کتابخانه تفاسیر
تبيين القرآن، ص: 351
[56] الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ يوم القيامة لِلَّهِ بدون أن يكون هناك من يزعم أنه مالك يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فيما اختلفوا فيه فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ يتنعمون فيها.
[57] وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ يهينهم و يذلهم.
[58] وَ الَّذِينَ هاجَرُوا من بلادهم فِي سَبِيلِ اللَّهِ لأجل الدين ثُمَّ قُتِلُوا قتلهم الكفار أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً في الجنة وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ .
[59] لَيُدْخِلَنَّهُمْ الله مُدْخَلًا محلا يدخلون فيه، و المراد به الجنة يَرْضَوْنَهُ وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ بأحوالهم حَلِيمٌ لا يعاجل الكفار بالعقوبة.
[60] ذلِكَ الأمر هو الذي قصصنا عليك وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ جازى من ظلمه بقدر ظلمه بلا زيادة ثُمَ بعد ذلك بُغِيَ عَلَيْهِ ظلمه الظالم ثانيا لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ بالانتقام من ظالمه فإن المسلمين إذا قاتلوا الكفار- حيث ظلمهم الكفار- ثم قتل الكافر أحدا منهم ينصره الله بالانتقام من قاتله في الدنيا و الآخرة، و الآية مربوطة بقوله (و الذين هاجروا) فإن المهاجرين ظلموا ثم إذا أرادوا الانتقام ظلمهم الكفار ثانيا بأن قتلوا كان الله ناصرهم إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ .
[61] ذلِكَ النصر للمسلمين بسبب أن الله قادر على كل شيء بدليل أنه يُولِجُ يدخل اللَّيْلَ فِي النَّهارِ بامتداد الليل وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ للأقوال بَصِيرٌ بالأفعال.
[62] ذلِكَ الوصف بالقدرة بسبب أن اللَّهَ هُوَ الْحَقُ و الإله الحق قادر على كل شيء وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ فلا يقدر على نصرة من عبده وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُ شأنا الْكَبِيرُ الذي لا أكبر منه.
[63] أَ لَمْ تَرَ دليلا على قدرة الله أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً بالنبات إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ في أفعاله خَبِيرٌ بتدبير خلقه.
[64] لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُ فلا يحتاج إلى إيمان أحد و عمله الْحَمِيدُ المحمود في أفعاله.
تبيين القرآن، ص: 352
[65] أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جعلها معدة لمنافعكم وَ سخر لكم الْفُلْكَ السفينة تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ يُمْسِكُ السَّماءَ ما فيها من الأجرام أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فإنه إذا أراد وقوع السماء على الأرض وقعت إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ هي فوق الرحمة رَحِيمٌ و من رحمته هيّأ لهم أسباب الراحة.
[66] وَ هُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ أعطاكم الحياة بعد أن كنتم جمادا ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ في العالم الآخر إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ جحود لنعمة الله عليه.
[67] لِكُلِّ أُمَّةٍ أهل دين جَعَلْنا مَنْسَكاً شريعة هُمْ ناسِكُوهُ عاملون بتلك الشريعة فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ بأن يقول أهل الكتاب و الكفار لما ذا تعمل هكذا، فإن الجواب إنّ كل أمة لهم شريعة، و هذه شريعتي وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ عبادته إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ أي أنك مستقيم.
[68] وَ إِنْ جادَلُوكَ في أمور الدين فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ فيجازيكم عليه.
[69] اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ أيها المسلمون و الكفّار يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من أمر الدين.
[70] أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ و منه أمر هؤلاء الكفّار إِنَّ ذلِكَ العلم مثبت فِي كِتابٍ هو اللوح المحفوظ إِنَّ ذلِكَ الثبت في الكتاب عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ سهل.
[71] وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً حجة تدل على جواز عبادته وَ ما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ فلا علم و لا دليل على صحة عبادته وَ ما لِلظَّالِمِينَ أنفسهم بالشرك مِنْ نَصِيرٍ يدفع عنهم العذاب.
