کتابخانه تفاسیر
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 55
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قال الشّيخ الإمام السّيّد بيان الحقّ فخر الخطباء أبو القاسم محمود بن أبي الحسن بن الحسين النّيسابوري رحمه اللّه:
بعد حمد اللّه كفاء حقّه، و الصّلاة على نبيّه محمد خير خلقه، إنّ أفضل العلوم علم كتاب اللّه النازل من عنده، و السّبب الواصل بين اللّه و عبده، و تفاسيره مقصورة على قول واحد من الأولين، أو مقصودة بالتكثير و التكرير كما هو في مجموعات المتأخرين، و الأولى لعجمة الطباع و اللسان لا تشفي القلب، و الثانية لا تطاوع الحفظ لإطالة القول، و هذا المجموع يجري من جميعها مجرى الغرّة «1» من الدّهم «2» و القرحة من الكميت «3» ، قد اشتمل مع تدانى أطرافه من وسائطه، و تقارب أقرانه من شواكله على أكثر من عشرة آلاف فائدة، من تفسير و تأويل و دليل و نظائر و إعراب و أسباب نزول، و أحكام فقه، و نوادر لغات، و غرائب أحاديث.
فمن أراد الحفظ و التحصيل و كان راجعا إلى أدب و تمييز فلا مزيد له على هذا الكتاب.
و من أراد التبحر و التكثر فعليه بكتابنا «غرر الأقاويل في معاني التنزيل».
(1) الغرة: بياض في الجبهة، و في الصحاح: 2/ 767 (غرر): بياض في جبهة الفرس.
و قيل: الأغر من الخيل الذي غرته أكبر من الدرهم. و القرحة قدر الدرهم فما دونه.
ينظر اللسان: 5/ 14 (غرر).
(2) الدّهم: السواد. اللسان: 12/ 209 (دهم).
(3) الكميت: لون بين السّواد و الحمرة.
الصحاح: 1/ 263 (كمت).
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 56
و من أراد محاورة المتكلمين و محاضرة المتأدبين فلينظر من أحد كتابينا إمّا كتاب «باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن»، و إمّا كتاب «الأسولة الرائعة و الأجوبة الصادعة إلى حلبة البيان و حلية الإحسان و زبدة التفاسير و لمعة الأقاويل».
و من أراد ريحانة العلوم و باكورة التفاسير و أمهات الآداب و مقلدات الأشعار فلينشر من كتابنا «شوارد الشواهد و قلائد القصائد» حلل [الوشي] «1» و أنماطه «2» و ليبسط منه زرابي «3» الربيع و رياطه «4» ، و كل من ذلك ركض في ميدان قد حسرت عنه الجياد، و انقطعت دونه الآماد، و لكنه سنّة العلماء [1/ ب] الأولين أجمعين في تفسير ما أشكل للآخرين الأعجمين، و اللّه وليّ التوفيق/ فيما نقصد، و عليه نتوكل و به نستعين و نعتضد.
(1) ما بين معقوفين عن «ك».
و الوشي: الثياب، و الوشي في اللون: خلط لون بلون.
اللسان: 15/ 392 (وشى).
(2) النمط: ضرب من البسط، و الجمع أنماط.
و في اللسان: 7/ 417 (نمط) عن أبي منصور قال: «و النمط عند العرب و الزوج ضروب الثياب المصبغة و لا يكادون يقولون نمط و لا زوج إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة، فأما البياض فلا يقال: نمط، و يجمع أنماطا ا ه.
(3) الزرابي: البسط، و قيل: كل ما بسط و أتكئ عليه، و قيل: هي الطنافس، و المراد ب «الزرابي» هنا النبت و الخضرة.
ينظر اللسان: 1/ 447 (زرب).
(4) الرّيطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة و لم تكن لفقين، و الجمع: ريط و رياط.
الصحاح: 3/ 1128، و اللسان: 7/ 307 (ريط).
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 57
افتتاح كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن
من سورة الفاتحة
1 بِسْمِ اللَّهِ : الباء تقتضي تعلق فعل بالاسم إما خبرا أو أمرا، و موضعها نصب على معنى: أبدأ أو أبتدئ «1» و رفع على معنى ابتدائي «2» .
