَدَ ذريته أو محمد عليه الصلاة و السلام، و التنكير للتعظيم و إيثار ما على من لمعنى التعجب كما في قوله وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ .
[سورة البلد (90): الآيات 4 الى 6]
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ تعب و مشقة من كبد الرجل كبدا إذا وجعت كبده و منه المكابدة، و الإنسان لا يزال في شدائد مبدؤها ظلمة الرحم و مضيقة و منتهاها الموت و ما بعده، و هو تسلية للرسول عليه الصلاة و السلام مما كان يكابده من قريش و الضمير في:
أَ يَحْسَبُ لبعضهم الذي كان يكابد منه أكثر، أو يفتر بقوته كأبي الأشد بن كلدة فإنه كان يبسط تحت قدميه أديم عكاظي و يجذبه عشرة فيتقطع و لا تزال قدماه، أو لكل أحد منهم أو للإنسان. أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فينتقم منه.
يَقُولُ أي في ذلك الوقت أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً كثيرا، من تلبد الشيء إذا اجتمع، و المراد ما أنفقه سمعة و مفاخرة، أو معاداة للرسول عليه الصلاة و السلام.
[سورة البلد (90): الآيات 7 الى 10]
أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ حين كان ينفق أو بعد ذلك فيسأله عنه، يعني أن اللّه سبحانه و تعالى يراه فيجازيه، أو يجده فيحاسبه عليه ثم بين ذلك بقوله.
أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يبصر بهما.