[72] وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ واضحات تَعْرِفُ ترى فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ الإنكار لما تكره نفوسهم من الآيات يَكادُونَ يَسْطُونَ يبطشون بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا يقرءون لهم آيات القرآن قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُمْ أخبركم بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ من غيظكم على الذين يتلون، و (كم) للخطاب، هو النَّارُ في الآخرة وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ أي بئس النار مرجعا و محلا لهم.
تبيين القرآن، ص: 353
[73] يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ لأصنامكم فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً أي و لو شيئا صغيرا كالذباب وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ اجتمع كل الأصنام لخلقه وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً بأن يأخذ منهم شيئا فيطير لا يَسْتَنْقِذُوهُ لا يقدرون على إرجاعه مِنْهُ من الذباب، فقد كانوا يطلون أصنامهم بالعطر فيأتي الذباب فيلمسه فلا يقدرون على حفظ ذلك العطر و إرجاعه منه ضَعُفَ الطَّالِبُ العابد وَ الْمَطْلُوبُ المعبود.
[74] ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ما عظموه حق عظمته حيث أشركوا به إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌ و الأصنام لا قوة لها عَزِيزٌ بخلاف الصنم الذليل.
[75] اللَّهُ يَصْطَفِي يختار مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا إلى أنبيائه وَ مِنَ النَّاسِ رسلا إلى البشر إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بأقوالهم بَصِيرٌ بأفعالهم.
[76] يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ ما مضى و ما يأتي من أحوال الملائكة و الأنبياء عليهم السّلام وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ في يوم القيامة فيجازي الكل حسب عمله.
[78] وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ بما يلزم من الجهاد «1» هُوَ اجْتَباكُمْ اختاركم لدينه وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ من ضيق بل أحكامه سهلة مِلَّةَ اختار لكم طريقه أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ فإن دين إبراهيم عليه السّلام كان التوحيد، لا اليهودية و النصرانية و الشرك هُوَ الله سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ حيث قال إبراهيم عليه السّلام: (و من ذريتنا أمة مسلمة) «2» وَ فِي هذا أي القرآن لِيَكُونَ لام العاقبة أي اختاركم ليشهد الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ بالطاعة وَ ل تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ بأن بلغتم أوامر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ تمسكوا بدين الله هُوَ مَوْلاكُمْ وليكم و المتولي لأموركم فَنِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ الناصر.
(1) الجهاد: ممارسة الأمر الشاق و أصله من الجهد.
(2) سورة البقرة: 128.
تبيين القرآن، ص: 354
23: سورة (المؤمنون)
مكية آياتها مائة و ثماني عشرة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] قَدْ أَفْلَحَ فاز بخير الدنيا و الآخرة الْمُؤْمِنُونَ .
[2] الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ متذللون لله.
[3] وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ الذي لا فائدة فيه من قول أو فعل مُعْرِضُونَ لا يلتفتون إليه و لا يقاربونه.
[4] وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ مؤدون.
[5- 6] وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ زوجاتهم أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ إمائهم فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ لا يلامون شرعا إذا استعملوا فروجهم بالنسبة إلى زوجاتهم و إمائهم.
[7] فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ طلب غير ذلك المباح من الفرج فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ تعدوا حدود الله.
[8] وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ ما أتمنه الناس عندهم وَ عَهْدِهِمْ مع الله و مع الناس راعُونَ يرعون فلا يخونون و لا ينقضون.
[9] وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ فيؤدونها في أوقاتها.
[10- 11] أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ الجنة هُمْ فِيها في الفردوس خالِدُونَ دائمون.
[12] وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ خلاصة و صفوة مِنْ طِينٍ .
[13] ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً منيا، لأن الطين يتبدل نباتا ثم مأكلا ثم دما ثم منيا فِي قَرارٍ الرحم مَكِينٍ مستحكم محفوظ.
