کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير

المجلد الاول

مقدمة مقدمة الطبعة الثالثة

سورة البقرة

سورة آل عمران

سورة النساء

سورة المائدة

الفهرس

المجلد الثانى

سورة الأنعام

سورة الاعراف

سورة الأنفال

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

فهرس المجلد الثاني

المجلد الثالث

سورة النحل

سورة الإسراء

سورة الكهف

سورة مريم

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة الحج

سورة المؤمنون

سورة النور

سورة الفرقان

سورة الشعراء

فهرس المجلد الثالث

المجلد الرابع

سورة النمل

سورة القصص

سورة العنكبوت

سورة الروم

سورة الأحزاب

سورة الصافات

سورة الزمر

سورة غافر

سورة فصلت

سورة الشورى

سورة الزخرف

فهرس المجلد الرابع

المجلد الخامس

«خاتمة الطبعة الأولى و الثانية» «خاتمة الطبعة الثالثة» فهرس المجلد الخامس

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير


صفحه قبل

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏2، ص: 448

يعبدونها معه و هي لم تخلق شيئا أما اللّه فإنه الذي خلق السموات و الأرض في ستة أيام بمقدار أيامنا هذه إذ لم تكن يومئذ أياما كأيام الدنيا هذه، ثم استوى على عرشه استواء يليق بجلاله و كماله يدبر «1» أمر السماء و الأرض. هذا هو الإله الحق الذي يجب أن يعبد و يتقرب إليه. و قوله: ما مِنْ‏ «2» شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ‏ أي و أنه لعظمته و عزة سلطانه لا يقدر أحد أن يشفع لآخر إلا بعد إذنه له فكيف إذا تعبد هذه الأصنام رجاء شفاعتها لعابديها، و اللّه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه؟ و قوله تعالى‏ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ‏ أي هذا الموصوف بهذه الصفات المعرّف بهذه النعوت من الجلال و الكمال هو ربكم الحق فاعبدوه بما شرع لكم من أنواع العبادات تكملوا و تسعدوا و قوله‏ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ هو توبيخ للمشركين لهم لم لا تتعظون بعد سماع الحق.

و قوله تعالى‏ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ‏ بعد موتكم‏ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا «3» تقرير لمبدأ البعث الآخر أي إلى اللّه تعالى ربكم الحق مرجعكم بعد موتكم جميعا إذ وعدكم وعد الحق بالرجوع إليه و الوقوف بين يديه و قوله‏ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ «4» أي بالعدل: بيان لعلة الحياة بعد الموت إذ هذه الدار دار عمل و الآخرة دار جزاء على هذا العمل فلذا كان البعث واجبا حتما لا بد منه و لا معنى لإنكاره لأن القادر على البدء قادر على الإعادة من باب أولى و أحرى و قوله تعالى‏ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ‏ أي ماء حار قد بلغ المنتهى في حرارته و عذاب أليم أي موجع اخبار منه تعالى بجزاء أهل الكفر يوم القيامة و هو علة أيضا للحياة بعد الموت و البعث بعد الفناء و بهذا تقرر مبدأ البعث كما تقرر قبله مبدأ التوحيد و من قبل مبدأ الوحى إذ على هذه القضايا تدور السور المكية

و قوله تعالى‏ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً أي ذات ضياء و القمر نورا ذا نور و قدر القمر منازل‏ «5» و هي ثمانية و عشرون منزلة يتنقل فيها القمر، فعل ذلك‏ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ‏ «6» فتعرفون‏

(1) قال مجاهد: يقضيه و يقدره وحده، و قيل: يأمر به و يمضيه. قال القرطبي: و المعنى متقارب‏

(2) ما مِنْ شَفِيعٍ‏ أي: لا شفيع يشفع إلا بعد إذنه له بالشفاعة.

(3) (وعدا) و حَقًّا : مصدران بمعنى وعدكم وعدا و أحقه حقا. أي: صدقا لا خلف فيه.

(4) الجملة: إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ‏ : واقعة موقع الدليل على إنجاز وعده تعالى لأنّ الذي خلق من تراب و ماء قادر على البعث و الجزاء.

(5) المنازل: جمع منزل، و هو مكان النزول و المراد بها سموت بلوغ القمر فيها للناس كل ليلة في سمت منها كأنه ينزل بها، و للشمس منازل تسمى بروجا و هي اثنا عشر برجا تحل فيها الشمس في فصول السنة لكل برج منزلتان و ثلث.

