کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير

المجلد الاول

مقدمة مقدمة الطبعة الثالثة

سورة البقرة

سورة آل عمران

سورة النساء

سورة المائدة

الفهرس

المجلد الثانى

سورة الأنعام

سورة الاعراف

سورة الأنفال

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

فهرس المجلد الثاني

المجلد الثالث

سورة النحل

سورة الإسراء

سورة الكهف

سورة مريم

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة الحج

سورة المؤمنون

سورة النور

سورة الفرقان

سورة الشعراء

فهرس المجلد الثالث

المجلد الرابع

سورة النمل

سورة القصص

سورة العنكبوت

سورة الروم

سورة الأحزاب

سورة الصافات

سورة الزمر

سورة غافر

سورة فصلت

سورة الشورى

سورة الزخرف

فهرس المجلد الرابع

المجلد الخامس

«خاتمة الطبعة الأولى و الثانية» «خاتمة الطبعة الثالثة» فهرس المجلد الخامس

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير


صفحه قبل

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏1، ص: 620

يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ‏ : يستر بالتراب جسد أخيه، و قيل فيه سوءة، لأن النظر إلى الميت تكرهه النفوس، و السوءة: ما يكره النظر إليها.

معنى الآيات:

ما زال السياق القراني الكريم في الحديث عن يهود بني النضير الذين هموا بقتل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه فالله تعالى يقول لرسوله و اقرأ عليهم قصة ابني آدم هابيل و قابيل ليعلموا بذلك عاقبة جريمة القتل الذي هموا به، توبيخا لهم، و إظهارا لموقفك الشريف منهم حيث عفوت عنهم فلم تقتلهم بعد تمكنك منهم، و كنت معهم كخير ابني آدم، .. إِذْ قَرَّبا قُرْباناً «1» .. ، أي قرب كل منهما قربانا لله تعالى فتقبل اللّه قربان‏ «2» أحدهما لأنه كان من أحسن ماله و كانت نفسه به طيبة، وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ و هو قابيل لأنه كان من أردأ ماله، و نفسه به متعلقة، فقال لأخيه هابيل لأقتلنك حسدا له- كما حسدتك اليهود و حسدوا قومك في نبوتك و رسالتك- فقال له أخوه إن عدم قبول قربانك عايد إلى نفسك لا إلى غيرك إنما يتقبل اللّه من المتقين‏ «3» للشرك فلو اتقيت الشرك لتقبل منك قربانك لأن اللّه تعالى لا يتقبل إلا ما كان خالصا له، و أنت أشركت نفسك و هواك في قربانك، فلم يتقبل منك.

و و اللّه قسما به‏ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ‏ ، و علل ذلك بقوله:

.. إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ‏ ، أي أن ألقاه بدم أرقته ظلما. و إن أبيت إلا قتلي فإني لا أقتلك‏

لأني أريد أن تبوء بإثمي و إثمك أي ترجع إلى ربنا يوم القيامة بإثم قتلك إياي، و إثمك الذي قارفته في حياتك كلها، فتكون بسبب ذلك من أصحاب النار الخالدين فيها الذين لا يفارقونها أبدا قال تعالى‏ وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ‏ ،

فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ‏ أي شجعته عليه و زينته له فقتله‏ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ‏ «4» النادمين لأنه لم يدر ما يصنع به‏

(1) القربان: اسم جنس يطلق على الواحد و المتعدد، إذ لكلّ منهما قربان و ليس قربانا واحدا اشتركا فيه.

(2) إن قيل كيف عرف القبول من عدمه؟ فالجواب: إنّ سنّة اللّه تعالى فيمن سبق أنّ من قرّب للّه تعالى قربانا فقبله أرسل عليه نارا من السماء فأحرقته و من لم يتقبله لم يفعل به ذلك، و يشهد له حديث الصحيح في غنائم بني اسرائيل إذ كانت محرّمة عليهم و لم تحل إلّا لأمة الإسلام، إذ أخبر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ نارا تنزل من السماء على الغنائم فتحرقها.

