کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير

المجلد الاول

مقدمة مقدمة الطبعة الثالثة

سورة البقرة

سورة آل عمران

سورة النساء

سورة المائدة

الفهرس

المجلد الثانى

سورة الأنعام

سورة الاعراف

سورة الأنفال

سورة التوبة

سورة يونس

سورة هود

سورة يوسف

فهرس المجلد الثاني

المجلد الثالث

سورة النحل

سورة الإسراء

سورة الكهف

سورة مريم

سورة طه

سورة الأنبياء

سورة الحج

سورة المؤمنون

سورة النور

سورة الفرقان

سورة الشعراء

فهرس المجلد الثالث

المجلد الرابع

سورة النمل

سورة القصص

سورة العنكبوت

سورة الروم

سورة الأحزاب

سورة الصافات

سورة الزمر

سورة غافر

سورة فصلت

سورة الشورى

سورة الزخرف

فهرس المجلد الرابع

المجلد الخامس

«خاتمة الطبعة الأولى و الثانية» «خاتمة الطبعة الثالثة» فهرس المجلد الخامس

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير


صفحه قبل

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏4، ص: 547

بألسنتهم و لا يطيعونه بجوارحهم، و ذلك لاستيلاء الشيطان و الغفلة عليهم‏

ثم واصل تعريف نفسه لهم ليؤمنوا به بعد معرفته و يكفروا بالآلهة العمياء الصماء التي هم عاكفون عليها صباح مساء فقال جل من قائل: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ‏ «1» الذي عرفكم بنفسه‏ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي لا معبود بحق إلا هو. و قوله: فَأَنَّى‏ «2» تُؤْفَكُونَ‏ أي كيف تصرفون عنه و هو ربكم و المنعم عليكم، إلى أوثان و أصنام لا تنفعكم و لا تضركم. فسبحان اللّه كيف تؤفكون‏

كَذلِكَ يُؤْفَكُ‏ أي كانصرافكم أنتم عن الإيمان و التوحيد مع وفرة الأدلة و قوة الحجج يصرف أيضا الذين كانوا بآيات اللّه يجحدون في كل زمان و مكان لأن الآيات الإلهية حجج و براهين فالمكذب بها سيكذب بكل شي‏ء حتى بنفسه و العياذ باللّه تعالى.

هداية الآيات:

من هداية الآيات: 1- بيان حقيقة و هي أن الضّدين لا يجتمعان فالكفر و الإيمان، و الاحسان و الإساءة و العمى و البصر و الصمم و السمع هذه كلها لا تستوي بعضها ببعض فمحاولة الجمع بينها محاولة باطلة و لا تنبغي.

2- قرب الساعة مع تحتم مجيئها و الأدلة على ذلك العقلية و النقلية كثيرة جدا.

3- فضل الدعاء و قد ورد أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع‏ «3» نعله.

و للدعاء المستجاب شروط منها: أن يكون القلب متعلقا باللّه معرضا عما سواه و أن لا يسأل ما فيه إثم، و لا يعتدي في الدعاء فيسأل ما لم تجر سنة اللّه به كأن يسأل أن يري الجنة يقظة أو أن يعود شابا و هو شيخ كبيرا أو أن يرزق الولد و هو لا يتزوج.

4- الدعاء «4» هو العبادة و لذا من دعا غير اللّه فقد أشرك باللّه.

5- بيان إنعام اللّه و إفضاله و المطالبة بشكر اللّه تعالى بحمده و الثناء عليه و بطاعته بفعل محابه و ترك مكارهه.

(1) الإشارة إلى اسم الجلالة في قوله‏ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ‏ الخ.

(2) فَأَنَّى‏ اسم استفهام عن الكيفية و أصله استفهام عن المكان ثم نقل إلى الحالة.

(3) تقدم تخريجه و أنه من سنن الترمذي و أنه صحيح الإسناد و شسع النعل: زمام للنعل بين الإصبع الوسطى و التي تليها يضرب به المثل في الفاقة يقال لا يملك شسع نعل.

(4) روي بإسناد لا بأس به من لم يسأل اللّه يغضب عليه و من لم يدع اللّه غضب عليه أيضا حسنهما ابن كثير في تفسيره.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏4، ص: 548

[سورة غافر (40): الآيات 64 الى 68]

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَ السَّماءَ بِناءً وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (66) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ فَإِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)

شرح الكلمات:

قَراراً : أي قارة بكم لا تتحرك فيفسد ما عليها من إنشاء و تعمير.