(6) الْحِسابَ‏ مصدر حسب يحسب بضم السين حسابا بمعنى عدّ أما حسب بكسر السين فهو بمعنى ظن و مضارعه يحسب بفتح السين و كسرها لغتان فصيحتان. و بهما قرى‏ء: أيحسب الإنسان و كل يحسب بمعنى يظن.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏2، ص: 449

عدد السنوات و الشهور و الأيام و الساعات إذ حياتكم تحتاج إلى ذلك فهذا الرب القادر على هذا الخلق و التدبير هو المعبود الحق الذي يجب أن تعبدوه و لا تعبدوا سواه فهذا تقرير للتوحيد و تأكيد له. و قوله‏ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ‏ أي لم يخلق هذه الحياة الدنيا و هذه العوالم فيها عبثا فتفنى و تبلى بعد حين و لا شي‏ء وراء ذلك بل ما خلق ذلك إلا بالحق أي من أجل أن يأمر و ينهى ثم يجزي المطيع بطاعته و العاصي بعصيانه و في هذا تأكيد لقضية البعث و الجزاء أيضا و قوله‏ يُفَصِّلُ الْآياتِ‏ أي هذا التفصيل المشاهد في هذا السياق‏ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ‏ إذ هم الذين ينتفعون به أما الجهلة فلا ينتفعون بهذا التفصيل و البيان‏

و قوله تعالى في الآية الأخيرة إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ أي بالطول و القصر و الضياء و الظلام‏ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ «1» من أفلاك و كواكب و رياح و أمطار و ما خلق في الأرض من إنسان و حيوان و بر و بحر و أنهار و أشجار و جبال و وهاد لَآياتٍ‏ أي علامات واضحة دالة على الخالق المعبود بحق و على جلاله و جماله و كماله و عظيم قدرته و قوة سلطانه فيعبد لذلك بحبه غاية الحب و بتعظيمه غاية التعظيم و برهبته و الخشية منه غاية الرهبة و الخشية و يذكر فلا ينسى و يشكر فلا يكفر و يطاع فلا يعصى و قوله تعالى‏ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ‏ «2» خص أهل التقوى بالآيات فيما ذكر من مظاهر خلقه و قدرته لأنهم هم الذين حقا يبصرون ذلك و يشاهدونه لصفاء أرواحهم و طهارة قلوبهم و نفوسهم أما أهل الشرك و المعاصي فهم في ظلمة لا يشاهدون معها شيئا و العياذ بالله.

هداية الآيات‏

من هداية الآيات: 1- تقرير ألوهية اللّه تعالى و أنه الإله الحق.

2- تقرير عقيدة البعث و الجزاء في الدار الآخرة.

3- بيان الحكمة في خلق الشمس و القمر و تقدير منازلهما.

4- مشروعية تعلم الحساب و علم الفلك لما هو نافع للمسلمين.

(1) قوله: وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ شمل الأجسام و الأحوال معا أي: الذوات و الصفات، و الأقوال و الأعمال أيضا إذ قال تعالى: وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ‏ .

(2) خصهم بالآيات لأنهم هم الذين ينتفعون بها أما أهل الشرك و الفجور و المعاصي فلا ينتفعون بها فهي إذا ليست لهم بل هي لغيرهم ممن ينتفعون بها.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏2، ص: 450

5- فضل العلم و التقوى و أهلهما من المؤمنين.

[سورة يونس (10): الآيات 7 الى 10]

إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (7) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)

شرح الكلمات:

لا يَرْجُونَ لِقاءَنا : أي لا ينتظرون و لا يؤملون في لقاء اللّه تعالى يوم القيامة.

وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا : أي بدلا عن الآخرة فلم يفكروا في الدار الآخرة.

وَ اطْمَأَنُّوا بِها : أي سكنوا إليها و ركنوا فلم يروا غيرها حياة يعمل لها.

غافِلُونَ‏ : لا ينظرون إليها و لا يفكرون فيها.

مَأْواهُمُ النَّارُ : أي النار هي المأوى الذي يأوون إليه و ليس لهم سواها.

يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ «1» : أي بأن يجعل لهم بإيمانهم نورا يهتدون به إلى الجنة.

دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ «2» : أي يطلبون ما شاءوا بكلمة سبحانك اللهم.

وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏ : أي آخر دعائهم: الحمد لله رب العالمين.

معنى الآيات:

بعد تقرير الوحي و الألوهية في الآيات السابقة ذكر تعالى في هذه الآيات الثلاث‏

(1) قال مجاهد: يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ‏ بالنور على الصراط إلى الجنة بأن يجعل لهم نورا يمشون به، و شاهده قوله تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ‏ الخ.