و الاسم من السّموّ «3» لجمعه على أسماء و تصغيره سميّ، و ليس من السّمة «4» لأن محذوف الفاء لا يدخله ألف الوصل، و إنّما الاسم منقوص حذف لامه ليكون فيه بعض ما في الفعل من التصرف، إذ كان أشبه به من الحروف و لحقته ألف الوصل عوضا عن النقص.
(1) إعراب القرآن للنحاس: 1/ 166، مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب: 1/ 66، الكشاف: 1/ 26، تفسير القرطبي: 1/ 99، الدر المصون: 1/ 14.
(2) و هو مذهب البصريين كما في إعراب القرآن للنحاس: 1/ 166، و الدر المصون: 1/ 22.
(3) معاني القرآن للزجاج: 1/ 40، معاني القرآن للنحاس: 1/ 51، مشكل إعراب القرآن لمكي: 1/ 66 و نسب هذا الرأي للبصريين. و انظر الكشاف: 1/ 35، و الدر المصون:
1/ 19.
(4) و قد خطأ هذا القول أيضا الزجاج في معاني القرآن: 1/ 40، و النحاس في معاني القرآن:
1/ 51.
و انظر مشكل إعراب القرآن لمكي: 1/ 66 حيث نسب هذا القول للكوفيين و قال: «و قول البصريين أقوى في التصريف». و قال السمين الحلبي في الدر المصون: 1/ 19: «و ذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من الوسم و هو العلامة لأنه علامة على مسمّاه، و هذا و إن كان صحيحا من حيث المعنى لكنه فاسد من حيث التصريف».
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 58
اللَّهِ معناه: الذي يحق له العبادة و أصله الإله «1» ، حذفت الهمزة و جعلت الألف و اللّام عوضا عنها، و نظيره [لكنا] «2» أصله: لكن أنا حذفت الهمزة و أدغمت إحدى النونين في الأخرى [فصار لكنا] «3» .
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اسمان من الرحمة. و الرحمة: النعمة على المحتاج. و قدّم الرَّحْمنِ و إن كان أبلغ لأنه كالعلم، إذ كان لا يوصف به غير اللّه فصار كالمعرفة في الابتداء بها «4» .
2 و الْحَمْدُ الوصف بالجميل على التفصيل «5» ، [و هو أن يذكره بصفاته المحمودة، أي: المرضية على التفصيل، و الذكر بالجميل على الإجمال هو الثناء، و ذكر المنعم بالجميل على إنعامه هو الشكر، و قيل:
شكر المنعم هو إظهار نعمه قولا و فعلا و اعتقادا] «6» .
و الربّ: الحافظ المدبر «7» ، و يقال للخرقة التي تحفظ فيها القداح:
ربابة و ربّة «8» .
(1) اشتقاق أسماء اللّه للزجاجي: (23، 24)، و معاني القرآن للنحاس: 1/ 52. و انظر تفسير الطبري: 1/ 125، و تفسير القرطبي: 1/ 102.
(2) في الأصل: «لكنّ»، و المثبت في النص عن «ك».
(3) ما بين معقوفين عن «ج».
(4) انظر: تفسير غريب القرآن: 6، تفسير الطبري: (1/ 126- 130)، اشتقاق أسماء اللّه للزجاجي: (38- 40)، مفردات الراغب: 191، الدر المصون: (1/ 32، 33).
(5) جاء في هامش الأصل: معنى «الحمد» الشكر للّه على نعمائه و الثناء عليه بما هو أهله.
و انظر معنى الحمد في تفسير الطبري: 1/ 135، معاني القرآن للنحاس: 1/ 57، مفردات الراغب: 131، المحرر الوجيز: 1/ 99، تفسير القرطبي: 1/ 131، الدر المصون: 1/ 36.
(6) ما بين معقوفين عن «ج».
(7) و من معاني الرّبّ في اللغة: السيّد و المالك و المعبود، و لا يطلق على غير اللّه سبحانه و تعالى إلا بقيد إضافة.