بِناءً : أي محكمة إحكام البناء فلا تسقط عليكم و لا يسقط منها شي‏ء يؤذيكم.

وَ صَوَّرَكُمْ‏ : أي في أرحام أمهاتكم فأحسن صوركم.

مِنَ الطَّيِّباتِ‏ : أي الحلال المستلذ غير المستقذر و هي كثيرة.

فَتَبارَكَ اللَّهُ‏ : أي تعاظم و كثرت بركاته.

فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ : أي أعبدوه وحده و لا تشركوا به شيئا في عباداته دعاء كان أو غيره.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏4، ص: 549

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ‏ : أي نهاني ربي أن أعبد الأوثان التي تعبدون.

وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ : أي و أمرني ربي أن أسلم له وجهي و أخلص له عملي.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ‏ : أي خلق أبانا آدم من تراب و خلقنا نحن ذريته مما ذكر من نطفة ثم من علقة.

ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ‏ : أي كمال أجسامكم و عقولكم في سن ما فوق الثلاثين.

وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ‏ : أي و منكم من يتوفاه ربه قبل سن الشيخوخة و الهرم.

وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى‏ : أي فعل ذلك بكم لتعيشوا و لتبلغوا أجلا مسمى و هو نهاية العمر المحددة لكل إنسان.

وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ : أي طوركم هذه الأطوار من نطفة إلى علقة إلى طفل إلى شاب إلى كهل إلى شيخ رجاء أن تعقلوا دلائل قدرة اللّه و علمه و حكمته فتؤمنوا به و تعبدوه موحدين له فتكملوا و تسعدوا.

يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ «1» : أي يخلق الإنسان و قد كان عدما، و يميته عند نهاية أجله.

فَإِذا قَضى‏ أَمْراً : أي حكم بوجوده.

فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ : أي فهو لا يحتاج إلى وسائط و إنما هي الإرادة فقط فإذا أراد شيئا قال له كن فهو يكون.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تعريف العباد بربهم سبحانه و تعالى حتى يؤمنوا به و يعبدوه و يوحدوه إذ كمالهم و سعادتهم في الدارين متوقفان على ذلك قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً أي‏ «2» قارة في مكانها ثابتة في مركز دائرتها لا تتحرك بكم و لا تتحول عليكم فتضطرب حياتكم فتهلكوا، و جعل السماء بناء محكما و سقفا محفوظا من التصدع و الانفطار و السقوط كلّا أو بعضا، و صوركم في أرحام أمهاتكم‏ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ «3» وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ‏ التي خلقها لكم و هي كل ما لذ و طاب من حلال الطعام و الشراب و اللباس و المراكب ذلكم الفاعل‏

(1) في قوله‏ يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ المحسن البديعى المسمى بالطباق.

(2) القرار مصدر قر إذا سكن و هو هنا من صفات الأرض لأنه خبر عن الأرض و المعنى أنه جعلها قارة «ساكنة» غير مائدة و لا مضطربة إذ لو لم تكن قارة لكان الناس في عناء شديد من اضطرابها و تزلزلها، و قد يفضي ذلك بأكثر الناس إلى الهلاك و هذا في معنى قوله: وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ‏ و من مظاهر قدرة اللّه تعالى و علمه و حكمته أن تدور الأرض في فلكها دورة منتظمة بدقة فائقة فلا تخرج عن مدارها مقدار شبر بل إصبع فسكنت و قرت و هي متحركة فسبحان اللّه العلي العظيم.

(3) فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏ الفاء للعطف و التعقيب و رزقكم فهاتان نعمتان عظيمتان نعمة الإيجاد و نعمة الإمداد.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏4، ص: 550

لكل ذلك اللّه ربكم الذي لا رب لكم سواه و لا معبود بحق لكم غيره. فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ أي خالق الانس و الجن و مالكهما و المدبر لأمرهما،

هو الحي الذي لا يموت و الانس و الجن يموتون لا إله أي لا معبود للعالمين‏ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏ أي اعبدوه وحده و لا تشركوا بعبادته أحدا قائلين‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ «1» أي حامدين له بذلك، هذا ما تضمنته الآيتان (64، 65)