(2) الدعوى هنا: بمعنى الدعاء يقال: دعوة بالهاء و دعوى بألف التأنيث و سبحان: مصدر بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏2، ص: 451

الكريمة بيان جزاء كل ممن كذب بلقاء اللّه فلم يرج ثوابا و لم يخش عقابا و رضي بالحياة الدنيا و اطمأن بها، و ممن آمن بالله و لقائه و وعده و وعيده فآمن بذلك و عمل صالحا فقال تعالى‏ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ‏ «1» لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها «2» أي سكنت نفوسهم إليها و ركنوا فعلا إليها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ‏ أي آياته الكونية في الآفاق و القرآنية و هي حجج اللّه تعالى و أدلته الدالة على وجوده و توحيده و وحيه و شرعه غافلون عنها لا ينظرون فيها و لا يفكرون فيما تدل لإنهماكهم في الدنيا حيث أقبلوا عليها و أعطوها قلوبهم و وجوههم و كل جوارحهم.

هؤلاء يقول تعالى في جزائهم‏ أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ أي من الظلم و الشر و الفساد.

و يقول تعالى في جزاء من آمن بلقائه و رجا ما عنده‏ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ‏ أي إلى طريق الجنة بِإِيمانِهِمْ‏ أي بنور إيمانهم فيدخلونها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ‏ «3» الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏ .

و نعيم الجنة روحاني و جسماني فالجسماني يحصلون عليه بقولهم: سبحانك اللهم، فإذا قال أحدهم هذه الجملة «سبحانك اللهم» «4» حضر لديه كل مشتهى له. و الروحاني يحصلون عليه بسلام اللّه تعالى عليهم و ملائكته‏ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ‏ . و إذا فرغوا من المآكل و المشارب قالوا: الحمد لله رب العالمين. و هذا معنى قوله‏ دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏ أي دعاؤهم أي صيغة طلبهم‏ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ‏ أي دعائهم‏ أَنِ‏ أي أنه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ . «5»

هداية الآيات‏

من هداية الآيات: 1- التحذير من نسيان الآخرة و الإقبال على الدنيا و الجري وراء زخارفها.

(1) لا يَرْجُونَ لِقاءَنا معناه أنهم لا يطلبونه و لا يتوقعونه، و لازم ذلك أنهم لا يخافون عقابا أخرويا و لا ثوابا.

(2) أي: سكنت نفوسهم إليها و صرفوا كل همهم لها طلبا لتحصيل منافعها فلم يسعوا لتحصيل ما ينفع في الآخرة لأنهم سكنوا إلى الدنيا، و الساكن لا يتحرّك و وصف بأنه لها يرضى و لها يغضب و لها يفرح و لها يهتم و يحزن.

(3) مِنْ تَحْتِهِمُ‏ من تحت بساتنهم و من تحت أسرّتهم كذلك و هو أحسن في النزهة و الفرجة.

(4) إنه ثناء مسوق للتعرض إلى إفاضة النعيم من طعام و شراب و هو كما قال ابن أبي الصلت:

إذا أثنى عليك المرء يوما

كفاه من تعرّضه الثناء

(5) في الآية دليل على اطلاق لفظ التسبيح على الدعاء و شاهده: دعوة ذي النون: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ‏ و فيها دليل على مشروعية بل سنية بدء الطعام و الشراب ببسم اللّه. و إنهائه بحمد اللّه تعالى كما هي السنة في ذلك.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏2، ص: 452

2- التحذير من الغفلة بعدم التفكر بالآيات الكونية و القرآنية إذ هذا التفكير هو سبيل الهداية و النجاة من الغواية.

3- الإيمان و العمل الصالح مفتاح الجنة و الطريق الهادي إليها.

4- نعيم الجنة روحاني و جسماني و هو حاصل ثلاث كلمات هي:

سبحانك اللهم و تحيتهم فيها سلام. و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

[سورة يونس (10): الآيات 11 الى 14]

وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى‏ ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)

شرح الكلمات:

الشَّرَّ : كل ما فيه ضرر في العقل أو الجسم أو المال و الولد، و الخير عكسه: ما فيه نفع يعود على الجسم أو المال أو الولد.

لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ‏ : لهلكوا و ماتوا.

فَنَذَرُ : أي نترك.

فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ : أي في ظلمهم و كفرهم يترددون لا يخرجون منه كالعميان.

الضُّرُّ : المرض و كل ما يضر في جسمه، أو ماله أو ولده.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏2، ص: 453

مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا : مضى في كفره و باطله كأن لم يكن ذاك الذي دعا بكشف ضره.

كَذلِكَ زُيِّنَ‏ «1» : مثل ذلك النسيان بسرعة لما كان يدعو لكشفه، زين للمسرفين إسرافهم في الظلم و الشر.

الْقُرُونَ‏ : أي أهل القرون.

بِالْبَيِّناتِ‏ : بالحجج و الآيات على صدقهم في دعوتهم.

خَلائِفَ‏ : أي لهم، تخلفونهم بعد هلاكهم.