انظر: تفسير غريب القرآن: 9، تفسير الطبري: (1/ 141، 142)، اشتقاق أسماء اللّه:
(32- 34)، اللسان: 1/ 399 (ريب).
(8) غريب الحديث لأبي عبيد: 2/ 26، الاشتقاق لابن دريد: 180، اللسان: 1/ 406 (ريب).
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 59
و العالم ما يحويه الفلك «1» . و قيل العدد الكثير ممن يعقل ثم يدخل غيرهم فيه تبعا، فإنهم في الخليقة كالرؤوس و الأعلام و أنهم مستدلون كما أنهم أدلة «2» .
4 و الدِّينِ الجزاء و الحساب و القضاء و الطاعة «3» . و الأصل الجزاء.
و تخصيص الملك بيوم الدّين لأنّ الأمر فيه للّه وحده «4» . و صفة ملك أمدح لاستغنائها عن الإضافة «5» ، و الأولى أن يكون أصله من القدرة لا الشد
(1) أورد المؤلف رحمه اللّه هذا القول في كتابه «وضح البرهان»: 1/ 93، و نسبه للحسن رحمه اللّه، و في مفردات الراغب: 345: «العالم عالمان»: الكبير و هو الفلك بما فيه، و الصغير و هو الإنسان ...».
(2) قال الطبري في تفسيره: 1/ 143: «و العالمون جمع عالم، و العالم: جمع لا واحد له من لفظه كالأنام و الرهط و الجيش، و نحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جماع لا واحد له من لفظه. و العالم اسم لأصناف الأمم، و كل صنف منها عالم، و أهل كل قرن من كل صنف منها عالم ذلك القرن و ذلك الزمان. و الجن عالم، و كذلك سائر أجناس الخلق، كل جنس منها عالم زمانه، و لذلك جمع فقيل: عالمون و واحده جمع، لكون عالم كل زمان من ذلك عالم ذلك الزمان ... و هذا القول الذي قلناه، قول ابن عباس و سعيد بن جبير، و هو معنى قول عامة المفسرين».
و قال القرطبي في تفسيره: 1/ 138: «اختلف أهل التأويل في الْعالَمِينَ اختلافا كثيرا، ثم ذكر أقوال المفسرين في ذلك و صحح ما ذهب إليه الطبري».
(3) غريب القرآن لليزيدي: 61، تفسير غريب القرآن: 38، تفسير الطبري: 1/ 155، معاني القرآن للزجاج: 1/ 47، معاني القرآن للنحاس: 1/ 62، 63)، و قال النحاس:
«و الدين في غير هذه الطاعة، و الدين أيضا العادة ... و المعاني متقاربة لأنه إذا أطاع فقد دان».
(4) انظر معاني القرآن للزجاج: 1/ 47، و معاني القرآن للنحاس: 1/ 63، تفسير القرطبي:
1/ 142، البحر المحيط: 1/ 22.
(5) لا يسلم للمؤلف- رحمه اللّه- فيما ذهب إليه هنا، فالقراءتان: ملك، و مالك، قراءتان سبعيتان متواترتان، أضف إلى ذلك أن قراءة «مالك» بالألف، فيها زيادة حرف، و الحرف بعشر حسنات كما ثبت في الحديث الصحيح.
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 60
و الربط لأنّ صفات اللّه تؤخذ من أشراف «1» المعاني.
5 [إيّا] «2» اسم موضوع مضمر مفرد غير مضاف. و الكاف حرف خطاب لا موضع له [من الإعراب] «3» مثل كاف «ذلك».
وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ على نظم آي السورة [و لاقتضائه الحصر] «4» ، و إن كان نعبدك أوجز، و لهذا قدّم الرَّحْمنِ و الأبلغ لا يقدم.
[2/ أ] و قدّمت العبادة على الاستعانة/ لهذا، مع ما في تقديم ضمير المعبود من حسن الأدب. و الحمد دون العبادة ففخّم بالغيبة ليقاربه لفظ العبادة بقصور المخاطبة في اللّفظ، و على هذا أسند لفظة النّعمة إلى اللّه و صرف لفظ الغضب إلى المغضوب عليهم.