(3) فيه دلالة على أن قابيل لم يكن تقيا، و قابيل في لغة بني اسرائيل بالنون: قابين و كذا هابيل و قوله: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ .. الخ مسبوق بكلام دلّ عليه السياق و هو مثل قوله: لم تقتلني و أنا لم أجن شيئا و لا ذنب لي في قبول اللّه قرباني و كونه تقبل مني لا يستوجب قتلي إنّما يتقبل اللّه من المتقين.

(4) لما كان أول من سن القتل فإنه لا تقتل نفس ظلما إلّا و عليه كفل منها لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم «لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم كفل من دمها لأنّه أول من سن القتل» و في الحديث الآخر: «من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة».

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏1، ص: 621

فكان يحمله على عاتقه و يمشي به حتى عفن،

و عندئذ بعث اللّه غرابا يبحث في الأرض أي ينبش الأرض برجليه و منقاره و ينشر التراب على ميت معه حتى واراه: أي بعث اللّه الغراب ليريه كيف يواري أي يستر سوءة أخيه أي جيفته، فلما رأى قابيل ما صنع الغراب بأخيه الغراب الميت قال متندما متحسرا يا ويلتا أي يا ويلتي احضري فهذا أوان حضورك، ثم وبخ نفسه قائلا: أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي‏ ، كما وارى الغراب سوءة أخيه، و أصبح من النادمين على حمله أو على قتله و عدم دفنه و مجرد الندم لا يكون توبة مع أن توبة القاتل عمدا لا تنجيه من النار.

هداية الآيات‏

من هداية الآيات: 1- مشروعية التقرب الى اللّه تعالى بما يحب أن يتقرب به إليه تعالى.

2- عظم جريمة الحسد و ما يترتب عليها من الآثار السيئة.

3- قبول الأعمال الصالحة يتوقف على الإخلاص فيها لله تعالى.

4- بيان أول من سن جريمة القتل و هو قابيل و لذا ورد: ما من نفس تقتل نفسا ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل «نصيب» ذلك بأنه أول من سن القتل.

5- مشروعية الدفن‏ «1» و بيان زمنه.

6- خير ابني آدم المقتول ظلما و شرهما القاتل ظلما. «2»

[سورة المائدة (5): آية 32]

مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)

(1) يستحب توسعة القبر لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «احفروا و أوسعوا و أحسنوا اللحد» و اللّحد أفضل من الشق لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم: «اللحد لنا و الشق لغيرنا» و يستحب لمن يضع الميت في قبره أن يقول بسم اللّه و على ملة رسول اللّه لمن حضر الدفن أن يحثو على القبر من قبل رأسه ثلاثا.

(2) و إن قيل ما تصنع بحديث الصحيح: «إذا التلقى المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار»؟ قلت: هذا الحديث فيمن يقاتل في غير حق استوجب القتل و القتال، أمّا من ظلم فدافع عن نفسه فقتل فهو شهيد بنص الحديث الصحيح، و كذا من بعى على المسلمين فقتاله واجب و من قاتله فهو مجاهد و من قتل فهو شهيد.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏1، ص: 622

شرح الكلمات:

مِنْ أَجْلِ ذلِكَ‏ «1» : أي بسبب ذلك القتل‏

كَتَبْنا : أوحينا.

أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ‏ : بحربه لله و رسوله و المؤمنين.

وَ مَنْ أَحْياها : قدر على قتلها و هي مستوجبة له فتركها.

بِالْبَيِّناتِ‏ : الآيات الواضحات حاملة للشرائع و الدلائل.

لَمُسْرِفُونَ‏ : مكثرون من المعاصي و الذنوب.