معنى الآيات:

هذه الفترة التي كانت تنزل فيها هذه السورة المكية كان المشركون في مكة في هيجان و اضطراب كبيرين حتى إنهم كانوا يطالبون بنزول العذاب عليهم إذ ذكر تعالى ذلك عنهم في غير آية من كتابه منها سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏ و منها وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ‏ و في هذا الشأن نزل قوله تعالى‏ وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ «2» أي عند سؤالهم إياه، «3» أو فعلهم ما يقتضيه كاستعجاله الخير لهم‏ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ‏ أي لهلكوا الهلاك العام و انتهى أجلهم في هذه الحياة، و قوله تعالى‏ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ أي لم نعجل لهم العذاب فنذر الذين لا يرجون لقاءنا أي لا يؤمنون بلقائنا و ما عندنا من نعيم و جحيم نتركهم في طغيانهم في الكفر و الظلم و الشر و الفساد يعمهون حيارى يترددون لا يعرفون متجها و لا مخرجا لما هم فيه من الضلال و العمى.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى (11) أما الآية الثانية

(12) فقد تضمنت بيان حقيقة و هي أن الإنسان الذي يعيش في ظلمة الكفر و لم يستنر بنور الإيمان إذا مسه الضر و هو

(1) قال القرطبي و هو صادق، كما زيّن لهذا الدعاء عند البلاء و الإعراض عند الرخاء زيّن للمسرفين في الشرك و المعاصي أعمالهم في ذلك.

(2) فسّر الشرّ بالعقوبة إذ الشر كل ما يلحق الضرر بالإنسان عاجلا أو آجلا، و العقوبة كلها شر إذ هي عذاب انتقام ينزل بصاحبه.

(3) قال مجاهد: هذه الآية نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب. اللهم أهلكه اللهم لا تبارك فيه اللهم العنه فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضى إليهم أجلهم. و لا أحسب أنّ الآية نزلت في هذا و إنما هي شاهد لما قال فقط، و شاهد آخر رواه البزار و أبو داود و هو قوله صلّى اللّه عليه و سلّم: (لا تدعوا على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم لا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من اللّه ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم).

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏2، ص: 454

المرض و الفقر و كل ما يضر دعا ربه على الفور لجنبه أو قاعدا أو قائما يا رباه يا رباه فإذا استجاب اللّه له و كشف ما به من ضر مرّ كأن لم يكن مرض و لا دعا و استجيب له و استمر في كفره و ظلمه و غيّه. و قوله تعالى‏ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ أي كما أن الإنسان الكافر سرعان ما ينسى ربه الذي دعاه ففرج ما به كذلك حال المسرفين في الظلم و الشر فإنهم يرون ما هم عليه هو العدل و الخير و لذا يستمرون في ظلمهم و شرهم و فسادهم. هذا ما دل عليه قوله تعالى‏ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ .

و قوله تعالى في الآية الثالثة وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا هذا خطاب لأهل مكة يخبرهم تعالى مهددا إياهم بإمضاء سنته فيهم بأنه أهلك أهل القرون من قبلهم لمّا ظلموا أي أشركوا و جاءتهم رسلهم بالبينات‏ «1» أي بالآيات و الحجج، و أبوا أن يؤمنوا لما ألفوا من الشرك و المعاصي فأهلكهم كعاد و ثمود و أصحاب مدين و قوله تعالى‏ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ‏ أي مثل ذلك الجزاء بالإهلاك العام نجزي القوم المجرمين في كل زمان و مكان إن لم يؤمنوا و يستقيموا.

و قوله تعالى‏ ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ‏ أي يقول لمشركي العرب من أهل مكة و غيرها، ثم جعلناكم خلائف‏ «2» في الأرض بعد إهلاك من قبلكم لننظر «3» كيف تعملون فإن كان عملكم خيرا جزيناكم به و إن كان سوءا جزيناكم به و تلك سنتنا في عبادنا و ما اللّه بغافل عما يعمل الظالمون.

هداية الآيات‏

من هداية الآيات: 1- مظاهر رحمة اللّه بعباده إذ لو عجل لهم ما يطلبون من العذاب كما يعجل لهم الخير عند ما يطلبونه لأهلكهم و قضى إليهم أجلهم فماتوا.

2- يعصي اللّه العصاة و يكفر به الكافرون و يتركهم في باطلهم و شرهم فلا يعجل لهم العذاب لعلهم يرجعون.

(1) أي: بالمعجزات الواضحات كالتي آتى بها موسى و عيسى عليهما السّلام.

(2) الخلائف: جمع خليفة و حرف ثم مؤذن ببعد ما بين الزمانين، و الأرض: هي أرض العرب إذ هم الذين خلفوا عادا و ثمودا و قبلهما طسما و جديسا.

صفحه بعد