و سؤال الهداية الحاصلة للتثبيت عليها «5» لا سيّما و بإزاء كل دلالة شبهة. و قيل: هي الهداية إلى طريق الجنّة.
و قيل «6» : هي حفظ القرآن و السنّة. و التعبد بالدعاء فيما «7» لا بد أن
(1) في ج، ك: أشرف.
(2) في الأصل: «إياك»، و المثبت في النّص عن نسخة «ج».
(3) عن نسختي «ك» و «ج» و عن كتاب المؤلف وضح البرهان في مشكلات القرآن.
(4) عن نسخة «ج».
(5) انظر تفسير الطبري: 1/ 169، معاني القرآن للزجاج: 1/ 49، معاني القرآن للنحاس:
1/ 66، المحرر الوجيز: 1/ 120. و قال الحافظ ابن كثير- رحمه اللّه- في تفسيره:
1/ 44: «فإن قيل: كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة و غيرها، و هو متصف بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟ فالجواب: أن لا، و لو لا احتياجه ليلا و نهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده اللّه إلى ذلك، فإن العبد مفتقر في كل ساعة و حالة إلى اللّه تعالى في تثبيته على الهداية، و رسوخه فيها، و تبصره، و ازدياده منها، و استمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا إلا ما شاء اللّه، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة و الثبات و التوفيق.
(6) لم أهتد إلى قائله، و نقل المؤلف في وضح البرهان عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنّ الصراط المستقيم هنا كتاب اللّه فيكون سؤال الهداية لحفظه و تبين معانيه.
(7) في «ج»: مما.
إيجازالبيان عن معاني القرآن، ج1، ص: 61
يفعله اللّه زيادة لطف للعبد.
7 و غَيْرِ الْمَغْضُوبِ بدل من [ الَّذِينَ و إلا فالمعرفة لا توصف بالنكرة «1» .
و قال أبو علي «2» : غَيْرِ ها هنا معرفة لأنها مضافة إلى معرفة و المضاف أيضا في معرفة المعنى لأن له ضدا واحدا.
و يجوز نصب غَيْرِ على الحال من «هم» في عَلَيْهِمْ ، أو من الَّذِينَ «3» .
و الغضب من اللّه إرادة المضارّ بمن عصاه، و كذلك عامّة الصّفات تفسّر على أحوالنا بما هو أغراضها في التمام لا أغراضها في الابتداء «4» .
و «آمين» أشبعت منه الهمزة كأنه فعيل من الأمن، و ليس به، بل اسم
(1) معاني القرآن للأخفش: 1/ 165، معاني القرآن للزّجّاج: 1/ 53، الحجة لأبي علي الفارسي: 1/ 142، مشكل إعراب القرآن: 1/ 72، الدر المصون: 1/ 71. و قد أورد المؤلف هذا القول في وضح البرهان و قال: إنه مذهب الأخفش.
(2) أبو علي الفارسي: (288- 377 ه).
هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، أبو علي، الإمام النحوي اللغوي.
من تصانيفه: الحجة للقراء السبعة، و الأغفال، و المسائل العسكرية ... و غير ذلك.
أخباره في: وفيات الأعيان: (2/ 80)، و سير أعلام النبلاء (16/ 379، 380)، بغية الوعاة: (1/ 496- 498)، و نص كلامه في الحجة: 1/ 144.
(3) انظر السبعة في القراءات لابن مجاهد: 112، معاني القرآن للزجاج: 1/ 53، الحجة لأبي علي الفارسي: (1/ 142، 143)، و نقل عن ابن مجاهد أنه قال: «و الاختيار الذي لا خفاء به الكسر» ا ه و هي قراءة الجمهور. و قال الطبري في تفسيره: 1/ 182، و قد يجوز نصب «غير» في غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ و إن كنت للقراءة بها كارها لشذوذها عن قراءة القراء.
و إنّ ما شذ من القراءات عما جاءت به الأمة نقلا ظاهرا مستفيضا. فرأى للحق مخالف، و عن سبيل اللّه و سبيل رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و سبيل المسلمين متجانف، و إن كان له- لو كان جائزا القراءة به- في الصواب مخرج».