[14] ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً دما جامدا فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً قطعة لحم فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً بأن صلّبناها حتى صارت عظاما فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً أثبتنا اللحم على العظام ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خلقناه خَلْقاً آخَرَ بإعطاء الروح له فَتَبارَكَ اللَّهُ دام ذا خير أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فإن كل صانع لشيء يسمى خالقا.
[15] ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ المذكور من خلق الإنسان لَمَيِّتُونَ .
[16] ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ تحيون للحساب.
[17] وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ سماوات لأنها طرق الملائكة و الكواكب وَ ما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ بل ندبّرها و نعرف أمورها.
تبيين القرآن، ص: 355
[18] وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ بمقدار ما علمنا من الصلاح فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ جعلناه مستقرا فيها وَ إِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ بذلك الماء بالتصعيد إلى السماء أو الإعدام لَقادِرُونَ .
[19] فَأَنْشَأْنا خلقنا لَكُمْ بِهِ بالماء جَنَّاتٍ بساتين مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ لَكُمْ فِيها في تلك الجنات فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ تتعيشون.
[20] وَ شَجَرَةً عطف على (جنات) تَخْرُجُ مِنْ طُورِ جبل سَيْناءَ محل في أطراف مصر تَنْبُتُ تخرج بِالدُّهْنِ متلبسا بالدهن و هو الزيتون وَ ب صِبْغٍ أي إدام لِلْآكِلِينَ فإن الزيتون يكون إداما.
[21] وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ الإبل و البقر و الغنم لَعِبْرَةً اعتبارا دالا على وجود الله نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها من اللبن وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ كالركوب و الحمل و الجلد و ما أشبه وَ مِنْها من لحومها تَأْكُلُونَ .
[22] وَ عَلَيْها على الإبل في البر وَ عَلَى الْفُلْكِ السفينة في البحر تُحْمَلُونَ .
[24] فَقالَ الْمَلَأُ الأشراف الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ خاطبوا أتباعهم يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ يسودكم وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ إرسال الرسول لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً يؤدوا أحكامه إلى الناس ما سَمِعْنا بِهذا الذي يدعونا نوح عليه السّلام إليه فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ في الأمم الماضية.
[25] إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ جنون و كلامه صادر عن جنون فَتَرَبَّصُوا بِهِ انتظروا بنوح عليه السّلام حَتَّى حِينٍ يفيق عن جنونه أو حين يموت.
[26] قالَ نوح عليه السّلام: رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ بسبب تكذيبهم لي فلم يبق إلّا نصرك.
[27] فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا برعايتنا و إعانتنا لك وَ وَحْيِنا و تعليمنا لك فَإِذا جاءَ أَمْرُنا بعذاب القوم وَ فارَ التَّنُّورُ ارتفع الماء منه فَاسْلُكْ أدخل فِيها في السفينة مِنْ كُلٍ من أنواع الحيوان زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ذكر و أنثى وَ أدخل أَهْلَكَ عائلتك إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بإهلاكه مِنْهُمْ من أهلك: زوجته الطالحة و ولده الفاسق وَ لا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا لا تكلمني يا نوح في إمهال الكفار إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ يغرقون قطعا فلا مجال لإمهالهم.
تبيين القرآن، ص: 356
[28] فَإِذَا اسْتَوَيْتَ ركبت أَنْتَ وَ مَنْ مَعَكَ من المؤمنين عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بالشرك.
[29] وَ قُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي في السفينة مُنْزَلًا مُبارَكاً كثير الخير وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ .
[30] إِنَّ فِي ذلِكَ أمر نوح عليه السّلام و قومه لَآياتٍ عبرا لمن أراد الاعتبار وَ إِنْ مخففة من الثقيلة كُنَّا لَمُبْتَلِينَ مختبرين الناس لنجازيهم بما عملوا.
[31] ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي بعد قوم نوح عليه السّلام قَرْناً أمة، و لعله عاد قوم هود عليه السّلام آخَرِينَ .
[32] فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ من نفس قبيلتهم فقال لهم: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ عذاب الله.