و قوله تعالى: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ أي قل يا نبينا لقومك إني نهاني ربي أن أعبد الذين تدعون من دون اللّه من أصنام و أوثان لا تنفع و لا تضر و ذلك لما «2» جاءني البينات من ربي و هي الحجج و البراهين على بطلان عبادة غير اللّه و وجوب عبادته سبحانه و تعالى، وَ أُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ أي و أمرني ربي أن أسلم له فأنقاد و أخضع لأمره و نهيه و أطرح بين يديه و أفوض أمري إليه‏

و قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ‏ نظرا إلى أصلهم و هو آدم، ثم من نطفة مني ثم من علقة دم متجمد، ثم يخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا، ثم لتبلغوا أشدكم أي اكتمال أبدانكم و عقولكم بتخطيكم الثلاثين من أعماركم، ثم لتكونوا شيوخا بتجاوزكم‏ «3» الستين. و منكم من يتوفى أي يتوفاه اللّه قبل بلوغه سن الشيخوخة و الهرم و ما أكثرهم، و فعل بكم ذلك لتعيشوا و لتبلغوا أجلا مسمى و لعلكم تعقلون إذا تفكرتم في خلق اللّه لكم على هذه الأطوار فتعرفوا أن ربكم واحد و أنه إلهكم الحق الذي لا إله لكم سواه.

و قوله‏ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ يحيي النطف الميتة فإذا هي بعد أطوارها بشرا أحياء و يميت الأحياء عند نهاية آجالهم و هو حي لا يموت و الإنس و الجن يموتون و من أعظم مظاهر قدرته أنه يقول للشي‏ء إذا أراده كن فيكون و لا يتخلف أبدا هذا هو اللّه رب العالمين و إله الأولين و الآخرين وجبت محبته و طاعته و لزمت معرفته إذ بها يحبّ و يعبد و يطاع.

(1) إنشاء الثناء على اللّه تعالى بعد ذكر موجبات ذلك من نعمة الإيجاد و الإمداد و الهداية إلى الدين الحق بعبادة اللّه وحده كما هي السنة في تعقيب الحمد و الثناء على اللّه تعالى بعد كل نعمة ينعم بها على عباده.

(2) لما هذه يقال فيها التوقيتية أي حصل نهي عن عبادة غير ربي في الوقت الذي جاءتني البينات و في الآية تعريض بالمشركين إذ لم ينتهوا عن عبادة غير اللّه و قد جاءتهم البينات من ربهم.

(3) سن الشيخوخة هو ما بين الخمسين إلى الثمانين.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏4، ص: 551

هداية الآيات:

من هداية الآيات: 1- بيان مظاهر قدرة اللّه تعالى في الخلق و الإيجاد و الإرزاق و الإحياء و الإماتة و كلها معرفة به تعالى و موجبة له العبادة و المحبة و الإنابة و الرغبة و الرهبة و نافية لها عما سواه من سائر خلقه.

2- تقرير التوحيد و وجوب عبادة اللّه تعالى وحده لا شريك له.

3- بيان خلق الإنسان و أطوار حياته و هي من الآيات الكونية الموجبة للإيمان باللّه و توحيده في عبادته إذ هو الخالق الرازق المحيي المميت لا إله غيره و لا رب سواه.

[سورة غافر (40): الآيات 69 الى 76]

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)

مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)

شرح الكلمات:

يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ‏ : أي في القرآن و ما حواه من حجج و براهين دالة على الحق هادية إليه.

أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ : أي كيف يصرفون عن الحق مع وضوح الأدلة و قوة البراهين.

الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ‏ : أي بالقرآن‏

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏4، ص: 552

وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا : من وجوب الاسلام للّه بعبادته وحده و طاعته في أمره و نهيه و الإيمان بلقائه.

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ : أي عقوبة تكذيبهم.

إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ‏ : أي وقت وجود الأغلال في أعناقهم يعلمون عاقبة كفرهم و تكذيبهم.

ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ : أي يوقدون.

ثم يقال لهم أين ما كنتم: أي يسألون هذا السؤال تبكيتا لهم و خزيا.

تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ : أي تعبدونهم مع اللّه.

قالُوا ضَلُّوا عَنَّا : أي غابوا عنا فلم نرهم.

بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً : أي انكروا عبادة الأصنام، أو لم يعتبروا عبادتها شيئا و هو كذلك.

كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ : أي مثل اضلال هؤلاء المكذبين يضل اللّه الكافرين.

بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ : أي بالشرك و المعاصي.

وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏ : أي بالتوسع في الفرح، لأن المرح شدة الفرح.

فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ : أي دخول جهنم و الخلود فيها بئس ذلك مأوى للمتكبرين.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الدعوة إلى التوحيد و إلى الإيمان بالبعث و الجزاء، و تقرير نبوة محمد صلّى اللّه عليه و سلّم فقوله تعالى‏ أَ لَمْ تَرَ أي يا محمد إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي‏ «1» آياتِ اللَّهِ‏ القرآنية لإبطالها و صرف الناس عن قبولها أو حملهم على إنكارها و تكذيبها و التكذيب بها و هذا تعجيب من حالهم. و قوله تعالى: أَنَّى يُصْرَفُونَ‏ أي كيف يصرفون عن الحق بعد ظهور أدلته.

و قوله‏ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ‏ الذي هو القرآن‏ وَ بِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا من التوحيد و الإيمان‏ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ عاقبة تكذيبهم‏

وقت ما تكون‏ الْأَغْلالُ‏ «2» فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ‏ في أرجلهم يسحبون أي تسحبهم الزبانية

فِي الْحَمِيمِ‏

(1) و قيل هذه الآية نزلت في القدرية نفاة القدر و قيل في المشركين و العبرة بعموم اللفظ فهي عامة في المشركين و المكذبين المجادلين في آيات اللّه و أحاديث رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم لصرفها عن مراد اللّه إحقاقا لباطلهم و إثباتا لمذهبهم الفاسد.

(2) الْأَغْلالُ‏ جمع غل بضم الغين: حلقة من قد «جلد» أو حديد محيط بالعنق. سئل ابن عرفة هل يجوز أن يقاد اليوم الأسير و الجاني بالغل في عنقه؟ قال لا يجوز و إنما يقاد الجاني من يده لنهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الإحراق بالنار و قال إنما يعذب بالنار رب النار.

ايسر التفاسير لكلام العلى الكبير، ج‏4، ص: 553

هو ماء حار تناهى في الحرارة ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ «1» أي توقد بهم النار كما توقد بالحطب،

هذا عذاب جسماني و وراءه عذاب روحاني إذ تقول لهم الملائكة توبيخا و تبكيتا و تأنيبا و تقريعا:

أَيْنَ‏ «2» ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ‏ أي أين أوثانكم التي كنتم تعبدونها مع اللّه؟

فيقولون: ضلوا عنا أي غابوا فلم نرهم، بل ما كنا ندعو من قبل شيئا هذا إنكار منهم حملهم عليه الخوف أو هو بحسب الواقع أنهم ما كانوا يعبدون شيئا إذ عبادة الأصنام ليست شيئا لبطلانها.

و قوله‏ ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ‏ «3» فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏ أي حل بكم هذا العذاب بسبب فرحكم بالباطل من شرك و تكذيب و فسق و فجور، في الدنيا، و بسبب مرحكم أيضا و هو أشد الفرح‏

و أخيرا يقال لهم‏ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ‏ بابا بعد باب و هي أبواب الدركات‏ خالِدِينَ‏ «4» فِيها لا تموتون و لا تخرجون‏ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ أي ساء و قبح مثواكم في جهنم من مثوى أي مأوى.

هداية الآيات:

من هداية الآيات: 1- التعجيب من حال المكذبين بآيات اللّه المجادلين فيها كيف يصرفون عن الحق بعد وضوح أدلته و قوة براهينه.

2- إبراز صورة واضحة للمكذبين بالآيات المجادلين لإبطال الحق و هم في جهنم يقاسون العذاب بعد أن وضعت الأغلال في أعناقهم و السلاسل في أرجلهم يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون.

3- ذم الفرح بغير فضل اللّه و رحمته، و ذم المرح و هو أشد الفرح.

4- ذم التكبر و سوء عاقبة المتكبرين الذين يمنعهم الكبر من الاعتراف بالحق و يحملهم على احتقار الناس و ازدراء الضعفاء منهم.

(1) قال مجاهد يطرحون في النار فيكونون وقودا لها: يقال سجرت التنور أي أوقدته و سجرته ملأته ايضا و منه و البحر المسجور أي المملوء. و شاهد آخر في قوله تعالى‏ وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ* .

(2) الاستفهام بأين يكون عن المكان و أريد به هنا التنبيه على الغلط و الفضيحة في الموقف.

(3) ما مصدرية في الموضعين و التقدير أي ذلكم العذاب الذي وقعتم فيه مسبب على فرحكم و مرحكم الذين كانا لكم في الدنيا إذ الأرض المراد بها الدنيا.

صفحه بعد