کتابخانه تفاسیر
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 5
الجزء الأول
المدخل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون، و أنزل عليه: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ، أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ .
أحمده سبحانه أن خصّنا بالقرآن العظيم و النّور المبين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
و أشهد أن لا إله اللّه وحده لا شريك له، علّم القرآن، و جعله معجزة خاتم أنبيائه باقية ما بقي الزمان.
و أشهد أنّ سيّدنا محمدا عبد اللّه و رسوله، المؤيد بهذا القرآن صلّى اللّه عليه و سلّم، و على آله و صحبه و سلم تسليما دائما إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن العلماء قد عنوا بالقرآن عناية بالغة من جميع جوانبه، فمنهم من عني بحل ألفاظه و بيان معانيه و أحكامه، و منهم من عني بمعرفة ناسخه و منسوخه، و خاصه و عامه، و منهم من كتب في أسباب نزوله، و منهم من عني بذكر بلاغته و إعجازه ... و كتبوا في ذلك الكثير مما يعجز القلم عن حصره.
و لما كانت علوم القرآن أشرف العلوم و أفضلها، و دراسته و العكوف على أسراره و معانيه تعطي المسلم ذخيرة تنفعه في عاجله و آجله، فإنني وجهت اهتمامي إلى دراسة و تحقيق كتاب «إيجاز البيان عن معاني القرآن» للشّيخ العلامة بيان الحق محمود بن أبي الحسن النيسابوري رحمه اللّه تعالى.
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 6
ذلك أن المؤلف قد أودع في كتابه هذا خلاصة ما صنّف في التفسير و معاني القرآن.
و ذكر «1» - رحمه اللّه- أن كتابه هذا على رغم صغر حجمه قد اشتمل على أكثر من عشرة آلاف فائدة: من تفسير و تأويل، و دليل و نظائر و إعراب و أسباب نزول، و أحكام فقه، و نوادر لغات، و غرائب أحاديث.
و قال: فمن أراد الحفظ و التحصيل، و كان راجعا إلى أدب و تمييز فلا مزيد له على هذا الكتاب.
و قد التزم المؤلف- رحمه اللّه- بالمنهج الذي ذكره في مقدمته، و أورد الفوائد التي أشار إليها.
و لا شك أن دراسة مثل هذا الكتاب تعطي الباحث حصيلة علمية جيدة في العلوم التي يعتمد عليها التفسير، و يحتاج إليها المفسر، مثل علم اللغة و القراءات، و الإعراب ... و غيرها.
و قد جاء كتاب إيجاز البيان للنيسابوري بعد عشرات الكتب التي صنّفت في معاني القرآن «2» .
و قد كانت كتب المعاني القديمة تخلط بين المعنى و الإعراب لكن الغالب عليها ذكر الإعراب و وجوه القراءات و اللغة.
و لعل من أقدم و أشهر هذه الكتب: معاني القرآن لأبي زكريا يحيى بن
(1) إيجاز البيان: 55.
(2) ينظر الفهرست لابن النديم: 37، و كشف الظنون: (2/ 1730)، و معجم مصنفات القرآن الكريم: (4/ 209- 220).
و في أوائل الذين صنفوا في المعاني يقول الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد:
12/ 405 بعد أن ذكر كتاب أبي عبيد في معاني القرآن: «و ذلك أن أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش.
و صنف من الكوفيين الكسائي، ثم الفراء، فجمع أبو عبيد من كتبهم، و جاء فيه بالآثار و أسانيدها ...».
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 7
زياد الفرّاء الإمام اللغوي النحوي المشهور، المتوفى سنة 207 ه «1» .
و قد عني الفرّاء في معاني القرآن عناية ظاهرة بإعراب الآيات، و توجيه القراءات، و ذكر الشواهد الشّعرية ... و غير ذلك «2» .
و صنّف في معاني القرآن- أيضا- سعيد بن مسعدة المجاشعي المعروف ب «الأخفش الأوسط» المتوفى 215 ه «3» ، صنف «معاني القرآن» استجابة لطلب الكسائي.
و يغلب على كتاب الأخفش الجانب النّحوي، و يعتبر مصنّفه كتابا في إعراب القرآن، كما يعنى فيه بشرح الألفاظ الغربية، و ذكر الشواهد الشعرية «4» .
كما صنف في معاني القرآن أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج المتوفى سنة 311 ه.
و يهتم الزجاج في هذا الكتاب «5» - بجانب إعراب الآيات و توجيه القراءات- بذكر أسباب النزول، و الاستشهاد بالأحاديث و الآثار.
ثم جاء أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس المتوفى سنة 338 ه- و هو تلميذ أبي إسحاق الزجاج- فصنف كتابا في معاني
(1) ترجمته في طبقات النحويين للزبيدي: 131، و إنباه الرواة: 4/ 1، و بغية الوعاة:
2/ 333.
(2) طبع كتابه بالهيئة المصرية العامة للكتاب في ثلاثة أجزاء، و قد اشترك في تحقيقه الأساتذة: أحمد يوسف نجاتي، و محمد علي النجار، و عبد الفتاح شلبي.
(3) و قيل: إن وفاته كانت سنة 207 ه، أو 210 ه، أو 221 ه، أو 225 ه.
ينظر مقدمة الدكتور عبد الأمير لمعاني الأخفش: 1/ 11.
(4) طبع معاني القرآن للأخفش بتحقيق الدكتور عبد الأمير محمد أمين الورد، و نشرته دار عالم الكتب في بيروت عام 1405 ه.
و حققه- أيضا- الدكتور فائز فارس، و نشرت هذه الطبعة في الكويت عام 1400 ه، و طبع بتحقيق الدكتورة هدى محمود قراعة، و نشرته مكتبة الخانجي بالقاهرة عام 1411 ه.
(5) طبع هذا الكتاب بتحقيق الدكتور عبد الجليل عبده شلبي، و يقع في خمسة أجزاء.
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 8
القرآن، أفاد من كتب المتقدمين في هذا الفن، و خاصة شيخه الزجاج، و ضمّن كتابه كثيرا من الأحاديث و الآثار، كما اهتم فيه بذكر الأقوال المختلفة في معنى الآية، و الترجيح بين تلك الأقوال في بعض الأحيان «1» .
أما كتاب «إيجاز البيان عن معاني القرآن» لبيان الحق النيسابوري- و هو موضوع هذه الدراسة- فسيأتي الحديث عنه مفصلا في مبحث مستقل.
هذا و قد اقتضت طبيعة البحث أن أقسمه إلى قسمين رئيسين:
قسم الدراسة، و قسم التحقيق.
أما قسم الدراسة فيتكون من مقدمة و فصلين:
المقدمة: و فيها ذكر الباعث على اختيار هذا الكتاب و خطة البحث فيه.
الفصل الأول: يشتمل على دراسة عصر المؤلف و حياته الشخصية، و فيه مبحثان:
المبحث الأول: عصر النيسابوري.
المبحث الثاني: حياة المؤلف، و فيه المطالب الآتية:
المطلب الأول: اسمه، نسبه، أصله، كنيته، لقبه.
المطلب الثاني: موطنه، مولده، و أسرته.
المطلب الثالث: نشأته العلمية.
المطلب الرابع: آثاره العلمية.
المطلب الخامس: وفاته.
الفصل الثاني: في التعريف بكتاب إيجاز البيان و دراسته، و فيه مبحثان:
(1) طبع معاني القرآن للنحاس بتحقيق الشيخ محمد علي الصابوني، و نشره معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في ستة أجزاء.