معنى الآية الكريمة:

يقول تعالى: إنه من أجل قبح جريمة القتل و ما يترتب عليها من مفاسد و مضار لا يقادر قدرها أوجبنا على بني إسرائيل لكثرة ما شاع بينهم من القتل و سفك الدماء فقد قتلوا الأنبياء و الآمرين بالقسط من الناس لأجل هذه الضراوة على القتل فقد قتلوا رسولين زكريا و يحيى و هموا بقتل كل من المرسلين العظيمين عيسى و محمد صلّى اللّه عليه و سلّم من أجل ذلك شددنا «2» عليهم في العقوبة إذ من قتل منهم نفسا بغير نفس أي ظلما و عدوانا، أو قتلها بغير فساد قامت به في الأرض و هو حرب اللّه و رسوله و المؤمنين فكأنما قتل الناس جميعا بمعنى يعذب عذاب قتل الناس جميعا يوم القيامة و من أحياها بأن استوجبت القتل فعفا عنها و تركها لله إبقاء عليها فكأنما أحيا الناس‏ «3» جميعا يعني يعطى أجر من أحيا الناس‏ «4» جميعا كل هذا شرعه اللّه تعالى لهم تنفيرا

(1) قوله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ‏ تعليل لقوله‏ كَتَبْنا و من ابتدائية، و الأجل: الجراء و السبب و هو مصدر أجل يأجل و يأجل بمعنى: جنى و اكتسب فلذا هو يقال في الخير كما يقال في الشرّ تقول: أكرمته لأجل علمه، كما تقول: أهنته لأجل فسقه.

أمّا الجراء في قولك فعلت كذا من جراء كذا فهو مأخوذ من جرّ إذا سبب تقول: فعلي كذا جرّ لي كذا أي سببه.

(2) خصّ بني اسرائيل بهذا دون من سبقهم من الأمم تغليظا عليهم لجرئتهم على القتل علّهم يكفّون من سفك الدماء، إذ قتلوا حتى الأنبياء و الآمرين بالقسط من الناس.

(3) كأنّ: للتشبيه و من هنا يكون معنى الكلام كتبنا مشابهة قتل نفس بغير نفس .. الخ بقتل الناس أجمعين أي في عظم الجرم، و مشابهة من أحيى الناس جميعا في عظم الأجر.

(4) من أحياها: معناه من استنقذها من الموت بأن عفا عنها بعد تعيّن القصاص عليها أو دافع عنها حتى أنقذها ممن أراد قتلها لأنّ الإحياء بعد الموت ليس في مقدور الإنسان و إنّما قد يهمّ المرء بالقتل و يعفو فيكون كمن أحياها.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏1، ص: 623

لهم من القتل الذي أصروا عليه، و ترغيبا لهم في العفو الذي جافوه و بعدوا عنه فلم يعرفوه و قوله تعالى: وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ‏ «1» رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏ يخبر تعالى عن حالهم مسليا رسوله محمدا عما يحمله من همّ منهم و هم الذين تآمروا على قتله أن الشر الذي لازم اليهود و الفساد الذي أصبح وصفا لازما لهم و خاصة المؤامرات بالقتل و إيقاد نار الحروب لم يكن عن جهل و عدم معرفة منهم لا أبدا بل جاءتهم رسلهم بالآيات البينات و الشرائع القويمة و الآداب الرفيعة و لكنهم قوم بهت متمردون على الشرائع مسرفون في الشر و الفساد و لذا فإن كثيرا منهم و اللّه لمسرفون في الشر و الفساد، و بنهاية هذه الآية و من قوله تعالى‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ .. و هي الآية (11) انتهى الحديث عن اليهود المتعلق بحادثة همهم بقتل الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه و قد ذكر تسلية لرسول اللّه و أصحابه، كما هو تسلية لكل مؤمن يتعرض لمكر اليهود عليهم لعائن اللّه.

هداية الآية

من هداية الآية: 1- تأديب الرب تعالى لبني إسرائيل و مع الأسف لم ينتفعوا به.

2- فساد بني إسرائيل لم ينشأ عن الجهل و قلة العلم بل كان اتباعا للأهواء و جريا وراء عارض الدنيا. فلذا غضب‏ «2» اللّه عليهم و لعنهم لأنهم عالمون.

3- بالرغم من تضعيف جزاء الجريمة على اليهود، و مضاعفة أجر الحسنة لهم فإنهم أكثر الناس اسرافا في الشر و الفساد في الأرض.