[33] وَ قالَ الْمَلَأُ الأشراف مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ بأن أنكروا يوم القيامة وَ أَتْرَفْناهُمْ نعمناهم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ و البشر لا يكون رسولا.
[34] وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ فيما يأمركم به بزعم أنه من جانب الله إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ باتّباعه.
[35] أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُراباً صارت لحومكم ترابا وَ عِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ من قبوركم أحياء لأجل الحساب.
[36] هَيْهاتَ هَيْهاتَ بعيد بعيد لِما تُوعَدُونَ من الحياة بعد الموت.
[37] إِنْ هِيَ ما هي الحياة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا القريبة فقط نَمُوتُ وَ نَحْيا يموت قوم و يحيا قوم وَ ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ بمحيون بعد الموت.
[38] إِنْ هُوَ ما هو إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فيما ادعى من الرسالة وَ ما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ .
[39] قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عليهم بِما كَذَّبُونِ بسبب تكذيبهم لي.
[40] قالَ الله: عَمَّا قَلِيلٍ بعد زمان قليل لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ لتكذيبهم.
[41] فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ صاح بهم جبرئيل عليه السّلام فأهلكهم بِالْحَقِ حيث استحقوا العذاب فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً هو الذي يحتمله السيل من النفايات، شبهوا به في عدم الروح و عدم ترتب الفائدة عليه فَبُعْداً أي أبعدوا عن الرحمة بعدا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ .
[42] ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ جماعات أخر.
تبيين القرآن، ص: 357
[43] ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها بأن تموت قبل وصول أجلها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ بأن يصل وقت أجلها و لا تموت.
[44] ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا متواترين يتبع بعضهم بعضا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بعض الأمم بَعْضاً ببعض في الإهلاك وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ لم يبق منهم إلّا حكايات فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ .
[45] ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَ أَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا بأدلتنا وَ سُلْطانٍ حجة مُبِينٍ ظاهر.
[46] إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ أشراف قومه فَاسْتَكْبَرُوا عن الإيمان «1» وَ كانُوا قَوْماً عالِينَ متكبرين.
[47] فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ موسى و هارون عليهما السّلام مِثْلِنا وَ قَوْمُهُما بنو إسرائيل لَنا عابِدُونَ خاضعون فكيف نؤمن بمن لا قوم له.
[48- 49] فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ* وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التوراة لَعَلَّهُمْ لعل بني إسرائيل يَهْتَدُونَ .
[50] وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ المسيح عليه السّلام وَ أُمَّهُ آيَةً دالة على قدرة الله بالإيلاد من غير أب وَ آوَيْناهُما أسكناهما إِلى رَبْوَةٍ مرتفع من الأرض ذاتِ قَرارٍ استواء يستقر عليها الإنسان وَ مَعِينٍ ماء جار.
[51] و قد خاطبنا الأنبياء عليهم السّلام بقولنا: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً عملا صالحا إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ .
[52] وَ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً لأن المؤمنين في كل زمان بمنزلة أمة واحدة وَ أَنَا رَبُّكُمْ الواحد فَاتَّقُونِ اخشوا عقابي.
[53] فَتَقَطَّعُوا الأمم أَمْرَهُمْ أمر دينهم بَيْنَهُمْ زُبُراً كتبا يدينون بها كُلُّ حِزْبٍ فريق و جماعة بِما لَدَيْهِمْ من الدين فَرِحُونَ لظنهم أنه الحق و ما عداه باطل.
[54] فَذَرْهُمْ دعهم فِي غَمْرَتِهِمْ في جهالتهم حَتَّى حِينٍ يموتون حيث يعاقبون هناك.
[55] أَ يَحْسَبُونَ يظنون أَنَّما نُمِدُّهُمْ نعطيهم بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ .
[56] نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ نسارع لهم فيما فيه خيرهم، هل يظنون ذلك؟ بَلْ لا يَشْعُرُونَ إنه لأجل الاستدراج لا لأجل الخير.
[57] إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ خوف رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ خائفون.
[58] وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ يصدقون.
[59] وَ الَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ لا يجعلون له شريكا.