[سورة المائدة (5): الآيات 33 الى 34]

إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)

(1) هذه الجملة تذييل لما سبق من حكم اللّه تعالى فيهم حيث شرع لهم و أعلمهم بأنّ من يقتل نفسا ظلما و عدوانا يعتبر شرعا كأنما قتل الناس جميعا ذكر فيه أنّه لا عذر لهم فيما عوقبوا به إذ لم يكونوا جاهلين لمجيئهم رسلهم بالآيات البيّنات تحمل الشرائع و الهدايات و مع هذا فإنّ كثيرا منهم مسرفون في المعاصي و الجرائم العظام كالقتل في الأرض.

(2) شاهده من القرآن: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏ من الممتحنة. و غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ من الفاتحة.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏1، ص: 624

شرح الكلمات:

يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ : بالخروج عن طاعتهما و حمل السلاح على المؤمنين و قتلهم و سلب أموالهم و الاعتداء على حرماتهم.

وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً : بإخافة الناس و قطع طرقهم و سلب أموالهم و الاعتداء على أعراضهم.

أَوْ يُصَلَّبُوا : يشدون على أعواد الخشب و يقتلون، أو بعد أن يقتلوا.

مِنْ خِلافٍ‏ : بأن تقطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى، و العكس.

أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ‏ : أي من أرض الإسلام.

خِزْيٌ فِي الدُّنْيا : ذل و مهانة.

عَذابٌ عَظِيمٌ‏ : عذاب جهنم.

أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ‏ : أي تتمكنوا منهم بأن فروا بعيدا ثم جاءوا مسلمين.

معنى الآيتين:

لما ذكر تعالى ما أوجبه على اليهود من شدة العقوبة و على جريمة القتل و الفساد في الأرض كسرأ لحدة جرءتهم على القتل و الفساد ذكر هنا حكم و جزاء من يحارب المسلمين و يسعى بالفساد في ديارهم فقال تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ‏ «1» يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ بالكفر «2» بعد الإيمان‏

(1) الجمهور على أنّ سبب نزول هذه الآية: إِنَّما جَزاءُ ... الخ هو: العرنيون الذين نزلوا المدينة و ادعوا أنهم اجتووها .. أي أمرضهم مناخها- فأمر لهم الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم بلقاح و أمرهم أن يشربوا من ألبانها و أبوالها فخرجوا خارج المدينة، و لما شفوا و صحوا قتلوا الراعي و مثّلوا به و ذهبوا بالإبل فلحقتهم خيل المسلمين فردّتهم و نزلت هذه الآية ببيان حكم اللّه فيهم، و العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فبقى هذا تشريعا يطبّق على مثلهم إلى يوم القيامة.

(2) لأن العرنيين و كانوا سبعة ثلاثة من عكل و أربعة من عرينة كفروا بعد إيمانهم الذي أظهروا بالمدينة ثمّ ادعوا أنهم استوخموا المدينة فساعدهم الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم رحمة منه بما يشفيهم فلمّا شفوا و صحوا كفروا و قتلوا الراعي و ساقوا الإبل، و الآية عامة في المرتد و غيره و الحكم ما بيّن اللّه تعالى في هذه الآية لا غيره و صيغة الحصر في إنّما ظاهرة.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏1، ص: 625

و القتل و السلب بعد الأمان، وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً بتخويف المسلمين، و قطع طرقهم و أخذ أموالهم، و الاعتداء على حرماتهم و أعراضهم، هو ما أذكره لكم لا غيره فاعلموه أنه‏ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ‏ و معنى يقتلوا: يقتلون واحدا بعد واحد نكاية لهم و إرهابا و تعزيرا لغيرهم، و معنى يصلبوا بعد ما يقتل الواحد منهم يشد على خشبة مدة ثلاثة أيام و معنى ينفوا من الأرض يخرجوا من دار الإسلام، أو الى مكان ناء كجزيرة في بحر أو يحبسوا حتى ينجو المسلمون من شرهم و أذاهم، و يكون ذلك الجزاء المذكور خزيا و ذلا لهم‏ «1» في الدنيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ‏ و هو عذاب النار،

و قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ‏ فهذا استثناء متصل من أولئك المحاربين بأن من عجزنا عنه فلم نتمكن من القبض عليه، و بعد فترة جاءنا تائبا فإن حكمه يختلف عمن قبله، و قوله تعالى: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ يحمل إشارة واضحة إلى تخفيف الحكم عليه، و ذلك فإن كان كافرا و أسلم فإن الإسلام يجب ما قبله فيسقط عنه كل ما ذكر في الآية من عقوبات .. و إن كان مسلما فيسقط الصلب و يجب عليه، رد المال الذي أخذه إن بقي في يده، و إن قتل أو فجر و طالب بإقامة الحد عليه أقيم عليه الحد، و إلا ترك لله و اللّه غفور رحيم.

هداية الآيتين‏

من هداية الآيتين: 1- بيان حكم الحرابة «2» و حقيقتها: خروج جماعة اثنان فأكثر و يكون بأيديها سلاح و لهم شوكة، خروجهم إلى الصحراء بعيدا عن المدن و القرى، يشنون هجمات على المسلمين فيقتلون و يسلبون و يعتدون على الأعراض، هذه هي الحرابة و أهلها يقال لهم المحاربون و حكمهم ما ذكر تعالى في الآية الأولى (33).

(1) إن كان المحاربون مسلمين فالخزي لهم هو نزول العقوبة بهم في الدنيا من القتل و الصلب و النفي و في الآخرة ينجون من عذابها إن تابوا قبل موتهم، و إن كان المحاربون كافرين فالخزي عذاب الدنيا و العذاب العظيم لهم في الآخرة، و فرّقنا بين المسلمين و الكافرين لأنّ المسلمين إقامة الحد عليهم يكفّر ذنب الجريمة للحديث الصحيح في البيعة: «فمن وفّى منكم فأجره على اللّه، و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفّارة له و من أصاب منها شيئا فستره اللّه فهو إلى اللّه إن شاء عذّبه و إن شاء غفر له» فقوله: فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏ دليل على سقوط عذاب الآخرة بالحدّ.

(2) الجمهور على أن اللّصّ كالمحارب يناشد باللّه تعالى أن يكفّ و ينصرف و إن أبي يقاتل و يقتل و من قتله اللّصّ فهو في الجنة و إن قتل اللّصّ فهو في النار لحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: أ رأيت يا رسول اللّه إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك قال: أ رأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أ رأيت إن قتلني؟ قال:

فأنت شهيد. قال: فإن قتلته؟ قال: هو في النار».

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏1، ص: 626

2- الإمام مخير في إنزال العقوبة التي يرى أنها مناسبة «1» لاستتباب الأمن، إن قلنا أو في الآية للتخيير، و إلا فمن قتل و أخذ المال و أخاف الناس قتل و صلب، و من قتل و لم يأخذ مالا قتل، و من قتل و أخذ مالا قطعت‏ «2» يده و رجله من خلاف فتقطع يده اليمنى و رجله اليسرى، و من لم يقتل و لم يأخذ مالا ينفى‏ «3» .

3- من تاب من المحاربين قبل التمكن منه يعفا عنه إلا أن يكون بيده مال سلبه فإنه يرده على ذويه أو يطلب بنفسه إقامة الحد عليه فيجاب لذلك.

4- عظم عفو اللّه و رحمته بعباده لمغفرته لمن تاب و رحمته له.

[سورة المائدة (5): الآيات 35 الى 37]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37)

شرح الكلمات:

اتَّقُوا اللَّهَ‏ : خافوا عذابه فامتثلوا أمره و أمر رسوله و اجتنبوا نهيهما.

وَ ابْتَغُوا : إطلبوا.

(1) هذا مذهب الجمهور من الأئمة، و هو أرفق و أصلح و أكثر تمثيلا للآية و انسجاما معها

(2) مذهب الجمهور و هو الحق: لا تقطع يد المحارب إلّا في مال تقطع فيه يد السارق و هو زنة ربع دينار ذهب فأكثر.

(3) إن تعذّر النفي فالسجن يقوم مقامه إذ هو نفي من ظاهر الأرض إلى باطنها كما قال الشاعر:

خرجنا من الدنيا و نحن من أهلها

فلسنا من الأموات فيها و لا الأحيا

إذا جاءنا السجّان يوما لحاجة

صفحه بعد